تعريف البيع: هو مُبادلة مالٍ ولو في الذمّة، أو منفعة مباحة-كمَمرٍ- بمثلِ أحدهما على التّأبيد غير ربا وقرض.
شرح التعريف
مبادلة: أي: جعل شيء في مُقابلة شيء آخر، المال: كل عيْن مباحة النّفع من غير حاجة ولا ضرورة.
ولو في الذمة: أي: ولو كان هذا المال في الذمّة، وهي عكس الثمن المعيّن.
أو منفعة مباحة: ويُطلق البيع على مُبادلة المنفعة المباحة، فيصح بيْعها كبيع منفعة المرور في الطريق، أو مرور الأسلاك، أو أنابيب المياه فوق البيت أو الأرض.
بمثل أحدهما: أي: بمثل المال والمنفعة، على التأبيد: هذا القيد يُخرج الإجازة.
غير ربا وقرض: وهذه المبادلة ليست مثل الربا، وليست قرضا أيضا، فالربا يُسمّى بيعا إلّا أن الله عز وجل حرّمه، وأمّا القرض ففيه مبادلة ولكن المقصود الأعظم فيه الإرفاق.
أركان البيع: متعاقدان، ومعْقود عليه، وصيغة أو معاطاة.
وللبيع صورتان: الأولى: الصيغة القوليّة، وهي: التي يكونُ فيها الإيجاب والقبول.
ويصح تقدّم القبول إن كان مُتراخيًّا عن الإيجاب، وإذا حصل التشاغل بين الإيجاب والقبول، فتأخّر القبول عن الإيجاب، وتشاغلا قبل صدور القبول من المشتري بأشياء لا تتعلّق بالبيع فإنّ الإيجاب الذي صدر من البائع يبطل.
ويُشْترط أن يكون بلفظ الأمر أو الماضي المجرّد عن الاستفهام.
ويُشترط لصحة الصيغة القولية شروط: الأول: أن يكون القبول على وفق الإيجاب في النقد والقدر والحلول والتأجيل.
الثاني: أن لا يتشاغل العاقدان بما يقطع البيع عُرفا، الثالث: اتصال القبول بالإيجاب ولو متراخيا ما داما في المجلس.
وذهب صاحب الإقناع أنّ البيع في الكتابة صحيح.
الصورة الثانية: الصيغة الفعليّة، وهي المعاطاة وهو التناول، سواء كانت المعاطاة من البائع والمشتري أو من أحدهما فإن العقد يصح.
شروط البيع
الشرط الأول: التراضي، فلا يصح من مُكره بلا حق، ولا يصحّ بيع الهازل.
الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف وهو: الحر المكلف الرشيد، فلا يصح تصرف الصبي والسفيه، ويصح تصرف الصبي بإذن وليّه، ويحرم على الوليّ أن يأذن بلا مصلحة، ويضمن هو-أي الولي-.
الشرط الثالث: أن تكون العيْن مباحة النّفع مطلقا من غير حاجة ولا ضرورة.
الشرط الرابع: أن يكون من مالكٍ أو من يقوم مقامه كالوكيل والولي.
وإن اشترى لغيره في ذمته-لم يدفع ثمنه- بلا إذنه ولم يسمِّه في العقد صح لمن اشتُري له بالإجازة، ولزِمَ المُشتري بعدمِ الإجازة مِلكًا له.
ولا يصح بيْع نقع البئر لأنه قبل الحيازة لا يملكه أحد، ولا يصح بيْع ما ينبت في الأرض من حشيش وشوك ويَملكه آخذه -الماء والكلأ والشوك- وكذا معادنٌ جارية.
الشرط الخامس: أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه-حال العقد- فلا يصح بيع العبد الهارب، وشارد-والمراد به الجمَل-، وطير في هواء، وسمك في ماء، ولا المغصوب إلّا لغاصبه إذا لم يُجبر المالِك على بيعه، فإن أُجبِر فإنّ العقد لا يصح.
ويصحّ بيع المغصوب على شخص يستطيع تخليص هذا المغصوب من الغاصب.
الشرط السادس: أن يكون المبيع معلوما برؤية مقارنة للعقد، أو متقدّمة عليه بزمنٍ، لا يتغيّر فيه المبيع غالبا، أو صفة تكفي أن تكون سلمًّا.
ولا يصح بيع حمل في بطن، أو لبن في ضرع منفردين، ولا مسك في فأرته، ولا نوى في تمره، ولا صوف على ظهر، ولا فجل ونحوه مُستتر في الأرض-قبل قلعه-.
ولا يصح بيعُ الملامسة -أيّ ثوب لمسته فهو عليكَ بكذا-، والمنابذة -أيّ ثوب نبذته إليّ أي: طرحته علي فعليك بكذا-.
ولا يصح بيع عبد غير معيّن من عبيدهِ، فلا بد أن يُعين المبيع، ولا يصح استثناء شيء غير معين.
الشرط السابع: أن يكون الثمن معلوما للمتعاقديْن حال العقد، ويُعرف بالرؤية أو الصفة.
ولا يُشترط إذا رأى الثّمن أن يعلم عدده فيصح بالمشاهدة.
وإن باعهُ برقمه-الثمن مكتوب عليه- وهما يَجهلانه أو أحدهما لم يصح، أو قوله: بعتك بما ينقطع به السعر.
تفريق الصفقة
وهيَ أن يجمع بيْن ما يصحّ بيعه وما لا يصح بيْعه صفقة واحدة-عقدا واحدا، وثمنا واحدا-.
إن باع معلوما ومجهولا-يتعذّر علمه- كقوله: بعتك ما في هذا الفرس وما في بطن فرس الأخرى، و لم يُحدّد ثمن كلا منهما لم يصح، فإن لم يتعذّر علمه صحّ في المعلوم بقسطه.
ولو باع مشاعًا بينه وبين غيره-المشاع معلوم القدر مجهول العين- كالعبد المشترك، أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء-كعشرة أكياس متساوية، له خمسة منها- فيصح في نصيبه بقسطه.
ما الفرق بين الثمن والقيمة؟
الثمن: الذي وقع عليه العقد، القيمة: التي تكون في السوق.
وإن باع جميع ما يملك بعضه لكنه ليس مشاعا بل متميزا كعبده وعبد غيره بغير إذنٍ، أو عبدا وحرا، أو خلا وخمرا صفقة واحد صحّ في عبده، ولا يصح في عبد غيرهِ ولا في الحر والخمر، ولمشترٍ الخيار إن جهل الحال لأنّه تبعضت عليه الصفقة، ويُخيّر بيْن الإمساك أو الرد، ولا خيار للبائع.
البيوع المنهيّ عنها
ولا يصح البيع ولا الشراء ممّن تلزمه الجُمعة بعد ندائها الثاني-مجرّد الشروع في الأذان- بلا حاجة وضرورة، ويستمرّ إلى انقضاء الصلاة، ويصحّ النكاح وسائر العقود.
ولا يصحّ بيع العصير لمن يتّخذه خمرا، ولا سلاح في فتنة، ولا عبد مسلم لكافر-إذا لم يعتق عليه-، فهي أشياء مباحة لكنها تُفضي إلى محرّم.
ويحرم بيعه على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه، ومحلُّ النهيِ هنا زمن الخيارين، ويبطل فيهما العقد، ويحرم السوم على سوم أخيه، ويصح العقد.
ومن باع ربويا بنسيئة واعتاض عن ثمنهِ ما لا يباع به نسيئة لم يصح لأنه ذريعة لبَيع الربوي بالربوي نسيئة.
مسألة العينة
لو اشترى شيئا نقدا-حالّا- بأقل ما باع بهِ نسيئة لم يصح لا بالعكس، بأن اشتراه بأكثر من ما باعه فإنّه جائز كما لو اشتراهُ بمثله.
عكس مسألة العينة: المُحتاج فيها البائع وهي: إن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة فلا يصح.
وفي العينة إن اشتراه بغير جنسه فيصح، أو بعد قبض ثمنه، أو بعد تغيّر صفته، أو من غير مشتريهِ أو اشتراه أبوه-لبائع- أو ابنه صحّ ما لم يكن حيلةً.
باب: الشروط في البيع
الشرط: إلزم أحدِ المُتعاقدين الآخر بسببِ العقد ما لهُ فيهِ منفعة.
المُعتبر منها ما كان في صُلب العقد، ومنها صحيح، ومنها فاسد.
الشروط الصحيحة
الشرط الأول: ما يُوافق مقتضى العقد، وهو شرط يوافق مقتضى البيع، كَالتقابض وحلول الثمن، وهذا وجوده كعدمه.
الشرط الثاني: ما كان من مصلحة العقد وهو نوعان: إمّا اشتراط صفة في الثمن أو في توثيقه، أو اشتراط صفة في المبيع، ويُشترط لصحّة هذا النوع أن يُمكن الوفاء به، وأن تكون الصفة مباحة.
فإن وفى البائع بالشّرط وإلّا فللمشترط الفسخ أو أرش فقد الصفة.
الشرط الثالث: وهو نوعان: أحدهما: أن يشترط البائع نفعا معلوما في المبيع كأن يشترطَ سُكنى الدار شهرا.
الثاني: أن يشترط المُشتري على البائع نفعا معلوما في المبيع، كحمل حطب أو تكسيره أو خياطة ثوب أو تفصيله، وإن جمع بين شرطين هنا بطل البيع.
الشروط الفاسدة
منها شروط فاسدة، ويحرم اشتراطها، وهي: الشروط التي تُنافي مقتضى العقد، وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: فاسد يبطل العقد، كأن يشتراط أحدهما عقدا آخر كسلف وقرض وبيع وإجارة ونحوه.
النوع الثاني: فاسد لكنه لا يُبطل العقد، وهو أن شرَط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلّا ردّه أو لا يبيعه ولا يهبهُ ونحوه فلا يصح، ويبطل الشرط وحده.
النوع الثالث: تعليق العقود، ولا يصح في المذهب وخاصة عقود المُعاوضة، كأن يقول: بعتك إن جاء زيد، أو إن رضي زيد، فالبيع لا يكون إلّا ناجزا.
وإن باعه: شيئا وشرطَ البراءة من كل عيب مجهول فلا يصح ولا يبرأ.
وإن باعه دارا ونحوها مما يُذرع، فبانت أكثر أو أقل صح البيع والزيادة تكون للبائع والنقص عليه أيضا يوفيه، ولمن جهل الحال الخيار.
باب الخيار
وهو: طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ.
وهو أقسام:
الأول: خيار المجلس، وهو: المكان الذي حصل فيه عقد البيع، فالعَقد في المجلس يقعُ جَائزا غير لازم حتى يتفرّقا.
ويثبتُ في الصلح الذي بمعنى البيع-صلح الإقرار- ويثبتُ في الإجارة، وفي عقد الصرف والسّلم.
ولكل من المتبايعين الفسخ ما لم يتفرّقا اختيارا ويرجع بهذا التفرّق إلى العُرف ويحصل في الأبدان.
فإن تبايعوا واتفقوا مع العقد أن لا خيار بينهما فيسقط خيار المجلس، ولو أسقطه أحدهما سقط خيارهُ هو وبقى خيار الآخر.
الثاني: خيار الشرط، وهو في حقيقته تطويل لخيار المجلس، وهو: أن يَشترطاه مدّة معلومة ولو طالت.
ويشترط لصحة خيار الشرط:
أولا: أن تكون له مدّة معلومة وإن طالت، ثانيا: أن يكون الخيار في مدة الخيارين-المجلس والشرط- لا بعدهما.
ثالثا: أن لا يقع حيلة ليربح في قرض فيحرم ولا يصح.
وابتداء مدة الخيار من حين العقد لا التفرّق وإن مضت مدة الخيار ولم يفسخ أحدهما أو قطعاه سقط.
ويثبت في البيع والصلح بمعناه وفي الإجارة بالذمة أو على مدة لا تلي العقد.
وإن شرطه أحدهما دون صاحبه صح، ويسقط بأوّل الوقت، ولمن له الخيار الفسخ ولو مع غيبة الآخر وسخَطه.
والمِلك مدّة الخيار للمشتري، أي: ملك المبيع، وملك الثمن للبائع، فلا يصح تصرّف المشتري في الثمن ولا البائع في المبيع.
وللمشتري نماء المبيع المنفصل.
ويحرم ولا يصح تصرّف أحدهما في المبيع، ولا في عوضه المعيّن بغير إذن الآخر وبغير تجربة المبيع إلّا عتق مشتري.
وتصرّف المشتري في المبيع-إن كان الخيار له- فسخٌ لخياره.
وإن مات أحدهما بطل خياره فلا يورث، إلّا إذا طالب بالخيار قبل موته.
الخيار الثالث: الغبن، إذا غُبن في المبيع غبنا يخرج عن العادة.
والغبن اصطلاحا: أن يُخدع العاقد-سواء كان بائعا أم مشتريا- في ثمن السلعة إمّا زيادة أو نقصا يخرج عن العادة.
ويخيّر من غُبن إمّا الإمساك بلا أرش، أو الفسخ مع ردّ السلعة وأخذ الثمن.
والغبن يكون في صور:
الصورة الأولى: تلقّي الركبان وهم: القادمون من السفر ومعهم سلع يريدون أن يبيعوها في السوق، فمن تلقّاهم واشترى منهم، ثم دخلوا السوق فوجدوا أنهم قد غُبنوا، فلهم الخيار.
الصورة الثانية: زيادة الناجش-أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها- وهو حرام لما فيه من تغرير المشتري وخديعته.
الصورة الثالثة: يثبتُ في المسترسل وهو: من يجهل القيمة ولا يُحسن المماكسة.
ولا يثبت الغبن في غير هذه الصور.
الخيار الرابع: خيار التدليس، وهو اصطلاحا: أن يفعل البائع في السلعة فِعلا يُظهرها بخلاف ما هي عليه في الواقع ويزيد فيها الثمن، وهو محرّم.
مثاله: تسويد شعر الجارية وتجعيده، وجمع ماء الرّحى وإرساله عند عرضها، فإذا تبيّن له التدليس ثبت له الخيار، ويُخيّر بيْن أن يمسك بلا أرش أو يأخذ الثمن.
الخيار الخامس: خيار العيب وما بمعناه، وهو اصطلاحا: على قسمين:
الأول: نقص عيْن المبيع ولو لم تنقص قيمته، ثانيا: نقص قيمة المبيع عند التجّار وإن لم تنقص عينه.
ويدخل فيه ما بمعنى العيب: كطول نقل ما في دار عرفا، وكون الدار المبيعة ينزل فيها الجند، وذكر شيخ الإسلام أيضا: الجار السوء فيثبت له خيار العيب، وللمشتري الإمساك مع الأرش، وهو: قسط بين الصحة والعيب، أو ردّه مع أخذ الثمن.
ولا يملك حق الرد إن تلفت العين، ولو أمسكها-العين المعيبة- مع الرضا، أو باعها سقط خياره.
وإذا زال العيب سقط الخيار، ولا يفتقر الفسخ لحكمِ حاكم ولا رضا ولا حضور صاحبه.
وإن اختلفا عند من حدث العيب فقول: مشتر مع يمينه إن لم يخرج عن يدهِ، فإن خرج عن يده فقول: بائع، ما لم يكن هناك بيّنة، وإن لم يحتمل إلّا قول أحدهما قُبِل قول المشتري أو البائع بلا يمين.
الخيار السادس: خيار التخبير الثّمن، أي: إذا أخبر البائع بالثمن فبان أقلّ أو أكثرَ ممّا أخبر به البائع فللمُشتري الخيار.
ويثبتُ في التولية، وهي: البيع برأس المال، مثاله: اشتريتُ سلعة بريال وأبيعكَ إياها بريال، ويثبتُ في الشركة، وهي بَيع بعضه بقسطه من الثمن، مثاله: اشتريتُ عشرة أقلام بعشر ريالات، وأَبيعك خمسةً بخمس ريالات.
ويثبت في المرابحة، وهي: بيع بثمنهِ وربحٍ معلوم، مثاله: اشتريتُ سلعة بريال وأبيعهَا لك بريالين، ويثبت في المواضعة، وهي: بيعه برأس ماله وخسران معلوم، اشتريتُ السلعة بريالين وأبِيعك إياها بريال.
والمذهب: أنه متى بان رأس المال أقلّ حُطّ الزائد، ويحطّ قسطه في مرابحة، وينقصه في مُواضعة ولا خيارَ للمشتري.
وإن اشترى بثمن مؤجّل، ثم باعها بتخبير الثمن دون أن يخبر المشتري، فالمَذهب: يؤجل الثمن عليه فقط ولا خيار.
كذلك إن كان اشتراها ممن لا تُقبل شهادته له؛ كأبيه، ثم باعها بتخبير الثمن، فعليه أن يُخبر المشتري، كذلك إن اشترى السلعة بأكثر من ثمنها حيلة، كأن يشتريها مقابل ديْنٍ على بائعه ليتخلّص منه، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يُبيّن ذلك في تَخبيره ّفلمشتر الخيار بين الإمساك والرد.
الخيار السابع: خيار اختلاف المُتبايعين، إن اختلفا في قدرِ الثمن تحالفا فيَحلف المشتري أولا ويجمع بيْن النفي والإثبات، مُقدّما النفي على الإثبات، ثم يحلف المشتري كما حلف البائع، ولكلٍ الفسخ إذا لم يرضَ أحدهما بقول الآخر، فإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها.
وإن اختلفا في صفتها فقول مشتر؛ لأنّه سيغرم، وإن فسخ العقد-بعد الحلف- انفسخ ظاهرا-في القضاء- وباطنا-برئ كل منهما من الآخر-.
وإن اختلفا في الأجَل فالقول قول من بنفي الأجل، وإن اختلفا في شرط فالقول قول من بنفيه بيمينه، وإن اختلفا في عيْن المبيع تحالفا وفسخ، وفي رواية: يُقبل قول البائع بيمينه.
وإن أبى كلٌ منهما تسليم ما في يده حتى يقبض الثمن، فإن كان الثمن مُعيّنا نُصب عدلٌ يقبض منهما ويسلّم المبيع للمشتري ثم الثمن للبائع.
وإن كان الثمن ديْنًا حالا أجْبر بائع على تسليم المبيع، ثم المشتري إن كان الثمن بالمجلس، وإن كان الثمن حالًّا لكنه غائب عن المجلس-في البلد- حُجر عليه في المبيع وبقية أمواله حتى يُحضر الثمن، وإن كان غائبا عن البلد فَللبائع أن يفسخ.
وإن تبيّن أنّ المشتري معسرٌ، فللبائِع الفسخ.
ويثبتُ الخيار للخُلف في الصفة-إن اشترى شيئا بالصفة- فله الخيار بين الإمساك بلا أرش أو الفسخ، كذلك يثبت في تغيّر ما تقدمّت رؤيته -بزمن لا يتغيّر فيه المبيع تغيرا ظاهرا- فله الخيار.
التصرّف بالمبيعِ قبل قبضه
يترتّب على من اشترى مكيلا ونحوه-كالمَوزون والمَذروع والمعدُود- عدّة أحكام:
وقيل: هذه الأحكام منوطة إن اشتراها بالكيل أو الوزن، لا ما بيع من ذلك جزافا.
الحكم الأول: يلزم البيع بمجرّد العقد سواء قبضه أو لم يقبضه، فليس لأحدهما الفسخ ما لم يكن بينهما خيار.
الحكم الثاني: لا يصح التصرّف في هذا المكيل ونحوه في البيع أو الإجارة أو الرهن حتى يقبضه.
الحكم الثالث: مُلك المشتري له، فنماء هذا المبيع للمشتري وهو أمانة بيد البائع.
الحكم الرابع: إن تلف هذا المبيع قبل القبض فمن ضمان البائع، وإن تلف بآفة سماوية بطل البيع.
وإن أتلفه آدمي خُيّر بيْن أن يفسخ البيع ويرجع على البائع بالثمن، أو أن يمضيه ويُطالب المتلف بالبدل.
وما عدا المبيع ونحوه، يجوز التصرّف فيه قبل قبضه.
وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمان المشتري، ما لم يمنعه بائع من قبض فإن منعهُ فمن ضمَانه-البائع-، والمبيع بكيل يُقبض بمجرد كيله، فلا يشترط نقله، كذلك الموزون بمجرّد وزنه، والمعدود بعده والمذْروع بذرعه، -والوعاء كيَدهِ- وفي صبرَة وما ينقل بنقله، وما يُتناول بتناوله، وغيره-كالعقار- فبِتخليَته.
والإقالة فسخ، وهي: مستحبّة لمن طُلبِت منه.
وتجوز قبل قبض المبيع وبعده، ويُشترط أن تكون بمثل الثمن، فلا تصحّ بأقل ولا أكثر.
ويشترط أن تكون السلعة تالفة، وتصحّ مع تلف الثمن.
ويشترط أن تكون بنفس جنس الثمن الذي وقع عليه العقد، ويشترط كذلك حضور العاقدين.
باب الربا والصرف
الربا: تفاضل في أشياء، ونَساء في أشياء، مختص في أشياء ورَد الشّرع بتحريمها.
والصرف: بيع نقد بنقد.
والربا نوعان: ربا الفضل وربا النسيئة.
وعلّة الربا في النقدين-الذهب والفضة- كونهما موزاني الجنس، وفيما عداهما كونهما مكيلات الجنس.
الفرق بين المكيل والموزون أنّ المكيل مقدّر بالحجم، والموزون بالثّقل، وما لا وزنَ فيه ولا كيْل فلا يجري فيه الربا.
ويجب فيه الحلول والقبض، ويجوزُ بيع المكيل والموزون بجنسه بشرطين:-
الأول: التساوي في القدر بِمعياره الشرعي، الثاني: القبض قبل التفرّق.
ولا يُباع مكيل ولا موزون إلّا بمعياره الشرعي أي: الظرف المُساوي للمظروف، كالصاع للمكِيلات، ومعيار الموزون الوزن.
ولا يجوز بيع بعضه ببعضه جُزافا، والجُزاف: بيع الشيء واشتراه بلا كيل ووزن.
وإن اختلف الجنس-مثل بر بشعير- جازت الثلاثة، والثلاثة: أن يباع بالكيل والوزن والجزاف.
ضابط الجنس: هو ما له اسم خاص يشمل أنواعا، كالبر، فهو شامل لأنواع.
وفُروع الأجناس أجناس، فما تفرّع عن الجنس فهو جنس، كاللبن، فالحَليب يُستخرج منه الزّبد والجبن وهذا الزبد جنس لوحده، وهو فرع لجنس.
وكلّ شيئين اتّفقا في الاسم واختلفا في أصلِ الخِلقة فهما جنسان اعتبارا بأصلهما؛ مثل اللحم، واللحم أجناس باختلاف أصوله فيجوز بيع رطلين من لحم الغنم بثلاثة أرطال من لحم الإبل، لكن يشترط التقابض في المجلس، وكذا الشعير واللبن.
ولا يصح بيع فرع ربوي بأصله لِعدم إمكان التساوي-كلحم غنم بشاة- ويصح بغير جنسه.
ولا يجوز بيع حب بدقيقه ولا بسويقه، ولا نيئهِ بمطبُوخه، ولا أصله بعصيره، ولا خالِصه بمشوبه، ولا رَطبه بيابسه.
ويجوز بيع دقيق الربوي بدقيقهِ كطحين بطحين إذا استويا بالنعومة، وكذلك كل ما يمكن فيه التساوي.
ولا يُباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غيرِ جنسهما؛ إلّا إذا كان مع ما أحدهما أو معهما يسيرا كالملح بالخبز، ولا يجوز بيع تمر فيه نوى بتمر لا نوى فيه.
ويُباع النوى بتمر فيه نوى؛ لأنّ النوى الذي في التمر غير مقصود، فهذا تابع ولا يُقصد في العقد أصلا، ولبن وصوف بشاة ذاتِ لبنٍ وصوف فيصح؛ لأنّ اللبن الذي في الضرع غير مقصود وكذلك الصوف.
ومردّ الكيل لعُرف أهل المدينة، والوزن لعُرف أهل مكة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحرم ربا النسيئة في بيع كلّ جنسين اتّفقا في علة ربا الفضل وهي-الكيل والوزن- ولو اختلف الجنس، كبرٍ بشعير فيحرم ربا النّسيئة ولا بُدّ من التّقابض في المجلس، وكذلك ذهب بفضة يحرم ربا النسيئة بينهما ولا بُدّ من التقابض في المجلس.
فإن كان أحدهما نقدا فيجوز النَّساء، كالحليب بالذهب، كالمكيلين والموزونيْن مكيلين: كبر وشعير، وموزونين من الذهب بفضة، فيُعتبر التقابض والحلول ولا يجوز النَّساء.
وإن تفرّقا قبل القبض بطل، وإن باع مكيلا بموزونٍ-كبرٍ بذهب- جازَ التفرّق قبل القبض والنَّساء والتفاضل، ويجوز النَّساء في الذي لا كيْل فيه ولا وَزن كالحيوان.
ولا يجوز بيع الدّين بالدّين بالإجماع كـ بيع ما في الذمة بثمن مؤجّل لمن هو عليه، ومن صُوره: جعل الدّين رأس مال السّلم.
ومتى ما افترق المُتصارفان بأبدانهما عُرفا قبل قبض الكُلِّ أو البعض بطل العقد فيما لا يقبض.
والدراهم والدنانير تتعيّن بالتعيين في العقد ويحصل التعيين في المذهب: بالإشارة وبالاسم، فلا يجوز أن تبدل، وإذا وجدها مغصوبة بطل العقد.
وإذا وجدها معيبة من جنسها-كالسواد بالفضة- فيُخيّر بين الإمساك بلا أرش أو الفسخ.
ويحرم الربا بيْن المسلم والحربي، وبيْنَ المسلمين مطلقا.
باب: بيع الأصول والثمار
والمراد بها هنا بيع الأراضي والدّور والأشجار والثمار وما يدخل فيها.
إذا باع دارا-أو وهبَها أو رهنها أو وقَفها- شمِل أرضَها وشمل بناءها وسقْفها والباب المنصوب والسُلم-الدرج- والرّف المَسمورين، والخابية المدفونة وهي وعاء يُحفظ فيه المال.
ويدخل فيها المعدن الجامد كالذهب والفضة، وما فيها من أشجار والعُرش وهو ما يُستظلّ به.
ولا يدخل فيها ما هو مُودعٌ فيها من كنزٍ وحجر مدفُون، ومنفصل منها كحبل ودلوٍ وفُرُش، وهذه الأمور ترجع إلى العُرف فيما يدخل وما لا يدخل.
بيع الأراضي
من باع أرضا-أو وهبَها أو رهنها أو وقَفَها- شمل غرسها -وهو ما قام على ساق- وشمل بناءها، وإن كان فيها زرع كبُرٍ وشعير-لا يحصد إلا مرّة- فلبائع مُبقى، فيُترك إلى وقت أخذه بلا أُجرة إلّا إذا اشترطه المشتري.
وإن كان هذا الزرع يُجزّ أو يُلقط مرارا فأصوله للمشتري، وجزة ولقطة أولى -ظاهرة- للبائع، ويصح أن يشترطها المشتري أي: أن تكون له.
بيع النخيل والأشجار
من باعَ نخلا تشقّق طلعه فلِبائع مُبقًى إلى الجذاذ-أي القطع-، إلّا أن يشترطه مشترٍ.
بيع الثمار والزروع
ولا يباع ثمرٌ قبل بدوِّ صلاحه، ولا زرع قبل اشتداد حبه، ولا رطبة-البرسيم- ولا بقلٌ-وهو كل نبات اخضرّت فيه الأرض كالبقدونس والنعناع- ولا قثاء ونحوه دون الأصل.
ثلاث حالات يجوز فيها بيع الثّمار قبل بدو صلاحها:
الأولى: إذا بِيعت مع أصلها، الثانية: إذا باعها لمالك الأصل، مثاله: إذا باع النخلة فيها الرّطب قبل أن يبدو صلاحه فالرّطب للبائع، ثم باع هذا الرطب الذي لم يبدو صلاحه على صاحب النخلة فيجوز.
الثالثة: يجوز أن تباع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع في الحال، وبشرط: الانتفاع بها، وألّا تكون مشاعة.
والحصاد للزرع، والجذاذ للثمر، واللقاط للقثّاء ونحوه يكون على المشتري، وإن باع الثمر قبل بدوّ الصلاح أو الزرع قبل اشتداد حبه مطلقا دون اشتراط القطع، أو باعه بشرط البقاء لا يصح .
وإن اشترى ثمرا لم يبدو صلاحه-بشرط القطع- فتركه حتى زاد بطل البيع أو جزة من البقول، أو لقطة ظاهره فتركها فنمت وزادت فإنّ البيع يبطل.
وإن ظهر ما فيه صلاح، أو اشتد حبّه جاز بيعهُ مطلقا بغير شرط، وبشرط التبقية، وللمشتري تبقيتهُ للحصَاد والجذاذ وعلى بائع سقيه إلى وقت الجذاذ.
وإن تلفت بآفة سماوية رجع على البائع إلَا إذا كان التالف يسيرا عُرفا.
والجوائح: آفة سماوية تتلف الثمار أو بعضها، كالأمطار الشديدة والغبار، ولها ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن تتلَف الثّمار قبل القبض فهي من ضمان البائع.
الحالة الثانية: أن تتلف الثمار بعد القبض وقبل الجذاذ فهميَ من ضمان البائع أيضا.
الحالة الثالثة: أن تتلف الثمار بعد القبض والجذاذ فهي من ضمان المشتري.
وإن أتلفه آدمي خُيّر المشتري بين فسخ أو رجوع على المتلف.
وصلاح بعض الشجرة صلاحٌ لها ولسائر نوعها في البستان -لا الجنس-وبدوّ الصلاح في الثمر النخل أن تحمرّ أو تصفر وفي العنب أن يتموه حُلوا.
وفي بقية الثمرات أن يبدو فيها النّضج ويطيب أكلها، وصلاح الحب أن يشتدّ.
باب السلم
وهو شرعا: عقد على موصوف في الذمّة مؤجّل بثمن مقبُوض في مجلسِ العقد.
فهو معدوم لكنّه موصُوف بصفات مُحدّدة، والذمّة وصف يصير به المكلف أهلا للإلزام والالتزام.
وهذا الموصوف إمّا أن يكون عيْنا، وإمّا أن يكون منافع فيجوز فيها السّلم.
وهو جائز بالإجماع.
ويصحّ بألفاظ البيع وَبلفظ السلم والسَّلف بشروط سبعة -زائدة على شروط البيع-.
الشرط الأول: أن يكون المُسلَم فيه يمكن ضبطُ صفاته، والمراد بها الصفات التي يختلف فيها الثمن اختلافا كثيرا.
وممّا تنضبط صفاته كـ مكيل وموزون ومذروع، وأما المعدود المختلف-الذي لا ينضبط صفاته- لا يصحّ السّلم فيه باستثناء الحيوان ففيه السلم.
والآن المعدود يصحّ ضبط صفاته في هذا الزمن، وفي رواية: يصح السّلم في المعدودات.
وما يجمع أخلاطا غير متميزة لا يصح السلم فيها لعدم انضباط صفاته، ولا يصح السلم في عين من عقار -لأنه يمكن بيعه في الحال-.
الشرط الثاني: ذِكْر جنس المُسلم فيه ونوعه، وذكر كلّ وصف يختلف فيه الثمن اختلافا ظاهرا، ولا يصح شرط الأردأ أو الأجود.
فإن جاء المُسلم إليه بما شرط عليه المُسلم أو بأجود منه -من نفس النوع- ولو قبل حلول أجله ولا ضرر في قبضه لزِمه أخذه.
الشرط الثالث: ذِكر قدر المُسلم فيه بكيل أو وزن أو ذرع يُعلم.
الشرط الرابع: ذكر أجل معلوم، ويُشترط أن يكون هذا الأجل له وقع في الثمن، فلا يصح أن يكون حالا ولا أقل من شهر.
الشرط الخامس: أن يوجدَ المُسلم فيه غالبا في وقت حلول الأجل، لا وقت العقد فإن تعذّر أو بعضه، فلربه الصبر إلى أن يوجد أو فسخ الكل أو البعض-المُتعذّر-
الشرط السادس: أن يقبض الثمن تامًّا، ويُشترط أن يكون الثمن معلوم الوصف والقدر، ويصحّ أن يُسلم في جنس إلى الأجلين-بشرط أن يُبيّن قسطَ كلٍ أجل-أو في جنسين إلى أجل واحد.
الشرط السابع: أن يكون المسلم في الذمة غير معيّن.
ولا يشترط ذكر مكان الوفاء، والواجب حينئذ الوفاء في محل العقد إن كان ذلك مُمْكنا، فلو عقد في بحر أو طائرة فلا بدّ أن يُحدّد مكان الوفاء ولا يصح العقد إن لم يحدّداه.
ولا يصح بيع المُسلمِ فيه ولا هبته ولا الحوالة به، ولا أخذ عوضه ولا الرّهن ولا الكفيل فيه.
باب القرض
وهو اصطلاحا: دفع مال ارفاقا لمن ينتفع به ويردّ بدله.
وهو: مندوب، ويستحب أن يقترض للأضحية والعقيقة، وما يصح بيعه يصح قرضه؛ إلّا بني آدم، فلا يصح إقراضهم لما فيهِ من البذلة والامتهان.
شروط صحة القرض:
الشرط الأول: معرفة قدرهِ، فلا يصح أن يقرضه شيئا بالمشاهدة.
الشرط الثاني: معرفة عددهِ ليتمكّن من ردّ بدلهِ.
الشرط الثالث: أن يكون المقرض ممّن يصح تبرّعه.
الشرط الرابع: أن يكون الشيء المقرض مما يصحّ بيعه.
الشرط الخامس: أن يكون المُقرض عيْنا فلا يصح قرض المنافع.
الشرط السادس: أن يُصادف القرض ذمّة، فلا بدّ أن يتمتع المقترض بالذمة، فلا يصح قرض الجهات، كالمساجد حتى يستطيع المُقرض أن يُـطالبه، وفيه خلاف، وقيل بجوازه.
ويُملك بقبضه، فلا يكون لازما إلّا بالقبض، ولا يملك المقرض استرجاعه من المقترض إلّا إذا حجر عليه-المقترض- لفلسٍ فيملك المقترض الرّجوع به، وقبل ذلك لا بُد من وجود الإيجاب والقبول في القرض.
ولا بد فيه من الإيجاب والقبول، ولا يلزم المقترض أن يردّ عيْن المال بل يثبت بدله في ذمّته حالا ولو أجّله، وإذا ردّ المقترض عيْن ما اقترضه لزِم المُقرض قبوله.
وأمّا إن كان مُتقوّما فلا يلزمه قبوله وله طلبُ قيمته وقت القرض.
ويُرد مثليٌ في المثليات، والقيمة في المُتقوّمات.
وضابط المثلي في المذهب: هو كلُّ مكيلٍ و موزونٍ لا صناعَة فيه مباحة يصح السّلم فيه، وما عدا المثلي يكون قيميًّا.
ويحرمُ كلُّ شرطٍ جرّ نفعًا، كأن يسكن المُقرِض المقترض داره-مجانا أو رخيصا- كل هذا محرّم، أو أن يقضيه أجود ممّا اقترض منه.
وإن بدأ المُقترض بما فيه نفع بلا شرطٍ أو أعطاه أجودَ مما أخذ صحّ أو أعطاه هدية بعد الوفاء جاز.
وإن تبرّع المُقترض للمُقرض-قبل الوفاء- بشيء لم تجرِ عادَتُه بهِ لم يجز أن يقبَلها إلّا أن ينوي مكافأته على ذلك أو احتسابه من ديْنه.
وإن أقرضه أثمانا أو غيرها فطالب المقرض بهذه الأثمان أو غيرها في بلد آخر لزمته.
وفيما لحمله مؤونة إن طالب المُقرِض المُقترض بها ببلد آخر فيلزم المقترض أن يردّ قيمة ما اقترضه إلّا إذا كانت قيمةُ الشيء المُقرض في بلد القرض أنقص من بلد الطلب فيرد البدل لا القيمة.
وإن قال المقرض للمُقترض إن متُّ فأنتَ في حل فوصية صحيحة، فإن خرج من الثلث فليس عليه شيء، وإن زاد على الثّلث رد الزائد عن الثلث، وإن قال: إن متَّ فأنت في حل فهذا الإبراء لا يصح، لأنّ الإبراء لا يصحّ أن يكون معلّقا.
باب الرهن
وهو: توثقة دينٍ بعينٍ يمكن استيفاؤه أو بعضه منها، أو من ثمنها إن تعذّر الوفاء من غيرها.
شروط صحة الرهن:
الأول: تنْجيزه، فلا يصح معلّقا.
الثاني: كونُه مع الحق أو بعده، فلا يصح قبله.
الثالث: أن يكون الراهن جائز التصرّف.
الرابع: أن يكون الرهن مِلكًا للرّاهن ولو كان مالكا لمنافعه بإجارة أو بإعارة بإذن مؤجّر ومُعير.
الخامس: أن يكون الرهن معلوما جنسهُ وقدرهُ وصفته.
السادس: أن يكون الرّهن بديْن واجب.
السابع: أن يكون الرّهن عيْنا، فلا يجوز رهنُ المنافع.
يصح الرهن في كل عينٍ يجوز بيْعها مع العقد أو بعده، فلو طلبَهُ قبله فإنه لا يصح.
قال: بدين ثابت، وهو الذي يثبت في الذمّة لوجود سببه ولا يسقط إلّا بالإبراء أو الأداء، كثمن مبيع وقيمة متلف، ويلزم في حق الراهن فقط بالقبض.
وليس للمُرتهِن أن يقبض الرهن بغير إذن الراهن.
ويصح رهنُ المُشاع، والمبيع قبل قبضه -غير المكيل والموزون- على ثمنه أو على غيره.
وما لا يجوز بيعه لا يصح رهنه كالوقف؛ إلّا الثمرة والزرع قبل بدو صلاحها بدون شرط القطع.
وإن أخرج المُرتهن الرهن للراهن باختياره صحّ وزال لزوم الرهنِ، ولا ينفذ تصرّف واحد منهما فيه -بالرهن- بغير إذنِ الآخر، إلّا عتق الراهن فيصح مع الإثم، وتُؤخذ قيمته وتكون رهنا عند المُرتهِن مقابل العبد الذي أعتقه.
ونماء الرهن وكسْبه وأرش الجناية عليه، فإنّه يُلحق بالرّهن، ومَؤونتهُ على الراهن، وأُجرة مخْزنه عليه.
وهو أمانة في يدِ المُرتهن إن تلف بغير تعدٍ منهُ ولا تفريط فلا شيء عليه.
ولا يسقط بهلاكهِ شيءٌ من الديْن إن لم يتعدّ أو يفرّط، وإن تلف بعض الرهن فما يبقى منه يكون رهنا لجميع الدين، ولا ينفك بعضه بسداد شيءٍ من الدين.
وإن رهن واحدٌ رهنا عند اثنين فوفّى أحدهُما انفكّ في نصيبه، أو رهن اثنان شيئا واحدا عند شخص فاستوفى المُرتهن من أحدهما انفك الرهن في نصيب المُوفي بما عليه.
ومتى ما حلّ الدّين وامتنعَ الرّاهن من وفائه فإن كان الرّاهن أذِن للمُرتهن في بيعه فإنّهُ يبيعه ويوفّي الدين؛ وإلّا لم يأذن له أجبرهُ الحاكم على وفاء الدّين أو بيعَ الرهْن، فإنِ امتنع حبسَهُ الحاكم ويُعزّره حتى يؤدي ما عليه فإن لم يفعل وأصرّ على الامتناع أو تغيّبَ باعه الحاكم ووفى الدّين.
ويكون الرهن عند من اتفقا عليه، ولا يشترط أن يكون عدلا، ولكن يُشترط أن يكون جائز التصرف، وإن باعهُ بإذنهما فقبضَ الثمن فتلف بيده-من غير تعدِ ولا تفريط- فمن ضَمان الرّاهن لأنه مُلكه فيفوت عليه.
وإن ادّعى دفع الثمن للمُرتهن فأنكره ولا بيّنة ضمن لتفريطه لأنه لم يُشهد.
وإن شرط أن لا يبيعهُ إذا حلّ الديْن فهذا شرط فاسد، أو شرط إن جاءه بحقه ِفي وقت كذا وإلا فالرهن له، فلا يصح الشرط.
ويُقبلُ قولُ راهنٍ بيَمينه في قدر الدين، وإن اختلفا في عيْنه فيُقبلُ قول الراهن بيمينه، كذلك إن اختلفوا في ردَه.
ويجوز للمُرتهن أن ينتفعَ بالرهن بما يُركب وما يُحلب، فله أن يركب ما يُركب ويحلب ما يُحلب-بقدر نفقته- وإن كان الراهن غير حاضر.
وإن أنفق على الرهن بغير إذنِ الراهن مع إمكانه، لم يرجَِع على الرّاهن ولو نوى الرجوع لأنه في حُكم المُتبرع، وإن تعذّر استذانه رجع -ولو لم يستأذن الحاكم- إن نوى الرجوع.
ولو خرِب الرهن كما لو كان دارا فعمَرها بلا إذن فإنّه يرجع على الراهن بالآلة فقط -الأنقاض- فلا يرجعُ بأجرة المعمّرين ونحو ذلك.
باب الضمان
وهو: التزام ما وجب على غيره مع بقائه وما قد يجب.
شروطه:
الشرط الأول: أن يكون من جائز التصرف، الشرط الثاني: رضا الضامن.
الشرط الثالث: كوْن العين في يد المضمون له هي يد ضمان، أي أنّه يضمنها مطلقا سواء فرّط أو لم يُفرط، الشرط الرابع: أن لا يشترط الضامن الخيار.
وإن بَرأت ذمة المضمون عنه برأت ذمّة الضامن لا عكسه.
ولا تُعتبر معرفة الضامن للمضمون عنه بل يعتبر رضا الضامن فقط.
ويصح ضمانُ المجهول إذا آل للعلم، ولا يصح قوله: ضمنت لك بعض دينك.
و يصحُّ ضمان ما يؤول للوجوب كالعواري والمقبوض والمغصوب، فيصح ضمان العين المغصوبة، والمقبوض لسوم-ما طلب شراءه- أي إن ساومه وقطع ثمنه وأخذه معه يصحّ أن يطلب ضمان هذه السلعة التي سامها، ويصح ضمان عهدة المبيع وهي قسمان: الأول: عهدة مبيع عن بائع لمشتري، الثاني: عهدة مبيع عن مشتري للبائع، فالضمان في القسمين يكون متسلطا على الثمن، وهذا معنى عهدة المبيع، أو ضمان جزء من الثمن لأحدهما عن الآخر.
ولا يجوز ضمان الأمانات كوديعة بل ضمان التعدّي فيها.
باب الكفالة
وهي: التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لربه.
شروطها:
الأول: أن يكون الكفيل جائز التصرف، الثاني: رضاه، الثالث: أن تكون في إحضار بدنِ من عليه حق مالي أو عين مضمونة.
الرابع: العلم بالمكفول، فلا تصح الكفالة في المجهول، الخامس: عدم شرط الخيار فيها كالرهن فإذا شرط الكفيل الخيار فإنها تكون فاسدة.
تصح الكفالة في بدنِ كل إنسان عندهُ عينٌ مضمونة، وكذلك ببدن من عليه ديْن يصحُّ ضمانه كثمن مبيع وقرض، لا حدِّ لله عز وجل أو آدمي.
ويُعتبر رضا الكفيل لا مكفول به أو مكفول لهُ، فإن مات المكفول برئ الكفيل، كذلك إن تلفت العين المضمونة التي تكفّل ببدن من هي عنده أو سلّم-المكفول- نفسه فيبرأ الكفيل.
وإن عجزَ الكفيل إحضار المكفول يلزمه الديْن؛ إلّا إن شرط الكفيل البراءة من هذا الدّين، فلا يجب عليه بخلاف الضمان فإنّه يضمن مطلقا.
باب الحوالة
وهي: انتقال مالٍ من ذمّة إلى ذمّة، بلفظها أو معناها الخاص.
والأصل فيها: السنة، وأجْمعَ العُلماء على صِحّتها.
وهيَ ليست بيْعا بل: تنقلُ المال من ذمّة المُحيل إلى ذمة المُحال عليه.
شروط صحتها:
الشرط الأول: لا يصح أن يُحيل الإنسان ديْنه الذي للآخرين عليه إلّا على دينٍ له مستقر على غيره، والدّين المستقر هو الدّين الواجب الذي يثبتُ بالذمّة، ولا يُعتبر استقرار المُحال فيه، ولا تصح الحوالة على الأعيان وتصحّ إلا على الديون فقط.
والديون الغير مُستقرة هي: الديون التي تكون عرضة للسقوط مثل: الكتابة، والسّلم، والصداق قبل الدخول.
الشرط الثاني: اتفاق الديْنين جنسًا ووصفًا ووقتا-حلولا أو تأجيلا- وقدرا، ولا يؤثر الفاضل -فيما لو أحال بخمسة على خمسة من عشرة- فإن الحوالة تصح.
وإذا صحّت نُقل الحق إلى ذمّة المُحال عليه، وبرئ المُحيل بمجرد الحوالة ولو قبل الأداء.
الشرط الثالث: رضا المحيل، ولا يشترط رضا المُحال عليه، ولا المحتال بشرط إن حال على مليء.
والمليء: هو القادر على الوفاء بماله وقوله وبدنه، وإن كان مُفلسا ولم يكن رضي -المحتال- بالحوالة رجع بديْنه على المحيل.
الشرط الرابع: يعتبر علم بالمال المحال والمحال عليه، فلا بد أن تكون بمال معلوم على مال معلوم.
الشرط الخامس: أن يكون المال المُحال عليه مما يصح السلم فيه من المثليات وغيرها.
من أحيل بثمن مبيع،-فالمحال هو البائع- أو أحيل عليه به -أي: بأن يحيل البائع شخصا دائنا له بمثل الثمن الذي على المشتري- فبان البيع باطلا فلا حوالة، وتبطل في المسألتين، ويرجع المُشتري على من كان دينه عليه، وفي المسألة الثانية يرجع المشتري على محال عليه لا على البائع، وإذا فُسخ البيع بخيار عيب أو غيره لم تبطل الحوالة ولهما أن يُحيلا.
باب الصلح
وهو: معاقدة يُتوصّل بها للإصلاح بيْن متخَاصمين.
وهو من أكبر العقود فائدة، ولذلك حسُن فيه الكذب.
والصّلح في الأموال ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: صلح الإقرار وصورته: أن يأتيهُ يدّعي عليه بشيء فيُقرّ المُدّعى عليه، وينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: صلح على جنس الحق المقرِ به، النوع الثاني: صلح على غير جنس الحقّ المقر به.
إذا ادعى عليه بدين أو عين فأسقطَ الدّين، أو وهب البعض من العين وترك الباقي صحّ.
شروط صحّة الإقرار
الشرط الأول: أن لا يكون هناك شرط، كأن يقول له أقرُّ لك بشرطِ أن تعطيني منه كذا، فإن قال ذلك فلا يصح.
الشرط الثاني: أن يكون المُصالح ممّن يصحّ تبرّعهُ.
الشرط الثالث:أن لا يكون بلفظ الصُلح وإنّما بلفظ الهبة والإبراء.
وإن وضعَ بعض الدّين الحال وأجّل باقيه صح الإسقاط فقط ولا يصح التأجيل، وإن صالح عن المؤجّل ببعضه حالًّا لم يصح.
وإن أقرّ لهُ ببيتٍ، فصالحهُ على سُكناه أو صالحه بأن يبني-المقر- له فوقه غرفة فإنه لا يصح هذا الصلح؛ لأنّه صالحه على ملكه أو منفعته.
وإن ادعى على آخر أنهُ عبد له فصالحه وأعطاه مالا ليُقرّ أنه عبد مملوك لم يصح، كذا لو صالح امرأة لتقرّ له بالزوجية فلا يصح؛ لأنّ هذا الصلح يُحلّ حراما، وإن بذلاهما له صلحا عن دعواه-أي ليسقط الدعوة- صح ويحرم على الآخذ إن علم كذب نفسه.
وإن قال شخصٌ لآخر: أقرّ لك بديني وأُعطيكَ منه كذا، ففعلَ صحّ الإقرار بهذا الدّين لا الصلح؛ لأنهُ لا يستحق المقر شيئا ليس له.
النوع الثاني في الصلح على الإقرار: الصلح على غير جنس المدعى بهِ، وهو ثلاثة أقسام:
الأول: إن كان بنقد عن نقد، كأن يدّعي عليه ألف ريالٍ فيصالحه بخمسائة دولار فهو صرف يُشترط فيه التقابض قبل التفرّق.
الثاني: إن كان بعوض عن نقد، كأن يأخذ مكان هذه الألف ريال سيارة صح وهو بيع.
الثالث: إن كان بمنفعة عن نقد، كأن يعرض عليه أن يسكن شقته سنة فهي إجارة.
القسم الثاني من الصلح: صلح الإنكار
وهو: أن يدّعي عليهِ بشيء فيُنكر المُدّعى عليه.
من ادُّعيَ عليه بعين أو دين فسكت المدعى عليه أو أنكر، والمنكر يجهل ما ادعي عليه به، ثم
صالح بمال صحَ سواء كان حالّا أو مؤجّلا.
وصُلح الإنكار ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يُصالح على غير جنس المُدّعى به، وهو للمُدّعي بيع يردّ معيبه، وإذا ردّ المعيب فمعناه أنهُ يفسخ الصلح.
ولو ادّعى عليهِ مشاعا فقال له: لا أقرّ لك به، ولكن أُصالحك على نصفه، فللشريك أن يأخذ هذا النصيب منهُ بالشفعة.
وهذا الصلح بحقّ المُدعى عليه إبراء له، ويترتّب على كونه إبراء له وليس بيعا: أنّه لا رد لما ادعي به عليه وهو في يده إذا وجده معيبا، ولا شفعة وهذا فيما لو كان المُدّعى عليه به شِقصا من عقار فليس له أن يشفع.
وشرط صحّته أن يعتقد المُدّعي عليه صحة ما ادّعاه، وكذا المدعَى عليه، ولو علم أحدهما كذبَ نفسه فإنه فعل حراما ولا يصح الصلح بحقّه.
ولا يصح الصلح بعوض عن حد سرقة وقذف، ولا يصح الصلح على حق شفعة؛ لأنّ حق الشفعة لم يُشرع لاستفادة المال، أو خيار-المجلس وخيار الشرط- ويصح فقط في خيار العيب، ولا يصح الصلح عن كتم شهادة.
ولو صالحهُ على حقّ الشفعة تسقط، فلا يصحّ الصلح وتسقط الشفعة، وكذلك يسقط الحد والمُراد به حد القذف، وكذلك يسقط الخيار، ويصحّ الصلح على أكثر من الدية في القصاص؛ لأنّ الله وضع فيه مالا، فيجوز أن يُصالح وليّ الدم على أكثر منها.
أحكام الجيران
المراد بأحكام الجيران: ما يجبُ للجار على جاره.
إن حصل غصنُ شجرته في هواء غيره أو قراره فيجب إزالته وجوبا، والإزالة واجبةٌ على المالك، فيأثم بتركه لما فيه من الضرر، فإن أبى مالك الغصن إزالته، لواهُ مالك الهواء إن أمكنه ذلك وإلّا قطعهُ.
ويجوز في الدّرب النافذ وهو الطريق،-والمراد بالنافذ: المفتوح من الجهتين-، فتح الأبواب للاستطراق، أي الدخول منها، لا إخراج روشن-والمراد بها: الأطراف التي تخرج على الشارع- فلا يجوز.
وساباط-وهي السقيفة بين حائطين تحتهما طريق-، ودكّة-والمراد بها: الدرج الذي نضعهُ أمام الباب-، وميزاب، فيشترط لهذه الأشياء الأربعة: ألا يُخرجها إلّا بإذن الإمام أو نائبه، وألا يكون هناك ضرر على المارة، ويحرمُ أن يُخرِج هذه الأشياء في ملكِ جاره أو هوائه.
ويحرم عليه أن يضع خشبة على حائط جاره إلّا بشرط الضرورة-بأن لا يمكن التسقيف إلّا به- وأن لا يكونَ ضررا على جِدار الجار.
باب الحجر
وهو في الشرع: منع إنسان من تصرّفه في ماله.
والحجر نوعان:
الأول: حجر لحظ الغير، وهو الحجر الذي يكون على المفلس الثاني:حجر لحظ النفس، وهو الذي يكون على الصغير والسّفيه والمجنون.
المَدين ثلاثة أنواع: إمّا معسر، وإمّا غني، وإما مُفلس.
المعسر: الذي لا يملك شيئا فتحرمُ مُطالبتهُ ويحرم أيضا حبسه، وتحرم ملازمته، ويسن إبراؤه.
الغني:هو الذي عليه ديْن وعنده من الأموال ما يفي به دينه فيحرم أن يحجر عليه الحاكم، وأُمِر بوفائه، ووقت الوفاء إن كان مؤجّلا وحلّ أجله، أو كان حالا وطولب به؛ فإن أبى حُبس بطلب ربّه، وليس له إخراجه حتى يتبيّن أمره فإن أبى فللحاكم أن يعزره، فإن أصرّ ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه.
المُفلس: هو الذي ماله أقل ممّا عليه من الدّين، وهو الذي يجب الحجر عليه بسؤال غرمائه أو بعضهم.
ويستحب إظهار الحجر على المُفلس، ليشتهر الأمر عند الناس، ولا ينفذ تصرفه في ماله، والمراد به نقل الملكية عن المال الذي بيده، وكذلك التصرف المستأنف كالبيع والهبة والوقف، ويُستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الوصية، فتصحّ منهُ، الأمر الثاني: التدبير فيصح لأنهما بعد الموت.
الأمر الثالث: الصدقة بالشيء التافه.
ولا يصح إقرارهُ بالمال، ويصح تصرفه بماله قبل الحجر عليه.
ومن وَجد عندهُ عيْنا باعه إيّاها أو أقرضها قبل الحجر أو بعده -إن كان يجهله- فهو أحق بها من غيره بشروط:
الأول: أن تكون العيْن بحالها لم يتلَف بعضها، الثاني: ألا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا.
الثالث: ألا تزيد العيْن زيادة متّصلة كالسمن، الرابع: أن لا يتعلّق بها حقٌ للغير كالشفعة.
الخامس: أن تكون باقية في ملكه، السادس: أن يكون المفلس حيا.
ويصح تصرفه في ذمّتهِ أو أقرّ بدينٍ أو جناية توجب قودًا عليه أو مالًا فيصحُ ذلك منه، ويُطالب بما أقرّ به ولزمه بعد فك الحجر عنه، فلا يشارك الغرماء الذين قبل الحجر، وأما التصرف الذي يتعلق بأعيان ماله فلا يصح.
ويبيع الحاكم مال المُفلس وجوبا، ويُقّسم ثمنه بقدر ديون غرمائهِ، وهذا هو ثمرة وفاء الحجر.
ولا يحلُّ ديْن مؤجلٍ بفلَسٍ سواء وثّقهُ بشيء أو لا، ولا يحلّ بالموت إن وثق ورثتهُ رهنا لدينه أو أحضروا كفيلا مليئا.
وإن ظهرَ غريمٌ بعد القسمةِ يعود على الغرماء-الذين اقتسموا مال المفلس- بقسطه.
ولا يفكّ عنه الحجر إلّا الحاكم إن كان هو الذي حجر عليه، كذلك إن أدى كلّ ما عليه دون حكم حاكمٍ، فينفكّ عنه.
الحجر لحظ النفس وهو لثلاثة:
الأول: السفيه، وهو ناقص العقل، الثاني: الصغير: من لم يبلُغ مطلقا من ذكر وأنثى.
الثالث: المجنون.
والمراد بالحجر عليهم هنا: أنه يحجر عليهم في أعيان مالهم، فلا يصحّ تصّرفهم فيها، وكذلك في ذممهم فلا يصح أن يشتروا في ذمتهم شيئا؛ إلّا بالإذن-للصغير والسفيه-، ولا يصح تصرف المجنون مطلقا، حتّى مع الإذن.
ومن أعطاهم ماله-بيعا أو قرضا-، رجع بعيْنه إذا كان باقيا، وإن أتلفوه لم يضمنوا؛ لأنه هو الذي سلّطهم على ماله برضاه، فلا يطالبون بما أتلفوه.
وإذا أتلفوا شيئا فإنه يلزمهم أرش الجناية، وضمان مال أتلفوه-لمن لم يدفعه إليهم-.
وإذا استكمل الصغير خمس عشرة سنة حكم ببلوغه، أو نبت حول قبُله شعر خشن، أو أنز- يقظة أو مناما- باحتلام أو جماع فيحكم ببلوغه، كذا لو عقل مجنون وصار رشيدا، أو رشد سفيه زال حجْرهم بلا قضاء.
وتزيد الجارية بالحيض والحمل فيحكم ببلوغها.
والرشد: الصلاح في المال، ويُعلُم رشده بأن يتصرف مرارا فلا يُغبن غبنًا فاحشا في الغالب، وأن لا يبْذلَ ماله في غير فائدة وإن لم يكن حراما، وأن لا يبذله في حرام.
ووليّهم أب إن كان بالغًا عدلاً رشيدًا، ثم وصيّه ثم ننتقل إلى الحاكم.
ولا يتصرف ولي المحجور عليه لأحدهم إلّا بالأحظ لهم، ويتّجر له مجانا.
وللولي دفع ماله مضاربة بجزء من الربحِ، ويأكل الوليّ الفقير من مال موليه الأقلّ من كفايتهِ أو أجرته، ولا يلزمه العوض إن أيسر، وإن كان الحاكم فلا يأكل مطلقا.
وإن اختلفا في قدر النفقة فالقول قولُ الوليّ، وكذا في وجوب دفع ماله وفي تلفٍ؛ لأنّه أمين.
وفي دفعه المال لليتيم بعد رشده فيقبل قوله-إن كان بغير جُعل- فإن كان له جعل فلا يقبل إلا ببيّنة.
باب الوكالة
وهي: استنابة جائز التصرّف مثله في الحياة فيما تدخله النيابة.
وهي جائزة في الكتاب والسنة والإجماع، والحاجة داعية إليها.
تصحُّ بكل قول يدل على الإذن، أركانها: المُوكل، الوكيل، الموكل فيه.
شروط صحة الوكالة:
الشرط الأول: الإيجاب بالقول، والقبول بالقول والفعل، الشرط الثاني: أن لا يُوكل الموكل إلا فيما يصحّ أن يتصرف فيه لنفسه وأن لا يتصرف الوكيل إلّا فيما يصح تصرّفه فيه لنفسه.
الشرط الثالث: أن يكون الفعل الموكّل فيه تصح فيه النيابة.
الشرط الرابع: ألا تكون الوكالة في خصومة يعلم الوكيل أو يظنّ أن موكله ظالم فيها.
الشرط الخامس: تعيين الوكيل، فلا يصحّ وكّلت أحد هاذين ولا يعتبر علمهُ.
الشرط السادس: أن يكون الفعل الموكل فيهِ صحيحا لا فاسدا.
الشرط السابع: أن يكون التوكيل في تصرف معلوم.
تصح الوكالة بكل قول دلّ على الإذن، فلا توجد صيغة معينة، ويصح القبول على الفور والتراخي بكل قول أو فعل دال عليه.
ومن صح تصرفه في شيء جاز التوكيل فيه والتوّكل فيه، ويستثنى من ذلك:
صحة توكيل المرأة في طلاق نفسها وطلاق غيرها، ويصح للغني أن يقبلَ زكاة لفقير.
ويصح التوكيل في كلِّ حق آدمي من العقود والفسوخ كالخلع والإقالة، والعتق، والطلاق، وتملّك المباحات ونحوه كإحياء الموات.
ولا يصحّ التوكيل في الظهار؛لأنه لا يجوز للشخص نفسه أن يُظاهر من زوجته، وكذا اللعان والأيْمان فلا يصح التوكيل فيها.
ويصح التوكيل فيما تدخلهُ النيابة من العبادات الغير بدنيّة كتفرقة صدقة والزكاة والنذر والكفارة، ولا يصح في الصلاة الغير منذورة، والصوم والاعتكاف الغير منذورين.
ويصح التوكيل في استيفاء الحدود وإثباتها، ولا يجوز أن يوكّل الوكيل فيما وكّل فيه إلّا إن أذِن له الموكل أن يُوكل فيما وكّل فيه؛ فإنه يجوز فله أن يوكل أمينا.
والوكالة عقد جائز، لكل من الوكيل والموّكل أن يفسخ ولو بلا علمِ الآخر.
وتبطل الوكالة بفسخ أحدهما، ويحصل الفسخ بالقول أو أن ينهاه عن فعل ما أمرهُ به.
وتبطل بما يدلُّ على رجوع الموكل فيه، وتبطل إذا مات أحدهما، وتبطل بعزلِ الموكّل للوكيل؛ ولو بلا علم الوكيل، فلا يصح تصرف الوكيل بعد عزله، ويضمن باستثناء استيفاء القصاص، فإذا عفا ولم يعلم الوكيل فاقتصّ فلا شيء على الوكيل ولا الموكّل.
وإذا حجر على الوكيل أو الموكل لسفهه فتبطل الوكالة، وهذا مقيدٌ بالتصرفات التي يُعتبر فيها الرشد، وأمّا الحجر على الشخص لفلس فلا يخلو: إمّا أن يكون الحجر على المُوكل وكانت الوكالة في أعيان ماله فالوكالة حينئذ تبطل، وأمّا إذا كان الحجر لفلس على الوكيل فلا تبطل؛ لأنه يتصرّف في مال غيره.
ومن وُكّل في بيع وشراء فلا يجوز له أن يبيع أو يشتري لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته لهم إلّا أذن له الموكّل.
ولا يصح للوكيل أن يبيعَ بعرض ولا نَساء ولا بغير نقد البلد.
وإن باع بدون ثمن المثل في حال لم يُقدِّر له الموكل الثمن، أو باع بأقل ما قدّره له صح بعموم الإذن، أو اشترى له بأكثر من ثمن المثل في الحال التي لم يعيّن له ثمنهُ، أو اشترى بأكثر ما عيّن له صح وضمن النقص.
وإن باع بأزيد ما قُدّره له، أو قال له بع كذا مؤجلا فباعها حالا صح؛ ما لم يكن هناك ضررعلى الموكل، أو اشتري كذا حالا فاشتراه مؤجلا صح.
وليس للوكيل أن يشتري للموكل ما يعلم عيْبه، فإن اشتراه فهذا الشراء يلزم الوكيل ما لم يرضَ الموكّل، و إن اشترى الوكيل للموكل شيئا في ذمته-الثمن جعله في الذمة- ونوى به الموكّل ورضي به الموكل فإنه يصح؛ لا إن اشتراه بعينِ مال الموكل فلا يصح، فإن جهل الوكيل العيب ردّه.
وإن اشترى لموكّله وسمّى نفسه في العقد فيجوز إلّا في عقد النكاح فلا بدّ أن يُسمي موكله، وإن وكّله ببيعِ سلعة فله أن يُسلم المبيعَ للمشتري ولا يقبض الثمن إلّا بقرينة تدل على الإذن من الموكل بقبضه.
وإن وكّله في عقد فاسد لم يصح، ولا يملك أن يبيع له ولو بعقد صحيح لأنه لا إذن موجود.
وإن وكّله بكل شيء-وكالة عامة- فهي وكالة فاسدة.
ولا يقبض الوكيل في الخصومة إلّا بإذن الموكل، والوكيل بالقبض له أن يُخاصم.
والوكيل أمين لا يضمن ما تلفَ بيدهِ سواء كان وكيلا بجُعل أو لا، ولو شرط الموكل على الوكيل الضمان فالشرط باطل، ويُقبل قوله بنفي التعدّي والتفريط، وقوله بادّعاء الهلاكِ بيمينه.
ولو اختلفوا في رد العين فيُقبل قول الوكيل إذا كان توكيلهُ بغير جُعل فإن كان بجعل فلا يُقبل إلا ببيّنة.
وإن ادعى وكالة زيد بقبض حقه من عمرو بلا بينة، لم يلزم عمرا دفع هذا الحق لزيد ولو صدّقه، ولا يلزم عمرا اليمين-أن يحلف أن هذا الوكيل ليس لزيد-، فإن دفع عمرو فأنكره زيد، حلف-زيد-صاحب الحق- أنه لم يوكّل فلانا بقبض الحق من عمرو ويضمنه عمرو إن كان الحق دينا.
وإن كان الحق-الذي ادُعيَت به الوكالة- عيْنا أخذه رب الحق من مدعي الوكالة فإن تلفت ضمّن زيد أيهما شاء.
وإن قال: بع ثوبي بكذا وما زاد فهو لك فالمذهب: أنه يصح ويجوز التوكيل بجعلٍ معلوم.
باب الشركة
وهي لغة: الاختلاط.
وفي الاصطلاح: اجتماع في استحقاق أو تصرّف.
والمذهب: أنّ مشاركة المسلم للكافر مكروهة، ولو كان المُسلم هو الذي يلي التصرّف؛ لأنّ الكافر لا يتنزّه عن المحرّمات.
وتُكره من في مُعاملته مال حلال وحرام، وتحرم في عيْن الحرام.
وهي خمسة أنواع:
الشركة الأولى: شركة عِنان، وهي اصطلاحا: أن يشترك بدنانِ فأكثر بماليْهما المعلوم ولو متفاوتا ليعملا به ببدنيْهما.
شروطها
الشرط الأول: إحضار المال، فلا تصحّ في المال الذي الذمّة أو الغائب، الشرط الثاني: كوْن العاقد جائز التصرّف.
الشرط الثالث: كون المال له يملكه الشريك حقيقة أو حكما، الشرط الرابع: كون المال نقدا لا عروضا.
الشرط الخامس: كون رأس هذا المال مضروبا، الشرط السادس: كونه معلوما.
الشرط السادس: اشتراط جزء من الربح معلوما لكلٍّ من المُتعاقدين.
فينفذ تصرف كل منهما بسبب ثبوت الملك في نصيبه، ويتصرف في نصيب غيره بسبب الوكالة أي: في نصيب شريكه.
فإن لم يذكرا الربح لم تصح الشركة، أو شرطا لأحدهما جزء مجهولا، أو دراهم معلومة فلا يصح، فلا بد أن يكون جزءً مشاعا.
والوضيعة-أي الخسران- على قدر المال، فكل منهما يخسر على قدر ماله، ولا يشترط خلط الماليْن ولا كوْنهما من جنس واحد.
الشركة الثانية: المضاربة، وهي اصطلاحا: دفع مال معلوم لمُتّجرٍ به ببعض ربحه.
شروطها
الشرط الأول: أن يكون رأس المالِ نقدا مضروبا، الشرط الثاني: أن يكون رأس المال معينا حاضرا، لا مبهما ولا في الذمة.
الشرط الثالث: أن يكون الجزء المشاع معلوما، سواء كان هذا الجزء المشاع للعامل أو لربّ المال.
وإن فُقد شرط تُصبح الشركة فاسدة فيكون الربح كله لصاحب المال، وللعامل الأجرة.
وإن قال: الربح بيننا، فنصفان، نصف للعامل، ونصف لصاحب المال، وإن سمّ لأحدهما فالباقي للثاني.
وإن اختلافا لمن الجزء المشروط، فالقول قول العامل إن كان قبل الربح، وبعد الربح فالقول قول المالك بيمينه.
ولا يجوز أن يضارب العامل لآخر إن أضرّ بالأول ولم يرضَ، فإن فعل رد حصته في الشركة.
ويحرم أن يقسم الربح مع سريان العقد إلّا باتفاقهما، وإن تلِف رأس المال أو بعضه بعد التصرف أو خسر جُبر من الربح قبل قسمته إن كان نقدا.
الشركة الثالثة: شركة الوجوه، وهي: أن يشتركا أن يشتريا في ذمّتهما على جاههما فما ربحا فبينهما على ما شرطاه، وكلّ واحد منهما وكيل صاحبه في البيع والشراء، وكفيل عنه بالثمن، والملك بينهما على ما شرطاه، والوضيعة مرتبة على الملك.
الشركة الرابعة: شركة الأبدان، وهي نوعان:
الأول: أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما، الثاني: الاشتراك في أجرة التقبّل في الذمة.
وما أخذهُ أحدهما من عملٍ فيلزمهما كلاهما فعله، ثم الحاصل مما اكتسابه على ما اشترطاه عند العقد، وتصح في الاحتشاش والاحتطاب وسائر المباحات.
وإن مرض أحدهما فلا يزال الكسب بينهما، وإن طالب الصحيح من المريض أن يقيم أحدا مقامه لزم المريض أن يُقيم شخصا مقامه.
الشركة الخامسة: شركة المفاوضة، وهي: أن يفوّض كل منهما إلى صاحبه كل تصرّف مالي وبدني من أنواع الشركة، وهي قسمان:
القسم الأول: الصحيح، وهو نوعان:
الأول: أن يُفوّض كل منهما إلى صاحبه كلّ تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة من بيع وشراء ومضاربة.
الثاني: أن يشتركا في كل ما يَثبت لهُما وعليهما، والربح على ما شرطاه، والوضيعة على قدر المال.
القسم الثاني: الفاسد، وهو: إن أدخلا فيها كسبا أو غرامة نادريْن كأرش الجناية وإرث فالشركة فاسدة.
باب المُساقاة
والمساقاة: دفع شجر له ثمر مأكول إلى آخرَ ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزء مشاع معلومٍ من ثمره.
شروطها
الشرط الأول: أن يكون العاقدان جائزي التصرّف، الشرط الثاني: أن تكون المساقاة على شجر له ثمر يؤكل.
الشرط الثالث: أن يشترط للعامل جزء مشاعا معلوم من الثمرة، الشرط الرابع: أن يكون الشجر معلوما للمالك وللعامل برؤية أو صفة.
الشرط الخامس: أن يكون الشجر من رب الأرض، الشرط السادس: أن يبقى من العمل ما تزيد به الثمرة.
ولها ثلاث صور:
الأولى: أن تكون المساقاة على شجر ليس له ثمر، ويقوم الساقي بِسقيهِ والعمل عليه حتى تخرج الثمرة، وأمّا إذا لم يكن له ثمرة فلا تصح.
الثانية: المساقاة على شجر فيه ثمر لكن لم يكمل، أي: يُساقيه على شجر فيه ثمرة موجودة لم تكمل وتنمى بالعمل، فيقوم الساقي بسقي هذه الأشجار حتى يكتمل نماء الثمرة الموجودة.
الثالثة: يُسلمه الشجر والأرض ويقوم الساقي بغرس الشجر ويعمل عليه حتى يُثمر بجزءٍ من الثمرة التي تخرج من الأرض.
فلا بد أن يكون المقابل جزء من الثمرة أو جزء من الشجر أو كلاهما.
وهي عقد جائز، ولا يشترط لصحتها أن يضرب لها مدة، وتبطل بما تبطل به الوكالة.
وإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة، وإن فسخها العامل فلا شيء له، وإن انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي لهما على ما شرطاه، ويلزم العامل تمام العمل.
ويلزم العامل كلّ ما فيه صلاح الثمرة، كإصلاح طُرق الماء وحصاد ونحوه وآلة حرث، وعلى رب المال ما يحفظ الأصل كسد حائط والدولاب-ماتديره الدواب- ونحوه.
ولا يصح أن يشترط أحدهما على الآخر ما يلزمه أو نصفه ويبطل الشرط.
وإن لم تحمِل الثمار فلا شيء للعامل.
باب المزارعة
والمزارعة: دفع أرضٍ وحبٍّ لمن يزرعه ويقوم عليه، أو مزروع ليعمل المُزارع عليهِ بجزء مشاع معلوم من المتحصّل من النّتاج.
وهي: تكون على الحبوب والزروع عكس المساقاة.
شروطها:
الشرط الأول: العلم بالبذر برؤية أو صفة وكذلك العلم بقدره، الشرط الثاني: كونه من ربّ الأرض.
الشرط الثالث: أن يشترط للعامل جزء مشاعا معلوما.
وتصح المزارعة بجزءٍ معلوم النسبة كالثلث والربع مما يخرج من هذا الزرع.
باب الإجارة
وهي: عقد على منفعةٍ مُباحة معلومة من عيْن مُعيّنة أو موصوفة في الذمّة، مدة معلومة أو عمل معلوم، بعوضٍ معلوم.
وهي قسمان:
الأول: إجارة عين، أي: منفعة عين، الثاني: إجارة على عمل في الذمة يقوم به الأجير.
شروطها:
الشرط الأول: معرفة المنفعة برؤية أو صفة، كسكنى دارٍ شهرا، وخدمة آدميٍ بما جرت به العادة، وتعليم علم كالحساب والخطّ والشعر.
الشرط الثاني: معرفة الأجرة، ويصح تأجير الظئر بطعامها، والأجير بطعامه وكسوته.
وإن دخل حماما أو سفينة بلا عقد إجارة، أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا صحّ بأجرة المثل.
الشرط الثالث: الإباحة في نفع العين، فلا تصح إذا كانت محرّمة.
وتصحّ إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه، بشرط أن يكون معلوما، وأن تكون المدة أيضا معلومة، ولا يصحّ أن تؤجر المرأة نفسها بعد عقد النكاح بغير إذن زوجها.
ويشترط في العين معرفة خمسة أمور:
الأول: أن تُعرف العين إمّا برؤية أو صفة في غير الدار ونحوها، فلا يصح أن تؤجر بالصفة، فلا تتأتى فيها الصفة ونحوها مما لا يصح فيه السلم.
الثاني: أن يعقد على نفعها دون أجزائها، فلا تصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله.
الثالث: القدرة على التسليم، الرابع: اشتمال العين على المنفعة، فلا تصحّ إجارة الأرض التي لا تُنبت للزرع فيها، الخامس: أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مؤذونا له فيها.
وتجوز إجارة العين المؤجّرة سواء قبل قبضها أو بعد قبضها، لمن يقوم مقامه في الانتفاع أو دونه بشرط أن لا يكون أكثر منه ضررا.
وإن أجّر الدار ونحوها مدة؛ يشترط أن تكون معلومة، ولو طويلة ويغلب على الظن بقاء العين فيها صحّ.
وإن استأجر منفعة العين للعمل كبقرة لدياس زرع اشترط: معرفة نوع العمل، وكونه منضبطا بما لا يختلف به العاقدان.
الضرب الثاني: الإجارة على منفعة في الذمة ويشترط لها:
الشرط الأول: أن تُضبط المنفعة التي وقعَ العقد على فعلها بوصف لا يختلف به العمل.
الشرط الثاني: أن يكون الأجير آدميا جائز التصرف ويُسمّى الأجير المشترك، الشرط الثالث: ألّا يجمع بين تقدير مُدّة والعمل، الشرط الرابع: أن يكون العمل معقود على فعله.
ولا تصح على عمل يُشترط أن يكون فاعله من أهل القُربة أي: مسلما، كالحج والأذان والإمامة، ولكن يجوز أخذ رزق على ذلكَ من بيت المال.
وعلى المؤجر كلّ ما يتمكّن بهِ من النفع، بما جرت به العادة أو العرف.
والإجارة عقد لازم من العاقدين، فلا يجوز أن يفسخ أحدهما، فإن آجرهُ شيئا ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له، وهذه من مفردات الحنابلة، كذلك لو امتنع الأجير العمل فعليه أن يُعيد جميع الأجرة التي أخذها.
وتنفسخ بتلف العين المؤجرة، وبموت المرتضع، وموت الراكب وبانقلاع ضرس، أو برئه ونحوه، لا بموت المتعاقدين أو أحدهما.
وإن اكترى دارا للسكنى فانهدمت قبل انقضاء المدة، أو اكترى أرضا فيها ماء للزوج فانقطع ماؤها أو غرقت انفسخت الإجارة في الباقي.
وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب عنده فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى.
ولا يضمن أجير خاص-من قُدّر نفعه بالزمن-، ولا حجّام وطبيب فلا يضمنون إن لم تجنِ أيديهم وكان معروفا بالحذق متقنا لصنعته، وأن يكون أذن له مكلف أو وليّ الصغير والمجنون.
ويضمن الأجير المشترك- من قدّر نفعه بالعمل- ما تلف بفعله؛ إلا إذا عمل متبرعا فلا ضمان فيما يتلف تحت يده، ولا يضمن ما تلف من حرزه نحو سرقة أو بغير فعله ولا أجرة له.
وتجب الأجرة بالعقد، وتُستحق بتسليم العمل الذي في الذمة.
ومن تسلّم عينا بإجارة فاسدة أي: تخلّف أحد شروط الإجارة، وفرغت المدّة لزمه أجرة المثل.
باب السبق
يصح السّباق على الأبدان بلا عِوض، وسائر الحيوانات كالخيل والبغال والحمير والسّفن والمزاريق وهو الرمح القصير.
ولا تصح بعوض إلّا في إبل وخيل وسهام.
شروطها:
الشرط الأول: تعيين المركُوبيْن ويكون برؤية، ولا يشترط تعيين الراكبين، الشرط الثاني: اتّحادهما في النوع.
الشرط الثالث: تحديد المسافة-البداية والنهاية-، الشرط الرابع: أن يكون العوض معلوما.
الشرط الخامس: الخروج عن شبه القمار، والمراد به: أن لا يُخرِج جميعهم العوض.
والعوض إمّا أن يكون من الإمام، أو الحاكم أو غيره، أو من أحدهما فهذا كله جائز.
وإمّا أن يكون العوض منهما، فالمذهب هنا يشترط وجود المحلل وهو: إدخال شخص ثالث في المسابقة، ويشترط أن لا يُخرج شيئا، وأن يكافئ مركوبه مركوبيهما.
ويُشترط في الرمي-مع الشروط المتقدمة-:
أولا: تعيين الرّماة، ثانيا: اتّحاد القوسين بالنوع، ثالثا: تحديد المسافة بقدر معتاد، رابعا: العلم بالعوض وإباحته.
وهي عقد جائز، باستثناء إن ظهر الفضل لأحدهما، فيجوز لمن ظهر له الفضل أن يفسخ لا المغلوب فليس له الفسخ.
باب العارية
وهي: إباحة عيْنٍ تبقى بعد استفائه، فهي إباحة وليس تمليكا للنفع له كالإجارة.
الأصل فيها للمعير: الندب، وتكون العارية واجبة إذا كانت لمحتاج لمصحف لقراءته فتجبُ إعارته.
شروط صحتها:
الشرط الأول: أهليّة المعير للتبرّع، الشرط الثاني: أهليّة المستعير للتبرع له، الشرط الثالث: أن تكون العين المُعارة منتفعًا بها مع بقاء عيْنها، الشرط الرابع: أن يكون النفع في العين المعارة مباحا.
وتحرم إعارة البضع، والعبد المسلم للكافر، والصيد ونحوه كالمخيط للمُحرِم.
وتضمن العارية بقيمتها يوم تلفها، فيدُ المستعير يد ضمان، فيضمن مطلقا، ولو شرط نفي ضمانها.
ولا تضمن العارية إن كانت وقفا على غيرِ معيّن ككتب علم وسلاح، وإذا أعار المستأجر العين المؤجرة لآخر فتلفت عند المُستعير فلا يضمنها، ولا يضمن ما لو تلفت فيما استُعيرت له.
ومؤونة العارية على المُعير، وعلى المستعير مؤونة الرد، ولا يجوز للمستعير أن يُعير ما استعار لأنّه لا يملك نفعها بل إنما أُبيح له، وإذا تلفت عند الثاني استقرّت عليه قيمتها.
وإن أركب مُنقطعا في الطريق للثواب بلا مقابل لم يضمن إذا تلفت الدابة.
وإن قال: أجّرتك فقال من هيَ بيده: بل أعَرتني فالقول قول مدّعي الإعارة مع يمينه وكذا العكس.
وإن قال الذي بيده العين: أعرتني أو أجّرتني، فقال المالك: بل غصبتني، فالقول قول المالك بيمينه، وإن اختلفا في الرد فقول المالك.
باب الغصب
وهو: الاستيلاء على حق غيره قهرا بغير حق، وهو محرّم بالإجماع.
إن غصب كلبا يجوز اقتناؤه ككلب الصيد أو الماشية، أو خمر ذميٍ مستورة غير ظاهرة،ردّهما وجوبا، ولا عليه أن يرد جلد ميتة؛ لأنه لا يطهر بدبغ، وإتلاف الثلاثة هدر؛ ليس عليه عوض.
وإن استولى على حرٍ وحبسه لم يضمنه إن مات إن لم يمنع عنه الطعام والشراب، وإن استعمله كُرهًا أو حبسه مدّة فعليه أن يدفع أجرة المدة التي حبسه فيها؛ لأنه فوت منفعته.
ويجب على الغاصب رد المغصوب إن كان باقيا ولو بأضعاف قيمته.
وإن بنى في الأرض أو غرس لزمَه القلع، وأرش نقصها، وتسويتها، والاجرة مدة بقائه فيها إلى وقت التسليم.
وإن غصب جارحًا أو عبدا أو فرسا فحصل-الجارح-صيدا فلمالك الجارح، كذا إن أخذ سبائك فضربها نقودا، وغصب الغزل فنسجه فجعله ثوبا، ونجر الخشب ونحوه فجعله بابا، أو صار الحب زرعا، ردّه وأرش نقصه، ولا شيء للغاصب مقابل عمله، ويلزمه ضمان نقصه، وما نقص بسعر لم يضمن.
وإن خلط الغاصب المغصوب بما لا يتميّز كزيت أو حنطة بمثلهما، أو صبغ الغاصب الثوب أو لت سويقا، ولم تنقص القيمة ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليْهما فيه، وإن نقصت القيمة ضمنها، وإن زادت بسبب أحدهما فله.
وإن غصب شيئا-كالشاة- فأطعمها لعالمٍ بغصبها فيضمن الآكل، فإن لم يكن يعلم فيضمن الغاصب.
وإن أطعمه لمالكه أو رهنهُ أو أودعهُ عنده-المالك- لم يبرأ الغاصب؛ لأن المالك قبض المغصوب على وجه الأمانة، فلم يعد إليه بذلك سلطانهُ إلّا أن يعلم فيبرأ حين إذن.
ولو تلف أو تغيب المغصوب فيغرم الغاصب المثلي إن كان مثليا، وإن قيميًا فيغرم قيمته.
وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة كلها، كما لو حجّ بالمال المغصوب، أو تطهر بماء مغصوب، كذلك العقود.
والقول في قيمة المغصوب أو قدره أو صفته قول الغاصب بيمينه لأنه غارم، وفي رده أو تعيّبه قول ربّه.
وإن جهل الغاصب ربَّ المغصوب، فله أن يُسلمه للحاكم ويلزم الحاكم القبول، أو يتصدّق عنه مضمونا، وكان ثوابه لربّه وسقط عنه إثم الغصب.
ومن أتلف لغيره مالا محترما أو فتح قفصا أو فتح وكاء أو رباطا عن فرس أو قيدا عن مقيد فيضمن بشروط:
الأول: أن يكون المُتلفُ مالا محترما، الثاني: أن يكون المال لغيره.
الثالث: أن يكون بلا إذن مالِكه، الرابع: أن يكون المُتلِف مثله يضمن، الخامس: أن لا يكون مُكرها.
وما أتلفت البهيمة من الزرع وغيره ليلا ضمنه صاحبها وهو ربها ومستعيرها ومستأجرها إن فرّط.
ولا يضمن إن أتلفت شيئا في النهار؛ إلّا أن تُرسل بقرب ما تتلفه عادة فيضمن مُرسلها لتفريطه، والمذهب: لا يضمن في النهار مطلقا.
وإن ربط دابة بطريق ضيّق، فعثر به إنسان ضمن لتعدّيه، كذا لو دخل بيته بإذنه وعنده كلب يعقر فعقره أو عقره خارج منزله مطلقا فإنه يضمن.
باب الشفعة
وهي: استحقاق انتزاع حصة شريكه ممّن انتقلت إليه بعوض ماليٍّ إن كان مثله أو دونه.
شروطها:
الشرط الأول: أن يكون الشقص منتقلا عن الشريك بعوض مالي، فإن كان بغير عوض مالي فلا شفعة كأن بكون انتقل للورثة أو هبة أو كان صداقا أو صلحا عن دم عمد فلا شفعة.
الشرط الثاني: أن يكون الشقص المبيع مشاعًا غير مفرز من أرض تجب قسمتها قسمة إجبار، فلا شفعة لجار، والغرس والبناء لا شفعة فيه، لكنه إذا كان موجودا في الأرض فيتبع الأرض في الشفعة.
الشرط الثالث: المطالبة بها على الفور وقت علمه، وإن قال: الشفيع للمُشتري: بعني ما اشتريته أو صالحني سقطت الشفعة، كذا إن كذّب العدل لا إن كذّب الفاسق.
الشرط الرابع: أخذ جميع المبيع فلو طلب بعضه مع بقاء الكل سقطت الشفعة.
والشفعة لاثنين بقدرِ ملكيْهما، فإن عفى أحدهما أخذ الآخر الكل أو ترك، وإن اشترى اثنان حق واحد صفقة واحدة في عقدٍ واحد فللشفيع أن يشفعَ لأحدهما دون الآخر أو يشفع عليها وكذا عكسه -بأن يشتري واحد حق اثنين صفقة واحدة- فللشفيع أخذ الشقصين بحصته من الثمن.
وإن اشترى واحد حصتين من أرضين صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما وإن باع ما فيه شفعة مع ما ليس فيه شفعة كشقص وسيفا، فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن.
الشرط الخامس: أن يكون للشفيع ملك للرقبة سابق، ولا شفعة في شركة وقف ولا على غير ملك سابق ولا لكافر على مسلم، ولا لأهل البدع الغلاة.
وتصرفات المشتري في الشقص الذي يستحق فيه الشريك الشفعة لا تخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون بعد طلب الشفعة، فتصرفه باطل.
الحالة الثانية: أن يكون التصرّف قبل طلب الشفعة فهذا فيه تفصيل: فإن تصرف فيه بالوقف أو الهبة فتسقط الشفعة، أما لو تصرف فيه بالرهن أو الإجارة فلا تسقط الشفعة، وإن تصرف وباعه فللشفيع أن يأخذ الشقص من أحد البيْعين الأول أو الثاني.
والغلة الحاصلة-كما لو أجّرها- والنماء المنفصل وثمرة الزرع الظاهرة للمشتري، وإن بنى أو غرس فيخيّر الشفيع بين أمرين:
الأول: تملّكه بقيمته، الثاني: قلعه ويغرم نقص البناء والغراس، فإن أبى فلا شفعة، ولربّه أخذه بلا ضرر.
وإذا مات الشفيع قبل الطلب تبطل الشفعة فلا يورث، وبعد الطلب ثبتَ الطلب للوارث.
ويأخذ الشفيع بكل الثمن الذي استقرّ عليه العقد فإن عجزَ عنهُ أو عن بعضه سقطت الشفعة بعد إنظاره ثلاثة أيام.
وإن اشترى المشتري الشقص بثمن مؤجل، فإن كان الشفيع مليئا فإنه يُؤجّل عليه، وإن كان معسرا فيأخذه مؤجلا إن وجد من يكفله وإن لم يجد فلا يؤجل عليه الثمن.
وإن حصل خلاف في قدر الثمن، فالقول قول المشتري مع يمينهِ إن لم توجد بيّنة.
وإن أقرّ البائع بالبيع، وأنكر المشتري وجبت الشُفعة، وعهدة الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع.
باب الوديعة
وهي: المال المدفوع إلى من يحفظهُ بلا عوض.
يُشترط لها ما يشترط في الوكالة، وتبطل بمبطلات الوكالة.
يُستحبّ قبولها لِمن علم من نفسه أنه ثقة قادر على حفظها، وإذا تلفت من بين ماله-لم يتلف من بين ماله إلّا هي- ولم يتعدّ ولم يفرّط لم يضمن، ومن باب أولى فيما لو تلفت مع ماله.
ويلزمهُ المودَع حفظ الوديعة في الحرز التي تُحفظ فيه عرفا فإن عيّنهُ صاحبها فأحرزها بحرز دونه أقل أمنًا منه فتلفت ضمن، لا إن حفظها في حرزٍ أشد حفظا لها.
وإن دفع المودَع الوديعة لمن يحفظ له ماله عادة كالزوجة أو عبده لم يضمن، لجريان العادة به، وعكسه الأجنبي والحاكم، فإن دفعها لهم بلا عذر فإنه يضمن، ولا يُطالبان بالوديعة إن تلفت عندهما إن جهلا.
وإن حدث خوف على والوديعة من غرق أو سرقة أو سفر فيجب أن يردّها على ربّها، فإن غابَ ربُها حملها معه في السفر إن لم يخف عليها ولم ينهاهُ عن السفر بها صاحبها؛ وإلّا أودعها ثقة.
ومن أودِع دابّة فركبَها لغير نفعها، أو أودِع ثوبا فلبسه، أو أودِع دراهم فأخرجها من محرزها، ثم ردها إلى حرزها، أو رفع الختم عن الكيس، أو خلط الوديعة بغير متميّز ضمن في الجميع لتعدّيهِ.
ويترتب على تعدي المودَع: أنه يكون ضامنا مطلقا، ويجب عليه رد الوديعة مباشرة، ولا تعود أمانة إلا بعقدٍ جديد.
ويقبلُ قول المودَع إذ ادّعى أنّه ردّ الوديعة إلى ربّها، أو في ردها إلى غير ربها بإذنِ ربّها فيُقبل قوله لأنه أمين، ولو حفظ الوديعة بجُعل فلا يقبل قوله.
ويقبل قول المودَع بتلف العين وقوله في عدمِ التفريط لأنه أمين.
وإن طلب منه الوديعة فقال المودّع: لم تودعني، ثم ثبت أنه أودعه ببيّنه أو أقرار، ثم ادعى ردا أو تلفا سابقين لم يُقبلا ولو ببينة.
وإن قال: مالكَ عندي شيء، ثم ثبتت الوديعة فيقبل قوله في ردٍّ أو تلف.
وإن ادّعى ورثة-المودَع- أن وارثهم ردّ الوديعة لربها، لم يقبل قولهم إلّا ببينة؛ لأن صاحبها لم يستأمن الوارث.
وللمستودع والمضَارِب والمترهن والمستأجر إذا غُصبت العين منهم مطالبة غاصب العين.
باب احياء الموات
وهي: الأرض المُنفكّة عن الاختصاصات وملك معصوم.
المنفكة أي: الخالية.
الاختصاصات: ما يختصّ مستحقهُ الانتفاعَ بهِ ولا يملكُ أحدٌ مزاحمتهُ وهو غير قابل للمُعاوضة.
من أحيا أرضًا من مسلم أو كافر ملكَها سواء بإذن الإمام وعدمه في دار الإسلام أو غيرها، والعنوة كغيرها إذا أحياها مسلم أو ذمّي فأنها تُملك.
وتُملك الأراضي بإحياءها إن لم تتعلق مصالح البلد فيها فلا يجوز إحياؤها.
كيف تُحيا الموات؟
من أحاطَ مواتا أي:أدار حوله حائطا منيعًا بما جرت به العادة فيكون محييًا له، أو حفر بئرا فوصل إلى الماء، أو أجراه إليه من عين ونحوها كالنهر إن كانت لا تُزرع إلّا به، أو منع عن الموات ما لا تُزرع إلّا بحبسه، فإنه يكون أحياه، كذا لو غرس فيها شجرا وإذا غرس فيها شجرة فحدود الملك له مدّ أغصانها، ولا يكون الإحياء بالزرع لأنه يتلفُ ولا بالحرث.
والإقطاع ثلاثة أقسام:
الأول: إقطاع تمليك لمصلحة، الثاني: إقطاع إرفاق، الثالث: إقطاع استغلال.
وللإمام إقطاع مواتٍ لمن يُحييهِ-إقطاع تمليك- ولا يُملِكه بالإقطاع فإذا أحياه ملكه.
إقطاع الإرفاق: إقطاع الجلوس للبيع والشراء في الطرق الواسعة، ويكون المقطَع له أحق بالجلوس ما لم يضرّ الناس.
ومن غير إقطاع يكون الأحق بالجلوس للأسبق ما بقي قماشه فيها وإن طال.
وإذا سبق اثنان إلى مباح او إلى بُقعة فإنهما يقترعان، بشرطِ: أن يضيق المكان عن انتفاعهما جميعا، وألا يتوقف الانتفاع فيها إلى تنزيل ناظر؛ فإذا كان فإنه يرجع فيه إلى الناظر.
باب الجعالة
وهي: أن يجعل شيئا معلوما لمن يعمل له عملا معلوما أو مجهولا.
شروط صحتها:
الشرط الأول: العلم بالجُعل برؤية أو صفة، الشرط الثاني: أن يكون الجاعل جائز التصرف.
الشرط الثالث: كون العمل المجعّل عليه مباحًا، قال في الغاية: ويتّجه كونه ليس عبثا كالمشي على الحبل، وحمل الأثقال.
الشرط الرابع: أن يكون العمل للجاعل لا لغيره، ولا للمجعول له؛ إلّا إذا كان صالحا ويتعدّى نفعه.
فمن فعل العمل بعد علمهِ بقول صاحب العمل استحقهُ، وإن فعله جماعه اقتسموه بينهم بالسوية، وأما إذا بلغه الجُعل أثناء العمل يأخذ قسط تمامهِ إذا أتمه بنيّة الجُعل.
وعقد الجعالة جائز، لكل من العادقين الفسخ، فإن كان من العامل فلا يستحق شيئا، وإن كان من الجاعل بعد شروع العامل في العمل فله الأجرة.
وإن اختلفا في أصلِ الجُعل، فالقول قول الجاعل، وإن اختلفوا في قدر الجعل فالقول قول الجاعل.
ومن ردّ لقُطة أو ضالة أو عملَ لغيره عملا بغير جُعل لم يستحق عوضا إلّا دينارا أو اثني عشر درهما في رد الآبق، ومن خلّص متاعَ غير من هلكة فله أجرة المثل من عمله.
باب اللقطة
وهي:مال أو مختص ضلّ عن ربه، وتتبّعه همّة أوساط الناس.
وهي ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما لا تتبعه همّة أوساط الناس، كالرغيف والسوط ونحوهما فيُملك بلا تعريف.
ولا يجب تعريفه ولا ضمانه لربه ويجوز التقاطه .
القسم الثاني: الضّوال التي تمتنِع من صِغار السباع، فيحرُم التقاطُها إلّا الإمام أو نائبه، فله أخذه ليحفظه لربّه، ولا تُملك بتعريفها، وإذا التقطها أحدٌ ضمنها كالغصب، ولا يبرأ إلّا إذا سلّمها للحاكم أو نائبه، أو ردها لربه.
القسم الثالث: وما عدا ما تقدّم فله التقاطه من حيوان كغنم ونحوه، وغيره كالأثمان والأمتعة بشرط: أن يأمن نفسه على ذلك، وأن يقوَى على تعريفها؛ وإلّا فهو كغاصب فيضْمنها متى ما تلفت ولو لم يتعدّ أو يفرّط.
وعليه تعريفها وجوبا في مجامع الناس غير المساجد، والمذهب: أنه يُعرّفها من حينِ التقاطه كل يوم لمدة أسبوع ثم يرجع في ذلك إلى العُرف، ثم يدخل في ملكِه فهرا من غير اختيار.
ويحرُم عليه أن يتصرّف بعد تعريفها قبل أن يعرف صفاتها فمتى ما جاء طالبها فوصفها-فبيّنة اللقطة الوصف- وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين.
والسفيه والصبي يُعرِّف لقطتهما وليّهما ويلزمه أخذها منهم.
باب اللقيط
وهو: طفل لا يُعرف نسبهُ ولا رِقّه نُبذ أو ضل، وهو في المذهب: من الولادة إلى ما قبل التمييز، وقيل: إلى البلوغ.
وأخذُه فرض كفاية على من علم بحاله، فإن تركه جميع من رآه أثموا.
وهو حر في كلّ الأحكام لأنّ الحرية هي الأصل، وما وجِد معه أو تحته ظاهرا فله ويُنفق عليه منه، فإن لم يكن منعه شيئ فتجبُ نفقته على بيت المال، فإن تعذّر فعلى من علِم حاله من المسلمين، ولا يرجع عليه بالنفقة.
وحضانته لواجِده الأمين، ويُشترط في الحاضن أن يكون أمينًا مكلفًا رشيدا حرا عدلا ولو في الظاهر، ولو مات فميراثه أو ديته لبيت المال.
ووليّه إذا قتل عمدا الإمام-إن لم يكن له وارث-، ويُخيّر بين القصاص أو الدّية ولا يعفو.
وإن ادّعى نسبهُ رجل أو امرأة ذات زوج مسلم أو كافر-أي المرأة أو الرجل- أنه ولده ألْحِق به ولو بعد موت اللقيط، ويُشترط أن ينفرد هذا المدّعي بدعوته وأن يُمكن كونه من هذا المدّعي.
ولا يتّبع اللقيط الكافر المدعي له بدينهِ إلّا أن يقوم ببيّنة تشهد على أنه وِلد على فراشه، وإن اعترف اللقيط بالرق مع سبق مناف، أو ادّعى الكفر بعد أن نطق الإسلام فلا يقبل منه ويعامل معاملة المرتد.
وإن ادّعاه جماعة قُدم ذو البيّنة وإلّا فيُلحق بمن ألحقته القافة به.
ويُشترط في القائف: أن يكون مسلمًا مكلفًا ذكرًا عدلاً حرًا مجربا في الإصابة.
وإن نفتهُ القافة عن كل من ادّعاه أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة فيضيع نسبهُ.
كتاب الوقف
وهو: الحبس، واصطلاحا: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
يصح بالقول والفعل الدال عليه، كمن جعل أرضه مسجدا وأذِن للناس إذنا عاما في الصلاة فيه، ولو نوى خلافه أي: كانت نيّته خلاف ما دل عليه الفعل فلا أثر لنيته.
وصريح القول: وقّفتُ، وحبّست، وسبّلتُ، فإذا أتى بواحدة منها فإنّهُ ينعقد الوقف ولا يجوز أن يتراجع عنه.
وكنايته: تصدّقت وحرّمت وأبدتُ، فلا تكون وقفا إلّا بشرط النية مع الكناية أي يقول: تصدّقت بهذه الأرض-نوايا الوقف-، أو اقتران أحد هذه الألفاظ بحكم ِالوقف فإنّها تكون وقفا، كأن يقول: تصدقت صدقة لا تُباع ولا تورث.
شروط الوقف:
الشرط الأول: أن تكون العيْن الموقوفة النفع فيها دائم والعين تبقى لا تُستهلك، كعقار وحيوان ونحوهما كالأثاث والسّلاح.
الشرط الثاني: أن يكون الوقف على برٍّ إذا كان على جهة عامة، والبر: اسم جامع للخير، فلا يصح على ما لا يكون قربة كتعلم المنطق والشعر.
ولا يصح أن يوقِف الإنسان شيئا على نفسه، فإن فعل فلا يزال ملكه باقٍ عليْه.
الشرط الثالث: يشترط في غير المسجد ونحوه أن يكون على مُعيّن، فلا يصح على مجهول كرجل ويسكت دون أن يُحدّد، أو من ملكُه غير مستقر كالكتابة، وعلى من لا يملك كملَكٍ وحيوان وحمل أصالة-لأنه لا يتملّك حتى يولد- ويدخل-الحمل- تبعا.
الشرط الرابع: أن يقف ناجِزا، فلا يصح أن يُعلّق الوقف إلّا بالموت فيصح، ولا يكون مؤقتا.
ولا يُشترط في صحة الوقف قبول الموقوف عليه إن كان معينا، وينتقل إلى من بعده.
ويجب العمل بشرط الواقف وهو الشرط المباح أو المستحب-ولا يلزم العمل بالشروط المكروهة- و في جمعٍ وتقديم وضد ذلك، والترتيب، واعتبار وصفٍ وعدمه، كأن يقول: على أولادي ثم أولادهم، فإذا أطلق الواقف في وصف الموقوف عليه ولم يشترط وصفا مُعينا، فإنّه يستوي في إعطاء الموقوف عليهم الغني والفقير، والذكر والأنثى.
ويُشترط في الناظر على الوقف أن يكون مسلما مكلفا وأن يكون عنده قوة على القيام بمصالح الوقف .
وإن أوقف على أشخاص معيّنين ولم يشترط ناظرا فالنظر للموقوف عليه، وإن كان على جهة فالنظر للحاكم.
وإن قال: أوقفتُ على أولادي فالوقف يستمرّ عليهم ثم أولاد الأولاد دون أولاد البنات؛ لأنّهم لا ينسبون إليه، ولو قال: على أبناء فلان اختص على ذكورهم.
وإن كان على قبيلة دخلَ ذكورهم وإناثهم دون أبناء النساء من غير هذه القبيلة، وإن أوقف على قرابته وقومه وأهلهِ يشمل الذكر والأنثى والصغير والكبير من أولاده بالسويّة وأولاد أبيه وأولاد جده وأولاد جد أبيه.
وإن أوقف على جماعة يُمكن حصرهم وجب التعميم والتسوية، وإن لم يُمكن الحصر فلا يجب فيجوز لو اقتصرَ على أحدهم أو لم يُسوّى بينهم.
والوقف عقد لازم، وإن لم يحكم به الحاكم، فلا يجوز الفسخ ولا أن يباع ولا يصح؛ إلّا إن تعطّلت منافعه ويصرف ويشترى بدله.
ويجوز صرف الفاضل في مثله، وفي سائر مصالح المسلمين.
باب الهبة والعطية
الهبة: هي التبرّع بتمليك مالهِ المعلوم الموجود في حياته بلا عوض.
العطية: فالمراد بها الهبة في مرض الموت.
إن شرطَ فيها عوضا معلوما فبيع، ولا تصح هبة المجهول كالحمل في البطن، واللبن في الضرع؛ إلّا المجهول الذي يتعذّر علمه.
حكمهما: الأصل أنّها مستحبّة إذا قصد بها وجه الله لا مباهاة ورياء وسمعة.
وتنعقد: بالإيجاب والقبول والمعاطاة الدالة عليها.
شروطها:
الشرط الأول: أن تكون من جائز التصرّف، الشرط الثاني: أن يكون الواهب مُختارا جادا لا هازلا مُكرها.
الشرط الثالث: أن يكون الموهوب يصح بيعه، الشرط الرابع: أن يكون الموهوب له يصحّ تمليكه.
الشرط الخامس: كون الموهوب له يقبض ما وهبَ له بقول أو فعل يدل عليه، الشرط السادس: أن يقبضَ الموهوب له الهبة قبل أن يموت.
الشرط السابع: أن تكون الهبة منجزّة فلا تصح معلقة إلّا إذا علّقها بالموت وتكون وصية.
الشرط الثامن: أن لا تكون الهبة مؤقتة.
وتلزمُ الهبة بالقبض، بإذن واهب ويكون باللفظ والمناولة والتخلية، ويكرهُ الرجوع فيها قبل القبض.
ومن أبرأ غريمه بلفظ الإحلال أو الصدقة أو الهبة صح الإبراء ولو لم يقبل بشروط:
الأول: أن يكون الإبراء منجّزا فلا يصح معلقا بشرط إلّا إن قال: إن متُّ فأنت في حل.
الثاني: أن يعلم قدر الدّين كلاهما أو الدائن فقط، أو يجهله كلاهما فلا يصح أن يعلمه المدين فقط.
الثالث: أن يكون الإبراء بيّنا، فلا يصح أبرأتك من أحد دينيّ.
وتجوزُ هبة كل عين يجوز بيعها، وما لا يجوز بيعه لا تصح هبته، ويستثنى من ذلك الكلب الذي يقتنى.
باب العطية
وهي: القدر الزائد عن النفقة.
يجبُ التعديل في عطية الأولاد بقدر إرثهم فيكون للولد قدر حظ الانثيين.
والمذهب: يجب التعديل بين عطيّة كل من يرث ويستثنى الشيء التافه،وإن كان أذن فيه بقيّة الورثة فإنه يجوز.
فإن فضّل بعضهم بأن أعطاه فوق إرْثهِ، أو لم يعطي البقيّة سوّى وجوبا برجوع حيثُ جاز الرجوع-وهو مختص للأب فيجوز أن يرجع في هبته-، فإن مات قبل الرجوع فإنها تثبت للمُعطى.
ولا يجوز لواهبٍ أن يرجع في هبة اللازمة-وهي المقبوضة- ولا يصح، ويستثنى من ذلك:
أولا: الأب، فيجوزُ أن يعودُ في عطيّتهِ ويسترجعها من ولده، وله أن يأخذ ويتملك من مال ولدِه ما لا يضرّه وما لا يحتاجه.
ثانيا: الزوجة إذا وهبت زوجها شيئا بمسألتهِ إيّاها ثم ضرّها بطلاق أو غيره فلها الرجوع بالهبة.
وللأب أن يتملك من مال ولده بشروط:
الأول: أن لا يتضرّر الولد، الثاني:أن لا يكون محتاجا.
الثالث: أن يتملكه، فإن تصرّف في مال ولده قبل تملّكه فلا يصح هذا التصرف، أو أخذ ما وهبه لولدهِ قبل الرجوع بالهبة، فلا يصح.
والتملّك إمّا أن يكون بالقول أو الفعل مع النية، وليس للولد وورثتهُ مطالبة الأب بدينٍ ونحوه؛ إلّا بنفقته الواجبة عليه، وله أن يُطالب أباه بعين مال له في يد أبيهِ.
تصرّفات المريض
الأمراض إمّا أن تكون غير مخوفة، وإمّا أن تكون مخوفة-الغالب معها الموت-، وإمّا أن تكون أمراضا ممتدّة تكون مع الإنسان وتعيش معه حياة طويلة.
من مرضهُ غير مخوف كوجع ضرس وصُداع رأس فتصرفه صحيح لازم ٌكما لو تصرف السليم، ولو صار هذا المرض مخوفا ومات منه.
وإن كان مخوفا كبرسام، وذات الجنب ووجع قلب، ودوام قيام ونحو ذلك، وقال طبيبان مسلمان عدلان أنّه مخوفٌ فإنه يكون مخوفا، فلا يستطيعُ أن يتصرّف في أمواله مع هذه الأمراض إلّا بالثلث.
وما يلحق بمرض الموت: من خشيَ التلف كمن وقع الطاعون في بلدهِ، ومن أخذها الطلق حتى تنجو، ولا يلزم تبرعهُ لوارثٍ بشيء، وما فوق الثلث لأجنبي؛ إلّا بإجازة الورثة إن مات من هذا المرض المخوف، وإذا برئ من هذه الامراض فإنّ تصرّفه صحيح وتنفذ جميع عطاياه.
ومن امتدّ مرضهُ بجذام ونحوه فإن كان لم يُلزِمه الفراش فحكمه حكم الصحيح، وإن لزِم الفراش فعطاياه كوصيته لا ينفذ شيء للورثة، ولا بأكثر من الثلث لأجنبي، ويعتبر الثلث عند الموت لا عند العطية.
تتشابه العطية والوصية بأربعة أمور:-
الأمر الأول: العطية والوصية لا يصحّان للوارث بشيء، ولا بما فوق الثلث لأجنبي إلّا بإذن الورثة.
الأمر الثاني: أنّ فضيلتهما في المرض المخوف ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة.
الأمر الثالث: أنّهما تتزاحمان في الثلث ويدخل النقص على الجميع.
الأمر الرابع: أن خروج العطية والوصية من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده.
الفرق بين العطية والوصية
أولا: يُسوَّى بين متقدمٍ ومتأخرٍ في الوصية، وفي العطية يبدأ بالأول فالأول.
ثانيا: لا يملك الرجوع في العطية بعد قبضها، والوصية له أن يرجع قبل أن يموت.
ثالثا: يعتبر قبولها-العطية- عند وجودها من قبل المُعطى، أما الموصية فالقبول لا يصح فيها إلّا بعد الموت.
رابعا: يثبتُ الملك في العطية حينَ العطيّة، بخلاف الوصية فلا يثبت الملك فيها إلّا بعد الموت.
كتاب الوصايا
وهيَ اصطلاحا: الأمر بالتصرف بعد الموت، وتارة تكون بالمال وهي: التبرع بالمال بعد الموت.
ويشترط لمن تصح وصيته:
الشرط الأول: أن يكون عاقلا، الشرط الثاني: أن يكون مميزا.
الشرط الثالث: عدم معاينة الموت، الشرط الرابع: أن يكون ناطقا أو أخرس بإشارة مفهومة.
الشرط الخامس: أن لا يكون سكرانا.
يسنُّ لمن ترك مالا كثير أن يوصي بالخمس، ويحرم إن كانت بأكثر من الثلث لأجبني، ولا لوارث بشيء إلّا بموافقة الورثة، وتكره وصية فقير وارثه محتاج.
وتجوز بكل ماله لمن لا وارث له، وللفقير الذي ورثته أغنياء، وتجبُ لمن عليه حقوق ولا بيّنة لهم.
والنظر للموصى له إن كانَ وارثًا، أو غير وارثٍ حال الموت.
ويُعتبر قبول الوصية بعد الموت، ولا يشترط قبول الوصية إن كانت لغير معيّن، ويثبت الملك بالقبول بعد الموت.
ومن قبِل الوصية ثم ردها لم يصح الرد سواء قبضها أو لم يقبضها، ويجوز الرجوع في الوصيّة كلها أو بعضها.
باب الموصى له
شروط الموصى له خمسة شروط:
الشرط الأول: أن يكون ممن يصح تمليكهُ، فلا يصح لمن لا يصح تمليكه كالميت والملَك.
الشرط الثاني: إذا كانت على جهة فيشترط ألا تكون معصية لله، الشرط الثالث: أن يكون الموصى له موجودا لا معدومًا، الشرط الرابع: أن يُقبل الموصى له الوصية بعد الموت، الشرط الخامس: أن يكون الموصى له معيّنا فلا تصح لمجهول.
ويصح أن يوصي لعبده بمشاع، ويُعتق منه بقدره ويأخذ الفاضل، ولا تصح الوصية لعبد غيره.
وتصحُّ الوصية بحمل معيّن-تحقّق وجوده-، وإن وصى لحي وميت يعلم موتُه فالكلّ للحيِّ، والمذهب: أن للحيِّ النصف إن علم موته أو جهله.
باب الموصى به
شروط الموصى به:
الشرط الأول: إمكانه فلا تصح الوصية بمدبره، الشرط الثاني: اختصاص الموصي بالموصي به وإن لم
يكن مالا كجلد ميتة.
الشرط الثالث: أن توجد منفعة مباحة في الموصي به.
تصح بما يعجز عن تسليمه كآبق وطير في الهواء، وبالمعدوم كبما يحمل به حيوان أو شجرته أبدا أو مدة معينة.
وتصح بكلب وزيتٍ متنجس وللموصى له ثلثه؛ إن لم تجز الورثة، وتصح بمجهول كعبد وشاة، ويُعطى ما يقع عليه الاسم العرفي.
ومن وصي له بمعيّن: كسيارة أو دابة فتلفتْ بطلت الوصية، أو تلف المال قبل موت الموصي أو معه ولم يبقَ إلّا الموصى به المعين فله ثلثه.
باب الوصية بالأنصباء والأجزاء
مسائل هذا الباب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الوصية بالأنصاب، وهي جمع نصيب وهو الصحة.
إذا أوصى بمثل نصيبِ وارثٍ معيْن بالتسمية كقوله: لفلان ما لابني فلان،فله مثل نصيبهِ مضموما إلى المسألة.
وإذا أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث، وإن كانوا ثلاثة فله الربع وإن كان معهم بنت فله التُسعان.
وإن أوصى بمثلِ نصيب أحدِ ورثتهِ ولم يُبين، كأن يقول: وصيت لفلان بمثل نصيب أحد ورثتي، فله مثل أحد أقلهم نصيبا.
القسم الثاني: الوصية بالأجزاء إن أو أوصى له بسهم من ماله فله السدس.
باب الموصى إليه
تصح وصية المسلم إلى كل مكلف عدل-ظاهرا- رشيدا ولو كان عبدا-بشرط إذن سيده- بتصرفٍ معلومٍ يملكُ الموصي فعله كقضاء دينه وتفرقة ثلثهِ والنظر في أموال الصغار.
وإن أوصى لزيد ثم عمرٍ ولم يعزل زيدا اشتركا.
ولا تصحُّ بما لا يملكه الموصي، ومن وصيَ بشيء لا يصير وصيًا على غيره.
وإن ظهر دين جديد على الميت لم يضمن الموصى له.
وإن قال: ضع ثلثي أين شئتَ؛ لم يحِل للموصي أن يأخذه له ولا لولده ولا لأقاربه الوارثين وإن كانوا فقراء.