الصلاة في اللغة: الدّعاء، وشرعا: أقوال وأفعال مخصوصة، مُفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
تجبُ على كل مسلم مكلف وهو: البالغ العاقل، لا حائض ونفساء.
ويقضي من زالَ عقله بإغماء أو نوم أو سُكر ونحوه، كشرب الدواء.
ولا تصح الصلاة من مجنون، ولا يجب عليهِ أن يقضي ما فاته زمَن جنونه، ولا تصح من كافر، لأنّهُ لا تصح منه النية، فإن صلّى فمسلم حُكما.
ويُؤمر بالصلاة صغير بلَغ واستكمل سبعًا وجوبا، ويُضرب عليها لعشر فإن بلغ في أثناء الصلاة أو بعد أن أدّاها في وقتها أعاد؛ لأنّها نافلة في حقّه قبل البلوغ.
ويحرم على من وجبت عليه أن يُؤخّرها عن وقتها باستثناءِ:
1- ناوي الجمع، فإن نوى في وقت الأولى فله تأخيرها إلى وقت الثانية.
2- ولمُشتغل بشرطها الذي يُحصّله قريبا، والمراد بالشرط هو الشرط: الذي زمنُ تحصيله قريب، فيجوز أن يؤخر الصلاة ولو خرج وقتها، وأمّا إذا كان زمن الاشتغال بالشرط طويلا، فإنّه لا يجوز له أن يؤخّرها عن وقتها.
ومن جحد وجوب الصلاة كفر، والجحد يكون في الإنكار مع العلم، إذا كان مثله لا يجهل وجوب الصلاة، وكذا تاركها تهاونا أو كسلا، ويُشترط لتكفير من ترك الصلاة متهاونا أو كسلا شرطان:
الشرط الأول: أن يدعوهُ إمام أو نائبه، وهو متمثّل الآن في القاضي.
الشرط الثاني: أن يُصرّ على ترك الصلاة، وضاق وقت الصلاة عن الثّانية فإذا تحقّق هذين الشرطين كفر، وبدون هذين الشرطين أو بِتخلّف أحدهما لا يُحكم بِكفره، ولو ترَك صلوات كثيرة، ولا يُقتل حتى يستتاب ثلاثا فيهما، أي: في مسألة الجُحود، ومسألة ترك الصلاة تهاونا وكسلا.
باب الأذان والإقامة
وهو في اللغة: الإعلام، وشرعا: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قُربه لفجر بذكر مخصوص.
الإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص.
والمذهب: أنّ الأذان أفضل من الإقامة والإمامة.
وهما: فرضا كفاية على الرجال المُقيمين للصلوات الخمس المكتوبة المؤدّاة، والنساء لا يجبُ عليهنّ الأذان.
وحكمه لهن: مكروه لِما فيه من التشبَه بالرجال.
ويُقاتل الإمام أهل بلد تَركوهما، لأنّ الأذان والإقامة من شعائر الإسلام الظاهرة، وتحرم أجْرتهما دفعًا وأخذًا، لا رزق من بيت المال، وهو العطاء الذي يكون من الفيء.
ويسنّ كون المؤذن صيتا-رفيع الصوت-، أمينَا-والمراد بالأمانة: العدالة الظاهرة والباطنة-، ويسن كونه عالمًا بالأوقات ليتحرّاهُ فيُؤذّن في أوّله، وأن يكون بصيرا بالغا.
فإن تشاح فيهِ اثنان قُدّم أفضلهما فيه -في الخصال المُتقدمة-، ثم يُقدّم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من اختاره الجيران المُصلّون أو أكثرهم، ثم إن استووا فيُقرع بينهم.
والأذان المختار عند الحنابلة خمسة عشر جُملة وهو أذان بلال من غير ترجيع الشهادتين، يُرتّلها في مكان عالٍ كالمنارة، ويقف على كل جملة قائما، ويكره أن يؤذّن جالسا.
وسن كونه: متطهّرا من الحدثيْن، مستقبل القبلة فإن أخلّ بذلك كره.
ويجعلُ إصبعيه-السبابتين- في أذنيه، يلتفتُ في الحيعلة يمينا وشمالا قائلا بعدهما في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، ولو أذن قبل الفجر.
والإقامة: إحدى عشرة جملة يحدرها أي: يُسرع فيها، ويُقيم من أذّن استحبابا، في مكانه إن سهل.
شروط صحة الأذان: لا يصح إلا مُرتبا، كذلك الإقامة، متواليًّا عُرفا، من عدل في الظاهر، وكونهِ ذكرا، وأن يكون منويًّا، وأن يكون من واحد، ولو مُلحّنا وهو: الذي فيه تطريب، أو ملحونا، وهو: الخطأ الذي لا يحيل المعنى، وإذا كان يُغيّر المعنى فإنّ الأذان يبطل، ويُجزئ من مميّز.
ويُبطلهما: فصل كثير، وكلام يسير محرّم.
ولا يجزئ الأذان قبل الوقت إلّا الفجر؛ فالمذهب أنّ الفجر يصحّ أن يكون بعد بعد منتصف الليل.
ركن الأذان: رفع الصوت.
ويسن الجلوس بعد أذان المغرب يسيرا، وبعد كل صلاة يُستحب تعجيلها (كل الصلوات ما عدا العشاء)
ومن جمَع بيّن صلاتين لعذر، أو قضى فوائت، أذّن للأولى ثُمّ أقام لكل فريضة.
ويسن لسامع المؤذّن متابعته سرا بمثل ما يقول، وحوقلتهُ في الحيعلة، ثمّ بعد فراغه يقول ما ورد.
ويحرمُ الخروج بعد الأذان من المسجد إلّا إذا خرج لعذرٍ يُبيح ترك الجُمعة والجماعة، أو إن كان ناويا الرّجوع، أو بعد الأذان الأول الذي يكون بعد منتصف الليل فإنه يجوز، وذكر الشيخ مرعي: إذا خرج ناويًا أن يُصلّي في مسجد آخر.
شروط الصلاة
شروطها تتقدّم على الصلاة وتسبقها إلّا النية فالأفضل أنها تُقارِن بداية الصلاة.
منها: الإسلام والعقل والتمييز، ومنها: دخول الوقت، والطهارة من الحدث والنجس.
ووقت الظهر: من الزوال، وهو ميْل الشمس إلى الغروب، تميل عن وسط السماء، ويُعرف ميْل الشمس عن وسطِ السماء بزيادة الظل بعد تناهي قصره، ويستمرّ الوقت إلى مُساواة الشيء الشاخص فيئه بعد فيْء الزوال.
وتعجيلها أفضل، إلّا في شدة حر، فيستحبّ أن تؤخّر إلى أن ينكسر الحر ولو صلّى وحده؛ فإنه يستحبّ له التأخير حتى لو في بيته.
ويستحبّ في يوم الغيم أن يؤخّر صلاة الظهر إلى قريب وقت العصر، حتى يتيقّن دخول وقت الظهر، ويوم الجمعة يسن تقديمها مطلقا ولو مع الحر والغيم.
ووقت العصر: إلى مصير الفيء مثليْه بعد فيء الزوال، ثم يبدأ وقت الضرورة ويستمرّ إلى غروب الشمس، ووقت الضرورة للحائض إذا طهرت، والكافر إذا أسلم، والصغير يبلغ، فلا يجوز تأخير الصلاة لهذا الوقت لغير هؤلاء.
ويليه وقت المغرب: إلى مغيب الحمرة، ويسنّ تعجيلها إلّا ليلة الجمع بمزدلفة لمن قصدها محرما، فيستحب تأخيرها ليجمعها مع العشاء جمع تأخير، وإذا كان هناك غيْم لمن يُصلّي جماعة؛ فيُستحب أن يؤخّر المغرب إلى قبيل وقت العشاء العشا كذا إن كان التّأخير أرفق به.
ويليه وقت العشاء: إلى الفجر الثاني، وهو البياض المعترض، وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهُل ولم يشقّ على المأمومين، ويحرم تأخيرها من غير عذر.
وقيل: إنّ وقت الاختيار ينتهي إلى نصف الليل، وهي راوية قويّة في المذهب.
ووقت الفجر:من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ويسنّ تعجيلها مطلقا.
وتُدرك الصلاة بتكبيرة الإحرام في وقتها، وكذا تُدرك الجماعة، إلّا صلاة الجمعة فلا تدرك إلّا بركعة.
ويحرم أن يُصلّي حتى يغلِب على ظنّه دخول وقت الصلاة، ويكون إمّا باجتهاد، أو خبر ثقة متيقّن.
فإن أحرمَ باجتهاد بأن غلبَ على ظنّه دخول الوقت، فبانَ أنه كبّر للإحرام قبل الوقت فصلاته نافلة، وعليْه أن يُعيد الفرض.
وإن أدركَ مكلّف من وقتها قدر تكبيرة الإحرام فأكثر، ثم زالَ تكليفه بأن جُن، أو امرأة أدركت من وقتِ الصّلاة قدر تكبيرة الإحرام ثم حاضت؛ فيقْضونها إن زال العذر.
ومن صار أهلا لوجوب الصلاة قبلَ خُروج وقتها لزمته وما يُجمع إليها قبلها.
ومن فاتته صلاة واجبة وجبَ عليه أن يَقضيها فورا، ويسقطُ الترتيب بخشية فوات الحاضرة.
ويجبُ على من فاتته صلاة واجبة أن يقضيها فورا، ويجبُ الترتيب في قضاء الفوائت، وإذا نسيَ الترتيب بيْن الفوائت حال قضائها فإنّ الترتيب يسقط، كذا إن خشي خروج وقت اختيار الحاضرة.
من شروط الصلاة: ستر العورة، وعورة رجل وأمَةٍ و من بلغ عشر سنين، وأمّ ولد ومعتق بعضها من السرّة إلى الركبة، والمرأة البالغى الحرّة كلها عورة إلّا وجهها في الصلاة، وأمّا خارج الصلاة فكلها عورة حتّى وجهها.
ويستحبّ أن يُصلّي الرّجل في ثوبيْن، ويكفي ستر عورته في النفل ومع كلّ أحد عاتقيه في الفرض.
والعاتق: هو ما بين المنكب والعنق.
ويستحبّ للمرأة صلاتها في درع وخمار، وفوق ذلك ملحفة تُغطّي جميع جسدها، وهي:الجلباب، ويكره صلاتها في خمار وبرقع ويُجزئها ستر عورتها.
ومن انكشف بعض عورته في الصلاة وفحش في العرف وطال الزمان بطلت.
ولو صلى في ثوب محرّم فيلزمه أن يُعيد إن كان عالما ذاكرا، ولو صلّى في ثوب نجس أعاد مطلقا، لا من حُبس في محل نجس أو مغصوب وصلى فتصح صلاته.
ومن وجد كفاية عورته سترها وجوبا، فإن لم يجد كفاية عورته يستر الفرجين، وستر الدبر أولى، ومن أُعير سترة لزمه قبولها بخلاف ما لو وهَبها له فلا يلزمه قبولها للمنّة، فلا منة في الاستعارة.
والعاجز عن تحصيلِ السّترة يُصلّي قاعدا استحبابا، ويستحبّ أن يصلّي بالإيماء، ويكون إمام العراة وسطهم وجوبا، وتبطل إن تقدّمهم إلا في ظلمة أو كانوا عميانا فتصح، ويُصلي الرجال في جهة، والنساء في جهة.
وإن وجدَ المُصلّي العاري سُترة قريبة عُرفًا في أثناء الصلاة سترَها وجوبا، وبنى على ما مضى من صلاته، وإن كانت بعيدة فإنّه يخرج من صلاته ويستر عورته ثم يبتدئ الصلاة مرة أخرى.
ويكره السدل في الصلاة وهو: طرح ثوب على كتفيه لا يردّ طرفه على الأخرى، وهو مكروه مطلقا، سواء تحته ثوب أو لا.
وكره اشتمال الصماء وهو: أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره، يلف على نفسه ثوبا وليس عليه غير هذا القماش كالإحرام.
ويكره تغطية وجهه بلا حاجة، والّلثام على فمه أو أنفه، وكف كمّه ولفّه.
وكره شد وسطه كزنار، والزنار حزام يشده االنصارى على أوساطهم.
وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره، والخيلاء التكبر، ويكره الإسبال من غير حاجة.
ويحرم التصوير والمراد إذا كان على صورة حيوان، والصورة المحرمة: صورة الحيوان المُكتملة.
ويباح استعمال التصوير إن كان في سجاد أو وسادة لأنها مهانة.
ويحرم استعمال منسوج-والنسج ضمّ الشيء إلى الشيء- أو مموّه بذهب قبل استحالته، وتحرم ثياب الحرير على الرجال وما هو أكثَره ظهورا، لا إن استويا فيباح، ويباح لبس الحرير الخالص لضرورة وحكة أو مرض أو قمل أو حرب ولو بلا حاجة.
ويباح إن كان الحرير حشوا، أو علَما وهو الطراز في الثوب وهي الزخرفة، أو كان رقاعا، أو لبنة جيب وأكثر أهل اللغة أنه: الذي يُفتح على النحر.
ويكره المزعفر على الرجال في غير الإحرام فإنّه يحرم لأنه يُعتبر من الطّيب.
من شروط الصلاة: اجتناب النجاسات.
النجاسة هي:عيْن أو صفة منعَ الشرع منها بلا ضرورة، لا لأذى فيها طبعا، ولا لحق الله تعالى وغيره شرعا، فيحرم مباشرتها أو حملها في الصلاة، ويتجنّبها في بدنه وثوبه وبُقعته.
فمن حملَ نجاسة لا يُعفى عنها، أو لاقاها بثوبهِ أو بدنه لم تصح صلاته، ويُستثنى لو وقعت عليه وَأزالها مباشرة، وإن طيّن أرضا نجسة أو فرشها بشيء طاهر سميك كره وصحت صلاته.
وإن كانت النجاسة بطرف مصلى صحّت صلاته إن لم تنجر بمشيه لأنه مستتبع للنجاسة كحاملها.
ومن رأى عليه نجاسة ولا يدري هل وقعت عليه قبل الصلاة أم بعدها، فلا يجبُ عليه أن يُعيد صلاته، وإن عَلم أنّ النجاسة كانت في الصلاة لكن جهلها أو نسيها أعاد لأنها طهارة مشترطة فلا تسقط بالجهل، وعنه: لا يعيد.
ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر.
ولا تصح الصلاة في مقبرة، ولا حش وهو: ما أُعدّ لقضاء الحاجة، ولو مع طهارته، وحمام وهو: مكان الاغتسال.
ولا تصحّ في أعطان الإبل وهي: ما تُقيم فيها الإبل وتأوي إليها، ومغصوب، ولا في المجزرة وهي موضع نحر الإبل، وكذا المزبلة، وقارعة الطريق، ولا تصح الصلاة فيها، ولا في أسطحها وتصح إليها مع الكراهة.
ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة والمَنذورة باستقبال شاخص منها.
ومن شروط الصلاة:استقبال القبلة.
وهي: الوِجهة، فلا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة إلّا لعاجز عن استقبالها، كالمربوط لغير القبلة والمصلُوب.
ويُستثنى: المتنفل الرّاكب السائر في سفر إن كان مباحا، ويُشترط أن يكون راكبا وسائرا، ويلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة إن أمكنه.
ويستثنى كذلك: المسافر الماشِي، ويلزمه افتتاح الصلاة والركوع والسجود إليها إن أمكنه.
وفرض من قرُب من الكعبة إصابة عيْنها، ومن بعُد فيلزمه استقبال جهتها، ولا يضر التيامن والتياسر اليسيران.
وإن أخبرهُ ثقة بيقين فيعمل بخبَره، كذا وجد محاريب إسلامية فيعمل بها، ولا يجوز الاجتهاد في القبلة في البلد.
وإن اجتهدَ مُجتهدان فاختلفا جهة بأن ظهر لكلٍ منهما جهة غير التي ظهرت للآخر، لم يَتبع أحدهما الآخر، والذي يظهر أنّه يحرم، ويتبّعُ المُقلّد أوْثقهما عِنده، والمقلد هو: الجاهل بأدلة القبلة، العاجز عن تعلّمها.
ومن صلى بغير اجتهاد-وكان يُحسنه-، أو صلّى الذي لا يُحسن الاجتهاد بغيرِ تقليد؛ يلزمهُ القضاء إن وجدَ من يُقلّده، ويُفهم منه: أنّ المُقلّد إذا صلّى بغير تقليد مع الضرورة-عدم وجود من يُقلّده- فإنّه إذا تحرّى وصلى فلا يلزمهُ أن يُعيد.
ويجتهد العارف وجوبا بأدلة القبلة لكل صلاة، ويُصلّي بالاجتهاد الثاني ولا يقضي ما صلّى بالأول.
من شروط الصلاة: النية
وهي: القصد، وشرعا: العزم على فعل عبادة تقرّبا لله تعالى.
ولا يجوز التلفّظ بها، وزمن النية: أول كل عبادة أو قبلها بيسير سوى الصيام.
شروط صحتها: الإسلام والعقل والتمييز والعلم بالمنوي.
وتكفي نية تعيين الصلاة فلا يُشترط تعيين الفرض أو الأداء أو القضاء أو النافلة أو الإعادة.
وزمنُ النية أوّل العبادة، ولهُ تقديم النيّة على تكبيرة الإحرام بزمنٍ يسير عُرفا، ويُشترط أن تكون في الوقت.
مبطلات النية: إن قطع النية في أثناء الصلاة، أو تردّد في قطعها بطلت، وإذا شكّ فيها -أي: النية- وعمل مع الشك عملا فيلزمهُ أن يستأنِفها، ولا أثر للشكّ بعد العبادة.
وإن قلب منفرد أو مأموم فرضهُ نفلا في وقته المتسع جاز، ويكره لغير غرض صحيح، وإن انتقل بنية من فرض لفرض بطلا.
ويجب أن ينوي الإمام الإمامة، والمأموم الائتمام من أوّل الصلاة إن كانت الصلاة فريضة.
وإن نوى المُنفِردُ الائتمام لم تصح فرضا ولا نفلا، كما لا تصح نية إمامه فرضا، ويُفهم منه: إن كانت الصلاة نافلة فإنه يصح أن ينوي المنفرد أثناء الصلاة الإمامة.
والمذهب: لا تصح نية الإمامة أثناء الصلاة سواء كانت فرضا أو نفلا.
ويجوز أن ينفرد المأموم عن الإمام لعذر من أعذارِ ترك الجُمعة والجماعة.
وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه فليس للإمام أن يستخلف إن انتقض وضوؤه. ويستثنى: إن أحرَمَ إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتما فيصح، ويستثنى: لو سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة فيصح أن يأتمّ أحدهما بالآخر.
باب صفة الصلاة
يسنّ قيام الإمام عند قول المقيم: قد من إقامتها، والمأموم عند رؤية الإمام.
وتسوية الصف، ويكون في المناكب والأكعب، ويقول: الله أكبر، مرتّبا متواليًّا، رافعا يديه ندبا مضمومتي الأصابع، ممدودة حذو منكبيه، ويبدأ تلفظ التكبير عند أول الرفع، ويُسمِع الإمام من خلفه كقراءته، ويُسرّ المأموم والمنفرد، ويشترط أن يُسمع نفسه، ثم يقبض كوع يسراه تحت سرّته.
وينظرُ المصلي إلى موضع سجوده، ويستفتح ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يستعيذ ويبسمل سرًّا.
ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية ومُشدّدة، فإن قطعها بذكرٍ أو سكوتٍ غير مشروعين وطالا عُرفا، أو ترك منها تشديدة أو حرفا أو ترتيبا فإن الفاتحة لا تصح، ويلزمهُ أن يسْتأنفها غير مأموم، ويجهر الكل استحبابا بـ آمين في الجهرية، بعد سكتة لطيفة، ويستحبّ أن يسكت الإمام بعد الفاتحة قدْر قراءة المأموم لها في الجهريّة.
ثم يقرأ سورة وتكون في الصّبح من طوال المفصّل وهي: من سورة ق إلى آخر المرسلات، والأواسط من: عمّ إلى الليل، وقصاره من: الضحى إلى الناس، وفي المغرب يسنّ أن يقرأ من قصار المفصل، وفي الباقي من أوساطه، ولا تصح بقراءة لا تُوافق مصحف عثمان.
ثم يركع مكبّرا رافعا يديه ويقول: الله أكبر عند هويه للرّكوع فيبدأ التكبير مُجرّد أن ينحني، ويضعُ يديْه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويقول: سبحان ربي العظيم، والواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، ثم يرفع رأسه ويديه حذو منكبيه قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، وبعد قيامهما يقولان: ربنا ولك الحمد، ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعده.
ومأموم في رفعه يقول: ربنا ولك الحمد فقط، ويتحمّل الإمام عن المأموم قول: ملء السماوات والأرض وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد.
والمذهب: أنّ المُصلي يُخيَر بعد الركوع بيْن قبض يديه وبين الإرسال، ثم يخر مُكبّرا ولا يرفع يديه ساجدا على سبعة أعضاء رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه، ولو سجدَ مع حائل ليس من أعضاء سجوده.
ويسنّ أن يُبعد عضديه عن جنبيْه، وبطنه عن فخذيه ما لم يؤذِ جاره، ويفرّق ركبتيه في سجوده ورجليه ويقول: سبحان ربي الأعلى، ثم يرفع رأسه مكبرا ويكون ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع من الأرض وانتهاؤه قبل أن يستتمّ جالسا.
ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه، ويبسط يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ويقول: رب اغفر لي، والواجب مرة واحدة، ويسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع مكبرا ناهضا على صدور قدميه، ولا تُستحب جلسة الاستراحة، ويصلي الثانية كالأولى ما عدا التحريمة، والاستفتاح والتعوذ إن كان تعوذ في الأولى.
ثم يجلسُ مفترشا ويداه على فخذيه ولا يلقمهما ركبتيه، يقبض خنصر يده اليمنى وبنْصرها ويحلّق إبهامها مع الوسطى، ويُشير بسبابتها في تشهده عند ذكر الله تعالى، ويبسط اليسرى ويقول سرا ندبا: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله.
وفي التشهد الأخير يزيد الصلاة على النبي كما ورد في حديث كعب بن عجرة.
ولا يجوز أن يدعو بشيء من أمر الدنيا ولا بكاف الخطاب.
ثم يسلم مرتبا وجوبا، ويسن أن يلتفت عن يساره أكثر، ومن السنة أن لا يمد السلام ولا يطوّله.
وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض بعد التشهد الأول، ولا يرفع يديه، وصلّى ما بقي كالثانية وبالحمد فقط ويجلس في التشهد الأخير متوركا.
والمرأة كالرجل لكن تضم نفسها وتسدِل رجليْها بجانب يمينها إن جلست، ولها أن تتربّع، وبعد السلام يستغفر ثلاثا ويقول ما ورد.
مكروهات الصلاة
ويُكره الالتفات في الصلاة من غير حاجة، ورفعُ بصره إلى السماء، وتغميض عينيه لأنه فعل اليهود، وإقعاؤه-وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه- وقيل: أن يجلس بين عقبيه على أليتيْه ناصبا قدميه، وافتراش ذراعيه في سجوده، وتخصّره وهو: وضع يده على خاصرته، تروّحه لأنه من العبث، وفرقعة الأصابع، وأن يكون حاقنا أو بحضرة طعام يشتهيه أو شراب أو جماع، ويكره: تكرار الفاتحة وأن يصلي مقتصرا عليها.
ويسن: ردّ المار بين يديه حتى لو كان طفلا أو بهيمة، وإذا مرّ فتنقص الصلاة ولا تبطل.
ولهُ أن يعد الآيات وكذلك التسبيح والتكبير بأصابعه، والفتح على إمامه إذا غلط ويجبُ إذا غلط بالفاتحة كذا لو نسي ركنا من أركان الصلاة، وله حمل شيء ووضعه، وقتل الحية والعقرب، والإشارة باليد أو بوجهه أو بعينه لحاجة، ويردّ السلام إشارةً، وللمُصلي القراءة من المصحف ولو في فرض، وله إذا عطس أن يحمِد في نفسه.
وإن أطال المُصلّي الفعل الذي من غير جنس الصلاة عُرفا بلا ضرورة ولا تفريق بطلت، ولو سهوا، وإشارة الأخرس المفهومة كفعله.
وإذا عرض للمصلي شيء سبّح رجل وصفّقت المرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى.
ويبصق في الصلاة عن يساره إن كان خارج المسجد، وفي المسجد بثوبه، وتسنّ صلاة غير المأموم إلى سترة قائمة كمؤخرة الرحل قرب ذراع فأكثر فإن لم يجد شاخصا فإلى خط كالهلال.
وتبطل الصلاة: بمرور كلب أسود بهيم فقط، وللمُصلّي التعوذ عند آية وعيد، والسؤال عند آية رحمة، ولو في فرض.
أركان الصلاة
وهي: القيام للقادر، والتحريمة، والفاتحة في كل ركعة للإِمام والمنفرد، والركوع، والاعتدال عنه، والسجود على الأعضاء السبعة، ثم الرفع منه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة بين كل ركن فعلي، والتشهد الأخير، وجلسته، والصلاة على النبي-صلى الله عليه وسلم-، والترتيب بين الأركان والتسليم.
واجبات الصلاة
وتبطل الصلاة بتركها عمدا، وتسقط بتركها سهوا، ويسجد لها وجوبا.
وهي: التكبير غير التحريمة، وتكبيرة المسبوق، والتسميع، والتحميد، وتسبيحات الركوع والسجود، وسؤال المغفرة بين السجدتين، والتشهد الأول وجلسته.
وما عدا الشرائط والأركان والواجبات سنة.
وتسقط الشروط لعذر، إلّا النية فإنها لا تسقط بحال، وإن تعمّد ترك ركن أو واجب بطلت صلاته بخلاف الباقي فلا تبطل الصلاة بترك السنة.
ولا يُشرع السجود إذا ترك المُصلي السنة، وإن سجد سهوا فلا بأس.
سجود السهو
والسهو: النسيان.
يُشرع لِزيادة ونقص وشك، لا في عمد، في فرض ونافلة.
زيادة الأفعال التي من جنس الصلاة:-
متى ما زاد المُصلّي فعلا من جنسِ الصلاة كقيام في غير محلّه، أو قعودا، أو ركوعا، أو سجودا؛ فإن كان عمدا بطلت صلاته، وإن كان سهوا يسجد له وجوبا.
وإن زاد ركعة كاملة، فلم يعلم حتى فرغ منها سجد وجوبا، وإن علم أثناء الزيادة جلس في الحال بلا تكبير ويتشهّد إن لم يكن تشهّد ويسلم.
وإن سبّح به ثقتان عدلان يلزمهُ الرجوع إلى تنبيهِهم، فإن أصرّ على عدم الرجوع ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته، وإن كان جازما فلا يجب عليه الرجوع، ويُستثنى ما لو سبّحوا له لتركِ التشهّد الأوّل ونهضَ فإنهُ لا يلزمه الرّجوع.
وتبطل صلاة من تبع الإمام عالمًا، لا من تبعه جاهلا أو ناسيا أو الذي فارقه، فصلاتهم صحيحة .
زيادة الأفعال التي ليست من جنس الصلاة:
وعمل مستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه، ولا يُشرع ليسيره سجود.
ولا تَبطل بيسير أكل وشرب سهوا فرضا ونفلا، ولا نفل بيسير شُرب عمدا.
وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه لم تبطل ولو عمدًا، ولم يجب له سجود، ويشرع إن كان سهوا.
وإن سلّم قبل إتمامها عمدا بطلت صلاته، وإن كان سهوا وذكر قريبا عُرفا فيجب عليه أن يعود ويُتمّها ويسجد للسهو، وإن طال الفصل عرفا، أو تكلم لغير مصلحتها بطلت.
وإن تكلّم لمصلحتها فلا تبطل إن كان يسيرا، والمذهب: تبطل كما لو تكلم في صُلبها.
وقهقهة ككلام تبطل الصلاة، وإن نفخ أو انتحب من غير خشية الله، أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان فأكثر فتبطل صلاته.
ومن ترك ركنا سهوا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت الركعة التي ترك منها ذلك الركن، وقامت الركعة التي تليها مقامها، وإن تذكّر قبل شروعه في الركعة الأخرى رجع للركن ويأتي به وبما بعده، وإذا تذكّر المتروك بعد السلام فكترك ركعة كاملة فيأتي بالركعة ويسجد للسهو إن قرب الفصل.
وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما، فإن استتم قائما يكره له الرجوع، وإن شرع في القراءة حرم عليه الرجوع.
ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل وجوبا، ومن شك في ترك ركن فكتَركه.
ولا يسجد من شك في ترك واجب أو شكّ أن زاد في الصلاة، ولا يجب السجود على المأموم الذي دخل مع الإمام من أول الصلاة إلّا تبعا لإمامه، والمسبوق إذا دخل مع الإمام ولو بَعد أن سها الإمام فيلزمه السجود معه.
وسجود السهو لما يُبطِل الصلاة عمدا واجب.
الأحوال التي يجب فيها السجود هي:
إذا زاد ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا، وإذا سلّم قبل إتمامها، وإذا لحن لحنا يحيل المعنى في القرآن، وإذا ترك واجبا، وإذا شك في زيادةٍ وقت فعلها.
ويستحب سجود السهو إن أتى بقول مشروع في غير موْضعه سهوا، ولو أتمّ المسافر الذي نوى القصر سهوا فيستحب له سجود السهو.
ويباح إذا ترك السنة إن كان من عادته أن يفعلهَا.
وسجود السهو الأفضل أن يكون قبل السلام، إلّا إن سلم عن نقص مطلقا فالأفضل أن يكون بعد السلام.
وتبطل الصلاة بتعمد ترك سجود سهو أفضليته قبل السلام فقط.
وإن تركه نسيانا يجب عليه أن يسجُد إذا قرب الزمن إذا لم يخرج من المسجد وإذا لم يُحدِث.
ومن سها مرارا كفاه سجدتان فقط.
باب صلاة التطوع
أفضل ما يتطوّع به الإنسان بعد أداء الواجبات هو: الجهاد في سبيل الله، ثم النفقة فيه، ثم العلم تعلّمه وتعليمه، وهو العلم الشرعي فقط، ثم يأتي بعدهُ الصلاة.
وأفضل الصلاة ما تسنّ له الجماعة، ثُمّ الأعمال التي يتعدّى نفعها من عيادة مريض وقضاء حاجة مسلم، ثم الحج، ثم الصيام.
وأفضل ما تسنّ له الجماعة: الكسوف، ثم صلاة الاستسقاء، ثم التراويح، ثم الوتر-ولا تشرع معه الجماعة إلّا إذا كان تابعا للتراويح-، ولا تُقبل شهادة من تعمّد تركه.
ووقت الوتر: بين العشاء والفجر، ولو كانت العشاء مجموعة مع المغرب تقديما.
وأكثره: إحدى عشرة ركعة مثنى مثنى، ويجوزُ أن يسردها كلّها ويتشهّد في الركعة الأخيرة ويسلّم، وله أن يُصلّي عشرة ويتشهد، ثم يقوم ويصلّي ركعة ويتشهد ويُسلم.
وإن أوْتر خمسا أو سبعا فالأفضل أن يسْردها ويجلس في آخر ركعة منها، ويتشهد ويُسلم.
وأدنى الكمال في الوتر: ثلاث ركعات بسلاميْن، وتجوز بسلام واحد.
ويقْنت بالركعة الأخيرة بعد الركوع ندبا جهرا ولو منفردا ويقول ما ورد.
وتبطل إن دعا بشيء من ملاذ الدنيا، وحوائجها، ويمسحُ وجهه بيديه.
ويكره قنوته في غير الوتر؛ حتى الفجر، إلّا أن تنزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون، فيقنت في جميع الفرائض ما عدا الجمعة، ويقنت الإمام الأعظم، ويباح غيره.
والتراويح عشرون ركعة، وهي سنّة مؤكدة تُفعل في جماعة مع الوتر، والأفضل أن تُفعل أول الليل بعد العشاء، والمتَهجّد إذا صلى مع الإمام الأفضل أن لا يُسلّم ويقوم ويشفع الوتر بركعة ويوتر آخر الليل،-والتهجد صلاة بعد نوم- ويكرهُ التنفل بين التراويح، لا التعقيب بعدها في جماعة.
ثم يأتي بعد التراويح السنن الراتبة، ويكره تركها، وتسقط عدالة من داوم على تركها.
وهن: عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وهي أفضلها، ومن فاته شيء منها سنّ له قضاؤه كالوتر، ولو طال الزمن.
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، وأفضل زمنٍ لها ثلث الليل بعد نصفه.
ووقتها: من الغروب إلى طلوع الفجر الثاني، وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
وكثرة الركوع والسجود أفضل من القيام فيما لم يرِد تطويله، وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة القائم.
وتسن صلاة الضحى، والمذهب: أنها تُصلّى غبا، وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان، ووقتها: من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال.
وسجود التلاوة صلاة، فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة، ويسن للقارئ والمُستمع في الصلاة وغيرها، دون السامع.
وإذا لم يسجد القارئ لم يسجد، أو كان لا يصلحُ إماما للمُستمع فلا يسجد، ويكبّر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلّم، والسجود عن قيام أفضل من سجود القاعد.
ويكره للإمام قراءة سجدة في صلاة سر وسجوده فيها، ويلزمُ المأموم متابعتها في غير السرية.
ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، وتبطل بسجود الشكر الصلاة لا جاهلا أو ناسيا.
أوقات النهي
الوقت الأول: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ويُستثنى منه ركعتي الفجر.
الوقت الثاني: من طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، الوقت الثالث: عند قيامها-ولو يوم الجمعة- إلى أن تزول.
الوقت الرابع: ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس، الوقت الخامس: إذا شرعت بالغروب حتى تتم.
ويجوز في أوقات النهي صلاة الفجر، وقضاء الفوائت، وفعل ركعتي الطواف، وفعل المنذورة، وسنة الظهر بعد العصر المجموعة مع العصر جمع تقديم أو تأخير، والصلاة على الجنائز في الوقتين الطويلين، وتحية المسجد إذا دخل حال خطبة الجمعة.
ويحرم تطوّع في هذه الأوقات حتى ما له سبب، ولو دخل وقت النهي أثناء الصلاة فتحرم الاستدامة.
باب صلاة الجماعة
صلاة الجماعة واجبة على الرجال، فلا تجب على النساء، وتسنّ لهنّ إن اجتمعن في مكان.
وتجب الجماعة للصلوات الخمس المؤداة، وأََن يكون الرجال أحرارًا قادرين.
وليست شرطا لصحة الصلاة؛ إلّا صلاتي الجمعة والعيد، فصلاة المنفرد صحيحة ولو بلا عذر.
وأقلّ ما تنعقد به صلاة الجماعة اثنان، ولو فعلها ولو في بيته أو في صحراء، والسنة في المسجد، وفي رواية: أن إقامة الجماعة في المسجد فرض كفاية، وفي رواية: هي واجبة مع قُربه من المسجد.
وتستحبّ صلاة أهل الثغر في مسجد واحد لأنّه أعلى للكلمة، وأوْقع للهيبة ما لم يحصل ضرر-كالوقت الحاضر-.
والأفضل لغير أهل الثغر أن يُصلّي في المسجد التي لا تُقام به الجماعة إلّا بحضوره، ثمّ ما كان أكثر جماعة، ثم المسجد العتيق، -والمذهب: الأقدم يُقدّم على ما كان أكثر جماعة،- ثم يقدم الأبعد لتكثر الخُطى.
ويَحرم أن يؤمّ الإنسان في مسجد قبل إمامه الراتب، ولا تصحّ الصلاة إلّا إذا أذِن لهم الإمام، وإذا تأخّر وضاق الوقت-ولو المختار- أو وقته المعتاد فإنّهم يُصلّون وقالوا أنه يُراسل.
ومن صلّى ثم أقيمت فرض، يسنّ أن يُعيدها ولو في المسجدين المكي والمدني، وهذا فيمن دخل المسجد بعدَ أن صلّى فرضه، ثمّ أقيمت وهو في المسجد فهذا يُسنّ له الإعادة مطلقا، وإذا دخل المسجد بعد أن أُقِيمت الصلاة فتسنّ له الإعادة بشرطين: الأول: ألا يكون وقت نهي، الثاني: ألّا يكون قصدَ بمجيئه إعادة الصلاة؛ إلّا المَغرب فلا تسنّ إعَادتها.
ولا تكره إعادة الجماعة في المساجد، باستثناء مسجدي مكة والمدينة.
وإذا شُرِع في الإقامة فلا صلاة إلّا المكتوبة إذا كان يُريد أن يُصلّي مع الإمام، وإن كان في نافلة أتمّها خفيفة إلّا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها لأنّ الفرض أهم.
ومن كبّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى لحِق الجماعة ولو لم يجلس، وإن لحقهُ راكعا دخل معه الركعة.
ويتحمل الإمام عن المأموم الفاتحة، وسجود السهو إذا دخل معه في الركعة الأولى، والسترة، والتشهد الأول إذا سبقه بركعة، وسجود التلاوة لو قرأها المأموم خلفه أو قرأها الإمام وسجد، وقول: سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد، ودعاء القنوت.
ويستحبّ أن يقرأ المأموم في إسرار إمامه وفي سكتاته، ويجوز تفريق الفاتحة هنا. ويستحب أن يقرأ المأموم إن لم يسمع صوت الإمام لبعد لا لطرش-إن لم يُشْغل من بجانبه-.
و يستفتح ويتعوّذ حتى في حال جهر الإمام بالقراءة.
ويُشرع للمأموم أن يفعل أفعال الصلاة بعد شروعِ إمامه من غير تخلّف.
السبق إلى ركن: من ركعَ أو سجد قبل إمامه ففعله محرّم، وعليه الرّجوع ليأتي به بعد إمامه، فإن لم يفعل عمدا حتى لحقه الإمام فيه بطلت، وإن كان سهوا فصلاته صحيحة.
السبق بركن الركوع: وإن ركعَ ورفع قبل ركوع إمامه عالمًا عمدًا بطلت صلاته، وإن كان جاهلا أو ناسيا بطلت الركعة فقط ويعيدها-وهذا مقيّد إذا لم يأتِ بها بعد إمامه، فإذا أتى بها بعد إمامه فلا تبطل الركعة.
السبق بركنين: لو ركع ورفع قبل ركوعه، ثم سجد قبل رفع الإمام من الركوع بطلت إن كان عالما عامدا، وإن كان جاهلا أو ناسيا فلا تبطل، ويُعيد الركعة ما لم يأت بها بعد إمامه.
ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية.
ويستحب للإمام انتظار داخل إن لم يشقّ على المأمومين.
وإذا استأذنت المرأة المسجد كره منعها، وبيْتها خير لها، ولو كان في مسجد النبي-صلى الله عليه وسلم-.
الأحق بالإمامة-في غير المسجد-الأقرأ أي: الأجود قراءة وليس الأكثر حفظا، ثم العالم فقه صلاته، أي: يعرف واجبات الصلاة وشروطها وأركانها، فإن استووا في القراءة؛ فيقدّم الأفقه، فإن استووا فَيقدم الأسن، فإن استووا فيقدم الأشرف -والمراد به القرشي-ثمّ الأقدم هجرة ومثله الأسبق إسلاما ثم الأتقى، ثم يُقرع بينهم.
ولو تقدَّم المفضول على الفاضل جاز، وساكن البيت وإمام المسجد أحقّ إلّا من ذي السلطان لعموم وِلايته.
والحرّ أوْلى بالإمامة من العبد، وحاضر-الناشئ بالمدن- ومقيمٌ -الذي يتخذ البادية موطنا له- وبصيرٌ ومختونٌ ومن له ثيابٌ وما يستر به رأسه أوْلى من ضدّهم.
ولا تصح الصلاة خلف الفاسق، سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أم من جهة الاعتقاد، ويستثنى من ذلك الجمعة والعيد، والفاسق: من أتى كبيرة أو داوم على صغيرة.
ولا خلف امرأة ولا خنثى للرجال، ولا صبي لبالغ، ولا أخرس ولوْ بمثله.
ولا عاجز عن ركوع أو الرّفع منه كأحدب، ولا عاجز عن سجود أو قعود أو قيام إلّا بمثله، ويُستثنى العاجز عن القيام إن كان إمام الحيّ ويُرجى زوال علّته فتصح ويصلون وراءه جلوسا ندبا والأفضل أن يستخلف.
ولا تصح خلف مُحدِث ولا متنجّس يعلم ذلك، فإن جهل الإمام والمأموم حتى انقضت صَحّت لمأمُوم وحده.
ولا تصح إمامة الأمّي، وهو: من لا يُحسِن الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يُدغم، أو إذا يُبدل حرفا بغيره، ويَلحن فيها لحنا يحيل المعنى إلا بمثله، وإن قدِر هذا الأمّي على إصلاح ما سبق لم تصح صلاته.
وتكره إمامة اللحان أي: كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى والفأفاء والتمتام ومن لا يفصح ببعض الحروف.
ويكره أن يؤمّ أجنبية فأكثر لا رجلَ معهنّ، والأوْلى أن يُقال أنها محرّمة، أو قوما أكثرهم يكرههُ بحق.
وتصح إمامة ولد الزنا بلا كراهة والجندي إذا سلِم دينهما، وكانوا صالحين للإمامة.
وتصح إمامة من يؤدّي الصلاة بمن يقضيها، ومن يقضيها بمن يُؤديها، ولا يصح أن يؤمّ المُتنفّل المفترض، وقيل: يصح.
والسنّة أن يقف المأمومون خلف الإمام باستثناء إمام العُراة، فيُصلي وسطهم وجوبا والمرأة إذا أمّت النساء تقف وسطهم استحبابا.
ويصح عن يمينه فقط، أو عن جانبيه، ولا يصحّ أن يقف الماموم قدّام الإمام، والاعتبار في التقدّم والمحاذاة هو مُؤخّرة القدم، وهو العقب، فإن صلّى قاعدا فالاعتبار بالألية.
ولا يصح للمأموم أن يقِفَ عن يسار الإمام فقط مع خُلوّ يمينه، ولا الفذ خلف الإمام، ولا خلف الصف إذا صلّى ركعة فأكثر، سواء كان عامدا أم جاهلا أم ناسيا، إلّا إذا كان خلفَ الصف امرأة فتصح خلف الرجل، وخَلف الصفِّ من الرجال، لا إن كانت خلف امرأة، أو خلف الصفّ من النساء فلا تصح.
وإمامة النساء تقِف في صفهنّ ندبا، ولو اجتمع في الصلاة أنواع؛ فيسنّ تقديم الرجال الأفضل فالأفضل، الأحرار ثُم العبيد، ثم يأتي بعدهم الصبيان، ثم النساء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق