الصلاة في اللغة: الدعاء، وشرعا: أقوال وأفعال معلومة مُفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
تجبُ الصلاة على كلّ مكلفٍ غير حائض ونفساء، فلا تجبُ عليْهما لا أداءً ولا قضاءً، ويقضِي النائم عن الصلاة مهما طال نوْمه، وليسَ على المجنون قضاءٌ ما دامَ لم يفق وقت الصلاة، والإغماء يُحمَل على النوم، فالمُغمَى عليْه يقضي كالنائم.
ولا تصح الصلاة من مجنون، ولا كافر، وإن صلّى أو أذّن فمسلم حكما ولو مستهزاء.
ويُؤمر بها صغير لسبع، ويضرَب عليها لعشر، ولا يكون الضّرب مُبرحا؛ بل ضربُ المؤدّب، ويتجنّب الوجه، وعلى وليّه تعليمه الصلاة والطهارة، كما أنّه يجب عليه أن يحفظ ماله.
وإن بلغ الصبي قبل أن يخرج وقتها أعاد لأنّه صلّاها حال كونه صغيرا صبيا.
ويحرمُ تأخير الصلاة عن وقت الجواز إلا لناوي الجمع، ومُشتغلٍ بشرط من شروطها، والصلوات لها وقت واحد؛ ما عدا العصر والعشاء، فالعصر والعشاء لهما وقتان ووقتهما وقتُ اختيار ووقت ضرورة.
حكم تارك الصلاة
من جحد وجوب الصلاة كفر، ومن تركها كسلا فيكفر بثلاثة شروط:
الأول: أن يترك الصلاة متعمدا مستيقظًا ذاكرًا حتى يخرج وقت الصلاة ويضيق وقت الثانية عنها، الثاني: أن يدعوهُ إمام أو نائبه إلى الصلاة فيأبى، الثالث: أن يُصرَّ على ترك الصلاة ثلاثة أيام.
فإذا انطبقت هذه الشروط فيُحكم بكفره، ويستتاب ثلاثا.
باب الأذان والإقامة
وهما: فرض كفاية على الرّجال المُقيمين.
وتحرم أجرتهما لا رِزق من بيتِ المال لِعدم متطوّع.
وسُنّ كون مؤذنٍ صيّتا-أي رفيع الصوت-، عالما بوقت الصلاة، وسُنّ كونهُ أمينا، لأنّهُ مؤتمنٌ على أوقات الصلاة.
وإن تنازعَ على الأذان اثنانِ في مسجدٍ واحد، قُدّم أفضلهما فيما سبق مما يُستحبّ أن يكون في المؤذّن، فإن تساووا قُدّم أفضلهما في دينهِ وعقله، فإن تساووا فمن يختارهُ الجيران، وإلّا فقرعة.
والأذان خمسة عشر جملة، يأتي بهِ مُرتّلا على عُلوٍ، ويستحبّ أن يكون متطهّرا، ويكون مستقبل القبلة، جاعلا سبابتيْه في أذنيه يلتفتُ في الحيعلتين.
والإقامة إحدى عشر جملة، يحدِرها -أي يُسرع بها-.
ولا يصحّ الأذان والإقامة إلّا من ذكرٍ عدلٍ مُرتّبا متواليا، ويُكرهُ كونه مُلحنا أو ملحونا، ويُبطلهما فصلٌ كثير، وكلام محرّمٌ ولو يسيرا.
ولا يُجزئ الأذان قبلَ الوقت، إلّا الفجر؛ فيُشرع بعدَ نصف الليل الأذان الأوّل.
ومن جَمعَ أو قضى فوائت أذّن للأولى وأقام لكلِّ صلاة.
ومن سمعَ الأذان والإقامة سُنّ له متابعتهما سرًّا، ويُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه ويقول ما ورد.
ويُستحب له الدعاء بعد الأذان فهو من مواطن الإجابة، ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلّا أن يكون معذورا فله أن يخرج، كذا لو خرجَ منه ونوى الرجوع إليه فيجوز ذلك.
باب شروط الصلاة
الشرط لغة: العلامة، واصطلاحا: ما يلزمُ من عدمهِ العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته.
من شروط الصلاة: الطهارة وتقدّمت، ومن شروطها: الوقت.
وقت الظهر: من الزوال إلى مساواة الشاخص ظلّه بعد ظلّ الزوال، والأفضل فيها التعجيل، إلّا في شدة حرٍ فلا يُسنّ تعجيلها، ولو صلى وحدهُ فله أن يبرد بها.
وقت العصر: ويسن تعجيلها مطلقا، ولها وقتان، وقت اختيار، ووقتُ ضرورة، ويدخل وقتها فوْر خروجِ وقت الظهر، ويمتدّ وقت الاختيار إلى أن يصير ظل الشيء مثليْه، فيدخل وقت الضرورة وهو إلى غروب الشمس.
ووقت الضّرورة لا يجوز تعمّد تأخير وقت الصلاة إليْه، وتكون الصلاة فيه أداء لا قضاء، وتصحّ مع الإثم.
ويليه وقت المغرب: إلى مغيب الحمرة، ويسن تعجيلها مطلقا إلّا ليلة مزدلفة لمن قصدها محرِما.
ويليه وقت العشاء: إلى ثُلث الليل ونهاية ثلثِ الليل نهاية وقت الاختيار، وتأخيرها أفضل إلى آخر وقت الاختيار، ثمّ هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني، وهو البياض المعترض بالمشرق.
ويليه وقت الفجر: إلى طلوع الشمس، وتعجيلها أفضل.
ويُدرك أداء الصلاة بتكبيرة الإحرام في وقتها، ولو وقعت الصلاة كلها بعد الوقت فتُعتبر أداء لا قضاء.
ومن شكّ في دخول الوقت لم يُصل حتى يغلبَ على ظنّه دخوله باجتهاد أو إخبار عارف، ولو تبيّن له أنّ اجتهاده أو إخبار العارف غلط فإنه يُعيد.
ومن صار أهلا للصلاة كالمجنون يَعقل، أو الصبي يبلغ، أو الحائض أو النفساء تطهر، كل هؤلاء إن زالَ عنهم المانع عليهم الصلاة وما يُجمع إليها.
ويجبُ قضاء فائتة فأكثر فورا مُرتّبة، ولا يسمح بتأخيرها إلّا لما يتعلق بالصلاة، وإن لم يُرتّب عامدا بيْن الفوائت فيُعيد الثانية ليكون أتى بالترتيب، أمّا إذا نسِي فيُعذر بنسيانه، ولا يُعذر بجهله، وإن خشيَ خُروج وقت اختيار، فهذه حالة تُبيح له عدَم الترتيب.
الشرط الثالث من شروط الصلاة: سترة العورة، والعورة: ما يجب ستره من بدن الإنسان، ويحرم النظر إليه.
ويجبُ ستر العورة داخل الصلاة وخارجها، وتُستر في الصلاة بما لا يصف البشرة.
وعورة رجل وأمَة ما بيْن سرة وركبة، والمرأة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها.
وسن صلاة رجل في ثوبين، ويُجزئه في نفل ستر عورته، وفي فرض يجبُ أن يغطّي ما بين السرة والركبة مع أحد العاتقين.
والسنة والأكمل للمرأة: صلاتها في قميص وخمار وملحفةـ ويجزئ ستر عورتها.
وإن انكشفت بعض العورة في الصلاة، وفحُش المكشوف وطال الزمن، بطلت كذا لو صلى في ثوب محرّم عليه، كأن يُصلّي الرجل في حرير بلا عُذر، أو مغصوب أيضا، فلا تصح صلاته ويُعيد.
ويُصلّي الرجل في حرير لعدم غيره، ومن ُحبس بمكان نجسٍ فيُصلي على حاله ولا شيء عليه.
ومن وجدَ كفاية عورته سترها، وإلا فالفرجيْن، وإن لم يجِد إلّا ما يكفي أحدهما فالدّبر أولى، ويصلّي جالسا ندبا، ومن أُعيرَ سُترة قبلها وجوبا.
ويصلّي العراة جماعة وإمامهم وسطا وجوبا، ويُصلي كل نوع وحده حتى يكون أبلغ بالستر.
وإن وجد سترة وهو في الصلاة فإن كانت قريبة يأخذها ويلبس ويُكمل صلاته بشرط أن لا يلتفت عن القبلة، ولو كانت السترة بعيدة يقطع صلاته ويأخذ الستر ويُعيد.
مكروهات بالنسبة للستر في الصلاة
يكره السدل، وقيل: هو الإسبال، وقيل: هو أن يُلقي على كتفهِ ثوبا، ولا يرد طرَفه على الطرف الآخر.
ويكره واشتمال الصماء وهو: أن يجلل الإنسان جسده بثوب لا منفذ فيه ليده، وقيل: هو الاضطباع، كإضطباع المُحرم عند الطواف، فيكره له أن يصلي في هذه الصورة.
ويكره أن يغطي في الصلاة وجهه -المرأة والرجل، وكذا التلثم، ولف كم، وشد وسط كزنار.
المحرمات في اللباس
يحرم الخيلاء في الثوب وغيره، وهو: أن يتكبّر على الناس بلباسه.
ويحرم التصوير وهو: رسم ذوات الأرواح، ويحرم استعماله في غير فرش وتوسد؛ لأنها توطأ بالأقدام.
ويحرم على ذكَر ما غالبه الحرير، فيستثنى لو كان في اللباس شيئا يسيرا من الحرير، ومنسوج بذهب أو فضة قبل استحالة.
ويباح حرير خالص لحكة وجرب ومرض وقمل، وحشو وعلَم ثوب -مطرز- ورقعة وسُجف -وهو ما يوضع على حواشي الثوب- لا فوق أربع أصابع مضمومة.
وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر.
الشرط الرابع في الصلاة: اجتناب النجاسة، فمن حمَلها أو لاقاها ببدنه أو بثوبه فلا تصحَ صلاته.
وإن طيّن أرضا نجسة، أو فرشها بفرش سفيق -أي:عميق- صحت وكره.
وتصح على طاهر بطرفهِ نجاسة، لا أن يُباشرها أو يتعلّق به فينجرّ بمشيه أو يتحرك بتحركه.
وإن صلّى وعلى ثوبه نجاسة ذاكرا عامدا فصلاته باطلة، ولو صلى وبعد سلامه رأى على ثوبه نجاسة فصلاته صحيحة.
وإذا علم أن في ثوبهِ نجاسة ونسيَها وتذكّر بعد الصلاة فيُعيد صلاته ولا تصح.
وإن اكتشفَ النجاسة أثناء الصلاة إن استطاع أن يخلع الجزء الذي عليه نجاسة خلعه فإن استمر بطلت، وإن لم يستطع نزع ثوبه فيقطع صلاته ويُعيد.
ومن جبر عظمه أو خيّط جُرحه بنجس فإن استطاع أن يزيلها زالها، وإن ترتب على إزالتها ضرر تركها.
ولا تصح صلاة في مقبرة، وحمام، وأعطان إبل، وحش، ومزبلة، ومجزرة، ومغصوب/ وحكم أسطحة هذه الأماكن كحكم أرضها، وتكره إليها.
ولا تصح فريضة في الكعبة، والحجر منها، وتسن النفل فيهما.
ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة ، فلا تصح بدون استقبالها إلا في حالتيْن، حالة القتال والجهاد، أو العجز عن استقبالها كالمرض ونحوه.
وتسقط استقبال القبلة عن المسافر المتنفل ولو كان يستطيع استقبالها، ويفتتح الصلاة إليها، ويجب استقبال جهتها-الكعبة، وفي القُرب منها استقبال عيْنها، ويعمل بخبر، يقين أو المحارب الاسلامية.
ولا يتبع مجتهدٌ مجتهدا خالفه، ويتبع المقلد المجتهد، فلو صلى المقلد باجتهاد لم تصح صلاته، ولو صلى المجتهد بتقليد لم تصح صلاته؛ ولو أصاب القبلة، ومن صلى بغير تقليد ولا اجتهاد أعاد ولو أصاب.
ويجتهد عارف لكل صلاة ولو أداه اجتهاده عكس اجتهاده الأول ولا يعيد.
ومن شروط الصلاة: النية وهي: القصد، فيعتبر أن ينوي ويعيّن ما يريد أن يصلي، ولا يشترط أن ينوي هل هي فرض أم نفل أو قضاء أو أداء ما دام نوى فقد عيّن الصلاة.
وينوي مع التّحريمة، أو قبلها بيسير في الوقت، وإن انقطعت نيّته في الصلاة بطلت صلاته، كذا إن تردد في القطع.
وله أن ينوي قَلب فرضه نفلا ولا يجوز العكس.
وينوي إمام ومأموم حالهُما وجوبا، ولو كان في جماعة ثم نوى الانفراد بلا عذر بطلت صلاته، وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه إن علِم المأموم بذلك، وإن لم يعلم حتى انقضت صلاته صحت صلاة المأموم وحده.
وإن أحرم الإمام الراتب بمن أحرم بهم النائب وعاد النائب مؤتّما صح.
باب صفة الصلاة
يسن أن يقوم الإمام إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، والمأموم يسن أن يقوم إذا رأى الإمام.
ويسن تسوية الصف والتراص فيه، وقُربه من الإمام، ويقول: الله أكبر قائما رافعا يديه إلى حذو منكبيه، مضمومتي الأصابع ممدودة، ويُسمع الإمام تكبيرة الإحرام من خلفه كالتسميع والتسليمة .
وسن قراءة في أولتي غير الظهرين، وغير الإمام يجهر بمقدار ما يُسمع نفسه، ثم يقبض كوع يسراه، ويجعلهما تحت سرته، وينظرُ إلى موضع سجوده، ثم يستعيذ ويبسمل سرا، -وليست من الفاتحة-، ثم يقرأ الفاتحة مرتبة مرتلة متوالية، ولا تجب على المأموم، ثم يقول آمين جهرا في جهرية، ثم يقرأ سورة من القرآن.
ثم يركع مكبّرا، رافعا يديه ويجعلهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوّي ظهره ورأسه بحياله، ويقول: سبحان ربي العظيم، ثم يرفع رأسه ويديه قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، ويقول الإمام و المأموم: ربنا ولك الحمد.
ثُم يخر مكبرا ساجدا يضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته ثم أنفه، ويكون على أطراف أصابع رجليه ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويفرق ركبتيه.
ويكره ترك مباشرة الجبهة للمصلى من غير عذر، ويقول: سبحان ربي الأعلى.
ثم يرفع مكبرا ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه ويقول: رب اغفر لي ثلاثا.
ثم يسجد الثانية كالأولى، ثم ينهض مكبرا قائما على صدور قدميه، معتمدا على ركبتيه إن سهل، فيصلي الثانية كالأولى غير التحريمة والاستعاة والاستفتاح.
ثم يجلس مفترشا ويداه على فخذيه قابضا خنصر يمناه وبنصرها، ويحلّق بوسطى والإبهام ويشير بالسبابة عند ذكر الله، ويبسط اليسرى ويقول: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهذا التشهد الأول، ويزيد في التشهد الأخير الصلاة على النبي.
ولا يزيد في الثالث والرابعة عن الفاتحة، ويجلس في التشهد الأخير متوركا وهو أن: يفرش رجله اليسرى، ويجعل وركه على الأرض وينصب اليمنى، وكذا المرأة-في كل ما سبق من صفة الصلاة- ولكن تضم نفسها في السجود، وتستدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها.
مكروهات الصلاة
كره التفات، وتبطلُ إن التفت في جسده وانحرف عن القبلة.
وكره رفع بصر إلى السماء، وكره إقعاء وهو:عند الفقهاء أن ينصب قدميه ويضمهما ويجلس عليهما، وعند اللغويين: أن يفرج قدمه ويقعد بمقعدته على الأرض.
وكره افتراش ذراعيه ساجدا، وعبث وإن زاد تبطل الصلاة، وتخصّر، وتروّح، وفرقعة أصابعه وتشبيكها، وكونه حاقنا ونحوه، أو بحضرته طعام يشتهيه، وتكرار الفاتحة، لا جمع سور في ركعة.
وسن له رد مار بين يديه، وصلاته إلى سُترة مرتفعة قدر ذِراع، فإن لم يجد خطَّ خطا كالهلال.
وله: عد الآي بأصابعه، والفتح على إمامه إن أخطأ، ويكونُ واجبا بالفاتحة، ولبس ثوب وعمامة، وقتل حية وعقرب ونحوه، إذا لم يكن هناك خطر قريب، وإذا نابه شيء سبح رجل وصفقت امرأة بباطن كفيها.
وتبطل الصلاة: بمرور كلب أسود بهيم بين يديه.
أركان الصلاة وواجباتها
القيام في فرض لغير معذور، والتحريمة، والفاتحة للمنفرد والإمام.
والركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والرفع منه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة بالكل، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة، والجلوس لها، والترتيب.
واجبات الصلاة
النطق بتكبيرات الانتقال، والتسميع، والتحميد، والمرة الأولى في تسبيح ركوع وسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين مرة، وتشهد أول والجلوس له، وما سوى ذلك من الأركان والواجبات سنن لا يشرع لتركه سجود، وإن ترك واجبا عمدا بطلت، وسهوا سجد له.
باب سجود السهو
يُشرع لزيادةٍ ونقص وشك في فرض ونفل، فمن زادَ فعلا من جِنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت، وسهوا سجد له، وإن زاد ركعةً فأكثر رجع وجلس وتشهّد إن لم يكن تشهد، وسجد للسهو وسلّم.
وإن نبّههُ ثقتان ولم يرجع بطلت صلاته إن لم يكن متيقنا أنهُ على حق، وإن كانَ إماما وتبعه أحد من المأمومين وهو يعلم أنه مخطأ بطلت صلاة المأموم، ولا تبطل صلاة من فارقهُ أو تبعه ساهيًا، ولا يعتدّ بها مسبوق.
وإن زاد فعلا في الصلاة ليس من جنسها وتوالى وكثُر بطلت الصلاة.
ولا تبطل صلاة الفرض بيسيرِ شرب أو أكل سهوا، وتبطل مطلقا إن كان عمدا، وفي النفل يجوز الشرب عمدا يسيرا لا طعام.
وإن أتى بزيادةِ قولٍ مشروع في غير موضعه كأن يقرأ في الركوع لا تبطل؛ ولو تعمّد، ويندب سجود لسهوه.
وإن سلّم قبل إتمامها عمدا بطلت صلاته، وسهوا وذكَر قريبا أتمّها وسجد للسهو، وإن طال الفصل أعاد الصلاة، وإن تكلّم أو في صلبها أو قهقه أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة فبان حرفان بطلت صلاته.
وإن ترك ركنا فذكرهُ بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت الركعة التي ترك منها الركن؛ وتقوم الثانية مكانها، وإن ذكرهُ قبل أن يشرع في القراءة رجَع للركن فيأتي به وبما بعده، ويسجد للسهو في جميع الصور قبل السلام.
ومن نسي التشهد الأول فإن ذكره بعد أن يقوم وقبل أن يستتِم قائما فيجبُ عليه الرجوع، وإن تذكّر بعد أن استتمَّ قائما وقبل أن يشرع بالقراءة فيُكره له الرجوع، وإن تذكر بعد أن شرع بالفاتحة فيحرمُ عليه الرجوع وتبطل الصلاة إن رجع.
ومن شكّ في ركن أو عدد ركعات بنى على اليقين، وإن كان الشك بعد الصلاة فلا يلتفت إليه، ومن شك في واجب فلا يسجد له، وإنّما السجود لمن شك في ترك ركن.
ولا يسجدُ مأموم إلا تبعًا لإمامه، فكل سهو فعله في صلاته فإنّ الإمام يتحمّله عنه، لا إن كان مسبوقا فإنه يسجد للسهو الذي وقع منه في الصلاة.
وسجود السهو لما يُبطلها عمده واجب، ويستحبُّ أن يكون سجود السّهو قبل السلام إلا إذا سلّم قبل إتمام الصلاة سهوا فيكون بعده.
وتبطل الصلاة بتعمّد ترك السجود الذي موضعه قبل السلام، وإن نسي وسلّم وقرُب الوقت رجع فسجد وإن طال الفصل فيسقط عنه.
باب صلاة التطوع
آكدها الكسوف، لأنهُ ما مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا صلّاه، ثم الاستسقاء لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرَ بها، ثم التراويح ثم الوتر.
ووقتُ الوتر بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وأقلّه ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلاميْن، ويقنتُ في الركعة الثالثة بعد الركوع، ويقول ما ورد، وكُره قنوت في غير وتر ونوازل.
والتراويح عشرون ركعة في رمضان، وجماعة أول الليل أفضل، ومن له تهجّد يشفع الوتر ثم يوتر بعد التهجّد.
والسنن الرواتب ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح.
ويكره ترك السنن الرواتب، وتسقط عدالة من داوم على تركها، وسنة الصبح آكدها ومن فاته شيء منها فله أن يقضيها.
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار؛ لأنها أقرب للإخلاص، وأبعد عن أعينِ الناس، وأفضل قيام الليل الثلث الأخير.
وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى، ولم يرد أربعا إلا في النهار، وأجر القاعد على نصف أجر القائم، إن كان جلوسه بلا عذر.
وتسنّ صلاة الضحى غبًّا أي: ليس باستمرار، لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يفعلها غبا وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان.
وتسن صلاة الاستخارة، وسجود تلاوة للقارئ والمستمع، وصلاة عقب الوضوء، وتحية المسجد.
ويستحبّ سجود شكر لتجدّد نعمة واندفاع نقمة، لا في صلاة وإن فعله متعمّدا بطلت.
أوقات النهي عن الصلاة
يُنهى عن الصلاة من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس قدر رمح، باستثناء صلاة الفجر وسنتها، وعند قيام الشمس وانتصابها حتى تزول، ومن أداء صلاة العصر حتى يتمّ غروب الشمس.
ويجوز قضاء الفرائض في هذه الأوقات، وركعتي الطواف ، وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد، وركعتا فجر قبل فرضه، ويحرم تطوع فيما عداها حتى ما له سبب.
باب صلاة الجماعة
تلزم الجماعة الرجال للخمس المؤدّاة مع القدرة لا شرط لصحة الصلاة، فلو صلى منفردا من تجب عليه الجماعة صحت صلاته مع الإثم، وله فعلها في بيته.
وأفضل الجماعة في المسجد العتيق، ثم الأبعد، في حال عدم وجود استثناء كأن يكون هناك ضرر في ترك المفضول على الفاضل فيقدّم.
وحرم أن يؤم بمسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عُذره.
ولا تُكره إعادة جماعة في غير مسجد مكة والمدينة، ولا ينبغي تقصّد إعادة الجماعة، ولا تكره في مكة والمدينة لعذر.
وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة غير المكتوبة وإن كان يُصلي نافلة أتمها خفيفة.
ومن كبّر قبل سلام إمام أدرك الجماعة، ولو فاتته كل الركعات، ومن أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة.
و لا تجبُ على المأموم الفاتحة، ويسن أن يقرأها في سكتات الإمام، وإذا لم يصل صوت الإمام للمأموم فله أن يقرأ بشرط أن لا يُشوش على من بجنبه .
وإن أتى المأموم بالفعل مع الإمام فمكروه، وأما مُسابقته فتحرُم وإن سابق الإمام عمدا فيأثم، وعليه أن يرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته و إن ركع ورفع سهوا يقضي الركعة.
وسن تطويل الركعتين الأوليين، وللإمام التخفيف مع الإتمام، ويسن له انتظار داخلٍ ما لم يشق على الناس.
وإن استأذنت امرأة لمسجدٍ كُره منعها وبيتها خير لها.
باب الإمامة
الإمام الراتب هو: المعيّن من قِبل ولي الأمر، فهذا لا يتقدّمه أحد وهو أولى في هذا المسجد من غيره.
وفي غير وجود إمام راتب فالأولى بالإمامة الأقرأ -وهو الأكثر إتقانا في القرآءة-العالِم فقه صلاته، فإن استويا فالأفقه، فإن استويا فالأسنّ، ثم الأشرف فيتقدّم القرشي على غيره، ويقدّم العربي على غيره، فإن استوى المتقدمون في كل ذلك فالأتقى والمقصود-مظاهر التقوى- فإن استويا فآخر ما يُلجئ إليه في ذلك القرعة.
وصاحب البيت أوْلى من غيره، ولو كان أقل من غيره في المعايير السابقة بشرط أن يُتقن الفاتحة.
وإمام المسجد أحق وحر وبصير ومقيم أولى من ضِدهم.
ولا تصح الصلاة خلف فاسق، والفاسق هو: من يأتي بالكبيرة ويداوم على صغيرة، سواء كان هذا الفسق عمليًَا أو اعتقاديا، باستثناء صلاة الجمعة والعيد.
وفي رواية: تصح الصلاة خلف الفاسق.
ولا تصح إمامة امرأة وخنثى لرجل، ولا إمامة صبي لبالغ إلا في نفل، ولا أخرس، ولا إمامة عاجز عن ركن أو شرط إلا بمثله سوى إمام الراتب فتصحّ إمامته إن كانت العلة يُرجى زوالها، ويصلون وراءه جلوسا ندبا، وإن ابتدأ بهم قائما ثم حصل له العجز أثناء الصلاة وجلس فلا يجلسوا هم.
ولا تصح الصلاة خلف محدِث أو نجسٍ يعلم ذلك فلا تصح صلاته، وإن جهل ذلك صحت للمأموم إن كان جاهلا حدَث الإمام.
ولا تصح إمامة من لا يُحسن الفاتحة، أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى إلا بمثله وإن قدر على إصلاحِ لحنه في الفاتحة ولم يُصلِح فتبطل صلاته لأنه مفرّط.
وتكره إمامة اللحان -غير المحيل للمعنى-، وفأفاء، وتمتام، ومن لا يُفصح ببعض الحروف، وأقطع يديْن أو رجلين أو أنف .
ويكره أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، أو قوما أكثرهم يكرهونه بحق-لسوء خُلقه أو تصرفات تبعثُ على الكراهة-.
ويصح إئتمام من يقضي الصلاة بمؤدّيها أو العكس بشرط أن تكون نفس الصلاة، وإذا اختلفت الصلاة فلا تصح، ولا يصح إئتمام مفترض بمتنفل.
ويقفُ اثنان فأكثر خلف إمام ندبا، ويصح عن يمينه وبجنبيه، لا عن يساره فقط، أو قدامه ولا الفذ خلفه، ولا خلف صف أي: يكون المأموم فردا لوحده في الصف، فلا تصح صلاته، إلا امرأة خلف رجل.
وتقف إمامة نساء في وسطهن ندبا، ويلي الإمام الرجال ثم النساء ثم الصبيان.
ومن لم يقف معه إلا امرأة أو محدِث يعلم حدثه، أو صبي فهؤلاء كالعدم ويُعتبر فردا.
ومن وجد فرجة دخلها، وإلا فعن يمين إمامه، فإن لم يُمكنه نبّه من يقف معه، فإن لم يستطع فلا يُصلي معهم لأنّ الصلاة وحده في الصف لا تصح.
وإن ركع فذا ثم دخل الصف، أو وقف معه آخر قبل سجود إمامه صحّت.
فصل في الاقتداء
إذا كانت الجماعة في مسجد واحد فيصحّ الاقتداء بالإمام في أيّ موضع في المسجد إن سمع التكبير، وإن كان الصف خارج المسجد فيجوز أن يقتدي بشرط أن تتصل الصفوف.
وكره علو الإمام ذراعا فأكثر، وصلاته في المحراب، ووجه الكراهة: عدم إمكان الرؤية فالإمام محل اقتداء.
ويكره تطوّع موضع مكتوبة بعدها، وإطالة قعود الإمام مستقبل القبلة بعد الفريضة إلّا لحاجة.
ويكره وقوف مأمومين بين سواري تقطع الصفوف إلا لحاجة.
الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة
يُعذر بترك جُمعة وجماعة المريض، إن كان الخروج يزيدُ المرض أو يؤخّر الشفاء أو يُسبّب ألما فهذا عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة.
ويعذر مدافع أحد الأخبثين، ومحتاج لطعام بحضرته ، وخائف ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه، أو موت قريبه، أو رفيقه، و من يُمرضه.
ويُعذر من يخاف على نفسه ضررا، أو سلطانا، أو ملازمة غريم لا وفاء له، أو فوات رفقته بسفر، أو تطويل إمام فله أن لا يصلي معه، أو أذى من مطر ونحوه، أو غلبة نُعاس، وريح شديدة باردة في ليلة مُظلمة.
باب صلاة أهل الأعذار
تلزمُ الصلاة المكتوبة للمريض قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، والأيمن أفضل، وتصحّ على ظهره.
وتُكره مع قدرة على جنب وإلّا تعيّن، وتكون رجلاه إلى القبلة، ويومئ بالركوع والسجود، ومن قَدر على القيام والقعود ولا يستطيع الركوع والسجود فيجبُ عليه القيام في الركوع، والسجود يأتِ به في القعود.
والمريض الذي يُطيق القيام في الصلاة؛ ولكنه يُسبّب له ضررا فهو عذر يُسقط القيام بشرط أن يكون الطبيب مسلمًا ثقة.
وتصح الصلاة في السفينة والطائرة، إن كانت نافلة يصليها قاعدا ولا إشكال، وإن كانت فريضة فيجب عليه القيام وإن لم يستطع أن يتمكّن من القيام فإن استطاع فيصلي قبل طلوعه أو بعد وصوله، وإن لم يستطع كأن تكون صلاة فجر فيجتهد أن يصليها من قيام فإن لم يستطع فيُعذر ويصلي على الكرسي.
وتصح الصلاة على الراحلة، إن خشي التأذّي من الوحل ونحوه، لا مرض مع قدرة نزول منها وركوب، فإن كان مريضا ويستطيع أن ينزل منها فلا يصلي على راحلته ويصلي على الأرض، ويصح النفل مطلقا.
صلاة المسافر
من سافر سفرا مباحا،-خرج به سفر المعصية- يومين فأكثر، أي: مسافة السفر يومين فأكثر، بسير دبيب الإبل المعتادة، وتُقدر بأربعة برد، ما يقارب 80 كيلو متر، فله قصر رباعيّة إن فارق عامر بيوت قريته، ويجوز له الإتمام، والقصر أفضل.
ولا يقصر المسافر إن مرّ ببلده، أو بلد له فيها زوجة مقيمة، أو دخل وقت صلاة عليه حضرا، أو أقام فيها كأن: يدخل عليه وقت صلاة الظهر في الطريق وأخّرها إلى العصر وما صلاها حتى وصل بلده فيصليها مع العصر تامة.
ولا يقصر المسافر إن ذكر صلاة حضر في سفر، أو عكسه فيتم، أو إئتم بمقيم، أو بمن يشك فيه، فالأصل الإتمام.
ولا يقصر المسافر إن أحرمَ بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها، كأن يدخل المسافر مع جماعة إمامهم مُقيم فأحدث في الصلاة فيرجع ويصليها ويتمّها لأنها وجبت عليه تامة، أو لم ينو القصر عند إحرامه، أو شك في نيّته، أو أخّرها حتى تضايق وقتها عنها، فلا يجوز له القصر، أو نوى إقامة فوق عشرين صلاة.
وإن كان له طريقان فسلكَ أبعدهما فله القصر، وإن تذكر صلاة سفر في سفر آخر فيقصر، أو حُبس بنحو مطر ولم ينو إقامة، أو أقام لقضاء حاجة بلا نيّتها فله القصر.
فصل في الجمع بيْن الصلاتين
يجوزُ الجمع بيْن الظهرين وبين العشائين في السفر إن تحقّقت شروط السفر التي سبقت في القصر.
فيجوز الجمعُ للمسافر، والمريض الذي يشق عليه صلاة الفروض في وقتها، فإن لم يشق فلا يجمع.
ويجوز الجمع بين العشائين لمطر يبل الثياب، فلا يجوز الجمع بين الظهرين في المطر، قالوا: لأن المطر في النهار أخفّ من الليل، فقصَروه على المغرب والعشاء فقط.
والضابط في الجمع في المطر هو: المطر الذي يبل الثياب، وليس المطر القليل، والذي يُقدره إمام المسجد.
ويجوز الجمع لوحل-الطين- ولريح شديدة باردة، ولو لم يكن هناك مطر للمشقة. والرخصة العامة يدخل بها الجميع ولو كان البعض لا يشق عليهم، ويجمع ولو في بيْته.
والأفضل فعل الأرفق من تأخير أو تقديم، فإن استوى الأمر في الجميع فالأفضل التأخير لأنّ في جمع التقديم هناك فرض لم يدخل وقته.
وإن جمع تقديما: اشتُرط نية الجمع عند إحرام الأولى، فإن لم ينوي فلا يجوز له الجمع.
وشرط أن لا يفصل بيْن المجموعتين، إلّا بقدر إقامة أو وضوء خفيف، فيبطلُ براتبة بينهما، لأنّها فصل بين الصلاتين، ويصلي الراتبة بعد الجمع.
ويشترط وجود العُذر عند افتتاحهما وسلام الأولى، فإن زال العذر بعد سلام الأولى فلا يجمع، واستمرار العذر إلى فراغ ثانية فلو انتهى العذر أثناء الثانية فيتوقف.
وجمع تأخير يشترط نية الجمع في وقت أولى، قبل أن يضيق وقتها عنها، واستمرار عذر إلى دخول وقت الثانية.
باب صلاة الخوف
تجوز كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت عدة صفات اختار الإمام أحمد منها صفة واحدة وهي ما جاء في حديث: سهل بن أبي حثمة، ويحمل سلاحه ندبا، ولا يبطلها كرٌّ ولا فر لحاجة، وذلك في حال خروج الوقت وإن كان في الوقت متسع فيأخّرها حتى ينتهي من المعركة ويُصليها، وإن كانت الصلاة تشغله عن المعركة فلا بأس أن ينتظر ولو خرجت عن وقتها، ويعذر بحمل نجس يحتاج إليه.
صلاة الجمعة
وهي: صلاة مستقلّة ليست بدلا عن الظهر.
تلزم كل حر ذكر مكلف، مستوطن في بناء ولو تفرّق-خرج به المسافر وأهل البادية والخيام-.
ولا تجبُ على مسافر سفر قصر، أو عبد، أو امرأة، ومن حضرها منهم أجزأته، ولا يُحسب من العدد، ولا يؤم فيها.
ومن بخيام ونحوه تلزمهم إن كانوا بِقُرب إحدى المُدن أو القرى، وكانت المسافة خمس كيلو وست مائة متر تقريبا.
ومن صلّى الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل فعلها لم تصح، ومن لا تلزمه فالأفضل له تأخيرها حتى تنتهي صلاة الجمعة.
والسفر يوم الجمعة إن كان مخيّرا فيه، فإذا أذّن الفجر يوم الجمعة فيُكره له السفر، ويحرم إن أذّن الثاني من يوم الجمعة وصعد الخطيب، إلّا إذا كان سيصليها في الطريق أو في بلد آخر.
شروط صحة الجمعة
من شروطها: الوقت، ويبدأ من بعد الشروق وارتفاع الشمس قدر رمح إلى أذان العصر، ووقت وجوبها إذا زالت الشمس، فإن خرج وقتها قبل أن يكبّر الإمام تكبيرة الإحرام فيصليها ظهرا.
ومن شروطها: حضور أربعين من أهل وجوبها مستوطنين بقرية، وتصح فيما قارب البنيان، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوها ظهرا.
والمسبوق إن أدرك مع الإمام ركعة واحدة من الصلاة فقد أدرك الجمعة، وإن لم يدرك معه ولا ركعة كأن يدخل مع الإمام بعد أن قام من الركوع الثاني فيُتمها ظهرا.
ومن شروطها: تقدم خطبتين، ولا تصح الخطبتان إلا: بحمد الله، والصلاة على رسول الله، وقرآء آية واحدة على الأقل، والوصية بتقوى الله، وحضور العدد المعتبر، والجهر.
ولا يشترط للخطيب أن يكون على وضوء، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة.
وسن أن يخطب قائما على منبر، أو موضع عال، والسلام على المأمومين إن أقبل عليهم، ويجلس إلى فراغ الأذان، وبين الخطبتين قليلا، ويعتمد على نحو سيف أو عصا، ويقصد تلقاء وجهه، ويقصر الخطبة ويطيل الصلاة.
والجمعة ركعتان يقرأ في الأولى الجمعة، وفي الثانية المنافقين، وفي فجر يقرأ في الأولى السجدة وفي الركعة الثانية الإنسان ندبا.
وتحرم تعددها ببلد كعيد إلا لحاجة وضيق وفتنة، فإن فعلوا -مع عدم وجود الحاجة والضيق- فالمسبوقة باطلة، وإن جهل الحال صلوا الظهر وجوبا.
وأقل السنة للجمعة ركعتان وأكثرها ستة.
ومن سنن الجمعة: التنظف والتطيب ولبس أحسن الثياب، ويسير إليها ماشيا، ويدنوا من إمامه، ويقرأ سورة الكهف، ويكثر من الصلاة على النبي، ولا يتخط الرقاب إلا الإمام أو لفرجة.
وحرم إقامة غيره ليجلس مكانه، ورفع مصلى مفروش، إلا إذا حضرت الصلاة، ومن قام لعارض ثم عاد لمكانه فهو أولى بهذا المكان.
ومن دخل والإمام يخطب يسن له أن يصلي ركعتين موجزا.
وحرم كلام والإمام يخطب إلا معه، كذلك العبَث، لا قبلها أو بعدها أو بين الخطبتين.
باب صلاة العيدين
هما: فرض كفاية، إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة.
ووقتها: كصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال.
وتسن أن تكون في مصلى في الصحراء، إلا في مكة فالسنة في مكة أن تُصلى في الحرم الشريف.
ويستحب تعجيل صلاة الأضحى، وتأخير صلاة الفطر قليلا ليتسنّى لهم في الفطر أن يأكلوا شيئا قبل الصلاة، أما الأضحى فالسنة أن لا يأكل شيئا حتى يأكل من أضحيته.
وتكره صلاتها في المساجد مع عدم العذر، ويسن أن يُبكّر إليها مأموم، ويخرج إليها على أحسن حال ماشيا.
ويشترط أن يكون المصلون مستوطنين، وأن لا يقل عددهم عن أربعين رجلا.
ويصلي قبل الخطبة ركعتين، يُكبّر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستا، والركن تكبيرة الإحرام فقط، وفي الركعة الثانية قبل القراءة خمسا غير تكبيرة الانتقال، يرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وصلى الله وسلم على محمد وآله تسليما كثيرا. وإن أحب قال غيره.
ويقرأ بعد الفاتحة بسورة الأعلى، وفي الثانية بالغاشية، ثم يخطب خطتبين كالجمعة، يفتتحهما بالتكبير.
وكره تنفل بعد الصلاة وقبلها في موضعها.
ويسن التكبير وهو نوعان إما مطلق أو مقيد.
المطلق أي: غير مقيّد بوقت ولا صلاة، وإنّما يستحب أن يكبّر في كل وقت، وليس في الفطر تكبير مقيد.
والمطلق يبدأ: من غروب شمس ليلة العيد إلى أن يبدأ الإمام في صلاة العيد، وفي عيد الأضحى يُشرع التكبير المطلق إذا دخلت عشر ذي الحجة، والمقيد عقب كل فريضة في جماعة من صبح يوم عرفة وللحاجّ من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.
وإن نسيه وذكره قريبا قضاه في موضعه، ولا يسن التكبير عقب صلاة العيد.
باب صلاة الكسوف
تسن صلاة الكسوف إذا كسف أحد النيرين.
ويصلي ركعتين يقرأ جهرا في الأولى الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعا طويلا ثم يرفع مسمعا ويحمد، ثم يقرأ الفاتحة مرة أخرى، وسورة طويلة لكن دون الأولى ثم يركع ركوعا طويلا دون الأول، ثم يرفع ويعتدل ثم يسجد سجدتين طويلتين، ويصلي الثانية كالأولى ثم يتشهد ويسلم.
وإن تجلّى الكسوف في الصلاة أتمّها خفيفة ولو كان في أولها، ويصحّ فعلها كنافلة وتصح في ثلاث ركوعات أو أربع أو خمس، والركعة المعتد فيها هي الأولى، فإذا فاتت المأموم يقضيها إذا سلم الإمام.
باب صلاة الاستسقاء
الاستسقاء طلب السقيا، إذا أجدبت الأرض، وقحط المطر صلو صلاة الاستسقاء كعيد كما تقدم.
وإذا أراد الإمام الخروج لها وعَد الناس يوما يخرجون فيه، وأمرهم بالتوبة وترك التشاحن والصيام والصدقة.
ويخرج الإمام متواضعا معه أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان، فيصلي بهم ركعتين كالعيد ويخطب خطبة واحدة، يفتتحها بالتكبير ويُكثر فيها من الاستغفار وقراءة آيات فيها الأمر به.
ويدعو بما ورد وإذا فرغ من ذلك قلَب رداءه ودعا وأمر الناس بالدعاء والتضرع لله سرا، ويقلِبُون أرديتهم، ويستحب رفع اليدين في الدعاء جدا.
وسن وقوف في أول مطر ليُصيبه شيء من المطر، وإخراج متاعه ليصيبه لأنه ماء مبارك.
ويحرم قول: مطرنا بنوء كذا وكذا.
كتاب الجنائز
يسن لكل إنسان أن يستعد للموت، وتسن عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية.
وتجب الوصية إذا كان عليه للناس حقوق.
وإذا نزل به الموت سن تعاهد بلّ حلقه، وبل شفتيه وتلقينه: لا إله إلا الله، ولا يلح عليه ولا يزيد على ثلاثة إن لم يتكلم، لأنه قد يضجر ويقول كلمة لا تحمد عقباها، فينبغي الرفق به، ويقرأ عنده يس، ويوجّهه إلى القبلة.
وإذا مات سن تغميضه وتليين مفاصله، وشدّ لحييه، وخلع ثيابه، ووضعه على سرير غسله موجّها على ظهره، مستورا بثوب، ووضع حديدة على بطنه وإسراع تجهيزه، وإنفاذ وصيّته، وغسل الميت وتكفينه وحمله ودفنه فرض كفاية.
أولى الناس بغسله: وصيه، فهو أولى من غيره، ثم أبوه ثم الجد ثم الأقرب فالأقرب.
والأوْلى بتغسيل الأنثى وصيّتها: ثم أمها ثم جدتها ثم الأقرب فالأقرب.
ولكل من الزّوجين غسل صاحبه، وكذا سيد مع أمته، ولرجل وامرأة غسل من هو دون سبع سنين.
ومن لم يحضرهُ من لهُ تغسيله يُمّم، كما لو ماتت المرأة بين رجال فتُيمم.
وإذا أخذ في غسله ستر عورته، وجرده وستره عن العيون، ويرفع رأسه إلى قرب جلوس، ويعصر بطنه برفق، ويكثر صب الماء حتى ينجيه أولا بأول، ويلف على يده خرقة ينجيه بها ويغسل ما عليه من نجاسة، ثم ينوي الغاسل غسله ويسمّي ويغسل كفيه ويوضيه ندبا، ولا يدخل ماء أنفه ولا فمه، بل يلف على أصبعيه خرقة فيها ماء ويدخلهما داخل أنفه ومنخريه وينظفهما مقام المضمضة والاستنشاق، ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط.
ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يفيض الماء عليه ثلاثا يمرّ يده كل مرة على بطنه ويعصره عصرا، فإن لم ينق بثلاث يزيد إلى السابعة فإن كان لا زال يخرج منه شيء سد مكان الخروج بقطن فإن لم يستمسك جعل مكانه الطين الحر الصلصال، ويجعل بالغسلة الأخيرة كافورا.
ويكره ماء حار لم يُحتج إليه، ومُحرِم ميت كحي، فيجنّب محظورات الإحرام، ولا يُلبس ذكر مخيطا، ولا يغطى رأسه ولا وجه أنثى.
ولا يُغسل شهيد معركة، ولا مقتول ظلما، إلّا إذا كان على جنابة، ولا يكفّن ويدفن بملابسه في دمه إلّا إذا سُلبت، فيكفن ولا يدفن عار.
وسِقط لأربعة أشهر كمولود حيا، ومن تعذر غسله يُمم، وعلى غاسل ستر شرٍّ.
فصل في الكفن
يجب كفنه في ماله مقدّما على دين وغيره، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته، غير زوج فلا يجبُ عليه، ثم من بيت المال، فإن لم يوجد فأقرب مسلم عَلِم به فيجبُ عليه.
وسن تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض، يجمر ويبسط بعضها على بعض، والحنوط في ما بينها، ويوضع عليها مستلقيا، ويُجعل قطن محنط مغموس بالحنوط بين أيلتيه ثم َيشدّ عليه لكي لا يسقط، ويوضع أيضا على منافذ وجهه ومواضع سجوده، ويلف فيها ويُجعل أكثر فاضلٍ كفن عند رأسه، وإن كُفّن في قميص ومئزر ولفافة جاز.
ويكره أن يلف رأسه بعمامة، ويكره أن يزعفر الكفن.
وتُكفن المرأة في خمسة أثواب، إزار وخمار وقميص ولفافتين، والواجب: ثوب يستر جميعه، ويحرم بحرير.
الصلاة على الميت
يقف الإمام عند رأس رجل، ووسط امرأة ندبا، ويكبر أربعا.
يقرأ في الأولى بعد التعوذ: الفاتحة، ولا يقرأ دعاء الاستفتاح، وفي الثانية: يُصلي على النبي كالتشهد، وفي الثالثة: يدعو للميت ويقول ما ورد، وفي الرابعة: يُسلم.
ومن فاتته الصلاة فله أن يصلّي على الميت بعد دفنه عند قبره إلى شهر.
حمل الميت ودفنه
سن تربيع، ويباح بين العمودين، وسن إسراع بها، وكون ماش أمامها، وراكب خلفها.
وكره أن تتبع المرأة الجنازة، ورفع الصوت معها، وحرم اتباعها مع منكر يعجز عن إزالته.
وكره جلوس متبعها قبل الدفن، ويسجى قبر امرأة فقط أي:يُغطىـ لأنه سيكشف وجهها.
واللحد أفضل من الشف، واللحد: أن يحفر في جدار القبر ما يسع الميت، والشق: أن يحفر في أرضية القبر حفرة صغيرة، ويُلجئ للشق في حال عدم تماسك التربة.
ويوضع على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ويُغطى باللبن ويقول مدخله: بسم الله وعلى ملة رسول الله، ثم يدفن حتى يكون ارتفاع التراب بمقدار شبر ويكون مسنما، ويباح تطيينه، حتى يبقى مستمسكا.
ويكره تجصيصه، والبناء عليه، والكتابة والجلوس عليه، والوطء عليه، والإتكاء عليه، ومشي في نعل بمقبرة من غير حاجة.
ويحرم دفن اثنين فأكثر في قبر من غير ضرورة، ويجعل بينهما حاجز، وتسن القراءة عنده، وجعل نحو جريدة خضراء.
وأيّ قربة فعلها وجعلها لمسلم حي أو ميت نفعه.
ونُدب إصلاح طعام لأهل ميّت يُبعث إليهم ثلاثة أيام.
وتسن زيارة قبور لغير نساء، ولا يحرم، ويقول إذا مر بها ما ورد.
وتسن تعزية مصاب، ويحرم ندبٌ ونياحة، ولطم خد، وشق ثوب، ونحوه لا بكاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق