كتاب الجنايات
وهي: جمع جناية، وتعريفها:
التعدّي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالًا.
الجنيات ثلاثة أضراب: إمّا عمد، وإمّا شبه عمد، وإمّا خطأ.
قتل العمد
قتل العمد يختص القود به-والقود القصاص- إذا طلب وليّ
الدم ذلك.
تعريفه: أن يقصد من يعلمهُ آدميا معصومًا فيقتـلهُ
بمَا يغلبُ على ظنّه الموت به.
قتل العمد له تسع صور:
الصورة الأولى: أن يجرحهُ بما له نفوذ في البدن، ولو بما لا
يقتل غالبا كـ بإبرة صغيرة وشوكة وسكين.
الصورة الثانية: أن يقتله بمثقّل كبير كحجر ونحوه، أو يُلقي
عليه حائطا.
الصورة الثالثة: أن يُلقيه في نار أو ماء يُغرقه ولا يُمكنه
التخلّض منهما، الصورة الرابعة: أن يخنقه.
الصورة الخامسة: أن يحبسه ويمنع عنه الطعام والشراب
فيموت من ذلك في مدّة يموت منها
غالبا.
الصورة السادسة والسابعة: أن يقتله بسحر أو سم يقتل غالبا.
الصورة الثامنة: أن تشهد عليْه بيّنة بأمر يُـوجب عليه
القتل، ثم إذا قتل رجعوا وقالوا أردنا قتله.
الصورة التاسعة: أن يلقيه بجحر أسد أو نحوه.
شبه العمد
شبه العمد: أن يقصد جناية لا تقتل غالبا، لكن هذه الجناية تختلف عن العمد وهي أنّها لا تقتل في الغالب، ومع ذلك يموت منها المجنيّ عليه.
المذهب: أن أيّ شيءٍ له نفوذ ويجرح فهو يلحق بما
يقتل غالبا.
ومثال قتل شبه العمد: ضربه بسوط أو عصا فيموت منه فيكون هذا القتل
شبه عمد.
قتل الخطأ
الخطأ: أن يفعل ما لهُ فعلُه كرمي صيد ونحوه فيُصيب
آدميا، فهُنا ليس هناك قصد قتل، ولا تعمّد إصابة.
وعمد صبي ومجنون يدخل تحت الخطأ.
وقضيةُ أن يدّعي الإنسان أنه لم يقصد القتل أو أنه أخطأ
فلا يُـقبل منه حُكما حتى يُثبت أنه قصد
الطير أو نحو ذلك.
ويُقتل عدد بواحد، كما لو قتل ثلاثة واحدًا، وإن
حصل عفو من أولياء الدم فتجب دية واحدة .
ومن أكْـرهَ مكَلفا على قتلِ معيّن فالأول
مكرِه، والثاني مكلّف مكرَه اقتصّ من الاثنين؛ لأنّ الأول متسبب، والثاني
أراد أن يخلّص نفسه، ولو أكرهَه على أن يُكره به فعلى الجميع القود أو الدية.
ولو أمرَ به غير مكلفٍ فيقتصّ من الآمر، كذا
لو أمر من يجهل تحريم القتل أو كان الآمر سلطان ظلما-أمر من جهل ظلمه فيه- فإن
القصاص يلزم الآمر فقط.
وللقصاص أربعة شروط:
الأول: تكليف
قاتل، فلا بُدّ أن يكون بالغا عاقلًا، الثاني: عصمة مقتول، فلو كان حربيًّا فلا يقتص من أجله.
الثالث: أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني؛ بأن يُساويه في الدين والحرية والرق، فلو كان
أنقص فلا يُـقتل به كما لو قتل المسلم كافرا فلا يُقتل به.
الرابع: عدم الولادة، فلو كان القاتل أبا للمقتول، فلا يُقاد الوالد بولده كذلك الأم والجدة، ويُقتل الأبوين بكل واحدٍ من الأبوين المُكافئين وإن علوا.
باب استيفاء القصاص
وهو: فعل مجنيٍ عليه أو فعل وليّه بجان مثل فعله أو شبهه.
يشترط له ثلاثة شروط:
الأول: تكليف مستحق له-ورثة المقتول- فلا بدّ أن
يكونوا جميعا بالغين عاقلين، الثاني: اتفاقهم جميعا على القصاص، وهم: كل من ورِث المال، وليس لبعضهم أن ينفرد به، فإذا عفا بعضهم سقط، ومن لا وارث له فوليّه الإمام.
الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدّى إلى غير الجاني، كأن يكون القاتل امرأة حاملًا.
ويُحبس القاتل لقدوم غائب، وبلوغ صبي، وإفاقة مجنون.
ويجبُ استيفاء القصاص بحضرة حاكم، أو نائبه، وبآلة ماضية وإذا كان في
النفس فبضرب العنق بالسيف.
باب العفو عن القصاص
يجبُ إذا وُجدَ القتل العمد القود أو الدية فيُخير الولي بينهما، والعفو مجانا أفضل.
وإن اختار وليّ الدم القصاص أو عفا عنِ الدية فقط، فحينئذ له الدية، ولهُ الصلح على أكثر من الدية، وله أن يقتصّ أيضا.
ومتى اختار الدّية تعيّنت، ولا
يستطيع الرجوع إلى القصاص، ولو أسقطها وطلب العفو فيصح ويُقبل.
ولو عفا مطلقا ولم يحدّد
فتتعين الدية كذا لو هلك جانٍ فتتعين الدية.
ومن وكّل بطلب القصاص، ثم عفا-الأصيل- ولم يعلم وكيل
حتى اقتص فلا شيء عليهما.
وإن وجبَ لقنٍ قود أو تعزيرُ قذف فالذي يُطالب بالقصاص
العبد وليس السيد، وإن مات فلسيده
المُطالبة.
باب ما يوجب القصاص دون النفس
من أُقيد بأحدٍ في النفسِ أُقيد به، في الطرف وهو الذي له مفصل أو حد ينتهي إليه، والجراح وهي التي تنتهي إلى عظم، ومن لا يُقاد بأحدٍ في النفس فلا يجب القود هنا في الطرف والجراح.
ولا يجب القصاص فيما دون النفس إلّا بما يوجب القود في النفس وهو العمد المحض.
