الصلاة لغة: الدعاء.
وشرعا: أقوال وأفعال مخصوصة مُفتتحة بالتّكبير مختتمة بالتسليم.
تجب الصلوات الخمس في اليوم والليلة على المسلم البالغ العاقل، لا حائضا ونفساء، فلا تجب عليهما إجماعا.
ويقضي من زالَ عقله بنوم أو إغماء أو سكر، حتى زمن جنون متصلا بالسكر تغليظا عليه.
ولا تصح الصلاة من مجنون وغير المميز؛ لأنه غالبا لا يعقل النية، ولا تصح من الكافر؛ لأن النية لا تُقبل منه، ويعاقب عليها وعلى سائر فروض الإسلام، وإذا صلى الكافر فمسلم حكما، نُعامله أنه مسلم.
وإذا بلغ الصغير أثناء الصلاة بأن تمّت مُدة بلوغه وهو في الصلاة أو بعدها في وقتها فيعيدها ويعيد التيمم لا الوضوء والإسلام.
ويحرم على من وجبت عليه تأخيرها عن وقتها المختار، أو تأخير بعضها إلّا لناوي الجمع لعذر فيباح له التأخير، ومشتغل بشرطها يحصّله قريبا، كمشتغل بخياطة ثوب لا يملك غيره.
ومن لزمته يباح له التأخير في الوقت مع العزم على فعلها ما لم يظن مانعا، وتسقط بموته.
ومن جحد وجوبها كفر وإن فعلها، وإن ادّعى الجهل كحديث عهد بإسلام عُرّف بوجوبها فإن أصر كفر.
ويكفر تاركها تهاونا وكسلا ويقتل ردة، وعنه: لا يكفر ويقتل حدا.
ويُحكم بكفر تاركها تهاونا وكسلا إن: دعاه إمام أو نائبه، فأصر وضاق وقت الثانية عنها، ولا يقتل حتى يُستتاب ثلاثا فيما إذا جحد وجوبها أو ترَكَها تهاونا فإن تاب وإلّا ضُرِبت عنقه.
ويكفر جاحد الجمعة، وكذا تارك ركن أو شرط مجمع عليه، وينبغي الإشاعة عن تاركها زجرا له إن كان نافعا له، ولا ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته.
باب الأذان والإقامة
الأذان هو: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر بذكر مخصوص.
والإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص.
وحكمهما: فرض كفاية على الرجال الأحرارِ المقيمين للصلوات الخمس المكتوبة المؤداة.
والمذهب: يكرهان للنساء، وفي وراية: يباحان، وفي رواية: يستحبّان.
ويُسنّان لمنفرد ومسافر ولمقضية.
يقاتل أهل بلد تركوهما لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فإن تشاحوا فيهما أُقرِع بينهم وتصح الصلاة بدونهما، ويكره تركهما معا.
وتحرم أجرتهما لأنهما قربة لا أخذ رزق من بيت المال من مال الفيء لعدم متطوّع.
وسن أن يكون المؤذن صيتا-وهو رفيع الصوت- وأن يكون حسن الصوت؛ لأنه أرق لسامعه، وأن يكون أمينا أي: عدلا ظاهرا وباطنا، وأن يكون عالما بالوقت ليتحرّاه فيؤذن في أوله.
فإن تشاحا اثنان يُقدّم أفضلهما فيما تقدم من ذكر الخصال، فإن استووا فيها قُدّم أفضلهما في دينه وعقله، ثم إن استووا يقدّم من اختاره أكثر الجيران، فإن تساووا في الكل فالقرعة.
والأذان خمسة عشر كلمة من غير ترجيع الشهادتين-والترجيع:أن يقول الشهادتين سرا ثم يجهر بهما-وهو مباح.
ويستحب أن يتمهل في ألفاظ الأذان ويقف على كل جملة، وأن يكون قائما على علوٍّ كالمنارة وأن يكون متطهرا من الحدث الأكبر والأصغر
ويكره أذان جُنب، وإقامة محدث.
ويستحب أن يكون مستقبل القبلة، وأن يجعل سبابتيه في أذنيه غير مستدير-فلا يدور ويزيل قدميه- وعنه: يستدير ويزيل قدميه للحاجة.
ويسنّ أن يلتفت في الحيعلة-وهو خاص بالأذان-برأسه وصدره وعنقه لا رجله، ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله قائلا بعدهما في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، مرتين.
ويكره التثويب في غير أذان الفجر وبيْن الأذان والإقامة.
والإقامة إحدى عشرة جملة بلا تثنية ويباح تثنيتها، يحدرها ويقفُ عند كل جملة.
ويقيم من أذّن استحبابا في مكانه إن سهل، ولا يُقيم إلّا بإذن الإمام.
شروط صحة الأذان
لا يصح الأذان إلّا مرتبا، متواليا عُرفا؛ لأنه لا يمكن المقصود منه إلّا بذلك، ويجوز الكلام بين الأذان وبعد الإقامة قبل الصلاة.
ولا يصح الأذان إلّا من واحد ذكر عدل ولو ظاهرا.
ويصح الأذان ولو كان ملحونا أي: مُطربا به، لحنا لا يحيل المعنى، ويبطل إن تغيّر المعنى، ويجزئ الأذان من مميز.
يُبطل الأذان والإقامة: فصل كثير بسكوت، أو كلام كثير ولو مباحا، وكلام يسير محرّم.
ولا يجزئ قبل الوقت؛ لأنه إعلام بدخول الوقت؛ إلّا الفجر فيصح بعد نصف الليل-من غروب الشمس إلى طلوعها-.
ورفع الصوت بالأذان ركن، ويسنّ أن يجلس بعد الأذان يسيرا في المغرب.
ومن جمعَ صلاتين أو قضى فرائض فوائت أذّن للأولى وأقام لِما بعدها، وإن خاف من رفع صوته تلبيسا أسر، فلو ترك الأذان لها فلا بأس.
ويسنّ متابعة المؤذن للسامع ولو كانت امرأة أو سمعه مكرّرا حيث سنّ تكرار الأذان لسعة البلد، وسن أن يقضيه، ولا يتابع في الحيعلة والتثويب وقد قامت الصلاة.
ويسن في الحيعلة أن يقول السامع: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي التثويب يقول السامع: صدقت وبررت، وإذا قال المقيم قد قامت الصلاة يقول السامع: أقامها الله وأدامها.
ويستحب للمؤذن والمقيم إجابة أنفسهما، ويستحب أن يقول بعد الأذان: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.
ويحرم خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان من المسجد إلّا بعذر، أو نية رجوع.
باب شروط الصلاة
أي: ما يجب لها قبلها، ويجبُ استمرارها.
ومن شروط الصلاة:الإسلام والعقل والتمييز.
ومن شروطها: دخول الوقت، فالوقت سبب لوجوب الصلاة مع كونها شرط للصحة.
ومنها: الطهارة من الحدث، والطهارة من النجس.
وقت الظهر: من الزوال وهو: ميل الشمس إلى جهة المغرب، ويستمرّ إلى مُساواة الشيء الشاخص فيئه بعد فيء الزوال، ويختلف بالشهر والبلد وتعجيلها أفضل، ويحصل فضل التّعجيل في التأهّب لها من أول الوقت.
وفي شدة حر يستحب الإبراد ولو كان منفردا، ومع الغيم يستحبّ التأخير لمن يُصلي جماعة، وهذا في غير الجمعة فيُستحب تقديمها في حر أو برد.
ويليه وقت العصر المختار: من غير فصل بينهما، ويستمر إلى مصير الفيء مثليه بعد الزوال، وعنه: إلى اصفرار الشمس.
ووقت الضرورة إلى غروبها والصلاة فيه أداء، ويحرم تأخيرها إلى وقت الضرورة من غير عذر، ويسن تعجيلها مطلقا.
ووقت المغرب إلى غياب الشفق، ويسن تعجيلها؛ إلّا ليلة جمع.
ويليه وقت العشاء إلى طلوع الفجر الثاني وهو: البياض المعترض بالمشرق، ولا ظلمة بعده، والوقت المختار إلى ثلث الليل، وعنه: إلى نصف الليل.
ويستحبّ تأخيرها إلى آخر وقت الاختيار، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها، ويحرم تأخيرها إلى بعد ثلث الليل بلا عذر لأنه وقت ضرورة.
ووقت الفجر من طلوعه إلى طلوع الشمس وتعجيلها أفضل مطلقا.
ويسنّ التأخير لحاقن ونحوه مع سعة الوقت.
وتُدرك الصلاة أداءً بإدراك تكبيرة الإحرام بوقتها، ولا يصلّي من جهلَ الوقت ولم يُمكنه مشاهدة الأدلة قبل غلبة ظنه بدخول وقتها إمّا باجتهاد-ويستحب له التأخير حتى يتيقن-، أو خبر ثقة متيقن، كأن يقول رأيت الفجر طالعا ونحوه، وإن أخبره عن ظنٍّ لم يعمل بخبره، ويعمل بأذان الثّقة العارف.
ومن دخل وقت الصلاة وهو من أهل وجوبها ثم طرأ عليه عذر تلزمهُ ويقضيها عند زوال العذر.
ومن صار أهلا للوجوب قدر تكبيرة الإحرام، ثم خرج الوقت وجبَت عليه الصلاة وما يجمع إليها.
ويجب فورا قضاء الفوائت مرتّبة ولو كثرت وهو شرط-ويكره القضاء موضع صلاة العيد-
وعنه: الترتيب مستحب.
ويسن صلاة الفوائت جماعة، ويسقط الترتيب بنسيانه للعذر، ولا يسقط بالجهل، ويسقط الترتيب لخشية فوات الحاضرة، ولو خشي فوت الجماعة تفوته ويُراعي الترتيب.
ومن شك فيما عليه من الصلوات وتيقن سبق الوجوب، أبرأ ذمته يقينا.
ومن شروط الصلاة: ستر العورة.
والسِتر: الملابس التي تستر الجسد، ويجب ستر العورة بما لا يصف بشرتها ويكفي الستر بغير منسوج، كالورق والجلد والنبات.
ولا يلزمه الستر ببارية وحصير، وحفيرة، وطين وماء كدر إن لم يجد غيرها لما فيها من الضرر.
وعورة رجل ومن بلغ عشرا وأمة وأم ولد ومكاتبة ومدبرة ومعتق بعضها وحرة مميزة ومراهقة-التي دون البلوغ-: من السرة إلى الركبة، وعورة ابن سبع إلى عشر: الفرجان فقط.
وكل الحرة البالغة عورة إلّا وجهها فليس عورة في الصلاة، وعنه: وكفّيها، وفي رواية: وقدميها.
وتستحب صلاة الرجل في ثوبين كالقميص والرداء والإزار، ويكفي ستر عورته في النفل، وفي الفرض يجب ستر عورته مع جميع أحد عاتقيه ولو بما يصف البشرة، ويستحب ستر رأسه والإمام أبلغ.
وتستحب صلاة المرأة في درع وخمار وهو: ما تضعها على رأسه وتديره تحت حلقها، وملحفة،
وتكره صلاتها في نقاب وبرقع بلا حاجة.
وإذا انكشفت العورة أثناء الصلاة تعمّدا تبطل الصلاة، وإذا لم يتعمد فتبطل إن فحش المكشوف وطال الزمن.
ولا تصح الصلاة بثوب محرم كمغصوب وحرير، ومنسوج بذهب أو فضة، إن كان رجلا واجدا غيره، وصلّى فيه عالما ذاكرا، وعنه: تصح مع التحريم.
وإن صلّى في ثوب نجس أعاد، وإن حُبِس في مكان نجس يركع ويسجد إن كانت النجاسة يابسة، ويومئ برطبة غاية ما يُمكنه ويجلس على قدميه.
ويصلّي عريانا مع ثوب مغصوب لم يجد غيره، ويصلّي في حرير ونحوه إذ لم يجد غيره، ولا يصح نفل من عبد آبق لغصب الزمن، ومن وجد كفاية عورته سترها وجوبا وترك غيرها، وإن لم يجد إلّا بعضها فيستر الفرجين لأنهما أغلظ فإن لم يكفيهما فيقدم الدّبر.
ويلزم العريان تحصيل السترة ولو زاد الثمن، وإن أعِير سترة لزمه قبولها بخلاف الهبة للمنة، ولا يلزمه استعارتها.
ويصلي العاري العاجز عن تحصل السترة قاعدا، ولا يتربّع بل ينضم ويومئ استحبابا.
ويكون إمام العراة وسطهم وجوبا، ما لم يكونوا عميانا أو في ظلمة ويصلّي كل نوع من رجال ونساء وحده.
فإن وجدَ المصلّي العريان سترة قريبة عُرفا أثناء الصلاة ستر وبنى على ما مضى من صلاته، وإن كانت بعيدة ابتدأ الصلاة بعد ستر عورته، وكذا من أعتقت فيها واحتاجت إليها.
ويكره في الصلاة السدل، وهو: طرح الثوب على كتفيه لم يرد طرفه على الطرف الآخر، إلّا أن يكون الثوب مما يُلبس عادة هكذا فلا يكره.
ويكره اشتمال الصماء، وهو: أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره، أي: كلبس المحرم، يلف قماشا على جسده ليس عليه غيره، وكُره خشية كشف العورة وإن كان تحته ثياب فلا كراهة.
ويكره في الصلاة تغطية وجهه، واللثام على نفسه بلا سبب لِما توحي على العبث وفيها تشبه بعبدة النار، وكره كف كمهِ ولفه-طويه-بلا سبب، وكره شد وسطه كالزنار لما فيه من التشبه بالكفار.
ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة مطلقا.
وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره في الصلاة وغيرها في غير الحرب، ويجوز الإسبال من غير الخيلاء لحاجة.
ويحرم التصوير على صورة الحيوان وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة-كالرأس- لم يحرم.
ويحرم لبس المصور وتعليقه وستر الجدر به لا افتراشه وجعله مخدا.
ويحرم على الرجال ثياب حرير، ويحرم ما لو كان أكثر الثوب حريرا، وإن كان الحرير والمخلوط معه مستويان فلا حرمة.
ويجوز لبس الحرير الخالص لضرورة أو حكة أو مرض أو قمل، أو حرب ولو بلا حاجة، أو كان الحرير حشوا لجباب أو فرش أو كان الحرير علَما وهو طراز الثوب-بشرط أن لا يتجاوز الأربع أصابع-، أو كان رقاعا أو لبنة جيب وهو: الزيق المحيط بالعنق، وسجف فراء-ما يركب على حواشي الثوب- ولا يحرم.
ويباح كيس مصحف تعظيما له وخياطة به أي الحرير، وأزرار لأنها يسيرة.
ويحرم إلباس صبي ما يحرم على الرجل، وتشبه رجل بأنثى بلباس وغيره وعكسه.
ويكره المعصفر في غير إحرام، ويكره المزعفر للرجال، ويكره الأحمر الخالص والمشي بنعل واحدة، وكون ثيابه نصف ساقه أو تحت كعبه بلا حاجة ولا خيلاء.
وللمرأة زيادة إلى ذراع، ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة وثوب الشهرة.
ومن شروط الصلاة: اجتناب النجاسة-إلّا المعفو عنها عنها- ببدنِ المُصلّي وثوبه وبُقعته وعدم حملها، فمن حل نجاسة لا يُعفى عنها كحيوان غير مأكول، أو بتشر النجاسة بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته.
وإن مسّ ثوبه ثوبا جافا بدون اعتماد وملاقاة أو حائطا نجسا-نجاسة جافة- لم يستند إليه، أو قابلها راكعا أو ساجدا ولم يُلاقها صحّت.
وإن طيّن أرضا نجسة أو فرشها طاهرا صفيقا أو بسطه على حيوان نجس، أو صلى على بساط باطنه نجس كُره وصحّت.
وإن كانت النجاسة بطرفِ مصلّى متصل به صحت الصلاة على الطاهر.
ولو تحرك النجس بحركته وإن لم يكن متعلقا بيده، بحيث ينجر بمشيه فيصبح بحكم حامل النجاسة فلا تصح لأنّه مستتبع لها.
ولو رأى النجاسة عليه بعد الصلاة وجهل كونها كانت قبل الصلاة أو بعدها فلا يعيد، وإن علم أن النجاسة كانت فيها ولكن جهلها أو نسيها أعاد، وعنه: تصح ولا يعيد.
ومن جبر عظمه بعظم نجس، أو خيط جرحه بخيط نجس وبرء جرحه لم يجِب قلعه مع الضرر؛ لفوات نفس أو عضو أو مرض، ولا يتيمم له إن غطاه اللحم وإن لم يخف ضررا لزمه قلعه.
ولا تصح الصلاة بغير عذر في مقبرة إلّا في جنازة، ولا يضرّ قبران فقط، ولا ما دفِن في داره، ولا تصح في حش وفي حمام، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل، ومكان مغصوب، ومجزرة، ومزبلة، ولا في أسطحتها، وعنه: تصح في أسطحتها.
وتصح صلاة جنازة وجمعة وعيد ونحوها بطريق لضرورة، وتجوز في مكان مغصوب.
ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها ولا في حجرها، وإن وقف على منتهاها بحيث لم يبقى ورائه شيء منها صحت فرضا، وتصح النافلة والمنذورة فيها باستقبال شاخص منها.
والمذهب: تصح النافلة مطلقا.
ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة، أو جهتها لمن بعد، ولا تصح الصلاة لغيرها إلّا لعاجز كالمربوط والمصلوب إلى غير جهة القبلة، أو في حال شدة الحر ولمتنفل راكب سائر في سفر مباح إذا كان يقصد جهة معينة، ويلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة عند الإمكان، ويومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض.
وإن عدلت به دابته لغير القبلة وغير طريق السفر بغير عذر بطلت، وإن كان لعذر وطال الانحراف بطلت.
ويلزم القريب من الكعبة إصابة عينها، والبعيد إصابة جهتها، وإن أخبره بالقبلة ثقة متيقن لزمه قبول خبره، وإذا وجد محاريب مسلمين عمل بها.
وإن اجتهد مجهدان واختلفا في الجهة لم يتبع أحدهما الآخر، ويتبع المقلّد لجهل أو عمى أوثقهما عنده فإن تساويا خُيّر، وإن قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما.
وإن صلى المجتهد بغير اجتهاد، ولا تقليد قضى ولو أصاب.
ويجتهد المجتهد لكل صلاة، ويصلّي بالاجتهاد الثاني ولا يقضي ولو أثناء الصلاة.
ومن شروط الصلاة: النية، وهي لغة: القصد، وشرعا: العزم على فعل العبادة تقرّبا إلى الله تعالى.
شروطها: الإسلام والعقل والتمييز وعدم القيام بالمنافي.
فيجب تعيين الصلاة المعيّنة فرضا كانت كالظهر والعصر، أو نفلا كالوتر والسنة الراتبة.
ولا يُشترط نية الفرضية، ولا نية الأداء أو القضاء.
وينوي مع التحريمة لتكون النية مقارنة للعبادة، وله تقديمها بزمن يسير عُرفا في الوقت.
ومن شك في نيته أثناء الصلاة استأنفها، وإن ذكر قبل أن يقطع الصلاة أنه نوى فإذا كان لم يأتي بشيء من أعمال الصلاة بنا وإن أتى بشيء أثناء الشك استأنف.
ولا أثر للشك بعد العمل.
وإن قلب مأموم أو منفردا فرضه نفلا في وقته المتسع صح، ويكره لغير غرض صحيح ولا يصح عكسه.
ويجب للجماعة نية الإمام الإمامة، والمأموم الائتمام، وتصح نية الإمامة ظانا حضور مأموم لا شاكًّا.
وإن نوى المنفرد الائتمام في أثناء الصلاة لم يصح فرضا كانت الصلاة أو نفلا.
ولا تصح نية إمامته أثناء الصلاة إن كانت فرضا، ويصح في النفل، وعنه: تصح.
وإن نوى المأموم الانفراد لعذر صح، وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه فلا استخلاف.
فليس للإمام أن يستخلف إن سبقه الحدث، ولا تبطل صلاة الإمام ببطلان صلاة المأموم ويتمّها منفردا ولو لم ينوي الانفراد.
وإن غاب الإمام الراتب وأحرم بالصلاة نائبه وحضر الإمام أثناءها صح تقدّمه.
وإن سبق اثنان فأكثر وسلّم الإمام وقاما وائتمّ أحدهما بصاحبه بقضاء ما فاتهما صح، أو ائتم مقيم بمثله بعد ما سلم إمام مسافر صح.
باب صفة الصلاة
يسن الخروج إليها بسكينة ووقار، ويُقارب خطاه، وإذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى، ويقدّم اليسرى إذا خرج.
ويقول ما ورد، ولا يُشبّك بين أصابعه، ولا يخُوض في حديث الدّنيا، ويجلس مستقبل القبلة.
ويسن للإمام فالمأموم القيام عند قول المقيم: قد قامت الصلاة، والمذهب: لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام.
ولا يُحرِم الإمام حتى تفرغ الإقامة، وتسنّ تسوية الصفّ في المناكب مع الأكعب.
ويتراصّون في الصف، والصف الأوّل للرجال أفضل، ولهُ ثوابه وثواب من وراءه ما اتّصلت الصفوف، والصف الأخير للنساء أفضل.
ويقول قائما في فرض مع القدرة: الله أكبر فلا تنعقد إلّا بها نطقا.
وإذا أتى بتكبيرة الإحرام غير قائم، أو ابتدأ بها غير قائم أو أتمّها وهو واقف، أو ابتدأها جالسا وأتمّها واقفا صحّت نفلا إن اتّسعَ الوقت.
ويكون حال التحريمة رافعا يديه ندبا، فإن عجز عن رفع إحداهما رفع الأخرى مع ابتداء التكبير، وينهيه معه، مضمومة ممدودة الأصابع مستقبلا ببطونها القبلة وتكون حذو المنكب، وعنه: يصح إلى فروع أذنيه، ويسقط رفع اليدين بفراغ التكبير كله.
ويُسمع الإمام التكبير من خلفه وكذا يجهر بـ سمع الله لمن حمده، والتسليمة الأولى، كقرائته في الفجر، والأولتين من المغرب والعشاء، وغير الإمام والمنفرد يسرّ بذلك كله.
وإذا فرغ من التكبيرة يقبض كوع يسراه بيمينه ويجعلهما تحت سرته استحبابا، وعنه: تحت صدره فوق السرة، وعنه: مخير لأن الجميع مروي.
وينظرُ المصلي مسجده أي: موضع سجوده استحبابا، ثم يستفتح ندبا، ثمّ يتعوّذ ويبسملُ سرًّا
ثم يقرأ الفاتحة تامّة، وهي ركن في كل ركعة مرتبة متوالية، فإن قطعها بذكر وسكوت غير مشروع وطال عرفا لم تصح.
أو ترك منها تشديدة أو حرفا أو ترتيبا لزم غير مأموم إعادتها-لأن الفاتحة لا تجب عليه-.
وإن ترك الإمام التأمين أو أسرّه أتى به المأموم جهرا.
ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة وتجوز آية، واستحب الإمام أحمد كونها طويلة، ويكرهُ الاقتصار على الفاتحة في الصلاة وقراءة القرآن كله للإطالة.
وتكون السورة في صلاة الصبح من طوال المفصل وهي من: ق إلى عمّ، وفي صلاة المغرب من قصاره أي من: الضحى إلى الناس، وفي الباقي من الصلوات تكون السورة من أوساطه: من عم إلى الضحى.
ويكبّر رافعا يديه مع ابتداء الركوع، ويضع يديه على ركبتيْه مفرجتي الأصابع استحبابا، ويكون المصلي مستويا ظهره، ويجعل رأسه حياله والمجزئ: الانحناء بحيْث يُمكنه مسّ ركبتيه بيديه إن كان وسطا بالخِلقة أو قدره من غيره، وإن كان قاعدا يُجزئه مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة ويقول: سبحان ربي العظيم، والواجب مرة وأدنى الكمال ثلاثة.
ثم يرفع رأسه ويديه قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، مرتبا وجوبا، ويقولان بعد قيامهما واعتدالهما: ربنا لك الحمد، ملء السماوات والأرض، ويقول المأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد فقط، ولا يزيد عليه، وعنه: يزيد.
وبعد الرفع من الركوع إن شاء وضع يديه على صدره، وإن شاء أرسلهما، ثم يخرّ مكبرا إلى السجود ولا يرفع يديه، ويسجد على سبعة أعضاء: رجليه وركبتيه ويديه والجبهة مع الأنف، ولا يجب أن تباشر الأرض بلا حائل ويجزئ بعض كل عضو، ولا ينوب عن الجبهة شيء وإن لم يستطع يومئ ما استطاع من جبهته.
ويجافي العضد عن الجنبـيْن، والبطن عن الفخذ، والفخذين ما لم يؤذ جاره، ويفرّق ركبتيه ورجليه وأصابع رجليه، ويوجهها إلى القبلة ويقول: سبحان ربي الأعلى.
ثمّ يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا ناصبا يديْه ويبسط يديه على فخذيه مضمومتي الأصابع، ويقول: رب اغفر لي ثلاثا، ثم يسجد الثانية كالأولى ثم يرفع مكبرا ناهضا على صدور قدميه، معتمدا على ركبتيه إن سهل وإلّا اعتمد على الأرض.
ويصلي الركعة الثانية كالأولى ما عدا: التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية.
ويجلس لتشهد الأول مفترشا ويداه على فخذيه، ويقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها، ويحلّق إبهامها مع الوسطى ويُشير بسبابتها من غير تحريك عند ذكر الله ويقول: التحيّات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ويقول بالتشهد الأخير: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ويدعوا استحبابا بما ورد أو بأمرِ الآخرة، ولو لم يرد ولا يدعوا بأمر الدنيا وتبطل به.
ثم يسلّم وهو جالس مرتبا معرفا وجوبا، ويكون ابتداء السلام حال التفاته، وسن التفاته عن يساره أكثر، وأن لا يطول السلام بمد صوته وأن يقف على آخر كل تسليمة، وأن ينوي به الخروج من الصلاة، ولا يجزء أن لا يقول ورحمة الله، والأوْلى أن لا يزيد وبركاته.
وإذا قام من الركعتين لا يرفع يديه، وعنه: يرفعهما ويقرأ الفاتحة فقط، ويسرّ في القراء ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا.
والمرأة مثل الرجل في جميع ما تقدّم ولكنّها تضم نفسها في الركوع والسجود فلا تتجافى، وفي التشهد تسدل رجليها في جهة يمينها، أو متربعة، وتسر في القراء وجوبا إن سمعها أجنبي، وخنثى كأنثى.
وبعد السلام يستغفر ثلاثا ويقول ما ورد، ويدعو بعد كل مكتوبة مخلصا بدعائه.
مكروهات الصلاة