هذا الكتاب سلسلة بدأت بكتاب المقنع للإمام ابن قدامة، والمقنع أُختصر في
كتاب: زاد المستقنع في إختصار المقنع، للإمام أبي النّجا موسى الحجاوي، ثم
جاء منصور البهوتي، المتوفى سنة: 1051، فشرح هذا الكتاب، فهذا الروض يُعتبر فرعا من فروع المقنع، والمقنع من الكُتب المعتمدة عند
الحنابلة.
الفقه: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة.
والمذهب في اللغة: الذّهاب أو زمانه أو مكانه، ثمّ أطلِقَ على ما قاله المجتهد بدليل ومات
قائلا به، وكذا ما أجري مجرى قوله من فعل وإيماء ونحوه.
كتاب الطهارة
الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار.
وشرعا: ارتفاع
الحدث، وما في معناه، وزوال الخبث أو حكمه.
الحدث: وصف يقوم بالبدن يمنع من صحة الصلاة ونحوها.
وما في معناه: كالحاصل بغسل الميت، فغسل الميّت طهارة شرعيّة لا يرتفع حدثه ولا تزول
نجاسته بل هي في معنى رفع الحدث، وكذا الغسل المستحب، وما زاد على المرّة الأولى، وغسل يد القائم من نوم
ليل ونحوه، والتيمم عن وضوء وغسل فهذا التيمم يعتبر في معنى رفع الحدث.
وزوال الخبث: أي:النجاسة
أو حُكمها، وزوال الحُكم بالاستجمار أو التيمم.
الطهارة في الأصل هي: ما يترتّب على التطهير، وربما أُطلقت على الفعل نفسه كالوضوء أو كالغسل.
باب المياه
أحد أنواع الماء: الطهور وهو: الماء الباقي على خلقته حقيقة أو حكما.
حقيقة: أي أن يبقى على ما وجِد عليه، حكما: كالمتغيّر بطول المكث، وبما يشق صون الماء عنه كالطحلب ونحوه.
وحكمه: طاهر في نفسه مطهّر لغيره، فلا يرفع الحدث غيره أمّا الطاهر والنجس فلا، ولا يزيل النجاسة الحكمية غيره لا العينية فإنّ أعيان النجاسة لا يُمكن تطهيرها.
أقسام الطهور: الطهور المكروه وهو: يرفع الحدث ويزيل الخبث، لكن الأولى
عدم استعماله.
من صوره: أن
يتغيّر بغير ممازج أي:(مخالط) كقطع كافور، وعود قماري؛ فإنّه لا يذوب في الماء، فهذا
لا يسلب الماء الطهورية ولكنه مكروه وكذلك الدهن، فهو: ماء باقي على خلقته
حكما.
وإن تغير
الماء بملح مائي-لا معدني فإنه يسلبه الطهورية-، أو سخن بنجس أي الوقود كان نجسا، كره، وتزول الكراهة عند الحاجة، وكرهوا ما سخن
بنجس؛ لأنه لا يسلم غالبا من وصول أجزاءٍ إليه.
ومن الماء المكروه: ما سخن
بمغصوب، وماء بئر بمقبرة، واستعمال ماء زمزم في إزالة خبث.
وإن تغير بطول الوقت وهو: الماء الآجن، فطهور غير مكروه، أو تغير بما
يشق صون الماء عنه من نابت فيه كالطحالب أو السمك أو أوراق الشجر فغير مكروه،
كذا ما تلقيه السيول، وإن تغير بمجاور ميتة فلا يكره، كذا إن سخّن بالشمس أو بطاهر.
ويكره
إن اشتد حره أو برده.
وإن استُعمل ماء قليل في طهارة مستحبة، كتجديد وضوء وغسلة ثانية
وثالثة كره فإن لم تكن الطهارة مشروعه كالتبرد لم يكره.
والماء الكثير ما بلغ الماء قلتين، والمراد بالقلة قلال هجر، فما بلغ قلتين فهو
الكثير، وما دونه فهو القليل.
والقُلّتان: خمس مائة رطل عراقي تقريبا، وهي تقريبا 200 لتر.
والماء الكثير ينجس بالتغير، والقليل ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة وإن لم
يتغير.
والماء الكثير ينجس مطلقا من بول
الآدمي وعذرته المائعة بمجرد الملاقاة، والماء الكثير في حق نجاسة الآدمي: ما يشق
نزحه فإن وقعت فيه النجاسة ولم يتغير كمصانع طريق مكة فلا ينجس.
وعنه: أنّ البول والعذرة كسائر النّجاسات لا ينجس الماء الكثير بهما إلّا
بالتغير.
ولا يرفع حدث رجل وخنثى: طهور يسير-دون القلتين- خلت به امرأة مكلفة
ولو كافرة لطهارة كاملة عن حدث كخلوة نكاح، فهذا الماء يرفع حدث أنثى وصبي فقط، ولا
يرفع حدث الرجل ويمكن أن يزيل نجسه، وإن لم يجد الرجل غيره استعمله وتيمم وجوبا.
وعنه:هو طهور يرفع الحدث مطلقا.
النوع الثاني من الماء: الطاهر
ما تغير طعمه أو لونه أو ريحه أو كثير من إحدى هذه الصفات، بطبخ
أو سقوط شيء فيه بزعفران ونحوه فطاهر غير
مُطهّر.
ولو رفع بقليله حدث صغير أو مكلف فطاهر، وعنه: طهور
وإذا انغمس الرجل بماء قليل ونوى رفع الحدث لم يرتفع؛ لأنه يرتفع
الحدث عن أول جزء يقع في الماء فيكون باقي الماء مُستعملا، ويصير الماء مستعملا في الطهارتين بمجرد انفصاله لا قبله دام
مترددا على الأعضاء.
من صور الماء الطاهر: ماء
انغمس فيه كل يد مسلم قائم من نوم ليل
ناقض للوضوء، ولو باتت يده في جراب ونحوه، ويستعمل هذا الماء إن لم يجد غيره ثم
يتيمم.
ومن صوره: آخر غسلة زالت النجاسة بها وانفصل الماء غير
متغير فطاهر، وآخر غسلة على المذهب أي:السابعة.
الماء النجس
وهو ما تغير بنجاسة قليلا كان أو كثيرا، أو لاقاها وهو يسير، أو انفصل عن محل النجاسة متغيرا، أو قبل زوالها فحكمه نجس، فما انفصل قبل السابعة نجس؛ لأنه قليل لاقى نجاسة وكذا ما انفصل قبل زوال عينها ولو بعد الغسلة السابعة.
كيفية تطهير الماء المتنجس
إن أُضيفَ للماء المتنجس طهور كثير بصبّ أو إجراء ساقية إليه طهر غير
تراب ونحوه، أو زال التغير بنفسه وعاد كأصله كما كان، أو نُزح منَ النجس الكثير فبقي بعده كثير غير متغير، والمنزوح الذي زال مع نزحه التغير طهر؛ إن لم تكن عين النجاسة فيه.
وإن شك في النجاسة أي: بعد تيقن طهارته، أو شك في نجاسته فيبني على
اليقين الذي كان قبل الشك، ولو كان الذي سقط بالماء عظم، وشك في نجاسة العظم فالأصل في العظم
الطهارة وكذا الروث، وإن أخبره عدل وعيّن السبب لزمه قبول خبره.
وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما، ولم يتحر إن لم يمكن تطهير النجس
بالطهور؛ كأن يكون الطهور قلتين فأكثر وعنده إناء يسعهما وجب خلطهما واستعمالهما، ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما، وكذا لو اشتبه ماء مباح
بمحرم-كالماء المغصوب-فيلجـأ لتيمم إن لم يجد غيرهما.
وإن اشتبه طهور بطاهر: استطاع
خلطهما أو لم يستطع توضأ منهما وضوء واحدا، من هذا غرفة ومن هذا غَرفة، ولو كان عنده
إناء ثالث طهور.
وإن اشتبهت الثّياب الطاهرة بالنّجسة أو المحرّمة ويعلم عددها صلّي بعدد النجس أو المحرّم وزاد صلاة-، ولا تصح الصلاة في ثياب مُتنجسة مع وجود طاهرة يقينا.
وإن اشتبهت الأمكنة الضيقة-أشتبه أنّ في أحد أركانها نجاسة- يصلي بعدد
الأمكنة النجسة ويزيد صلاة، ويصلي في واسعة حيث شاء بلا تحر.
باب الآنية
كُلّ إناء طاهر يباح استعماله واتخاذهُ-اقتناؤه- ولو كان ثمينا، باستثناء آنية
الذهب والفضة والمضبب بهما، وكذا المموه، وكذا المطلي، والمُطعّم، والمكفت، فإنّه يحرم
اتخاذها لما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقرآء ولو على أنثى.
وكذا تحرم كل
الآلات التي تكون من الذهب والفضة، كالقلم والمسعط والقنديل والمدخنة والمجرة.
وتصحّ الطهارة منها وبها-غَرفا- وفيها وإليها-مصبًّا- وكذا آنية مغصوبة.
ويستثنى من ذلك: ضبة
يسيرة من فضة لحاجة، والحاجة: أن يتعلّق بها غرض غير الزينة، وتكره مباشرتها.
والأصل الإباحة في آنية الكفار ولو لم تحلّ ذبائحهم كالمجوس، وتباح
ثيابهم ولو وليت عوراتهم، وكذا ما صبغوه أو نسجوه إن جهل حالها.
وتباح آنية من لابس النجاسة كثيرا كمدمن الخمر، فالأصل فيها الطهارة
وكذا بدن الكافر طاهر، وطعامه وشرابه طاهر.
وتكره الصلاة في ثياب المرضع والحائض والحامل ونحوهم.
وجلود الميتة لا تطهر بالدباغ، وكذا غير المأكول بذكاة، ويباح استعمالها في اليابسات بعد الدبغ
بشرط أن يكون من حيوان طاهر في الحياة، وعنه: يطهر ما كان طاهرا في الحياة.
والكرش والمصران دباغها بجعلها كالوتر، ولا يحصل الدبغ بالتشميس ولا بِوضع التراب فيه، ولا يحتاج الدبغ إلى نية وإلى فاعل.
ولبن الميتة وكل أجزائها نجسة، غير شعر ونحوه كصوف ووبر وريش من طاهر
في الحياة.
وإذا صَلُب قشر البيضة فما بداخلها طاهر، وما قطع من حيوان حي فهو
كميتته، فما قطع من السمك طاهر، وما قطع من الشاة وغيرها نجس باستثناء المسك-يخرج من
صرة الغزال يسمى فأرة المسك- والطريدة: وهي الحيوان الذي يهرب فيرميهِ ويَقطع منه
أوصالا، فستُثني للضرورة.
باب الاستنجاء
وهو: إزالة الخارج من سبيل بماء، أو إزالة حُكمه بحجر ونحوه كالورق وغيره، ويُسمّى استجمارًا من الجمار وهي الحجارة الصغيرة.
يستحب عند دخول الخلاء قول: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث-الشر- والخبائث-الشياطين-.
ويستحب قوله عند الخروج: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
وتقديمه اليمني خروجا، واليسرى دخولا، فاليسرى تقدّم للأذى، واليمنى
لما سواه.
ويستحب له عند قضاء الحاجة: اعتماده على رجله اليسرى جلوسا
ويرفع اليُمنى.
ويستحب بُعدُه إن كان
في فضاء، أن لا يراه أحد واستتاره، وارتياده لبوله مكانا رخوا؛ لأن لا يرتدّ عليه، ومسحه بيده اليسرى من أصل ذكره ثلاثا ولا يثبت فيه نص، ويستحب نتره ثلاثا ليستخرج
بقية البول منه.
ويستحبّ تحوّله من
مكانه ليستنجي إن خاف تلوثا.
المكروهات
يكره دخول
الخلاء ونحوه بشيء فيه ذكر الله غير المصحف فيحرم، إلّا لحاجة، ولا يكره دخول الخلاء بشيء من الدراهم ونحوها، وحرز للمشقة.
ويكره استكمال
رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض بل شيئا فشيئا.
ويكره كلامه في الخلاء ولو برد سلام، ويحرم قرآءة القرآن في الحش وفي
سطحه إن كان جالسا على حاجته.
ويكره بوله في شق ونحوه، وبوله في إناء بلا حاجة
ومستحم غير مقير-مطلي بالقار وهو الزفت- ومبلّط.
ويكره مس فرجه بيمينه وكذا استنجاء واستجمار بها.
ويكره استقبال
النيرين، لِما فيهما من نور الله، قال في الإنصاف: الصحيح في المذهب كراهة
ذلك وظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم الكراهة.
المحرّمات
يحرم استدبار القبلة واستقبالها في غير بنيان، ويكفي انحرافه عن جهة القبلة، ويكره حال الاستنجاء.
ويحرم لبثه فوق الحاجة؛ لما فيه من كشف العورة
بلا حاجة وللضرر.
ويحرمُ بوله
وتغوّطه في مواضع يضر الناس كطريق مسلوك، وظل نافع، ومتشمس للناس في زمن الشتاء، ومتحدّثهم، وتحت شجرة، وموارد الماء، وتغوّطه بماء مطلقا جاريا أو راكدا، والبول في الماء
الراكد لا الجاري.
وله أن يقتصر على الماء فقط أو على الحجر فقط، ولو أردا أن يجمع فيبدأ
بالحجر ثم الماء.
ويجزئه الاستجمار ولو بوجود الماء، وله شروط:
منها: أن لا يتجاوز الخارج موضع الحاجة، وموضع الحاجة المخرج وما جاوره
ولكن إذا تعدّى وجاوز الموضع فلا يجزأ
للمتعدّي إلّا الماء كقبلي الخنثى المشكل، ومخرج غير فرج-كما لو خرجت النجاسة من
مكان آخر-، وتنجس مخرج من غير خارج.
ويشترط أن يكون ما استجمر به طاهرا، مباحا، منقيا، غير عظم وروث ولو
طاهرين وطعام ولو لبهيمة، ومحترم ككتب علم، ومتصل بحيوان، ويحرم الاستجمار بها
وبجلد سمك أو حيوان مذكى مطلقا أو حشيش رَطِب.
ويشترط ثلاث مسحات منقية، وإن لم تُنق فيزيد ولا يجزأ أقلّ منها، ويُعتبر
أن تعمّ كل مسحةٍ المحل حتى يبقى أثر لا يزيله إلّا الماء، وبالماء: حتى تعود خشونة
المحل.
ويجب الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه لكلّ خارج من السبيل إذا أراد الصلاة
ونحوها إلّا الرّيح والطاهر وغير الملوث، ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم.
ولو كانت النجاسة على غير السبيلين، أو عليهما غير خارجة منهما فيصح
قلبها وضوء وتيمم.
باب السواكـ
السواك والمسواك: اسم للعود الذي يُستاك به، ويطلق على الفعل أي: دلك
الفم بالعود لإزالة التغيّر ونحو التغير.
يتسوّك بعود لين رطبا أو يابس مُندّى من آراك، منق للفم غير مُضر، لا يتفتّت ولا يجرح.
ويُكره بعود يجرح أو يضر آو يتفتت، ولا يصيب السنة من
استاك بأصبعه أو بخرقة.
وهو مسنون كل وقت لغير صائم بعد الزوال، فرضا كان الصوم أو نفلا، وقبل
الزوال يستحب بيابس ويباح برطب.
ويتأكّد عند
صلاة، وعند انتباه من نوم ليل أو نهار، وعند تغيّر رائحة فم، وعند الوضوء-حال
المضمضة أو قبلها-، وقراءة قرآن، ودخول مسجد ومنزل، وإطالة سكوت
ويستاك عرضا استحبابا بالنسبة للأسنان بيده اليسرى على أسنانه ولثته
ولسانه
ويدهن استحبابا غبا، أي:-يوما يدهن ويوما لا يدهن-، ويكتحل في كل عين ثلاثة
وترا، ويسن نظر في مرآة وتطيّب.
وتجبُ التسمية في الوضوء مع الذكر، وتسقط مع السهو وكذا غسل وتيممُ، وعنه :تستحب.
ويجب الختان عند البلوغـما لم يخف على نفسهـ على الذكر والأنثى، وعنه: تجب على الذكر وتستحب للأنثى، وفعله زمن صغر أفضل، وكره سابع يوم للتشبه باليهود.
ويكره القزع، وهو حلق بعض الرأس وترك البعض، ويسن
إبقاء شعر الرأس، ويكون لأذنيه وينتهي إلى منكبيه ولا بأس بزيادة وجعله ذؤابة أي:
ضفيرة.
ويعفِي اللحية ويحرم عليه حلقها، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة
منها، ولا ما تحت حلقه، لأنه ليس بلحية.
ويحفي شاربه-والحف المبالغة بالقص-ويقلم أظفاره مخالفا، وينتف إبطه
ويحلق عانته ويزيلها بما شاء، وروِي عن ابن عمر دفن هذه الأشياء، ولا تُترك هذه الأشياء أكثر من
أربعين يوما، وأمّا الشارب فكل جمعة.
سنن الوضوء
السنة في اللغة: الطريقة، واصطلاحا: ما أُمِر
به أمرا غير جازم.
حكمها: يُثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها
من سنن الوضوء: السّواك ومحله عند المضمضة، وغسل الكفين ثلاثا في أوّل الوضوء، ولو تحقق من طهارتهما، ويجب غسلهما
ثلاثا بنية وتسمية من نوم ليل ناقض للوضوء، ويسقط غسلهما والتسمية سهوا وجهلا، وعنه: لا يجب وتستحب.
وغسلهما لمعنى فيهما فلو استعمل الماء ولم يغسلهما لم يصح وضوؤه
ومن السنن: البدائة
قبل غسل الوجه بالمضمضة ثم الاستنشاق ثلاثا ثلاثا بيمينه.
ومنها: استنثاره بيساره، ومن السنن: المُبالغة فيهما لغير صائم فتكره له.
والمبالغة: إدارة الماء في جميع فمه، وفي الاستنشاق: جذبه بنفسه إلى أقصى الأنف، وفي بقيّة
الأعضاء: دلك ما ينبو عنه الماء أي: ما يكون الماء بعيدا عنه لا يصله بسهولة.
وتخليل اللحية الكثيفة سنّة والخفيفة واجب، وكذا عنفقة وهي: الشعر التي
تحت الشفة السفلى وباقي شعر الوجه إن كان خفيفا يغسله من الداخل وإذا كان كثيفا يغسله من الخارج.
ومن السنن: تخليل
الأصابع، وأخذ ماء جديد بعد مسح رأسه، ومجاوزة محل الفرض،
وعنه: لا يستحب الزيادة على محل الفرض.
ومن السنن: الغسلة
الثانية والثالثة
باب فروض الوضوء وصفته
الفرض يقالُ لمعانٍ منها: الحزىوالقطع، وهو: ما يُثاب فاعله ويعاقب تاركه.
وهو: استعمال ماء طهور في الأعضاء
الـأربعةةعلى صفة مخصوصة.
فروضه
غسل الوجه، والفم والأنف منه لدخولهما في حدّه، ولا تسقط سهوا ولا عمدا
في الوضوء ولا في الغسل، وغسل اليدين إلى المرافقين، ومسح الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والمولاة وهي: أن لا يؤخّر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله، ولا يؤخر إكمال عضو
حتى ينشف أوله.
وعنه: يعتبر طول المكث عرفا، ولا يضر إن جف
لاشتغاله بسنة كتخليل وإسباغٍ أو إزالة وسخ في أعضاء الوضوء.
ويضرّه الاشتغال بتحصيل ماء أو إسراف أو وسخ لغير طهارة-أي:ليست في
أعضاء الوضوء-.
وتشترط: النية، وهي لغة: القصد، وهي: شرط لطهارة الأحداث كلها.
وينوي رفع الحدث، أو الطهارة لِما لا يباح إلّا بها كالطواف، والصلاة، ومس المصحف، أو ينوي الطهارة لما تسن له الطهارة، وإن نوى تجديدا مسنونا ناسيا حدثه ارتفع لأنه
نوى طهارة شرعية.
وإذا نوى من عليه جنابة غسلا مسنونا ناسيا حدثه أجزأ عن واجب، والأفضل
أن يغسل الواجب ثم المسنون أو ينويهما معا، فإن نوى طهارة فقط أو وضوء أو أطلق أي: لم يعيّن، أو غسل أعضائه ليزيل
عنها النجاسة أو ليعلم غيره لم يرتفع حدثه.
وينوي مَن حدثه دائم استباحة الصلاة لا رفع الحدث، ولا يحتاج إلى تعيين
النية للفرض.
ويشترط إسلام وعقل وتمييز، وطهورية ماء، وإباحته، وإنقطاع ما يوجبه.
وإن اجتمعت أحداث متنوّعة توجب وضوء أو غسلا فنوى بطهارته أحدها ارتفع
سائرها، بشرط أن لا يكون نوى أن لا يرتفع غيره.
ويجب الإتيان بالنية عند أو واجبات الطهارة وهي: التسمية، فما فعله من
الواجبات قبلها لا يصح.
والأصل في النية أن تكون مقارنة في أوّل العمل، ويجوز
تقديمها بشيء يسير، ويسن استصحاب ذكرها، ويجب أن يستصحِب ذكرها ويكون ذلك بأن لا ينوي
قطعها.
وإن شكّ في النية أثناء طهارته استأنفها، ولا يضرّ قطعها بعد فراغه ولا
الشك بعد الفراغ.
باب المسح على الخفين
الخف: ما يوضع على القدم ساترا للكعبين، وهو رخصة
وأفضل من الغسل، ويرفع الحدث.
يجوز المسح لمدة يوم وليلة لمقيم، ومسافر لا يباح له القصر كالمسافر
العاصي، ومن سافر دون مسافة القصر.
ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن، ويخلع عند انقضاء
المدة، فإن خاف من النزع تيمم، فإن مسح بعد المدة وصلّى أعاد.
وتبدأ المدة: من أول حدث بعد لبس، ويشترط أن يكون المسح على طاهر العين
ومباح، فلا يجوز المسح على مغصوب، ولا حرير لرجل، ويشترط أن يكون ساترا للمفروض
يثبت بنفسه.
ويمسح على الجورب الذي فيه صفات الخف ونحوهما كالجرموق وهو:خف فوق خف
ويسمّى الموق، وقيل:هو خف صغير.
ويصح المسح على عمامة مباحة لرجل محنكة وهي: التي يدار منها تحت الحنك، أو ذات ذؤابة وهي: طرف العمامة
المرخى، ويشترط أن تكون ساترة لِما جرت العادة بستره.
ويصح المسح على خمر نساء مدارة تحت حلوقهن، لمشقة نزعها كالعمامة.
ويمسح على جبيرة مشدودة على جرح موضوعة على طهارة لم تتجاوز قدر حاجة العضو المصاب.
فإن تعدّى شدُّها محل الحاجة، يلزمه نزعها فإن خشي من نزعها ضررا تيمم
لزائد أثناء الوضوء عند محله.
ويلبس ما تقدم مسحه من خف وعمامة وخمار وجبيرة بعد كمال الطهارة
بالماء ولا يمسح قلانس، وهي: العمامة
الصماء ولا لفافة، ولو مع مشقة لعدم ثبوتها لنفسها، ولعدم الضابط في اللفافة، وما
يسقط من القدم ويرى منه بعضه.
ولو لبس خفا على خف قبل الحدث وكانا صحيحين يمسح على ما شاء، ولو لبس خفا على خف والتحتاني صحيح والفوقاني مخرّق يمسح على ما شاء
لأنّهما كالخف الواحد ولو كان التحتاني مخرّق والفوقاني صحيح يمسح على الفوقاني، ولو كانا
مخرقين لا يصح المسح عليهما.
ويمسح وجوبا أكثر العمامة، وأكثر ظاهر قدم الخف والجرموق والجورب، وكيف مسح أجزأ، ويمسح أعلاه دون أسفله وعقبه.
ومتى ظهر محل بعض الفرض بالخرق أو بخروج بعض القدم أو بعض رأس العمامة وفحش أو زالت الجبيرة استأنف الطهارة.
فإن تطهر ولبس الخف ونزعه ولم يحدث فلا وضوء عليه.
ويستأنف الطهارة لو مضت المدة ولو كان في الصلاة؛ لأن المسح أقيم مقام
الغسل فلو زال أو مضت المدة بطلت طهارة الجُزء الممسوح وحينها تبطل الطهارة كاملة
لأن الطهارة لا تتبعّض.
باب نواقض الوضوء
وهي: ثمانية
الخارج من السبيل مطلقا: ولو نادرا أو طاهرا، كولد بلا دم فالولد طاهر، ومقطرا في إحليله-مجرى البول- ثم خرج، أو محتشا فبتلّ وخرج فينقض.
والخارج من بقية البدن سوى السبيل: كالعرق والدّم واللعاب والمخاط والقيء والدمع فتنقضُ إن كان بولا أو غائطا قليلا كان أو كثيرا، أو كان كثيرا نجسا غير البول والغائط كقيء ولو بحاله، ومردّ الكثير: العُرف، وهو ما فحش في نفس كلّ إنسان بحسبه.
زوال العقل: إلّا يسير نوم من قائم أو قاعد غير محتب،
أو متكئ أو مستند، وينقض النوم من مضجع وراكع وساجد مطلقا قلّ النوم أو كثر.
مس ذكر آدمي متصل: ولو أشل، ولو أقلف، ولو ميّت لا الأُنثييْن فلا ينقض ولا بائنا-أي: ولا أن يكون الذكر بائنا لأنه قال متصل- أو محلّ هذا البائن، وينقضُ مس قُبُل من امرأة، والمس الذي ينقض: الذي يكون بالكف بلا حائل، ولا
ينقض مسه بالظفر، وينقض لمسهما معا من خنثى مشكل بشهوة أو لا، وينقض لمس ذكر
ذكره-أي: الخنثى المشكل- بشهوة فينتقض وضوء اللامس، أو أنثى قُبله بشهوة، فإن
كان اللمس لغير شهوة فلا ينتقض.
من نواقض الوضوء: مس الذكر امرأة بشهوة، والمرأة شاملة
للأجنبية، وذات المحرم، والميتة والكبيرة، ونحوها لأنّ هذا المسّ يدعو للحدث وينقض
إن كان باليد ولو بزائد أو أشل فكله ناقض.
وينقض مس حلقة دبر لأنه فرج، سواء كان
المسّ منه أو من غيره، لا مس شعر ولا ظفر ولا سن ولا ملموس بهنّ.
ولا ينقض مس رجل لأمرد، ولا مس مع حائل، ولا ينتقض وضوء مسّ ملموسٍ بدنه ولو وُجِد منه شهوة.
وينقض غسل الميت: مسلما كان أو كافرا، ذكرا أو أنثى، صغيرا
كان أو كبيرا، وعنه: لا ينقض، والغاسل: من يقلبه ويباشرهُ لا من
يصبّ عليه الماء ومن يُيَمّمه.
وينقض أكل اللحم خاصة من الجزور: فلا
ينقض بقية أجزائها، أو شُرب لبنها.
وكلّ ما أوجب غسلا أوجب الوضوء ما عدا الموت.
ومن تيقن الطهارة وشكّ بالحدث أو العكس بنا على اليقين، فإن تيقنهما
وجهل السابق منهما فهو بضد حاله قبلهما.
ويحرم على المحدث حدثا أصغر: مس المصحف أو بعضه حتى الجلد والحواشي بيده أو غيرها من أعضائه بلا
حائل، لا حمله بعلاقة أو كيس أو كمٍ من غير مس، ويحرم على المحدث الصلاة
والطواف.
باب الغسل
وهو: استعمال الماء على جميع بدنه على وجه مخصوص.
موجبه: خروج المني دفقا بلذّة من غير نائم، فالنائم لا يشترط لغسله الدّفق ولا الّلذة
وإن خرج المني من غير صلبه فهو نجس، أمّا من صلبه فهو طاهر.
وإن استيقظ ووجدَ بللا فإن تحقّق أنهُ مني اغتسل فقط ،-دون غسل ما أصابه
لأنه طاهر-، ولو لم يذكر احتلاما، وإن لم يتحقّقه منيّا فإن سبق نومه ملاعبة وفكر أو
نظر ونحو ذلك أو كان به أبردة
لم يجب الغسل؛ لأنه يغلب على الظنّ أنه مذي، ويجب غسل ما أصابه لأنّه نجس، وإلّا
اغتسل وطهر ما أصابه احتياطا.
وإن انتقل المنيّ ولم يخرج اغتسلَ له؛ لأنّ الماء باعد محله فيصدق عليه حكم الجنب، فإن خرج بعد اغتساله لا
يُعيد الاغتسال، وعنه: لا يغتسل.
من موجبات الغسل: تغييب
الحشفة الأصليّة في فرج أصليٍ، وإن لم ينزل قُبلا كان أو دبرا، ولا غسل إذا مسّ الختان الختان من غير إيلاج ولو أولج جزء من الحشفة.
ومن الموجبات: إسلام
كافر، لمجرّد إسلامه، ويستحب له إلقاء
شعر الرأس -أي: للرجل-والعانة والإبط.
ومن الموجبات: الموت.
ومن الموجبات: الحيض والنفاس، فيجب الغسل لخروجه
والانقطاع شرط لصحّة الغسل، ولا غسل لولادة عارضة من الدم، والولد طاهر.
ويحرمُ من عليه الغسل: الصلاة، والطواف، ومس المصحف، وقراءة القرآن، وله قول ما وافق قرآنا
إن لم يقصده، وله أن يعبر المسجد لحاجة وغيرها، ولا يجوز أن يلبث الجنب ونحوه في
المسجد بغير وضوء، فإن توضأ جاز اللبث فيه.
ويُمنع عن المسجد: مجنون وسكران ومن عليه نجاسة تتعدى.
ومن غسّل ميتا مسلما كان أو
كافرا سنّ له الغسل.
ويستحب الغسل للإغماء والجنون-بلا حلم أي: إنزال-، والجنون مقاس على الإغماء،
ويتيمم لكل ما يسن له الغسل لعذر.
وصفة الغسل الكامل
أن ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ونحوها-إن كان دائم الحدث-، ثم
يسمّي وحكمها كالوضوء، ويغسل يديه ثلاثا وهي آكد من الوضوء لرفع الحدث عنهما؛ لأنّ غسلهما في الوضوء لو نوى عند
غسلهما رفع الحدث لم يرتفعا لوجوب الترتيب، أمّا في الغسل فيترفع حدثهما.
ويزيل ما
عليه من نجاسة ويتوضأ وضوء كاملا، ويحثي الماء على رأسه يروي في كل مرّة على شعره، ويعم
بدنه غسلا، فلا يجزئ المسح، ويجب غسل الشعر الكثيف من الداخل والخارج وتنقض المرأة
شعرها لحيض ونفاس لا لجنابة، ويتيامن ويغسل قدمه مكانا آخر ويعمّ بدنه
غسلا ثلاثا ويدلكه ويتيامن.
الغسل المجزئ
أن ينوي ويسمّي ويغسل ظاهر بدنه، وما في حكم الظاهر، وباطن الشعر
وظاهره مع المسترسل، ويرتفع حدث قبل حكم زوال الخبث لا يمنع وصول الماء إلى البشرة.
ويستحب سدر في غسل كافر وحائض، ويتوضأ بمد استحبابا، ويغتسل بصاع وإن
زاد جاز.
وإن اغتسل ونوى رفع الحدثين ارتفعا، أو الحدث وأطلق ارتفع الأكبر
والأصغر، أو الصلاة أيضا ارتفع ولا يلزمه ترتيب ولا موالاة.
ويسن لجنب وحائض ونفساء
انقطع دمها: غسل الفرج لإزالة ما عليه من الأذى، والوضوء لأكل وشرب ونوم ويكره تركه
لنوم فقط.
وكره الإمام أحمد بناء الحمامات واستئجارها وبيعها، ويحرم على المرأة
دخول الحمام بلا عذر.
باب التيمم
لغة: القصد، وشرعا: مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص.
بصعيد أي: تراب طهور مباح غير محترق، وهو من خصائص هذه الأمة.
بصعيد أي: تراب طهور مباح غير محترق، وهو من خصائص هذه الأمة.