والقود فيما دون النفس نوعان:
النوع الأول: فيما دون الطرف، فيُؤخذ كل من عين وأنف وسن ونحوها بمثله
بشرط مماثلة وأمنٍ من
حيفٍ، وأن يكون القطع من مفصل كالمرفق والكفّ والكعب، أو له حد ينتهي القطع إليه.
ويشترط المماثلة في الاسم مثل: اليد، أو الموضع مثل: اليد اليسرى، واستواؤهما في الصحة والكمال، والمراد بالصحة أن يكون العضو المجنيّ عليه باقيا نفعه، فلا تُؤخذ كاملة الأصابع بناقصة، ولا عين صحيحة بقائمة، وتُؤخذ الشلاء وناقصة الأصابع للكاملة والصحيحة.
النوع الثاني: الجراح،ويُشترط للقصاص في الجراح شرط واحد فقط مع الشروط المُتقدمة، وهو: أن يجرح جرحا ينتهي إلى عظم، فلو جرحه جرحا بسيطا لا ينتهي إلى عظم فلا قصاص، كالموضحة، وجرح العضد، والساق والفخذ والقدم.
ولا يُقتص في غير ذلك من الشجاج والجروح إلّا كسر السن فيقتص فيه؛ لإمكان الاستيفاء منه بغير حيف، وإن كان الجرح أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة أي: فيقتص منه إلى أن يوضح العظم، والتهشيم هذا كله فيه أرش ويُسمونه الحكومة.
وسراية الجناية مضمونة، أي: إذا أسرى الإنسان على شخص وسرت الجناية إلى النفس فمات فمضمونة النفس فما دونها، ولا شيء في سراية القود.
ولا يجوز أن يقتصّ عن عضو وجرح قبل برئه، ويحرم أن تطلب لهما
الدية قبل البرء؛ لاحتمال السراية.
كتاب الديات
وهي: المال المؤدّى إلى مجنيٍ عليه أو وليّه بسبب جناية.
كلّ من باشر إتلاف إنسانٍ، أو تسبب بإتلافه لزمته ديته فإن كانت عمدا محضا فالدية تجب في مال الجاني خاصة، وشبه العمد والخطأ على
عاقلته وهم الذكور من عصبته.
من غصَب حرا صغيرا فنهشته حيّة، أو أصابته صاعقة فعليه الدية؛ لا إن مات بمرض أو
فجأة.
وإن غلّ حرا مكلفا وقيده فمات بالصاعقة أو الحية وجبت عليه الدية؛ لأنه معتدي في حبسه عن الهرب.
وإن أدّب الرجل ولده ولم يزد على المُعتاد، فتلف فإنه لا يضمن، وكذا إذا أدب الرجل المرأة بنشوز ولم يُسرف فليْس عليه الدية، ومعلم صبيّه وسلطان رعيّته
فلا ضمان بتلف من ذلك.
ومن أمَر مُكلفا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بصعوده أو نزوله فلا يضمن الآمر، وإن لم يكن المأمور مكلفا ضمنه بالدية؛ لأنه سبب إتلافه.
ودية الحر المسلم: مائة بعير، أو ألف مثقال ذهبا، أو أثنى
عشر ألف درهم فضة، أو مائتا بقرة أو
ألفا شاة، فيخيّر من عليه دية بين هذه الأشياء، فأيّها أحضر من تلزمه الدية لزم الوليّ قبوله.
ويجب في عمد وشبههِ من إبل ربع بنت مخاض، وربع بنت لبون، وربع حقة، وربع جذعة، وفي
الخطأ خمس
وثمانون من المذكورة وعشرون بنت مخاض.
ومن بقر نصف مسنة، ونصف تبيعات، ومن غنم نصف
ثنايا، ونصف أجذعة وتعتبر السلامة لا
القيمة.
ودية أنثى: نصف دية رجل من أهلها، وجراحها تسوى جراحه فيما
دون ثلث ديته؛ فما قبل الثلث
تتساوى به مع الرجل.
ودية كتابي: مثل دية المرأة المسلمة، ومجوسي ووثني
ثمانمائة درهم، ودية رقيق قيمته، ودية جنين حرة غرة: قيمتها عشر دية الأم.
وإن جنى رقيق خطأ أو عمدًا واختِير المال، أو أتلف
مالاً لغيرٍ خُيّر سيدٌ بين دفع الدية، أو أن يسلّم العبد لأصحاب الجناية فيبيعونه.
باب ديات الأعضاء ومنافعها
وكلُّ ما كان في الإنسان عضو واحد ففيه الدية كاملة، وما فيه اثنان فتنقسم الدية على اثنين
وهكذا.
وفي أصابع اليدين الدية كأصابع الرجلين وفي كلّ أصبع عُشر الدية، وفي كلّ أنملة ثلث عشر الدية، ودية الظفر خمس دية الأصبع إذا قلعه ولم يعد أو عاد أسودا، ودية السن نصف عشر الدية.
ويشترطُ لوجوب الدية الكاملة في إذهاب المنافع شروط:
الأول: أن تذهب كلها، الثاني: أن يُيْأس من عودها.
وتجب الدية كاملة بكل حاسة كما لو أذهبَ عقله أو سمعه أو بصره أو كلامه أو منفعة المشي أو
النكاح أو الشمّ أو الذوق.
وفي كلٍ من شعر الرأس والحاجب وأهداب العين واللحية الدية كاملة، وحاجب نصفها، وفي شارب
حكومة، وما عاد من هذه الشعور سقط ما فيه.
وفي عين الأعور دية كاملة، وإن قلعها صحيح، وإن قلع الأعور ما يماثل صحيحتهُ فدية كاملة
ولا قود.
والأقطعُ كغيره فإن قطعت يده الصحيحة ولو عمدًا فليس فيها
إلا نصف الدية فليس كالأعور.
باب الشجاج وكسر العظام
الشجة هي: الجرح في الرأس والوجه خاصة.
وفي الموضحة وهي: الجرح في الرأس أو الوجه يصل إلى
العظم، فهو بالخيار إما أن يقتص، أو يأخذ خمسة من الإبل.
وفي الهاشمة وهي: توضح العظم وتهشمه، عشر من الإبل
وليس له الخيار، وفي المنقلة
خمسة عشر من الإبل وهي
هاشمة وتنقل العظم.
وفي المـأمومة ثلث الدية كذا الجائفة وهي: الجرح الذي يصل للجوف، والدامغة وهي التي تصيب الدماغ وتخرق جلدة الدماغ.
وفي الحارصة وهي التي: تشق الجلد ولا تدميه، والبازلة وهي التي: تشق الجلد ويظهر الدم، والباضعة وهي التي: تشق الجلد وتقطعه، والمتلاحمة وهي التي: تقطع
الجلد وتغوص به ولا تصل للعظم، والسمحاق وهي التي: تصل لقشرة العظم، وكل هذه الأشياء فيها حكومة.
والحكومة: نقدر الشخص ما لو كان عبدا كم تنقص من قيمته.
وعاقلة الجاني: ذكور عصبته نسبا وولاء، ولا عقل على فقير وغير مكلف ومخالف لدين الجاني.
ولا تحمل العصّبة عمدًا، ولا عبدًا ولا صلحًا عن إنكار، ولا اعترافا-تنكره العاقلة-، ولا ما دون ثلث الدية.
ومن قتل نفسًا محرّمة غيرَ عمد أو خطأ أو شارك فيه فعليه كفارة وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين، ويكفّر عبد بالصوم.
باب القسامة
وهي: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم.
صورتها: لو وجِد رجلٌ مقتول بمكان سواء كان هذا القتل عمدا أم خطأ أم شبه عمد، واتّهُم بقتلهِ
قبيلة أخرى بسبب خلاف فإن تأكدوا من ذلك فيأتي
أولياؤه الذكور فقط ويحلفون خمسين يمينا
بأن فلانا قتل ولدنا، ويستحقونه، فإن نكلوا أو كانوا نساء، حلف المُدعى عليه خمسين يمينا وبرئ، فإن لم يحلف أولياء المقتول فليس لهم القصاص ويبرأ
الآخرون بأن يحلفوا هم.
كتاب الحدود
والحد تعريفه: عقوبات مقدّرة شرعا في معصية لتمْنَع من
الوقوع في مثلها.
ولا تجب الحدود إلّا على مُكلف عاقل ملتزم-وهو المسلم والذمي- بخلاف الحربي المستأمن فإنه ليس بمُلزم بأحكام الإسلام، ويشترط أن يكونَ عالما بالتحريم.
ولا يجوز أن يُقيمه إلّا إمام ونائبه، في غير مسجد ويحرم.
ويُضْرب الرجل قائما بسوط لا قديم ولا جديد ويكون عليه
قميص أو قميصان ليست من ثياب الشتاء، فلا يُجرّد من ملابسه ولا تكون عليه ملابس كثيرة بحيث لا يتألم.
ولا يُبدي ضارب إبطه، ويسنّ
تفريقه على الأعضاء، فلا يضرب
بمنطقة واحدة.
ويجب اتقاء وجوبا الوجه والرأس والفرج والمقتل؛ لأن
الضرب في هذه الأماكن له أثر وخيم.
وامرأة كرجل؛ إلّا أنها تُضرب جالسة لأن لا تنكشف، وتشدّ عليها ثيابها ويُمسك بيدها.
ولا يحفر لمرجوم، ومن مات وعليه حد سقط عنه.
وأشدّ الجلد في الحدود جلد الزنا، ثم القذف لأنه حق الآدمي، ثم جلد التعزير، ومن مات في حدٍ فالحقّ قتله.
حد الزنا
الزنا: فعل الفاحشة في قبل أو دُبرٍ، وهو من الكبائر العظام.
يُرجم زانٍ محصنٌ
حتى يموت، وغيره يُجلد مائة ويغرّب عامًا، والعبدُ نصفها، ولا يغرّب لحق سيده.
والمحصن هو: من و
طئ زوجته المسلمة أو الذمية في نكاح صحيح في قُبلها ولو مرّة وهما: بالغان حرّان عاقلان
وإذا زنى رجلا أو امرأة وكان غير محصنا جلد مائة وغرب عاما، إلى مكان يراه الإمام، والرقيق خمسين جلدة ولا يُغرب، وحد اللوطي كزان سواء كان فاعلا أو مفعولا به.
شروط حد الزنا ثلاثة:
الأول: تغييب حشفة أصليّة في فرج أصلي لآدمي ولو دبرًا.
الثاني: انتفاء الشبهة، كما لو قال ظننتُها زوجتي فهي
شبهة تدرأ عنه الحد.
وإذا أُكرهت المرأة على الزنا فلا تُحد بخلاف الرجل فإنه يُحد.
الثالث: ثبوته، ولا يثبت إلا بأحد امرين: شهادة أربع رجال عدول في مجلس واحد بزنا
واحدٍ مع وصفه-وصفا دقيقا-، أو إقراره أربع مرّات مع ذكر حقيقة الوطء بلا
رجوع؛ لأنّ رجوعه شبهة.
وإن حملت امرأة بلا زوج فلا تحدّ بمجرد ذلك؛ لأنه يُحتمل أنه من وطءِ إكراه أو شبهة، والرواية الثانية: أنها تُحد.
حد القاذف
وهو الرّمي بزنا أو لواط أو شهادة بأحدهما ولم تكمل البينة.
إذا قذف المكلّف بالزنا محصنا جلد ثمانين جلدة، ورقيق نصفها، بشرط أن يكون القاذف: مكلفا عاقلا مختارا وألا يكون والدا للمقذوف.
وقذف من الذي تخلف عنه أحد شروط الإحصان يوجب التعزير.
والمُحصن في القذف: الحر المسلم العاقل العفيف، الملتزم، الذي يجامع مثله.
وصريح القذف: ما لا يتحمل غيره، مثل: يا زاني، يا لوطي ونحو ذلك، وكنايته: يا فاجرة، يا خبيثة ونحو ذلك، وإن فسّره بغير القذف قبل منه.
وإن قذف أهل بلدٍ او جماعة وهم الكثيرون عرفا ولا يتصور منهم الزنا، فليس عليه وإنما يُعزّر.
ويسقط حد القذف بالعفو، وتصديق المقذوف للقاذف، كذا إن أقام القاذف بينة، ويسقط باللعان إذا كانت زوجته، ولا يُستوفى حد القذف بدون طلب المقذوف؛ لأنه حقه.
حد المسكر
كلّ شراب أسكره قليله فكثيره حرام، وكل مسكر خمر ويدخل في ذلك الجمادات، ولا يبَاح شربه إلّا لدفع لقمة غصّ بها، لم يحضره غيره، ويخشى أنه إذا لم يتناول هذا المسكر يتلف ويموت.
وإذا شرب المسلم المكلف الخمر مُختارا عالما أنّ كثيره يُسكر فيجب عليه الحد، ثمانون جلدة مع الحرية، وفي رواية: أربعون جلدة.
ويثبت بإقرارهٍ مرة كقذف، فلو أقرّ أنه شرب الخمر مرة واحدة يُـقام عليه الحد.
باب التعزير
وهو: التأديب.
كلُّ عقوبة لم يقدّر فيها الشارع عقوبة معيّنة
ففيها التعزير.
فتجبُ لكل معصية لا حد فيها ولا كفّارة، ومرجعه لاجتهاد الإمام، ويحرم أن يزاد فيه على عشر جلدات.
حد السرقة
وهي أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه.
إذا أخذ المُلتزم مسلما كان أو ذميا نصابًا من حرز مثله من مال معصوم لا شبهة فيه على وجه الاختفاء قطع.
فلا قطع على منتهب وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة، ولا مُختلس وهو الذي يخطف الشي ويمر به، ولا غاصب، ولا خائن في وديعة، أو عارية أو غيرها.
والمذهب أن من جحد العارية يقطع.
يُقطع السارق بثمانية شروط:
الأول: السرقة وهي أخذ مال معصوم خفية، الثاني: كون السارق مكلفًا مختارًا عالمًا بتحريمه، الثالث: كون المسروق مالًا محترمًا.
الرابع: كونه نصابا وهو: ثلاثة دراهم فضّة، أو ربع
مثقال ذهب أو ما كان قيمته كأحدهما.
الخامس: إخراجه من حرز مثله-وحرز كل مال ما حُفظ به عادة-.
السادس: انتفاء الشبهة، فلا يُقطع بالسرقة من مال أبيه، ولا من مال ولده، ولا أحد الزوجين من مال الآخر.
السابع: ثبوت
السرقة بشهادة عدلين أو إقراراه مرتين، الثامن: أن يُطالب
رب المال به-بالمال أو الحد- أو وكيله أو وليه.
فإذا وجب الحد قُطعت يده اليمنى من مفصل كفه، وحسمت-في
زيت مغلي لتنسد أفواه العروق-،
فإن عاد للسرقة قُطعت رجله اليسرى من مفصل
كعبه وحسمت، فإن عاد حبس حتى يتوب
أو
يموت.
ومن سرق ثمرا أو ماشية من غير حرز غرم قيمته مرتين، ولا يُقطع بزمن المجاعة فيعتبرونها شبهة.
حد قطاع الطرق
وهم: الذين يَعرُضون للناس بالسلاح ولو عصا فيغصبونهم المال المحترم مُجاهرة.
أحكام قطاع الطريق
الحكم الأول: القتل مع أخذ المال، من قتل مكافئا أو ولده وأخذ المال قتل وجوبا لحق الله، ثم يصلب حتى يشتهر.
الحكم الثاني: إن قَتل ولم يأخذ المال قُتل حتما ولم يُصلب.
وإن جنوا على الناس بما يوجبَ القود في الطرف فيجبُ أن يستوفيه الحاكم، والمذهب: أنه لا يتحتّم استيفاؤه ويكون مرجعهُ إلى المجني عليه.
الحكم الثالث: إذا أخذوا من المال ما يبلغ قيمته نصابا قطع من كل واحد منهم يدُه ورجله من خلاف وحسمت.
الحكم الرابع: إن أخافوا السبيل فقط، ولم يُصيبوا نفسا ولا مالا نُفوا وشرّدوا.
وشرط ثبوتُ ذلك بالبيّنة-الشهود، أو إقرار مرّتين.
ومن تاب منهم قبل القُدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى،
وأخِذ بحقّ الآدمي؛ إلّا أن يعفى له عنها.
وحق الله: النفي وقطع اليد والرجل من خلاف، وحقوق الآدميين: القتل وقطع الأطراف وأخذ المال.
ومن وجب عليه حد لله فتاب قبل ثبوته سقط، فلا يلزم كل من ارتكب حدًّا أن يذهب للقاضي ليقيم
عليه الحد.
ولو صالَ عليكَ إنسان يريد قتلكَ أو مالكَ أو أهلكَ ولم يندفع إلّا
بالقتل قُتل ولا ضمان، ويلزم على الإنسان الدفع عن نفسه وحرمته دون ماله فلا يجب أن يدفع عنه.
باب قتال أهل البغي
البغاة هم: هم الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام المعتدون عليه.
والبغاة هم ذو شوكة يخرجون
على الإمام بتأويل سائغ، وإن كان ليس سائغا فهم
قطاع طرق.
فيلزم الإمام مُراسلَتهم ويسألهم عن سبب خروجهم ليَفهم شُبهتهم، وإزالة ما
يدّعونه من شبهة ومظلمة فإن فاءوا فبها؛ وإلّا
قاتلهم قادر، وتجب على رعيّته معونته.
باب حكم المرتد
والمرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه.
من زعم أن لله شريكا، أو جحد ربوبيته، أو سب الله ورسوله، أو جحد صفة من
غير تأويل، أو أنكر كتابا أو رسولا أو ملكا أو إحدى العبادات الخمس، أو حكما ظاهرا
مجمعا عليه كفر.
فمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار دُعيَ إلى الإسلام ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلّا قتل.
ولا تقبل ظاهرا-في الدنيا-توبة ممّن سب الله أو رسوله لحق
الله ولحق رسوله.
وإذا تكرّرت ردّتُه فلا تُقبل منه توبة، ولا من منافق لأننا لا نأمن أن توبته نوع من نفاقه، ولا من ساحر يكفر بسحره وكذا الذي يَعبُد الجن ويتقرّب لهم.
وشروط صحة التوبة: إقلاع وندم وعزم على عدم العودة وردّ
المظلمة، لا استحلال من غيبة وقذف، ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به.
أحكام الأطعمة
الأطعمة: كلّ ما يؤكل ويشرب، والأصل فيها الحل إلا ما ورد الشرع بتحريمه.
يُباح كل طعامٍ طاهرٍ لا مضرّة فيه، فحرم نجس كدم وميتة، ومضر كسمٍ.
وحرم من حيوان بر الحمر الأنسية، وما له ناب يفترس كأسد ونمر ونحوه-لا ضبع-، وما له مخلب من الطيريصيد به، وما يأكل الميتة، وما تستخبثه العرب ذووا اليسار، وما تولّد من مأكول وغيره
كالبغل، وما عدا ذلك فهو حلال.
ويباح حيوان البحر سوى ضفدع والتمساح والحية.
ومن اضطر إلى محرّم أكل وجوبا، وضابط الاضطرار: أن يخاف التلف إن لم يأكل، فيأكل ما يسدّ رمقه، غير سمٍّ.
ومن اضطر إلى نفع مال الغير وسيهلك إلى إن لم ينتفع له، مع بقاء عينه كثوب أو حبل وجب على من يملك هذا المال أن يبذله لمن اضطر إليه مجانا.
ويلزمُ مسلم ضيافة المسلم المسافر، فلا حقق للحاضر، إن كان في قرية
يوما وليلة قدر كفايته، وتسنّ: ثلاثة أيام.
باب الذكاة
وهي: ذبح أو نحر الحيوان المأكول البري بقطع حلقومه ومريئه، أو عقر ممتنع، إذا تعذّر قطع الحلقوم والمريء.
لا يباح حيوان يعيش في البر ونحوه إلّا بذكاة
باستثناء السمك والجراد ونحوه.
شروط الذكاة:
الشرط الأول: كون
الذابح أهلا للذبح وهو: العاقل ولو مميزا وكونه مسلما أو كتابيا، وأن يكون قاصدا التذكية، فلا تباح ذكاة سكران ومجنون لعدم القصد.
الشرط الثاني: الآلة وهي كل محدد ولو مغصوبا من حديد وحجر وغيره؛ غير سن وظفر.
الشرط الثالث: قطع الحلقوم والمريء، والحلقوم: مجرى النفس، والمريء: مجرى الطعام والشراب، ويسن قطع الأوداج ولا يجب.
وما عجز عنه كواقع في بئر ومتوحّش ومتردٍ يكفي جرحه حيث كان.
الشرط الرابع: قول بسم الله عند تحريك يده، ولا يجزئه غيرها، وتسقط سهوا لا
جهلا.
وكره أن يذبح بآلة غير حادة، وأن يحدّها بحضرة الحيوان، وسلخ قبل زهوق
الروح، ونفخ لحم للبيع.
وسن توجيهه إلى القبلة على الشق الأيسر ورفْق به
وتكبير.
باب الصيد
وهو: اقتناص حيوان حلالٍ متوحش طبعا عير مقدور عليه ولا
مملوك.
الأصل في الصيد أنه مباح، ويكره إن كان لهوا، ويحرم إذا كان فيه ظلم للناس بالعدوان على أموالهم وزروعهم.
شروطه:
الأول: كون صائد
من أهل الذكاة، الثاني: الآلة، وهي نوعان، الأول: الحادة ويشترط فيها ما يشترط بآلة الذبح، ويشترط أن تقتل الصيد بحدها لا بثقلها، والنوع الثاني: الجارحة، وهو الكاسب، فيباح ما قتلته الجارحة إن كانت معلمة، وحتى تكون السباع معلَّمة يُشترط فيها: أن
يسترسِل إذا أُرسل، وإذا زجرَ أن
يرجِع، وإذا أمسك لا يأكل، ولا يضرّ أكل الطير الجارح إذا أمسك.
الثالث: إرسال الآلة قاصدا، فلو استرسل جارح بنفسه فقتل صيدا لم يحل، الرابع: التسمية عند الإرسال ولا تسقط بحال، وسنّ تكبير معها.
ومن اعتق صيدا أو أرسل بعيرا أو غيره لم يزل مُلكه عنه.
كتاب الأيمان
وهي: توكيد الحُكم المحلوف عليه بذكر معظّم على
وجهٍ مخصوص.
تحرم الأيمان بغير الله، ولا كفارة فيها، فتحلّ بالله أو صفة من صفاته أو بالقرآن فمن حلف وحنث وجبت عليه
الكفارة.
شروط وجوب الكفارة:
الأول: قصد عقد اليمين، فاليمين الذي يجري على
اللسان بغير قصد لا كفارة فيه وهو يمين اللغو.
الثاني: كونها على مستقبل، فلا تنعقد على ماض كاذبا عالما بكذبه
وهي الغموس ولا كفارة فيه
وعليه إثم، ولا كفارة على من علّق
الحنث على فعل مستحيل .
الثالث: كونه حالفا مختارًا، فلا يُكفّـر من حلف
مُكرها.
الرابع: الحنث في يمينه، أي: المخالفة بفعل ما حلف على تركه، أو
تركِ ما حلَـف على فعله، بشرطِ أن يكون مختارا عالما ذاكرا.
ويجبُ الحنث إن كانت اليمين على فعل محرّم،
ويجب البرّ إن كان اليمين على فعل برٍّ ويحرم
الحنث.
وإن حرّم حلالا-غيرَ زوجة- لم يُحرّم وعليه كفارة
يمين إن فعله.
وتجب الكفارة فورا بحنث وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم-كسوة
تصح فيها صلاة فرض-، أو عتق رقبة فإن عجز فينتقل لصيام ثلاثة أيام متتابعة.
ومن لزمته الواجب فيها واحد فعليه كفارة واحدة، ولو كانت على أفعال متعددة، فتتداخل ويجب عليه كفارة واحدة.
ويُرجع في اليمين إلى نيّة الحالف
بشرط أن يكون ليس ظالمًا ولفظه يحتمل النية، فإن لم يكن عنده نية فالسبب وما هيّجه،
فإن لم يكن عنده سبب فنلجأ إلى التعيين، هل عيّن
بلفظه شيئا معيّنا؟، فإن لم يُعيّن فنرجع إلى ما يتناوله الاسم والأسماء لها ثلاثة معاني: شرعية، وحقيقية أي: لغوية، وعرفية، فما له معنى شرعي ومعنى لغوي كالصلاة فالمطلق في اليمين ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح، فإن لم يكن له معنى شرعي فننتقل إلى المعنى العرفي، لكن المؤلف قدم اللغوي، فالمذهب: الشرعي فالعرفي فالحقيقي.
والحقيقي: نسبة إلى الحقيقة وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا، والعرفي: ما اشتهر مجازه فغلب على الحقيقة.
باب النذر
وهو: إلزام مكلف مختار نفسه بأمر ليس لازما عليه
بأصل الشرع.
والنذر: مكروه، ويشترط لصحته: التكليف والاختيار والقول وألا يكون المنذور محالا.
وهو أنواع:
الأول: النذر المطلق، كقوله: لله علي نذر إن فعلت كذا، وأطلق ولم يعيّن
ولم ينو، وتجب عليه كفارة يمين إن فعله.
الثاني: نذر اللجاج والغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق أو التكذيب، كقوله: إن
كلمتك فعليي كذا، فيُخيّر بين فعله وكفارة
يمين.
الثالث: نذر مباح، كقوله: لله علي أن أُعشّى فلانا أو ألبس الثوب، فيخير
بين الفعل وبين كفارة اليمين.
الرابع: نذر مكروه، كقوله: لله علي أن أطلق، فإمّا أن يفعل
وإمّا أن يُكفّر كفارة يمين والتكفير أولى.
الخامس: نذر
المعصية، كشرب الخمر، فيَحرم الوفاء ويلزمه التكفير.
السادس: نذر التبرر، كصلاة وصيام بقصد التقرب مطلقا، أو معلقا
بشرط: إن شفى الله مريضي فلله
علي كذا، فإن وُجِد الشرط فيلزمُ
الوفاء به.
ويشترط في النذر حتى يكون نذر تبرر: ذِكر المنذور، وكونه طاعة، وألا يكون سببه اللجاج والغضب.
ومن نذر التصدّق بكلِّ ماله أجزأه ثُـلثه، أو صوم شهر ونحوه
يلزمه التتابع؛ لا إن نذر أيامًا كقوله: لله علي أن أصوم ثلاثين يوما، فلا يلزمه التتابع.
ويسنّ للإنسان الوفاء بالوعد، وحرم الوعد بلا استثناء أن يقول: إن شاء الله.
كتاب القضاء
وهو: تبيين الحُكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات.
وهو فرض كفاية كالإمامة.
ينصبُ الإمام بكل إقليم قاضيًا، والقاضي ينصب له مُعاونين، ويختارُ الإمام أفضل من يجدهُ علمًا وورعًـا، ويأمرهُ
بالتقوى وتحرّي العدل، ويكره على المذهب طلب القضاء.
ويُشترط لصحة التولية: 1- أن تكون من الإمام أو نائبه في القضاء، 2- أن يعرف الإمام أو نائبه أن المُولى صالح القضاء، 3- أن يعيّن له المكان الذيي يقضي فيه وما هي القضايا التي ينظر فيها، 4- مشافهته بالولاية.
وإذا تعيّن القاضي وكانت
ولايتُه عامّة فتفيد الفصل بين الخصوم، وأخذ الحق ودفعه لربه، والنظر
بأموال اليتيم والمجنون
والسفيه والغائب، والأوقاف الموجودة وغير ذلك، وتنفيذ الوصايا، وإقامة الحدود.
وإن كانت خاصّة فيكون عملُه بما عيّن له ولا ينظر بغير ما حُدّد
له.
ويجوز أن يعيّنه عمومَ النظر بالأحكام
وعموم النظر بالبلاد أو بأحدهما.
وشرط كون قاض: بالغا عاقلا ذكرا حرا مسلما عدلا سميعا بصيرا متكلما مجتهدا في الأحكام اجتهادا مطلقا وإلّا ففي مذهب إمامه.
وإن حكّم اثنان بينهما رجلا توفرت فيه شروط القضاء نفذ حُكمه في كل ما ينفذ حكم قاض ولّاه إمام، وليس لهما الرجوع بعد تحكيمه ويصح قبله.
باب آداب القاضي
سن كون القاضي قويًا بلا عُنف لئلا يهابه صاحب الحق، ولينًا بلا ضعف لئلا يطمع فيه الظالم، حليما ذا تؤدة وتأني، وشدّة انتباه.
ويجبُ عليه العدل بين المُتحاكمين في لفظه-كلامه-، وفي لحظه-نظره-، وفي مجلسه ودخول
عليه، فيدخلان معا، ويقدّم المسلم على الكافر.
ويحرم القضاء وهو غضبان، أو حاقن، أو في شدة جوع أو عطش أو هم
أو برد أو حر ونحوه، لأنّ ذلك يشغل الفكر عن الوصول إلى الحق، وإن حكمَ في هذه الأحوال فأصاب الحق نفذ حكمه.
وحرم على القاضي قبول رشوة وهدية إلّا من كان يُـهاديه
قبل ولايتهِ، وليس لهذا الذي يهدي له
خصومة.
ولا ينفذُ حكم القاضي على عدوه، ولا لنفسه، ولا لمن
لا تقبل شهادة له؛ لأنه متهم في كل هذا.
ومن استدعى القاضي على شخص-اشتكى عليه- في البلد بما
تتبعه الهمّة لزمهُ إحضاره غير
برزة وهي: المرأة التي ليس من عادتها أن تبرز للرجال، فتوكّل من
يقوم بالحضورعنها كمريض وغيره، وإن احتاجَ يمينَها
فيُرسل إليْها من يسمع يمينها في بيْتها؛ لأنه لا يصح التوكيل في اليمين.
باب طريق الحكم وصفته
إذا حضر إلى القاضي خصمان سن جلوسهما بين يديه، ويسألهما أيّكما المُدّعي؛ فإن سكت القاضي حتى يبدأ أحدهما جاز، فمن سبق بالدعوى قدّمه فإن أقرّ بالدعوة التي ادعيت عليه حكم له عليه بسؤال مدع الحكم.
وشرط كون مدعٍ ومُنكِرٍ جائزي التصرّف، وتحرير الدعوة-بيانها- وعِلم مدع به إلّا فيما نصححه مجهولا كالوصية، وإن ادّعى عقدًا ذكر شروطه أو وارثا
ذكرً سببه، أو محلا بأحد
النقدين قوّمه بالآخر.
وإذا حرر المدّعِ دعواه-بيّنها-فإن أقرّ الخصم حكم عليه بسؤال
مدّعٍ.
وإن لم يُقر وأحضر المُدعي الشهود فيحكمُ على المدعى
عليه بالبينة.
وإن أنكرَ ولا بيّنة مع المدّعي فقول المدّعى عليه بيمينه ولا شيء عليه، ولا يستحلفُ القاضى المُدّعى عليه إلّا إذا طلب مدعٍ، وإن نكل عن اليمين قَُضي عليه بسؤال المدّعي، فإن حلف المنكر خلّي سبيله، ثم إن أحضر المدّعي بيّنة سمعها القاضي وحكم بها ولم تكن اليمين مُزيلة للحق.
ولا يحكم بالنكول إلا بالمال وما يُراد به المال.
ويُستحلف في كل حق آدمي فقط –المتعلقة بالمال-، ويُلجئ
إليه إن عدم الإقرار والبينة، أما في
حقوق الله
فلا يوجّه إليه فيها يمين.
ويُستحلف في كل حق آدمي سوى النكاح والرجعة ونسب
ونحوه-لأنا لا نتوجه إليه بيمين إلا
بما نقضي عليه بالنكول-
واليمين المشروعة: بالله وحده أو بصفة من صفاته .
وشرِط في بيّنة الشهود: العدالة الظاهرة، وفي غير عقد
النكاح الباطنة أيضا، وإن جرح الخصم الشهود فلا يُقبل منه إلا ببينة ويُنظر ثلاثة أيام.
وإذا جُهل حال الشهود طلب القاضي من المُدّعي تزكيتهم، وشرط في مزكي
الشهود معرفة العدالة وما يجرحها، ومعرفتهم معرفة باطنة، ومعرفة حاكم عدالته-أي المزكي-
الباطنة.
وتُقدّم بينة جرح لأنّ الذي يجرح جاء بحكم زائد فتقدم
على التعديل، ولا يقبل في التزكية وفي الجرح ونحوه إلّا رجلان.
ومن ادّعى على غائب مسافة قصر أو مستتر في البلد أو ميّت أو
غير مكلف وللمدّعي بينة
سمِعت وحكم بها في غير حق
الله، ولا تُسمع على غيرهم حتى يحضر.
ولو رفع للقاضي حُكْم ولا يرى الحُكم الذي رفع إليه، فإن كان
مختلفا فيه فلا يُنقض، وإن كان متفقا على بطلانه فينقُضهُ.
ويُقبل
كتاب القاضي إلى القاضي لينفذ الحُكم في كل حق آدمي، وإن كان لم يحكم الأول وإنّما كتب
الشهادات للقاضي الثاني ليَحكم فإن كانا في بلد واحد فلا يصح وإن كانا في بلدين فُيقبل.
باب في القسمة
وهي: تمييز بعض الأنصباء عن بعض.
تنقسم إلى: قسمة التراضي، وقسمة الإجبار.
قسمة التراضي: هي التي لا تكون إلّا بضرر أو رد عرض.
فإذا اشترطْنا الرضا فهي قسمة التراضي وهي:
إذا كان الشيء الذي سيُقسم لا يتمّ إلّا بوقوع ضرر على الطّرفين، أو أن
يرد أحد الطرفين على الآخر عوضا، وهي بيع يشترط فيها ما يشترط في البيع.
فإن كانت كذلك فلا يُجبر من امتنع من قسمتها؛ لأن فيها معاوضة وفيها ضرر.
قسمة الإجبار: هي ما لا ضرر فيها، كمكيل ودور كبار، ويقْسم حاكم
على غائب بطلب شريك أو
وليّه، وهي: إفراز لا بيع، ولا ضرر
فيها على الغائب، فلا يشترط فيه التراضي.
ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم، وبقاسمٍ ينصبونه، أو يسألوا الحكم نصبه.
وشرط كون قاسم مسلمًا وأن يكون عدلًا عارفًا بالقسمة، وإذا اقتسموا واقترعوا لزمت القسمة.
كتاب الشهادات
وهي: إخبار الإنسان بما علمه بلفظ خاص كأشهد.
ولها حكمان: حكم في التحمّل، وحكم في الأداء.
تحمل الشهادة: المراد بها التزام الإنسان بها، وهي حالة حفظ الشاهد ما يُشاهده أو يسمعه، ولا تحتصّ مجالس الحكام.
تحمّلها في حقوق الآدميين فرض
كفاية؛ لأنه إذا امتنعَ الناس من تحملها ضاعتْ حقوق الناس.
وأداؤها بعد التحمّل فرض عيْن مع القدرة بلا ضرر.
ومن عنده شهادة لآدميٍ يعلمها فلا يحل له أن يكتمها عنه.
وحرُم أخذُ أجرةٍ وجُعل
عليها، لا أجرة مركوب، فلهُ
أخذ أجرة مركوب لمتأذ بمشيٍ.
ويحرمُ أن يَشهد بما لا يعلم، ويكون العلم بالرؤية أو السماع، أو استفاضة فيما يتعذر علمه بدونها.
ويكون
العلم استفاضة بشرط: أن يكون عن عدد يقع به العلم-أي التواتر-فيما
يتعذّر علمه
غالبا بغيرها، كنسبٍ وموت ونكاح وطلاق ووقف ومصرفه.
واعتُبر ذكرُ شروطِ مشهود به، فمن شهد بنكاح وغيره من العقود فلا بدّ من ذكر شروطه؛ لئلا يظنّ ما ليس بنكاح أنه نكاح أو ما ليس ببيع أنه ببيع، فلا بد من ذكر الشروط.
ويجبُ إشهاد في عقد النكاح، ويسن في غيره، ويذكر الشاهد كلّ ما يُعتبر للحكم.
وشرط في شاهدٍ: إسلام وبلوغ وعقل ونطق، لكن
تُقبل من أخرس بخطّه، وممّن يفيق في حال
إفاقته.
ويُشترط في شاهدٍ: عدَالة ويُعتبر لها شيئان: الصلاح في
الدين، والاتصاف بالمروءة، والصلاح في الدين: أداء الفرائض برواتبها، واجتناب المحارم؛ بأن
لا يأتي كبيرة ولا يستمرّ على صغيرة.
واستعمال المروءة بفعل ما يُزيّنه، وأن يتركَ ما يشينه، وهي: متغايرة بحسب أعراف الناس.
ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض، ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر حتى لو حصل طلاق فيما بعد، وتُقبل عليهم.
ولا تُقبل شهادة من يجر بها نفعا أو يدفع بها عن نفسه ضررا للتهمة، ولا لعدو على عدوه سواء كانت موروثة أو مُكتسبة، وضابط العداوة: من سرّه مساءة أحد أو غمه فهو
عدوه.
وشُرط في الزنا ومثله اللواط أربعة
رجال يشهدون به أو أنّه أقرّ به أربعا-أي يشهدون أنه أقرّ بالزنا أربعا، ويكفي على من أتى بهيمة رجلان، وهذا يدخل فيه التعزير فالتعزير يكفي فيه رجلان كالقذف وشرب الخمر وما يطلع عليه رجلان وبقية الحدود.
وفي دعوى فقر ممّن عُرف
بغنى ثلاثة،
وفي مال وما يُقصد به المال كالبيع والأجل والخيار: رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجلٍ ويمين المدعي.
وما لا يطّلعُ عليه الرجال غالبًا: كعيوب نساء تحت الثياب، ورضاع، واستهلال وجراحة ونحوها في
حمام يقبل فيهِ قول امرأة عدل أو رجل عدل.
فصل الشهادة على الشهادة
والمراد بالشهادة أن يكون هناك شهود شهدوا القضية ويأتي من يتحمّل عنهم هذه الشهادة؛ لأنّ هؤلاء الشهود قد يُسافرون أو يموتون.
وتقبل الشهادة على الشهادة في كلّ ما يُقبل فيه كتاب
القاضي إلى القاضي بأن
تكونَ في حقوق الآدميين، وشرِط فيها تعذّر
شهود أصل بموْت أو مرض أو غيبة مسافة قصر.
وشرط
فيها دوام عدالتهما أي: يكون شاهد الأصل والفرع عدلان إلى حين الشهادة.
وشرط استرعاء أصلٍ، أي أن يكون شاهد الفرع حمّله
الأصل الشهادة، أو لغيره وهو يسمع،
أو يسمعه يشهد عند حاكم ـ أو يعزوها إلى سبب
كبيع وقرض . وتأدية فرع بصفة تحمّله، وتعيينه لأصلٍ، وثبوت عدالة الجميع.
وإن رجع شهود مالٍ قُبل حكم لم يُحكم، وبعد الحكم
لو رجعوا لا ينقض الحكم، ويضمّن هؤلاء
الشهود، وإن بان خطأُ مفتٍ وقاضٍ في إتلاف لمخالفة دليل قطعي ضمنا.
باب اليمين في الدّعاوى
لا يُستحلف المُنكر في العبادات؛ لأنهُ لا يٌقضى عليه بالنكول لو لم يحلف، وكذا في حدود الله.
ويُستحلف المنكر في كل حق لآدمي إلّا المنكر للنكاح، لأنه لو لم يحلف لم يُقض عليه بالنكول وكذا الطلاق والرجعة والإيلاء والاستيلاد والنسب والقود والقذف.
واليمين التي يستحلف القاضي بها الخصوم: اليمين بالله لا بصفته، ولا تُغلّط إلّا فيما له خطر، والتغليظ: التشديد على الحالف بلفظ أو مكان أو زمان.
كتاب الإقرار
وهو: إقرار مكلف مختار ما عليه بلفظ أو كتابة أو إشارة أخرس أو على موكله أو على موليه أو مورثه بما يُمكن صداقه.
يصح من مكلفٍ مختار غير محجور عليه، ويشترط أن تكون باللفظ أو الكتابة، أو الإشارة المفهومة من الأخرس.
ومن أكره على دفع قدر معين من المال فباع ملكه لذلك صحّ البيع، ومن أقرّ في مرض ولو كان مخوفا ومات به بشيء فكإقراره في صحته لعدم التهمة، ولا يقبل إقراره بالمال للورثة إلّا أن يأتي ببينة.
ويقبل إقرارُ صبي له عشر سنين أنه بلغ باحتلام .
ومن ادُّعي عليه بشيء فقال: نعم أو: بلا فهذا إقرار،
لا إن قال خذ واتزن فلا يعتبر إقرارا.
ولا يضرّ الاستثناء في الإقرار، ولو قال: له عليّ ألف لا تلزمني، أو ثمن خمر فتلزمه الألف.
ولو قالَ: له علي ألف قضيته، أو كان علي ألف قضيته أو
برئت منه فيقبل قوله بيمينه ما لم تكن بينة، وقال أبو الخطاب: بل يكون مقرًا مدعيا للقضاء فلا يقبل إلّا
ببينة.
وإن ثبت ببينة فإنها تلزمهُ بالبينة، كذلك إن عزاه لسبب فلا يقبل قوله.
وإن أنكر سبب الحقّ ثم ادّعى الدفع ببيّنة فلا يُقبل لأنه
هو مكذب لهذه البينة .
ومن أقرّ بقبضٍ أو إقباضٍ أو هبةٍ ونحوها ثم أنكر القبض ولم يجحد إقراره وسأل إحلاف
خصمه فلزمه.
ومن باع أو وهب أو أعتق ثم أقر به لغيره لم يُقبل منه، ويلزمهُ
القيمة لمن أقرّ له.
وإن قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد؛ قُبل ببيّنة بشرط ألا يكون صدر منه ما دلّ على أنها ملكه.
ولا يُقبل برجوع مقر إلا في حد من حدود الله.
وإن أقرّ بشيء مبهَمٍ أُلزِم بتفسيره فإن أبى حبسه
حاكم ويُقبل بأقلّ مال أو بكلب مباح ، ولا يقبلُ
لو قال خمرا أو ميتة أو قشر جوزة ونحوه.
وإقرار بشجرٍ ليس أقرارًا بأرضه، وإقرار بأمة ليس أقرارا
بحملها، وببستان يشمل أشجاره.
وإن ادّعى أحدهم صحة العقد والآخر فساده فقول مدّعي الصحة.