كتاب الصلاة
الصلاة في اللغة: الدعاء، وشرعا:أقوال وأفعال مخصوصة، مُفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
تجبُ على كل مسلم مكلف وهو: البالغ العاقل، لا حائض ونفساء، ويقضي من زال عقله بإغماء أو نوم أو سكر ونحوه.
ولا تصح الصلاة من مجنون، ولا يجب عليه أن يقضي ما فاته زمَن جنونه، ولا تصح من كافر، لأنه لا تصح منه النية، فإن صلى فمسلم حكما.
ويُؤمر بالصلاة صغير بلَغ واستكمل سبعًا وجوبا، ويُضرب عليها لعشر فإن بلغ في أثناء الصلاة أو بعد أن أدّاها في وقتها أعاد
ويحرم على من وجبت عليه أن يُؤخّرها عن وقتها باستثناءِ 1: ناوي الجمع، فإن نوى في وقت الأولى فله تأخيرها إلى وقت الثانية، 2: ولمُشتغل بشرطها الذي يُحصّله قريبا، والمراد بالشرط هو الشرط: الذي زمنُ تحصيله قريب.
ومن جحد وجوبها كفر، إذا كان مثله لا يجهل وجوب الصلاة، وكذا تاركها تهاونا أو كسلا بشرطِ أن يدعوه إمام أو نائبه، فإن أصرّ على تركها وضاق وقت الثانية عنها كفر، وبدون هاذين الشرطين أو بتخلّف أحدهما لا يُحكم بكفره ولو ترك صلوات كثيرة، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فيهما.
باب الأذان والإقامة
وهو في اللغة: الإعلام، وشرعا: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قُربه لفجر بذكر مخصوص.
الإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص.
والمذهب: أن الأذان أفضل من الإقامة والإمامة.
وهما فرضا كفاية على الرجال المقيمين للصلوات الخمس المكتوبة المؤداة، والنساء لا يجبُ عليهن الأذان.
وحكمه لهن : مكروه لما فيه من التشبَه بالرجال.
ويُقاتل أهل بلد تَركوهما، وتحرم أجْرتهما، لا رزق من بيت المال، وهو العطاء الذي يكون من الفيء.
ويسنّ كون المؤذن صيتا-رفيع الصوت- أمينَا -المراد بالأمانة العدالة الظاهرة والباطنة- عالما بالأوقات، وأن يكون بصيرا بالغا، فإن تشاح فيه اثنان قُدّم أفضلهما فيه -في الخصال المُتقدمة-، ثم يقدم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من اختاره الجيران المُصلّون أو أكثرهم، ثم إن استووا فيُقرع بينهم.
والأذان المختار عند الحنابلة خمسة عشر جُملة وهو أذان بلال من غير ترجيع الشهادتين، يرتّلها على علو، يقف على كل جملة قائما، ويكره أن يؤذن جالسا.
وسن كونه: متطهّرا من الحدثيْن، مستقبل القبلة فإن أخلّ بذلك كره .
ويجعلُ أصبعيه -السبابتين- في أذنيه، يلتفتُ في الحيعلة يمينا وشمالا قائلا بعدهما في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، ولو أذن قبل الفجر.
والإقامة: إحدى عشرة جملة يحدرها، ويقيم من أذن استحبابا.
شروط صحة الأذان:لا يصح إلا مرتبا، كذلك الإقامة، متواليا، من عدل في الظاهر، وكونه ذكرا، وأن يكون منويا، وأن يكون من واحد، ولو ملحنا أو ملحونا وهو الخطأ الذي لا يحيل المعنى، ويجزئ من مميز.
ويُبطلهما ، فصل كثير، وكلام يسير محرم، ولا يجزئ قبل الوقت إلا الفجر فيباح بعد منتصف الليل.
ركن الأذان: رفع الصوت.
ويسن الجلوس بعد أذان المغرب يسيرا، وبعد كل صلاة يُستحب تعجيلها (كل الصلوات ما عدا العشاء)
ومن جمَع بين صلاتين لعذر، أو قضى فوائت أذن للأولى ثم أقام لكل فريضة.
ويسن لسامع المؤذن هو أو غيره متابعته سرا مثل ما يقول ثم بعد فراغه يقول ما ورد.
ويحرمُ الخروج بعد الأذان من المسجد إلا إذا خرج لعذرٍ يُبيح ترك الجمعة والجماعة، أو إن كان ناويا الرجوع، أو بعد الأذان الأول الذي يكون بعد منتصف الليل إذا خرج ناويا أن يصلي في مسجد آخر.
شروط الصلاة
شروطها قبلها إلا النية فإنها تقارِن بداية الصلاة.
منها: الإسلام والعقل والتمييز، ومنها: دخول الوقت، والطهارة من الحدث والنجس.
ووقت الظهر: من الزوال، وهو ميل الشمس إلى الغروب، تميل عن وسط السماء، ويُعرف ميل الشمس عن وسط السماء بزيادة الظل بعد تناهي قصره، ويستمرّ الوقت إلى مساواة الشيء الشاخص فيئه بعد فيْء الزوال.
وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر، فيستحبّ أن تؤخّر إلى أن ينكسر الحر ولو صلى وحده فإنه يستحب له التأخير حتى لو في بيته.
ويستحبّ في يوم الغيم أن يؤخّر صلاة الظهر إلى قريب وقت العصر، حتى يتيقّن دخول وقت الظهر، ويوم الجمعة يسن تقديمها مطلقا ولو مع الحر والغيم.
وقت العصر: إلى مصير الفيء مثليْه بعد فيء الزوال، ثم يبدأ وقت الضرورة ويستمر إلى غروب الشمس، ووقت الضرورة للحائض إذا طهرت، والكافر إذا أسلم والصغير يبلغ، فلا يجوز تأخير الصلاة لهذا الوقت لغير هؤلاء.
ويليه وقت المغرب: إلى مغيب الحمرة، ويسنّ تعجيلها إلا ليلة الجمع بمزدلفة لمن قصدها محرما، فيستحب تأخيرها ليجمعها مع العشاء جمع تأخير، وإذا كان هناك أو كان التأخير أرفق به.
ويليه وقت العشاء: إلى الفجر الثاني، وهو البياض المعترض، وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهُل، ويحرم تأخيرها من غير عذر.
ووقت الفجر:من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وتعجيلها أفضل
وتُدرك الصلاة بتكبيرة الإحرام في وقتها، وكذا تدرك الجماعة، إلا صلاة الجمعة فلا تدرك إلا بركعة.
ويحرم أن يُصلي حتى يغلِب على ظنه دخول وقت الصلاة ويكون إمّا باجتهاد أو خبر ثقة متيقن، فإن أحرم باجتهاد فبان قبله فصلاته نافلة وعليْه أن يعيد الفرض.
وإن أدرك مكلف من وقتها قدر تكبير الإحرام فأكثر، ثم زال تكليفه بأن جُن أو امرأة أدركت من وقت الصلاة قدر تكبيرة الإحرام ثم حاضت فيقْضونها إن زال العذر.
ومن صار أهلا لوجوبها قبل خروج وقت الصلاة لزمته وما يجمع إليها قبلها.
ومن فاتته صلاة واجبة وجب عليه أن يقضيها فورا، ويسقطُ الترتيب بخشية فوات الحاضرة.
من شروط الصلاة: ستر العورة، وعورة رجل وأمَة و من بلغ عشر سنين، وأم ولد ومعتق بعضها من السرة إلى الركبة، وكل الحرة عورة إلا وجهها في الصلاة.
ويستحبّ أن يُصلي الرجل في ثوبين، ويكفي ستر عورته في النفل، مع أحد عاتقيه في الفرض
والعاتق: هو ما بين المنكب والعنق.
ويستحبّ للمرأة صلاتها في درع وخمار، وفوق ذلك ملحفة تُغطّي جميع جسدها وهي:الجلباب، ويكره صلاتها في خمار وبرقع ويُجزئها ستر عورتها.
ومن انكشف بعض عورته في الصلاة وفحش في العرف وطال الزمان بطلت.
ولو صلى في ثوب محرّم فيلزمه أن يُعيد إن كان عالما ذاكرا، ولو صلى في ثوب نجس أعاد مطلقا، لا من حُبس في محل نجس أو مغصوب وصلى فتصح صلاته.
ومن وجد كفاية عورته سترها وجوبا، فإن لم يجد كفاية عورته يستر الفرجين، وستر الدبر أولى، ومن أُعير سترة لزمه قبولها بخلاف لو وهَبها له فلا يلزمه قبولها للمنّة، فلا منة في الاستعارة.
والعاجز عن تحصيل السّترة يُصلي قاعدا استحبابا، ويستحبّ أن يصلي بالإيماء، ويكون إمام العراة وسطهم وجوبا، وتبطل إن تقدمهم إلا في ظلمة أو كانوا عميانا فتصح، ويُصلي الرجال في جهة والنساء في جهة.
وإن وجدَ المُصلي العاري سُترة قريبة عُرفا في أثناء الصلاة سترها وجوبا وبنى على ما مضى من صلاته، وإن كانت بعيدة فإنه يخرج من صلاته ويستر عورته ثم يبتدئ الصلاة مرة أخرى.
ويكره السدل في الصلاة وهو: طرح ثوب على كتفيه لا يردّ طرفه على الأخرى، وهو مكروه مطلقا، سواء تحته ثوب أو لا.
وكره اشتمال الصماء وهو: أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره، يلف على نفسه ثوبا ليس عليه غير هذا القماش كالإحرام.
ويكره: تغطية وجهه بلا حاجة والّلثام على فمه أو أنفه، وكف كمه ولفّه.
وكره شد وسطه كزنار، والزنار حزام يشده الأنصار على أوساطهم.
وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره، والخيلاء التكبر، ويكره الإسبال من غير حاجة.
ويحرم التصوير والمراد إذا كان على صورة حيوان، والصورة المحرمة: صورة الحيوان المُكتملة.
ويباح استعمال التصوير إن كان في سجاد أو وسادة لأنها مهانة.
وتحرم ثياب الحرير على الرجال وما هو أكثَره ظهورا، لا إن استويا فيباح ، ويباح لبس الحرير الخالص لضرورة وحكة أو مرض أو قمل أو حرب ولو بلا حاجة .
ويباح إن كان الحرير حشوا، أو علَما وهو الإطراز في الثوب وهي الزخرفة، أو كان رقاعا أو لبنة جيب، وسجف الفراء (وهي التي تكون في الأطراف)
ويكره المزعفر على الرجال في غير الإحرام فإنه يحرم.
من شروط الصلاة: اجتناب النجاسات.
النجاسة هي:عين أو صفة منعَ الشرع منها بلا ضرورة، لا لأذى فيها طبعا ولا لحق الله تعالى وغيره شرعا، فيحرم مباشرتها أو حملها في الصلاة، ويتجنّبها في بدنه وثوبه وبُقعته.
فمن حمل نجاسة لا يُعفى عنها، أو لاقاها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته، ويُستثنى لو وقعت عليه وَأزالها مباشرة، وإن طيّن أرضا نجسة أو فرشها بشيء طاهر سميك كره وصحت صلاته.
وإن كانت النجاسة بطرف مصلى صحّت صلاته إن لم تنجر بمشيه لأنه مستتبع للنجاسة كحاملها.
ومن رأى عليه نجاسة ولا يدري هل وقعت عليه قبل الصلاة أم بعدها، فلا يجبُ عليه أن يُعيد صلاته، وإن علم أن النجاسة كانت في الصلاة لكن جهلها أو نسيها أعاد لأنها طهارة مشترطة وعنه:لا يعيد.
ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر.
ولا تصح الصلاة في مقبرة، ولا حش وهو: ما أُعدّ لقضاء الحاجة، ولو مع طهارته، وحمام وهو: مكان الاغتسال،
وأعطان الإبل وهي: ما تُقيم فيها الإبل وتأوي إليها، ومغصوب، والمجزرة، والمزبلة، وقارعة الطريق، ولا تصح الصلاة فيها ولا في أسطحها وتصح إليها مع الكراهة.
ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة والمَنذورة باستقبال شاخص فيها.
ومن شروط الصلاة:استقبال القبلة.
وهي: الوِجهة، فلا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة إلا العاجز عن استقبالها، كالمربوط لغير القبلة والمصلوب.
ويُستثنى المتنفل الرّاكب السائر في سفر إن كان مباحا، ويلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة إن أمكنه.
وفرض من قرُب من الكعبة إصابة عينها، ومن بعُد فيلزمه استقبال جهتها، ولا يضر التيامن والتياسر اليسيران.
وإن أخبره ثقة بيقين فيعمل بخبَره، ولو وجد محاريب إسلامية فيعمل بها، ولا يجوز الاجتهاد في القبلة في البلد.
وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة، لم يَتبع أحدهما الآخر، ويتبّع المقلد أوْثقهما عنده.
ومن صلى بغير اجتهاد-وكان يُحسنه-، أو صلّى الذي لا يُحسن الاجتهاد بغيرِ تقليد يلزمه القضاء إن وجد من يُقلده.
ويجتهد العارف وجوبا بأدلة القبلة لكل صلاة.
من شروط الصلاة: النية
وهي:القصد، وشرعا: العزم على فعل عبادة تقرّبا لله تعالى.
ولا يجوز التلفّظ بها، وزمن النية:أول كل عبادة أو قبلها بيسير سوى الصيام.
شروط صحتها: الإسلام والعقل والتمييز والعلم بالمنوي.
وتكفي نية تعيين الصلاة فلا يُشترط تعيين الفرض أو الأداء وغير ذلك.
مبطلات النية: إن قطع النية في أثناء الصلاة أو تردّد في قطعها بطلت، وإذا شك فيها -أي: النية- وعمل مع الشك عملا فيلزمه أن يستأنِفها، ولا أثر للشك بعد العبادة.
وإن قلب منفرد أو مأموم فرضهُ نفلا في وقته المتسع جاز، ويكره لغير غرض صحيح، وإن انتقل بنية من فرض لفرض بطلا.
ويجب أن ينوي الإمام الإمامة، والمأموم الإئتمام من أول الصلاة إن كانت الصلاة فريضة.
ويجوز أن ينفرد المأموم عن الإمام لعذر من أعذارِ ترك الجمعة والجماعة.
وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه فليس للإمام أن يستخلف إن انتقض وضوءه، ويستثنى:إن أحرَمَ إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتما فيصح، ويستثنى: لو سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة فيصح أن يأتمّ أحدهما بالآخر.
باب صفة الصلاة
يسنّ قيام الإمام عند قول المقيم "قد"من إقامتها، والمأموم عند رؤية الإمام.
وتسوية الصف، ويكون في المناكب والأكعب، ويقول: الله أكبر، مرتبا متواليًّا، رافعا يديه ندبا مضمومتي الأصابع ممدودة حذو منكبيه، ويبدأ تلفظ التكبير عند أول الرفع ، ويُسمِع الإمام من خلفه كقراءته، ويُسر المأموم والمنفرد، ويشترط أن يسمع نفسه، ثم يقبض كوع يسراه تحت سرته.
وينظرُ المصلي إلى موضع سجوده، ويستفتح ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يستعيذ ويبسمل سرا.
ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية ومُشددة، فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطالا عُرفا، أو ترك منها تشديدة أو حرفا أو ترتيبا فإن الفاتحة لا تصح، ويلزمه أن يسْتأنفها غير مأموم، ويجهر الكل استحبابا بـ آمين في الجهرية، بعد سكتة لطيفة، ويستحب أن يسكت الإمام بعد الفاتحة قدْر قراءة المأموم لها في الجهرية.
ثم يقرأ سورة وتكون في الصبح من طوال المفصل، من ق إلى آخر المرسلات، والأواسط من عمّ إلى الليل، وقصاره من الضحى إلى الناس، وفي المغرب يسنّ أن يقرأ من قصار المفصل، وفي الباقي من أوساطه "الظهر والعصر والعشاء"ولا تصح بقراءة لا توافق مصحف عثمان .
ثم يركع مكبرا رافعا يديه يقول: الله أكبر عند هويه للركوع فيبدأ التكبير مُجرّد أن ينحني، ويضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويقول: سبحان ربي العظيم، والواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، ثم يرفع رأسه ويديه حذو منكبيه قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، وبعد قيامهما يقولان: ربنا ولك الحمد، ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعده.
ومأموم في رفعه يقول: ربنا ولك الحمد، ويتحمل الإمام عن المأموم ملء السماوات …
والمذهب أن المُصلي يخيَر بعد الركوع بيْن قبض يديه وبين الإرسال، ثم يخر مُكبرا ولا يرفع يديه ساجدا على سبعة أعضاء رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه، ولو سجدَ مع حائل ليس من أعضاء سجوده.
ويسنّ أن يُبعد عضديه عن جنبيْه، وبطنه عن فخذيه ما لم يؤذِ جاره، ويفرّق ركبتيه في سجوده ورجليه ويقول:سبحان ربي الأعلى، ثم يرفع رأسه مكبرا ويكون ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع من الأرض وانتهاؤه قبل أن يستتمّ جالسا.
ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه، ويبسط يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ويقول: رب اغفر لي، والواجب مرة واحدة، ويسجد الثانية كالأولى ثم يرفع مكبرا ناهضا على صدور قدميه، ولا تُستحب جلسة الاستراحة، ويصلي الثانية كالأولى ما عدا التحريمة، والاستفتاح والتعوذ إن كان تعوذ في الأولى.
ثم يجلس مفترشا ويداه على فخذيه ولا يلقمهما ركبتيه، يقبض خنصر يده اليمنى وبنْصرها ويحلّق إبهامها مع الوسطى، ويشير بسبابتها في تشهده عند ذكر الله تعالى، ويبسط اليسرى ويقول سرا ندبا: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
وفي التشهد الأخير يزيد الصلاة على النبي كما ورد في حديث كعب بن عجرة.
ولا يجوز أن يدعو بشيء من أمر الدنيا ولا بكاف الخطاب.
ثم يسلم مرتبا وجوبا، ويسن أن يلتفت عن يساره أكثر، ومن السنة أن لا يمد السلام ولا يطوّله.
وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض بعد التشهد الأول، ولا يرفع يديه، وصلى ما بقي كالثانية وبالحمد فقط ويجلس في التشهد الأخير متوركا.
والمرأة كالرجل لكن تضم نفسها وتسدِل رجليها بجانب يمينها إن جلست، ولها أن تتربع، وبعد السلام يستغفر ثلاثا ويقول ما ورد.
ويُكره الالتفات في الصلاة من غير حاجة، ورفعُ بصره إلى السماء، وتغميض عينيه، وإقعاءٌ -وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه- وقيل:أن يجلس بين عقبيه على أليتيْه ناصبا قدميه، وافتراش ذراعيه في سجوده وتخصّره، وفرقعة الأصابع وأن يكون حاقنا أو بحضرة طعام يشتهيه أو شراب أو جماع، ويكره:تكرار الفاتحة وأن يصلي مقتصرا عليها .
ويسن: رد المار بين يديه حتى لو كان طفلا أو بهيمة، وإلا فتنقص الصلاة ولا تبطل.
ولهُ أن يعد الآيات والتسبيح والتكبير بأصابعه، والفتح على إمامه إذا غلط ويجبُ إذا غلط بالفاتحة كذا لو نسي ركنا من أركان الصلاة، وله حمل شيء ووضعه، وقتل الحية والعقرب، والإشارة باليد أو بوجهه أو بعينه لحاجة، ويرد السلام إشارةً، وللمُصلي القراءة من المصحف ولو في فرض، وله إذا عطس أن يحمِد في نفسه.
وإن أطال المُصلي الفعل الذي من غير جنس الصلاة عُرفا بلا ضرورة ولا تفريق بطلت ولو سهوا، وإشارة الأخرس المفهومة كفعله.
وإذا عرض للمصلي شيء سبّح رجل وصفّقت المرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى.
ويبصق في الصلاة عن يساره إن كان خارج المسجد، وفي المسجد بثوبه، وتسنّ صلاة غير المأموم إلى سترة قائمة كمؤخرة الرحل قرب ذراع فأكثر فإن لم يجد شاخصا فإلى خط كالهلال.
وتبطل الصلاة: بمرور كلب أسود بهيم فقط، وسترة الإمام سترة من خلفه.
أركان الصلاة
وهي: القيام للقادر، والتحريمة، والفاتحة في كل ركعة للإِمام والمنفرد، والركوع، والاعتدال عنه، والسجود على الأعضاء السبعة، ثم الرفع منه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة بين كل ركن فعلي، والتشهد الأخير وجلسته والصلاة على النبي-صلى الله عليه وسلم-، والترتيب بين الأركان والتسليم.
واجبات الصلاة
تبطل الصلاة بتركها عمدا وتسقط بتركها سهوا ويسجد لها وجوبا.
وهي: التكبير غير التحريمة، وتكبيرة المسبوق، والتسميع، والتحميد، وتسبيحات الركوع والسجود، وسؤال المغفرة بين السجدتين، والتشهد الأول وجلسته.
وما عدا الشرائط والأركان والواجبات سنة .
وتسقط الشروط لعذر، إلا النية فإنها لا تسقط بحال، وإن تعمّد ترك ركن أو واجب بطلت صلاته بخلاف الباقي فلا تبطل الصلاة بترك السنة.
ولا يُشرع السجود إذا ترك المُصلي السنة وإن سجد سهوا فلا بأس.
سجود السهو
والسهو: النسيان
يُشرع لِزيادة ونقص وشك، لا في عمد، في فرض ونافلة.
زيادة الأفعال التي من جنس الصلاة:-
متى ما زاد فعلا من جنس الصلاة قيامًا في غير محلّه أو قعودا أو ركوعا أو سجود، فإن كان عمدا بطلت صلاته وإن كان سهوا يسجد له وجوبا.
وإن زاد ركعة كاملة، فلم يعلم حتى فرغ منها سجد وجوبا، وإن علم أثناء الزيادة جلس في الحال بلا تكبير ويتشهّد إن لم يكن تشهّد ويسلم.
وإن سبّح به ثقتان عدلان يلزمه الرجوع إلى تنبيهِهم، فإن أصرّ على عدم الرجوع ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته، وإن كان جازما فلا يجب عليه الرجوع، ويُستثنى ما لو سبحوا له لتركِ التشهد الأوّل.
وتبطل صلاة من تبع الإمام عالمًا لا من تبعه جاهلا أو ناسيا أو الذي فارقه فصلاتهم صحيحة .
زيادة الأفعال التي ليست من جنس الصلاة:
وعمل مستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه، ولا يُشرع بيسيره سجود
ولا تَبطل بيسير أكل وشرب سهوا فرضا ونفلا، ولا نفل بيسير شُرب عمدا.
وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه لم تبطل ولو عمدًا، ولم يجب له سجود، ويشرع إن كان سهوا.
وإن سلم قبل إتمامها عمدا بطلت صلاته، وإن كان سهوا وذكر قريبا عُرفا فيجب عليه أن يعود ويُتمها ويسجد للسهو، وإن طال الفصل عرفا، أو تكلم لغير مصلحتها بطلت.
وإن تكلم لمصلحتها فلا تبطل إن كان يسيرا، والمذهب: تبطل كما لو تكلم في صُلبها.
وقهقهة ككلام تبطلها الصلاة، وإن نفخ أو انتحب تنحنح من غير خشية الله، أو تنحنح فبان حرفان فأكثر من غير حاجة فتبطل صلاته.
ومن ترك ركنا سهوا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت الركعة التي ترك منها ذلك الركن، وقامت الركعة التي تليها مقامها، وإن تذكّر قبل شروعه في الركعة الأخرى رجع للركن ويأتي به وبما بعده، وإذا تذكر المتروك بعد السلام فكترك ركعة كاملة فيأتي بالركعة ويسجد للسهو إن قرب الفصل.
وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما، فإن استتم قائما يكره له الرجوع، وإن شرع في القراءة حرم عليه الرجوع.
ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل وجوبا، ومن شك في ترك ركن فكتَركه.
ولا يسجد من شك في ترك واجب أو شكّ أن زاد في الصلاة، ولا يجب السجود على المأموم الذي دخل مع الإمام من أول الصلاة إلا تبعا لإمامه، والمسبوق إذا دخل مع الإمام ولو بَعد أن سها الإمام فيلزمه السجود معه .
وسجود السهو لما يبطل الصلاة عمدا واجب.
الأحوال التي يجب فيها السجود
إذا زاد ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا، إذا سلّم قبل إتمامها، إذا لحن لحنا يحيل المعنى في القرآن،
إذا ترك واجبا، إذا شك في زيادةٍ وقت فعلها.
ويستحب سجود السهو إن أتى بقول مشروع في غير موضعه سهوا، ولو أتمّ المسافر الذي نوى القصر سهوا فيستحب له سجود السهو.
ويباح إذا ترك السنة إن كان من عادته أن يفعلهَا.
وسجود السهو الأفضل أن يكون قبل السلام، إلّا إن سلم عن نقص مطلقا فالأفضل أن يكون بعد السلام.
وتبطل الصلاة بتعمد ترك سجود سهو أفضليته قبل السلام فقط.
وإن تركه نسيانا يجب عليه أن يسجُد إذا قرب الزمن إذا لم يخرج من المسجد وإذا لم يحدث.
ومن سها مرارا كفاه سجدتان فقط.
باب صلاة التطوع
أفضل ما يتطوّع به الإنسان بعد أداء الواجبات هو الجهاد في سبيل الله، ثم النفقة فيه، ثم العلم تعلّمه وتعليمه، وهو العلم الشرعي فقط، ثم يأتي بعدهُ الصلاة.
وأفضل الصلاة ما تسن له الجماعة، ثم الأعمال التي يتعدّى نفعها من عيادة مريض وقضاء حاجة مسلم ثم الحج ثم الصيام.
وأفضل ما تسن له الجماعة الكسوف ثم صلاة الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر -ولا تشرع معه الجماعة إلا إذا كان تابعا للتراويح- ولا تُقبل شهادة من تعمّد تركه.
وقته: بين العشاء والفجر، ولو كانت العشاء مجموعة مع المغرب تقديما.
وأكثره إحدى عشرة ركعة مثنى مثنى، ويجوز أن يسردها كلها ويتشهد في الركعة الأخيرة ويسلم، وله أن يصلي عشرة ويتشهد ثم يقوم ويصلي ركعة ويتشهد ويُسلم.
وإن أوْتر خمسا أو سبعا الأفضل أن يسْردها ويجلس في آخر ركعة منها، ويتشهد ويُسلم.
وأدنى الكمال في الوتر ثلاث ركعات بسلامين، وتجوز بسلام واحد.
ويقْنت بالركعة الأخيرة بعد الركوع ندبا، ويقنت جهرا ولو منفردا ويقول ما ورد.
وتبطل إن دعا بشيء من ملاذ الدنيا، وحوائجها، ويمسح وجهه بيديه.
ويكره قنوته في غير الوتر: حتى الفجر، إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون، فيقنت في جميع الفرائض ما عدا الجمعة، ويقنت الإمام الأعظم ويباح غيره.
والتراويح عشرون ركعة تفعل في جماعة مع الوتر، والأفضل أن تُفعل أول الليل بعد العشاء، والمتَهجّد إذا صلى مع الإمام الأفضل أن لا يُسلّم ويقوم ويشفع الوتر بركعة ويوتر آخر الليل، -والتهجد صلاة بعد نوم- ويكرهُ التنفل بين التراويح، لا التعقيب بعدها في جماعة .
ثم يأتي بعد التراويح السنن الراتبة، ويكره تركها وتسقط عدالة من داوم على تركها.
وهن: عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر وهي أفضلها، ومن فاته شيء منها له قضاؤها كالوتر.
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، وأفضل زمن لها ثلث الليل بعد نصفه.
ووقته من الغروب إلى طلوع الفجر الثاني، وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
وكثرة الركوع والسجود أفضل من القيام فيما لم يرِد تطويله، وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة القائم.
وتسن صلاة الضحى، والمذهب: أنها تُصلّى غبا، وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان، ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال.
وسجود التلاوة صلاة فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة، ويسن للقارئ والمُستمع في الصلاة وغيرها، دون السامع.
وإذا لم يسجد القارئ لم يسجد، أو كان لا يصلح إماما للمستمع لم يسجد، ويكبّر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم، والسجود عن قيام أفضل من سجود القاعد.
ويكره للإمام قراءة سجدة في صلاة سر وسجوده فيها، ويلزم المأموم متابعتها في غير السرية
ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، وتبطل بسجود الشكر الصلاة لا جاهلا أو ناسيا.
أوقات النهي
من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، باستثناء ركعتي الفجر.
ومن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها -ولو يوم الجمعة- إلى أن تزول.
ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس، وإذا شرعت بالغروب حتى تتم.
ويجوز في أوقات النهي صلاة الفجر وقضاء الفوائت، وفعل ركعتي الطواف وفعل المنذورة، وسنة الظهر بعد العصر المجموعة مع العصر جمع تقديم أو تأخير، والصلاة على الجنائز في الوقتين الطويلين وتحية المسجد إذا دخل حال خطبة الجمعة.
ويحرم تطوع في هذه الأوقات حتى ما له سبب، ولو دخل وقت النهي أثناء الصلاة فتحرم الاستدامة .
باب صلاة الجماعة
صلاة الجماعة واجبة على الرجال فلا تجب على النساء، وتسنّ لهن إن اجتمعن في مكان.
وتجب الجماعة للصلوات الخمس المؤداة وأََن يكون الرجال أحرارًا قادرين.
وليست شرطا لصحة الصلاة، إلا صلاتي الجمعة والعيد، فصلاة المنفرد صحيحة ولو بلا عذر.
أقلّ ما تنعقد به صلاة الجماعة اثنان، ولو فعلها ولو في بيته وصحراء، والسنة في المسجد، وفي رواية: أن إقامة الجماعة في المسجد فرض كفاية، وفي رواية: هي واجبة مع قُربه من المسجد.
وتستحبّ صلاة أهل الثغر في مسجد واحد لأنّه أعلى للكلمة، وأوْقع للهيبة ما لم يحصل ضرر-كالوقت الحاضر-
والأفضل لغير أهل الثغر أن يُصلي في المسجد التي لا تقام به الجماعة إلا بحضوره، ثمّ ما كان أكثر جماعة، ثم المسجد العتيق، -والمذهب: الأقدم يُقدم على ما كان أكثر جماعة،- ثم يقدم الأبعد لتكثر الخطى.
ويَحرم أن يؤمّ الإنسان في مسجد قبل إمامه الراتب، ولا تصحّ الصلاة إلا إذا أذِن لهم الإمام، وإذا تأخر وضاق الوقت -ولو المختار- أو وقته المعتاد فإنهم يُصلون وقالوا أنه يُراسل.
ومن صلّى ثم أقيمت فرض، يسنّ أن يُعيدها ولو في المسجدين المكي والمدني، إلا المَغرب فلا تسنّ إعَادتها.
ولا تكره إعادة الجماعة في المساجد، باستثناء مسجدي مكة والمدينة.
وإذا شرَع في الإقامة فلا صلاة إلّا المكتوبة إذا كان يُريد أن يُصلّي مع الإمام، وإن كان في نافلة أتمّها خفيفة إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها لأنّ الفرض أهم.
ومن كبّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى لحِق الجماعة ولو لم يجلس، وإن لحقه راكعا دخل معه الركعة.
ويتحمل الإمام عن المأموم الفاتحة، وسجود السهو إذا دخل معه في الركعة الأولى، والسترة، والتشهد الأول إذا سبقه بركعة، وسجود تلاوة لو قرأها المأموم خلفه أو قرأها الإمام وسجد وقول"سمع الله لمن حمده" و "ربنا ولك الحمد " ودعاء القنوت.
ويستحبّ أن يقرأ المأموم في إسرار إمامه وفي سكتاته، ويجوز تفريق الفاتحة هنا ويستحب أن يقرأ المأموم إن لم يسمع صوت الإمام لبعد لا لطرش -إن لم يشْغل من بجانبه-.
و يستفتح ويتعوّذ حتى في حال جهر الإمام بالقراءة.
ويُشرع للمأموم أن يفعل أفعال الصلاة بعد شروعِ إمامه من غير تخلّف.
السبق إلى ركن: من ركع أو سجد قبل إمامه ففعله محرم، وعليه الرجوع ليأتي به بعد إمامه، فإن لم يفعل عمدا حتى لحقه الإمام فيه بطلت، وإن كان سهوا فصلاته صحيحة.
السبق بركن الركوع: وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا بطلت صلاته، وإن كان جاهلا أو ناسيا بطلت الركعة فقط ويعيدها(إذا لم يأت بها بعد إمامه فلا تبطل)
السبق بركنين: لو ركع ورفع قبل ركوعه، ثم سجد قبل رفع الإمام من الركوع بطلت إن كان عالما عامدا ، وإن كان جاهلا أو ناسيا فلا تبطل ويُعيد الركعة ما لم يأت بها بعد إمامه.
ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية.
ويستحب للإمام انتظار داخل إن لم يشق على المأمومين.
وإذا استأذنت المرأة المسجد كره منعها، وبيتها خير لها ولو كان في مسجد النبي-صلى الله عليه وسلم-.
الأحق بالإمامة -في غير المسجد-الأقرأ أي: الأجود قراءة وليس الأكثر حفظا، ثم العالم فقه صلاته، أي: يعرف واجبات الصلاة وشروطها وأركانها، فإن استووا في القراءة فيقدّم الأفقه، فإن استووا فَيقدم الأسن، فإن استووا فيقدم الأشرف -والمراد به القرشي-ثمّ الأقدم هجرة ومثله الأسبق إسلاما ثم الأتقى، ثم يقرع بينهم.
ولو تقدَّم المفضول على الفاضل جاز، وساكن البيت وإمام المسجد أحقّ إلا من ذي السلطان لعموم ولايته.
والحر أولى بالإمامة من العبد، وحاضر-الناشئ بالمدن- ومقيم -الذي يتخذ البادية موطنا له- وبصير ومختون ومن له ثياب وما يستر به رأسه أولى من ضدهم.
ولا تصح الصلاة خلف الفاسق، سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أو جهة الأقوال كـ كافر ولا خلف امرأة ولا خنثى للرجال ولا صبي لبالغ ولا أخرس ولو بمثله.
ولا عاجز عن ركوع أو الرفع منه كأحدب، ولا عاجز عن سجود ولا عن قعود إلا بمثله، ويُستثنى العاجز عن القيام إن كان إمام الحيّ يرجى زوال علّته فتصح ويصلون وراءه جلوسا ندبا والأفضل أن يستخلف.
ولا تصح خلف مُحدِث ولا متنجّس يعلم ذلك، فإن جهل الإمام والمأموم حتى انقضت صحت لمأمُوم وحده.
ولا تصح إمامة الأمي، وهو: من لا يُحسِن الفاتحة أو يدغم فيها ما لا يُدغم، أو إذا أبدل حرفا بغيره، ويَلحن فيها لحنا يحيل المعنى إلا بمثله.
وتكره إمامة اللحان أي: كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى والفأفاء والتمتام ومن لا يفصح ببعض الحروف.
ويكره أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، والأوْلى أن يقال أنها محرّمة، أو قوما أكثرهم يكرهه بحق.
وتصح إمامة ولد الزنا بلا كراهة والجندي إذا سلِم دينهم وكانوا صالحين للإمامة.
وتصح إمامة من يؤدّي الصلاة بمن يقضيها وعكسه، ولا يصح أن يؤم المفترض بالمتنفل.
والسنة أن يقف المأمومون خلف الإمام باستثناء إمام العراة، فيصلي وسطهم وجوبا والمرأة إذا أمّت النساء تقف وسطهم استحبابا.
ويصح عن يمينه فقط، أو عن جانبيه لا قدّامه ولا عن يساره فقط مع خلو يمينه لا الفذ خلف الإمام، ولا خلف الصف إن صلى ركعة فلا تصح، إلا إن كان هذا الفذ امرأة فتصح خلف الرجل، وخَلف الصف من الرجال، لا إن كانت خلف امرأة أو خلف صف نساء، ومن لم يقف معه في الصف إلا كافر أو محدِث أو صبي في فرض أو امرأة فـ فرد.
ومن وجد فُرجة دخلها وإلّا وقف عن يمين الإمام إن استطاع، فإن لم يكن فله أن ُينبّه من يقف معه بنحنحة أو كلام إو إشارة ويكره بجذبه .
ومن ركع ثم مشى حتى دخل في الصف، أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت والمذهب: أنه يجوز إذا كان هذا لعذر كأن يخشى فوات الركعة فتصح.
ويصح إقتداء المأموم بالإمام إن كان بالمسجد، وإن لم يره بشرط أن يسمع التكبير، ويصح أن يقتدي به خارج المسجد بشرط أن يرى الإمام أو بعض المأمومين.
وتصحّ خلف إمام عال عنهم، ويكره إن كان العلو ذراعا فأكثر ولا بأس بعلو يسير كما تُكره إمامته بالطاق وهو المحراب لأنه يستتر عن بعض المأمومين.
ويكره للإمام تطوع موضع المكتوبة إلا لحاجة، ويكره إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة، فإن كان هناك نساء فيسن له و للمأموم أن يلبثوا حتى ينصرفن.
ويكره وقوف المأمومين بين السواري تقْطع الصفوف.
أعذار ترك الجمعة والجماعة
يُعذر بترك جمعة وجماعة مريض، وضابط المرض: تأخر البرء أو زيادته، كذا الخائف من حلول المرض.
ويُعذَر المدافع أحد الأخبثين، ومن بحضرة طعام محتاج إليه، والتّائق للجماع.
وخائف من ضياع ماله كدواب وأنعام لا حافظَ لها غيره، أو الخائف من فوات ماله أو ضرر فيه، أو يخشى موت قريبه، أو يخاف على نفسه من ضرر كسباع أو سُلطان ظالم أو ملازمة غريم لا وفاء له أو من فوات رفقته في سفر مباح.
أو يخشى إن ذهب أن يغلِب عليه النّعاس وينام وتفوته الصلاة في الوقت، أو أذى من مطر ووحل وريح باردة شديدة في ليلة مظلمة.
صلاة أهل الأعذار
تلزم المريض الصلاة المكتوبة قائما، ولو كراكع أو مستندا أو معتمدا على شيء ولو بأجرة، فإن عجزَ تماما عن القيام أو يشقّ عليه مشقّة شديدة كأن يزيد المرض، أو يتأخر البرء فيُصلّي جالسا متربّعا ندبا يثني رجليه في حال الركوع والسجود، ويكون كالمفترش، فإن عجِز أو شق عليه القعود فإنه يُصلي إلى جنبه الأيمن، وإن صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة صحّ.
ويومئ راكعا وساجدا ما أمكنه، ويجعل ُالسجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن الإيماء فإنه يومئ يعينه وينوي بقلبه، وإن قدِر المريض أثناء الصلاة أو عجز ينتقل إلى الآخر وجوبا.
ولِمريض الصلاة مُستلقيا مع القدرة على القيام لمداواة تنفعه بقول طبيب مسلم ثقة، ويشترط أن يكون حاذقا وفَطنا، ولا تصح صلاته قاعدا في السفينة وهو قادر على القيام، ويصلح الفرض على الراحلة خشية تأذٍ من وحل ونحوه لا لمرض.
قصر الصلاة للمسافر
المذهب: أن المسافر لا بُد أن ينوي قطع المسافة، ويُشترط أن يكون السفر مباحا غير مكروه وحرام.
وتُشترط المسافة وهي أربعة برد، أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل على المذهب ستة آلاف ذراع، يقاس بنصف متر، بالكيلو تسع كيلو.
ويسن له قصر الرباعية ولا يكره أن يُتمّ المسافر صلاته إذا فارق عامر قريته.
صور يجب على المسافر الإتمام فيها
إن أحرَم حضَرا ثم سافر فإنه يصلي صلاة مقيم ، أو سفرا ثم أقام فإنه يتم، أو ذكر صلاة حضر في سفر فيُتمها اعتبارا بالأداء أوعكسها فيتمها.
وإن ائتم المسافر بمُقيم فإنه يلزمه الإتمام، أو ائتم المسافر بمن يشكّ في إقامته أو سفره فيتم ّولو بان أنه غير مسافر.
وإن أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت، يلزمهُ أن يعيدها تامة، أو لم ينو القصر عند إحرامها، أو شكّ في نيته فيتم،
أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام سواء كان في مدينة أو صحراء أو أي مكان، أو كان المسافر ملّاحا ومثلهُ صاحب الطائرة، فيلزمه أن يُتم إن لم ينوي إقامة في بلد.
وإن كان له طريقان فسلك أبعدها فله أن يقصر، أو ذكرَ صلاة سفر في سفر آخر فله أن يقصر، وإن حُبس ظلما أو لمرض أو لمطر أو جليد ولم ينو إقامة فله أن يقصر أبدا، وإن أقام لقضاء حاجة ولا يدري متى تنقضي فله أن يقصر.
باب الجمع
يباح الجمع وليس مستحبا للخلاف فيه، ويجوزُ بيْن الظهرين في والعشائين في حالات.
كل من جاز له القصر جاز له الجمع، ويجوز للمريض يلحقه بترك الجمع مشقة.
ويجوزُ لمرضع لمشقة كثرة النجاسة، والمستحاضة، والعاجز عن الطهارة والتيمم لكل صلاة، والعَاجز عن معرفة الوقت كالأعمى ونحوه، والشّغل الذي يُبيح تركَ الجمعة والجماعة.
الجمع بيْن العشائين يجوز لمطر يبلّ الثياب وتوجد معه مشقة ووحل، وريح شديدة باردة، والثلج والبرد والجليد.
ويجوز الجمع ولو صلى في بيته أو مسجد طريقه تحت ساباط، والأفضل فعلُ الأرفق به من تقديم أو تأخير.
فإن جمَع في وقت الأولى اشترط نيّة الجمع عند إحرام الأولى، وأن لا يُفرّق بينهما إلا بِقدر زمن إقامة ووضوء خفيف، ويبطل براتبة بينهما، ويُشترط أن يكون العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى.
وإن جمع في وقت الثانية اشترط له نية الجمع عند وقت الأولى، واستمرار العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية، ويشترط الترتيب مطلقا .
صلاة الخوف
صحّت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- ولها ستة أوجه كلها جائزة.
يُشترط أن يكون العدو مباح القتال، وأن يُخشى من هجومهم على المسلمين.
والقسم الثاني منها: هي صلاة شدة الخوف وهي: أن يتواصل الطعن والكر والفر، ولا يُمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما جاء بالأوجه الستة فحينها يُصلّونها رجالا أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مُستقبليها.
ويستحبّ أن يحمل معه من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يُثقله.
كتاب الجمعة
وهي: واجبة، ويومها أفضل أيام الأسبوع.
تلزم كل ذكر حر مكلف مسلم مستوطن ببناء، ولا تجب على مسافر سفر قصر لا بنفسه ولا بغيره، ومن سافر سفرا لا يبيح القصر تلزمه صلاة الجمعة بغيره لا بنفسه أي:إذا أقيمت بذلك البلد يلزمه أن يسعى لها.
ولا تجبُ على مسافر سفر قصر ولا عبد ولا امرأة ولا صبي، ومن حضرها منهم أجزأته عن صلاة الظهر، ولا يصح أن يؤم فيها.
ومن سقطت عنه لعذر غير السفر كالمريض والخائف إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به.
ومن صلى الظهر ممن وجَبت عليه الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح ظهره، وتصح ممن لا تجب عليه والأفضل أن يصلي بعد صلاة الإمام.
ولا يجوز ممن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال لأنه يؤدي إلى تركها وقد استقرت في ذمته-إذا لم يأت بها في طريقه-
شروطها
الشرط الأول: الوقت، وقتها كَوقت صلاة الضحى، ووقت الوجوب والاستقرار: بعد الزوال ووقت الجواز: بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، والأفضل أن تُصلّى بعد الزوال، فإن خرَج وقتها قبل التحريمة صلوها ظهرا وإلّا فيُتمونها جمعة.
الشرط الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها .
الشرط الثالث: أن يكونوا بقرية مستوطنين فلا تصح من أهل البر والخيام وبيوت الشعر، وتصحّ فيما قارب البنيان من الصحراء ولا تصح فيما بَعُد من البنيان.
وإن نقصوا عن الأربعين قبلَ إتمامها استأنفوا ظهرا إن لم يُمكن إعادتها جمعة.
ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمّها جُمعة وإن أدرك أقل من ذلك أتمّها ظهرا بشرطِ أن ينوي الظهر وأن يكون وقتها داخلا.
الشرط الرابع: تقدّم خطبتين ومن شرط صحتهما حمد الله تعالى، والصلاة على رسوله، وقراءة آية كاملة مستقلّة بمعنى، والوصية بتقوى الله، وحضور العدد المشترط ولا يشترط لهما الطهارة.
ومن سننهما: أن يخطبُ على منبر، أو موضع عال، وأن يُسلّم على المأمومين إذا أقبل عليهم بوجهه، وأن يجلس إلى فراغ الأذان، وبين الخطبتين قليلا ولا يُطيل الجلوس، وأن يخطب قائما، وأن يعتمد على سيف أو عصا، وأن يقصدَ تلقاء وجهه، وأن يقصِر الخطبة، وأن تكون الثانية أقصر من الأولى، وأن يدعو للمسلمين، ويكره أن يرفع يديه حال الدعاء في الخطبة.
والجمعة ركعتان: يسنّ أن يقرأ جهرا في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين.
وتحرمُ إقامتها في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة، فإن فعلوا فالصّحيحة ما باشرها الإمام أو أذِن فيها،
وإن استويا في الإذن وعدَمه، فلا يخلوا أن تسْبق إحداهما الأخرى ويُعلم ذلك فالأولى صحيحة والثانية باطلة،
وإن وقعتا معا أو لم يُعلم أيهما أسبق فتبطل ويصلونَها ظهرا.
وأقل السّنة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست، وليس لها راتبة قبلها ويستحبّ أن يصلي أربعا.
ويسن أن يغتسل ولو أحدَث بعده ولم يتصل به المضيّ للجُمعة.
ويسن: تنظّف وتطيّب ويلبس أحسنَ ثيابه، وأفضلها: البياض، ويبكّر إليها ماشيا، ويجب سعيٌّ من الأذان الثاني، وسن أن يدنو من الإمام، وأن يقرأ سورة الكهف وليلتها.
ويُكثر الدعاء، وساعة الاستجابة: آخر ساعة من النهار، ويُكثر من الصلاة على النبي-صلى الله عليه وسلم- يومها وليلتها.
ويكره تخطي الرقاب، وحرم أن يُقيم غيره فيجلس مكانه إلا الصغير.
وحرُم رفع مصلى مفروش ما لم تحضر الصلاة، ومن دخل المسجد في حال الخطبة لم يجلس حتى يُصلي ركعتين ندبا يوجز فيهما.
ولا يجوز الكلام أثناء الخطبة إلّا إن صدَر الكلام من الإمام للمأموم، أو من المأموم ويقيّد بالمصلحة.
باب صلاة العيدين
مشروعية صلاة العيدين ثابتة بالكتاب والسنة، وأجمع المسلمون على مشروعيتهما.
والمذهب: أن حُكمها فرض كفاية، ولا يجوز أن يتّفق أهل بلد على تركها.
وأول وقتها: من صلاة الضحى إلى زوال الشمس.
وإن لم يعلمُوا بالعيد إلّا بعد الزوال فإنهم يُصلونها من الغد قضاء، ومن فاتتهُ مع الإمام يُصليها متى شاء من اليوم لأنها نافلة لا اجتماع فيها.
وتسنّ في صحراء قريبة عُرفا، فلا تصحّ ببعيدة عن البنيان عُرفا، ويستحبّ أن يجعل إماما يؤمّ ضعفة الناس في المسجد الذي في البلد ويُصلي بهم صلاة العيد.
ويسن تقديم صلاة الأضحى بحيث يوافق من بمنى في ذبحه، وعكسه الفطر فيستحبّ في الفطر التأخير وأكله قبلها، والأفضل أن يأكل تمرات وترا، وعكسه في أضحى إن ضحّى حتى يأكل من أضحيته.
وسن تبكير مأمومٍ إليها ماشيا بعد طلوع الفجر الثاني، وله أن يَرْكب في العودة.
وسن تأخر إمام إلى وقت الصلاة، ويسنّ أن يكون على أحسن هيئة والإمام بذلك آكد، إلا المعتكف ففِي ثياب اعتكافه.
ومن شرطها: استيطان وعدد جمعة، ولا يشترط إذن الإمام.
ويسن أن يرجع من طريق آخر ويصليها ركعتين قبل الخطبة، يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح ست تكبيرات، قبل التعوذ والقراءة، وفي الثانية بعد قيامه وقبل قراءته خمسا، ويسن أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا، وله أن يذكر أي ذكرٍ شاء.
ويقرأ جهرا بعد الفاتحة بسبّح وفي الثانية بالغاشية، فإذا سلّم خَطب خطبتيْن كخُطبة الجمعة في أحكامهما
يستفتح الأولى بتسع تكبيرات قائما نسقا -أي:متتابعات- من غير ذكر بينهن، وفي الثانية سبع تكبيرات، يحثّهم بالفطر على الصدقة ويُبين لهم ما يُخرجون، ويرغّبهم في خطبة الأضحى بالأضحِية ويبيّن لهم حكمها.
ويكره التنفّل قبل صلاة العيد وبعدها في موضعها ولو كانت في مسجد فيكره أن يصلي تحية المسجد، وقيل: يصلي ركعتي تحية المسجد.
ويسن لمن فاتته صلاة العيد أو فاته بعضها قضاؤها في يومها قبل الزوال وبعده على صفتها.
ويسن التكبير المطلق في ليلتي العيدين، وفي فطر آكد، ولا يكبّر في الفطر أدبار الصلوات وفي كل عشر ذي الحجة.
ويسن التكبير المقيد عقب كل فريضة في جماعة ويقدّمه على الاستغفار، وهو من صلاة الفجر يوم عرفة وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.
ويسن الجهر به، وإن نسِيَه قضاه ما لم يُحدِث، أو يخرج من المسجد فإذا خرج فإنه لا يقضيه، ولا يسن عقب صلاة العيد، وصفته شفعا.
باب صلاة الكسوف
وهو ذهاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه، تسن جماعة، وللنساء والصبيان حضورها وفي جامع أفضل، ولا يُشترط لها إذن الإمام، ولا خطبة لها وإن فاتت لم تُقضى.
ويبدأ وقتها من ابتداء الاختفاء وسَتر ضوء أحد النيريّن، ويسن لها الغُسل.
ويقرأ في الأولى جهرا بعد الفاتحة سورة طويلة من غير تعيين ثم يركع طويلا في: مقدار مائة آية، ثم يرفع ويُسمع ويحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع فيُطيل وهو دون الأول ثم يرفع ولا يُطيل اعتدال الركوع والجلوس بين السجدتين، ثم يسجد سجدتين طويلتين ولا تجوز الزيادة عليهما.
ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى ولكِن دونها ثم يتشهّد ويسلّم، ولا تُصَلّى وقت النهي وإن تجلّى الكسوف أثنائها أتمها خفيفة على صِفتها.
وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف فلا يصلي.
كتاب الجنائز
والجنازة في اللغة: اسم للميّت أو النعش عليهِ الميت.
يسنّ الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له لأنّ هذا يحفز على ترك المعاصي.
ويباح التّداوي والأفضل تركه لما فيه من التوكل والاعتماد على الله، وقيل: فعل التداوي أفضل من تركه، وقيل: هو واجب، ويحرم التداوي بمحرّم مطلقا.
وتسن عيادة المريض، وتحرم عيادة الذمي المريض، وعيادة المبتدع صاحب البدعة المكفرة إن كان داعيًا لبدعته. وتكره عيادة المجاهر بالمعصية .
ويسن تذكير المريض بالتوبة والوصية ولو كان مرضه غير مخُوف.
وسن تعاهد بلّ حلق المريض الذي نزل به الموت بماء أو شراب، وتلقينه: لا إله إلا الله، مرّة ولا يزيد على الثلاث إلا أن يتكلّم بعده فيزيد برفق ويقرأ عنده يس.
ويسن توجيهه إلى القبلة وعلَى جنبه الأيمن أفضل، فإذا مات سُنّ تغميضه وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وسترهُ بثوب، ووضع حديدة على بطنه حتى لا ينتفخ، ووضعه على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه، حتى ينصبَّ الماء وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة.
وسنّ إسراع في إنفاذ وصيتّه وقضاء دينه، سواء لله عز وجل أو آدمي، فإن تعذّر إيفاء دينه في الحال استحب لوالده أو غيره التكفّل عنه.
غسل الميت
غسل الميت وتكفينه فرض كفاية.
يشترط بتغسيل الميت: الماء الطهور، وأن يكون مباحا، وإسلام غاسل، ونيّته، والعقل ولو كان الغاسل مميّزا.
ويستحبّ أن يكون ثقة أمينًا عارفا بأحكام الغسل.
وأوْلى الناس بتَغسيله وصيّهُ العدل -ولو في الظاهر- ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عِصباته ثم الأجانب ويقدم الأصدقاء منهم، وأولى الناس بتغسيل الأنثى الوصية ثم الأقرب فالأقرب.
ولكلٍ من الزوجين غسل صاحبه -إن لم تكن ذمية- ولرجلٍ وامرأة غسل من له سبع سنين فأقل.
وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه يمَمّ ، ويحرم أن يغسّل مسلم كافرا وأن يحملهُ ويدفنه ويتبع جنازته، بل يوارى لعدم من يواريه.
وإذا أخذ في غسله ستر عورته ولو كان له أقل من سبع سنين وجوبا، وجرّده ندبا إلا العورة، وسترهُ عن العيون، ويُكره لغير معين في غسله حضوره إلا وليّه فلهُ الدخول عليه كيف شاء.
ويسن أن يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفق، ويُكثر صب الماء حينئذ، ثم يلفُّ على يده خِرقة فينجّيه، ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بدون حائل.
ويستحبّ أن لا يمس سائره إلا بخرقة ثم يوضئه ندبا، ولا يُدخل الماء في فيه ولا في أنفه، ويُدخل أصبعيه مبلولتيْن عليهما خرقة خشنة فيمسح أسنانه ومْنخريه، ثم ينوي غسله ويُسمّي ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثلاثا ثم كله ثلاثا يمر في كل مرّةٍ يده على بطنه ليخرج ما تخلف من البطن، فإن لم ينق بثلاث فإنّه يزاد حتى يُنق من الوسخ ولو جاوز السبع غسلات، ويسنّ قطعه على وتر.
ويجعل في الغسلة كافورا ندبا، والأفضل أن يُغسل بالماء البارد، ويستعمل الماء الحار والأشنان للحاجة، ويسن قص شاربه، وتقليم أظفاره ويجعل المأخوذ معه في الكفن كالعضو الساقط، ويكره أن يسرّح شعره رأسا كان أو لحية.
ويظفر شعر الأنثى ثلاثة قرون ويُسدل وراءها، وإن خرجَ من الميّت شيء بعد سبع حشي المحل بقطن ليَمنع محل الخارج، ثم يَغسل المحل الذي تنجّس بالخارج ويُوضّئ وجوبا، وإن خرج شيء بعدها وبعد تكفينه فلا يُعاد.
ومحرِم ميت كحي يغسل بالماء والسدر، ولا يقرّب طيبا ولا يلبس ذكر مخيطا ولا يغطى رأسه ولا وجه أنثى .
ولا يغسل شهيد المعركة والمقتول ظلما، إلا أن يكون الشهيد أو المقتول ظلما جُنبا، ولا يصلّى عليه.
والسقط: إذا بلغ أربعة أشهر فإنه يُغسل ويصلّى عليه وجوبا وإن لم يستهل.
ويجب ستر ما رآه من الميت إلا إن كان حسنا.
فصل في التكفين
يجب تكفينه من ماله مقدّما على ديْن وغيره.
والواجب تكفين الميت بثوب لا يصف البشرة، فإن لم يكن له ماله فيجبُ التكفين على من تلزمه نفقته، إلا الزوج فإنه لا يجب عليه كفَن امرأته.
ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض من قطن، تجمر بالعود ونحوه بعد رشها بماء ورد ونحوه حتى تعلَق الرائحة، ثم تبسط بعضها فوق بعض ويجعل أحسنها أعلاها، ويجعل الحنوط فيما بينه لا فوق العليا، ثم يوضع الميت عليها مستلقيًا على ظهره ويُجعل من الحنوط في قطن بين أيلتيه، ويشد فوقَها خرقة مشقوقة الطرف كالتبّان، ويجعل الباقي من القطن والحنوط على منافذ وجهه ومواضع سجوده، ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن وطرفها الآخر من فوق، ثم الثانية والثالثة كذلك، ويجعلُ أكثر الفاضل عند رأسه.
وتُكفن المرأة والخنثى في خمسة أثواب بيض قُطن إزار وقميص وخمار ولِفافتين، وتكفّن الصغيرة في قميص ولِفافتيْن، والصّبي في ثوب، ويباح في ثلاثة ما لم يرثه غير مكلّف.
فصل في الصلاة على الميت
تسقط الصلاة على الميت بمكلف واحد، وتسنّ أن تكون جماعة، وأن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة.
والسنة: أن يقوم الإمام والمنفرد عند صدر الذكر ولو كان صبيا، ووسط الأنثى.
والأوْلى بالصلاة عليه وصيه العدل، فالسلطان فنائبهُ ثم الأوْلى بالغسل.
ويُكبّر أربعا بعد أن ينوي،ي قرأ في الأولى بلا استفتاح بعد التعوذ والبسملة الفاتحة سرا ولو ليلا، ويصلّي على النبي بعد التكبيرة الثانية سرا كالصلاة التي تكون في التشهّد الأخير، ويدعو في الثالثة، ويقف بعد الرابعة زمنا قليلا ولا يدعو ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه.
ما يجب في الصلاة على الجنازة أمور:-
قيام في فرضها-وهي:الصلاة الأولى عليه-، وتكبيرات أربع، والفاتحة ويتحمّلها الإمام عن المأموم، والصلاة على النبي، والدعاء للميت، والسلام.
شروطها
النية، وإسلام الميت، وطهارته من الحدَث والنجس، والاستقبال، والسترة، وحضور الميت بين يديه قبل الدفن.
ومن فاته شيء من التكبير قضاه ندبا على صفته بعد سلام الإمام، وما يقضيه أولها.
ومن فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر إلى شهر من دفنه .
ولا يسن أن يصلي الإمام الأعظم على الغال، ولا على قاتل نفسه عمدا، ويصلى على كل عاص، ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد.
حمل الميت ودفنه
يسن التربيع في حمله، ويباح بين العمودين، ويسنّ الإسراع بها دون الخبب ما لم يخف عليها من الإسراع.
ويسن كون المشاة أمامها والركبان خلفها .
ويكره جلوس تابعها القريب منها حتى توضع بالأرض، ويسجى ندبا قبر امرأة وخنثى فقط، ويُكره أن يغطّى قبر الرجل بلا عذر.
واللحد أفضل من الشق، ويقول مدخله: بسم الله وعلى ملة رسول الله، ويسن أن يدخلهُ من قِبل رجليه، ويسن أن يجعل شيئا مرتفعا تحت رأسه، ويوضع مستقبل القبلة وجوبا، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ويكون القبر مسنّما.
ويكره تجصيصه، والبناء عليه سواء لاصَقه أو لا، وتكره الكتابة على القبر والجلوس والوطء والاتكاء عليه.
ويحرم: دفن اثنين فأكثر في قبر واحد إلا لضرورة، ويُقدّم للقبلة الأفضل ويجعل بينهما حاجز من تراب.
ولا تكره القراءة على القبر بل تستحب.
وأيّ قربة مما تطوّع به من العبادات البدنيّة والمالية فعلها المسلم وجعل ثوابها بعضه أو كله أو رُبعه لميت مسلم أو حي نفعه ذلك.
ويسنّ أن يُصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم ثلاثة أيام.
وتسن زيارة القبور للرجال، وتباح لِقبر الكافر ولا يسلّم عليه، ويكره للنساء زيارة القبور، ويقول ما ورد إن زار قبرا أو مرّ به، ويسن تعزية المصاب، والدعاء للميت إن كان مسلما.
وتكره التعزية بعد ثلاثة أيام، ويجوز البكاء على الميت، ويحرم الندب والنياحة وشق الثوب ولطم الخد ونحوه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق