تعريف بالمقرر وأهميّتهِ
أهدافُ المقرر:
أولا: أن يتعرّف الدارس على معنى الفقه وفضله وحُكْم تعلّمهِ، ثانيا: أن يَرغب الدّارسُ في تعلّم الفقه، ومن أهمّ أهداف الدورة أن يحصلَ الإنسانُ عنده رغبة تدفعهُ إلى دراسة علم الفقه، وأن يحصل له في قلبه تعظيم هذا العلم الجليل.
ثالثا: أن يُدْرك الدارس المراحل التاريخيّـة لعلمِ الفقهِ، رابعا: أن يصيرَ الدّارسُ مُعظّما لأئمّة الفقهِ، مُعترفًـا بفضلهِم، مجلًّا لجهُودهم.
وذلك لأنّ بعض الناس يدخل هذا العلم، ويبدأ بدراسة هذه المسائل، وليسَ عندهُ قناعةٌ بهذا العلم، ولا بهذا المذهب الذي يدرسهُ!
والإنسان الذي يدخُل إلى دراسة أيّ علم من العلوم بهذه النفسيّة فلا يُمكن أبدا أن يُحصّله تحصيلا تاما.
ولذلك سئلتُ كثيرا كيف نضبطُ علم الفقه ؟
فأقول: أولّ خطوة لتَضبط هذا العلم، أن تكون على قناعة بهذا العلم.
خامسا: من أهداف المُقرر: أن يفْهم الدارسُ الفروق بيْـن المدارسِ الفقهيّة، سادسا: أن يعرفَ الدارس معنى التمذْهب وحُكمَه، ويفرّق بين الممنوعِ منهُ والجائز.
تعريف الفقه: عندنا تعريف الفقه لغة وشرعا واصطلاحا، أوسعُ هذهِ الدوائر: التعريف الّلغَوي.
تعريفُ الفقهِ لغة: الفهْم، فيشمَلُ العلم الشّرعي وغير الشرعي.
تعريفُ الفقه شرعًا: العِلم بمسائل الدين عمومًا، سواءً كانت المسألة من مسائل العمَلْ المُتعلّقة بأفعال المكلفين، كالصلاة ويشمل غيرَ ذلك كـ معرفة صفات الله تعالى والجنة والنار.
تعريفُ الفقهِ اصطلاحًا: العلم بالأحكام الشرعية العمليّة.
موضوعُ الفقه: يَبْحثُ في أفْعالِ العباد من حيثُّ الأحكام الشرعيّة المُتعلقة بها.
فضْل علم الفقه: كلّ نص ورد على فضل العلم الشرعي فينْدرجُ فيه الفقه بالمعنى الخاص، أي: المتعلّق بأفعالِ العباد، كالصلاة والزكاة والحج والنكاح.
هُناكَ فضلٌ خاصٌ بعلم الفقه الاصطلاحي، يقول ابن الجوزي-رحمه الله-: أعظم دليل على فضيلة الشيء، النظر إلى ثمرتهِ، ومن تأمّل ثمرة الفقه علم أنهُ أفضل العلوم.
ولو تأملنا واقع الناس اليوم؛ نجد أنّ حاجة الناس إلى المسائل الفقهيّة هي أكثرُ احتياجا من غيرها وهذا من جهة الكثرة، فأكثر أسئلة الناس هي في مسائل الفقه.
ومع هذهِ الأهميّة العظيمة للفقه، فإنّ كثيرا من طلبة العلم قد قصّروا في تعلّم الفقه!
حُكم تعلّمِ الفقه
من المسائل ما يجبُ تعلّمُها على كل مسلم: كـ معرفة صفة الوضوء والصلاة، فصِفة الصلاة فرض عين على كل مسلم، يأثمُ الإنسان إن لم يتعلّمها.
ومن الفقه ما هو فرض كفاية، وقد يتعيّن في حق بعض الناس كزكاة الأسهم قد يحتاج لها شخص، فيجبُ عليه أن يتعلّمَها إمّا تقليدا إن كان من أهل التقليد، أو اجتهادا إن كان من أهل الاجتهاد.
مراحل الفقه
اختلف العلماء في تقسيم تاريخ الفقه، وأنا رأيتُ أن نسلُكَ في هذا التقسيم مسلك تاريخي توصيفا من غير حُكم.
المرحلة الأولى: وهي مرحلة التّشريع، وهي مُختصّة في زمن النبوة.
المرحلة الثانية: مرحلة الفقه قبلَ المذاهب الفقهيّة، وهي تشمل الفقهَ في زمن الصحابة، والفِقه زمن التابعين، والفقه في بداية زمن أتباع التابعين.
المرحلة الثالثة: مرحلة المذاهب الفقهية، من أولها إلى العصر الحاضر.
المرحلة الرابعة: من العَصر الحاضر، وهو قرابة 1300، والتواريخ هنا تقريبية وليست تحديديّة، ما عدا المرحلة الأولى .
مرحلة التّـشـريـع
تبدأُ هذه المرحلة من بعثةِ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- ونزول الوحيِ عليه، وانتهتْ هذهِ المرحلَة بوفاة المصطفى-عليه الصلاةُ والسلام-؛ لأنّ التشريع انقطع حين ذلك.
وهذه المرحلة تمرُّ بمرحلتيْن أساسيّتيْن:
الأول: العهد المكي، الثاني: العهد المدني.
مرحلة العَهد المكّي: كان التشريع فيها يتركّز على أصول الدين، وأمّا التشريعات التفصيليّة فقد نزل شيء منها لكنّه لم يكن كثيرًا.
مرحلة التشريع المدني: استمرّت عناية التشريعِ الإلهي بأصول الدين-لأن الناسَ يحتاجون لها في كل عهدِ- ولكن بدأّت التشريعات التفصيليّة وكثُرتْ بعدَ هجرة النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.
مصادر التشريع في هذه المرحلة
القرآن والسنة: تارة ينزلُ ابتداءً، وتارةً ينزلُ بسببِ ظهار، وتارة بسبب حادثة معيّنة، فينزل التشريع الإسلامي؛ لبيان الحكم في هذه الحال.
بعض المعالم المهمة المتعلّقة بمرحلة التشريع
التشريع بمعنى إنشاء الأحكام الشرعية مختصٌّ بهذهِ المرحلة، فلا يكون التشريع إلّا من عند الله عز وجل ومن رسوله-عليه السلام-.
قول الصحابي الحجّة: وليس معنى هذا أنّ الصحابي يُشرّع، فالتّشريع لا يكون إلا من عند الله-عز وجل-، والمرادُ بحجيّة قول الصحابي لأنهُ أفهم للكتاب والسنة ولا يرادُ أنهُ يشرّع من تلقاءِ نفسه.
كذلك الإجماع: فإنه لا يُنشأ حكما ولا يشرّع حكما وإنّما يُظهر الحكم، فإذا أجمعَ العُلماء عرفنا أنّ هذا الإجماع هُو الشرع الذي نزل به الله-عز وجل-؛ لأنهم أفهمُ بكتاب الله وسنّة رسوله، ولأنّ دليلَ السنة دلّنا على عِصمتهم من الاجتماع على الخطأ، والأدلة على هذا كثيرة.
وفي هذا الزمن -زمن النبوة- قلّ مجال الاختلاف؛ لأن الصحابة رضوانُ اللهِ عليهم إذا اختلفوا في مسألة رجعوا للنبيّ-صلى الله عليه وسلم- فانتهى الخلاف، وهذا في حقّ من يُمكنه أن يرجِع.
ومما يتميّز به هذا العصر التدرّج التشريعي، وهذا لا يُمكن في غير هذا العصر، ولكن من المُمْكن أن يتدرّجَ الإنسان في تربية الناس على هذا التّشريع الذي انتهى.
والتدرّج في التشْريعِ، منهُ: تدرّج في تشريعِ الأحكام، وعندنا التدرّج في تشريع الحكمِ الواحد كتحريم الخمر، فقد مرّ بمراحل، وكذلك وجوب الجهاد.
ومن معالم هذا العصر: أن النبيّ-صلى الله عليه وسلم- درّب الصحابةَ وعلّمهُم على الفقه والاجتهاد، وقيل: أنّ الصحابة الذي أفتوا في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر صحابيًا.
والآثار دّلت على من يُعرف بالفقه والفتوى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا ما يتعلّق بالزّمن الأوّل، وهو: زمن التشريع، وقد عرفنا أنهُ مرّ بمرحلة التشريع المكّي، ثم مرحلة العهد المدني.
بعد وفاة النبي-صلى الله عليه وسلم- انقطع التشريع، ولكن الاجتهاد والاستنباط في هذا التشريع والفتوى والفقه كان مُستمرًّا، فكان الصحابة-رضوان الله عليهم- يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة ويقيسون، وبرَزعددٌ من فقهاء الصحابة.
مرحلة الفقه قبلَ المذاهبِ الأربعة:
إذا أرَدتَّ أن ترجع إلى فقه الصحابة، فعندنا مصادر مُسندة كـ مصنف عبد الرزاق الصنعاني، ومصنف أبي شيبة، والأوسط لابن المُنذر-يذكر بعض فقه الصحابة بالإسناد، ويذكر بعضها بلا إسناد.
وعندنَا كتب غير مسندة: وهي الكتب الفقه المقارن كالمغني.
الصّحابة الذين حُفظت عنهم الفتوى مائة وثلاثون نفسًا كما قرّر ذلك الإمام ابن حزم-رحمه الله- وهؤلاء الصحابة على ثلاثة مراتب:
المُكثرون: وهؤلاء المُكثرون من الفتوى، قال ابن حزم: يُمكن أن يُجمع فتوى كل منهم سفر ضخم.
وهم: عمر وعلي وابن مسعود وعائشة وزيد وابن عمر وابن عباس-رضيَ الله عنهم أجمعين-.
أعلمُ الصحابةِ وأفـقههم: أبو بكر على الإطلاق رضي الله عنهم وحُكيَ على ذلك الإجماع، ولكنّه-رضي الله عنه- لم تَطل مُدّة خلافته، فكانت سنتين وثلاثة أشهر، فلم يُنقل عنه كثير من الفتوى والفقه والقضاء، بخلافِ عُمر رضي الله عنه؛ فإنّها امتدّت عشر سنوات وستة أشهر، فنُقل عنه كثير من الفتوى والفقه والقضاء، كذلك علي رضي الله عنه-، فقد نقلَ عنهُ فقه كثير؛ لأنه آخر الخُلفاء موْتًا قبل الخلافة وبعدها، وكذلك ابن مسعود-رضي الله عنه- وهو صاحب مذهب فقهي لهُ أتباع، وعُرف مذهبه بالكوفة ونشأ له طلاب ومدرَسة فقهيّة.
ومن المُكْـثرين: عائشة، فقد كانت معلّمة فقيهةً مُفتيَة، وتَفقّه عليها عددٌ من فُقهاءِ التابعين وحتى الصحابة كانوا يَرجعون إليها في بعض المسائل، ومن أئمة الفقهِ: زيد بن ثابت، وكان له مذهب متبوع في المدينة، ولمّا تُوفّي زيد صارت المدينة على مذهب ابن عمر، وكان يأخذ بمذهب زيد -رضي الله عنهما-.
ومن الصحابة المُكثرين: عبد الله ابن عباس-رضي الله عنه- وكان لهُ مذهب متبوع في مكة وكان أعيان الفقه بعده تلاميذُه.
والمُـتوسطون: وقد يجمع من كل فتيا كل واحد منهم جزء صغير، كما قرّر ذلك ابن حزم -رحمه الله- وهم: أبو بكر، وعثمان، وأم سلمة، وأنس، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وابن عمرو، وابن الزبير، وأبو موسى، وجابر، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان -رضي الله عنهم-.
معاذ ذُكر في المتوسّطين من جهة أنّه لم يُنقل عنه فتاوى كثيرة كالطبقة الأولى، أمّـا من جهة العلم فلا شكـّ أنّهُ كان من أعلمِ الأمّة بالحلالِ والحرام، وكان فقيهًا عالما، وذهب إلى اليمن وكان له تلاميذ في الشام.
وأما المُقلّون فهم بقية الـ 100، ويُمكن أن تجمع فتاويهم جميعا في جُزء صغير.
المدارس الفقهيّة
المدارس الفقهية التي تشكّلت في زمن الصحابة هي ثلاثة:
1- مكة، 2- المدينة، 3- العراق -الكوفة-.
المدرسة الفقهية في المدينة هيَ مدرسة: زيد ابن ثابت ثم عبد الله ابن عمر-رضي الله عنهما-.
والمدرسة الفقهية في مكة هي مدرسة: ابن عباس رضيَ الله عنه.
والمدرسة الفقهية العراق هي مدرسة: ابن مسعود رضي الله عنهُ.
الفقه في عصر التابعين
أبرز المدارس الفقهيّة في زمن التابعين، هيَ مدرسة المدينة ومكة والبصرة والكوفة.
المدرسة المديّنة ظهرَ فيها في زمن التابعين الفُـقهاء السبعة وهم:
1- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، 2- عروة بن الزبير، 3- قاسم بن محمد بن أبي بكر.
4- سعيد بن المسيب، 5- أبو بكر بن حزم، 6- سليمان بن يسار، 7- خارجة بن زيد.
وكان في المدينة: سالم بن عبد الله عمر، وكذلك نافع مولى ابن عمر، وأخذ عنه الإمام مالك.
ومن الفقهاء في المدينة: محمد بن عبيد الله بن شهاب الزُّهْـري.
وفي مكّة: أكثرُهم من طلاب بن عباس، وهم: عطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة.
وأما في البَصْرةَ: فظهَر في زمن التابعين من الفقهاء: الحسن بن يسار البصري، ومحمد بن سيرين، وأبو قلابة وقتادة.
وفي الكوفة: علقمة-تلميذ ابن مسعود - وأخذ عنه إبراهيم النخعي، وأخذ عنه حماد وأخذ عن حماد أبو حنيفة.
وكذلك في الكوفة: من طلاب ابن مسعود: مسروق وعبِيدة السلماني، وأخذ كذلك عن علي -رضي الله عنه-، وكذلك من فقهاء الكوفة: شُريْح القاضي.
هذا ما يتعلق في المرحلة الفقهية قبل المذاهب الأربعة.
الأئمة الأربعة
الإمام الأول: أبو حنيفة، ولدَ سنة 80 للهجرة، وقيل: إنه رأى أنس بن مالك ، وتوفي سنة 150.
الإمام الثاني: مالك بن أنس، ولد سنة 93 للهجرة-لا ينتسب إلى أنس بن مالك الصحابي- وتوفي سنة 179 للهجرة.
الإمام الثالث: الشافعي، ولد وفي سنة 150 للهجرة، وتوفي سنة في 204.
الإمام الرابع : الإمام أحمد، ولد سنة 164للهجرة، وتوفي سنة 241.
النّسب العِلمي لِلأئمة الأربعة
في المدينة ابن عمر أخذَ عن زيد ابن ثابت، وأخذَ عن ابن عمر جمْع منهم نافع وسالم والإمام مالك أخذَ عن الزّهري عن سالم عن ابن عمر، وكذلك أخذ عن نافع عن ابن عمر عاليًا وهذا من أصحّ الأسانيد.
والإمام الشافعي أخذَ عن الإمام مالك، والإمام أحمد أخذ عن الشافعي.
مدرسة مكة: إمامُها ابن عباس، أخذَ عنه عمرو بن دينار، وأخذ عن عمرو سُفيان بن عيْينة وهو من الفقهاء، والإمام الشافعي أخذ عن سفيان وكذلك الإمام أحمد-رحمهم الله- فحصل لهما تحصيل فقه أهل مكة.
مدرسة العراق: ترجع إلى فقه ابن مسعود وعليٍ، وأخذ عن ابن مسعود علقمة، وأخذ عن علقمة إبراهيم، وأخذ عن إبراهيم حماد وأخذ عن حمّاد أبو حنيفة.
"تداخل المذاهب"
صاحبا الإمام أبو حنيفة محمد بن حسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف، والإمام أحمد أخذ عن القاضي أبو يوسف فاتصل نسبه بالمدرسة الحنفية وكذلك الإمام الشافعي أخذ عن محمد بن الحسن الشيباني.
من المذاهب التي انقرضَتْ:
الأول: الحسن البصري، وهذا لا يعني أن أقوالهُ ليست موجودة، بل موجودة لكنها مُتفرقة في الكتب، وعدّهُ القاضي عياض من الأئمة أصحاب المذاهب المُقلَّدة المُدونة، وقد جمعَ بعض العلماء فتاوى الحسن البصري في سبعة أسفار، ورَوى عن ما يُقارب 120 من الصحابة، توفي سنة 110.
الثاني: سفيان الثوري، وهو من أرباب المذاهب المُقلّدة أيضا، لهُ أتباع وأصحاب يُفتون بمذهبه، توفي سنة 161.
ومذهبُ الحسن، ومذهب سفيان لم يطل تَقليدهما، وانقرض أتباعهم بعد مدّة يسيرة.
الثالث: الإمام الأوزاعي في الشام، وقيل: أنه أفتى في سبعين ألف مسألة، وتوفي سنة 157 في بيروت.
الرابع: الليث ابن سعد، وهو صاحب مذهب وإمام جليل، قال الشافعي: الليث أفقه من مالك، لكنهُ ضيّعهُ أصحابه فضاع مذهبه، وهو أصبهاني سكن مصر، توفي 175.
الخامس: سفيان ابن عيينة، قال الإمام الشافعي: العلمُ يدور على ثلاثة: مالكٌ في المدينة، والليث، وابن عُيينة، وهو كوفي الأصل، مكيّ الدار، توفي سنة 198.
السادس: إسحاق بن راهوية، قال الإمام أحمد: لا أعلم لإسحاق نظيرا، توفي سنة 238.
السابع: الإمام أبو ثور، كان له مذهب انقطع أتباعه بعد ال300، قيل: إنه مجتهد مستقل، وقيل: إنّه من فقهاء الشافعية، توفي سنة 240.
الثامن: ابن جرير الطبري، كان له أتباع يقال لهم الجريرية، قال ابن خُزيمة: ما أعلمُ أحدا على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، وهو فقيه ومفسّر ومؤرّخ، وقد أخذ عن أصحاب مالك، وأصحاب الشافعي، فتنازعوا فيه، وبعد ذلك صار مجتهدا مستقلا-رحمه الله عليه- وانقطع أتباعه بعد الأربعمائة.
نشْرع الآن في الكلامِ عن المذاهب الفقهيّة الأربعة التي ما زالت قائمة لليوم
هذهِ المذاهب الأربعة حفظَ الله بها العلم والفقه، وجَمَع الله بها الأمة، فهي سبب اتفاق الأمّة لا تفرّقها، ومن أكبر الغلط أن تُحارب هذهِ المذاهب.
وهذه المذاهب يُخطئ من يتصوّر أنّها تُمثّـل أربعة أشخاص فقط، والصحيح أنّ هذهِ المذاهب اجتمعت فيها المدارس الفقهية للأمة كلها وقد تقدّم هذا.
الإمام أبو حنيفة
أوّلُ هؤلاء الأئمة من جهة الزمان ولدَ سنة 80 للهجرة وهو: النعمان بن ثابت بن زوْطا.
قيل: إنه فارسي، وقيل: إنه عربي وتوفي سنة 150.
والإمام أبو حنيفة رأى الصحابي أنس بن مالك، فلذلك هُو معدود في التابعين ولو لم تثبت له رواية عنه، ولكن ثبتت له الرؤيا، وبعضهم لا يثبت أنهُ رأى أنس بن مالك.
كان من أئمة العبادة، قال الذهبي: رُوي من وجهين أنه قرأ القرآن كله في ركعة، وهذا دليل على عبادته وزهْده.
قيل للإمام مالك: هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال: نعم رأيتُ رجلا لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقامَ بحجّته، وهذا دليل على قوة حجته.
وكانت حلْقـتهُ حلقة مناظرة وكانت مكتظّـة بعلماءِ الدين وعلماء الكوفة، فيحضُرها القضاةُ وأهلُ اللغة والحديث، وكان يفتح المجال للنقاش فإن أخطأ ردّوا عليه، فهذا مذهب نشأ نشأةً جمـاعيّـة.
قال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقهُ الناس، وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
نشأة مذهب الإمام أبو حنيفة
المرحلة الأولى هيَ: مرحلة النّشوء والتكوين، تبدأ من الإمام نفسه ومعهُ أبو يوسف القاضي، ولد سنة 113 وتوفي 183 للهجرة، وكانَ رُكْنًا من أركان المذهب الحنفي، وكان له دورٌ كبير جدا في نشر المذهب، وسبب ذلك أنه-الإمام أبو يوسف- كان مسؤولَ القُضاة في زمن الدولة العباسيّة، فكان يقضي بمذهب أبي حنيفة فسبب ذلكَ انتشر المذهب.
ومن أركان المذهب الحنفي الإمام: أبو محمد بن الشيباني ـفكان له دورٌ في نشر المذهب الحنفي من ناحية التدوين والتصنيف وكتُبه كانت هيَ العمدة في المذهب وله ستّة كتب تعرف بكتب ظاهر الرواية وهي:
1- المبسوط ويُسمى الأصل، 2- الجامع الصغير، 3- الجامع الكبير، 4- الزيادات، 5- السير الكبير، 6- السير الصغير، توفي الشيباني سنة 189.
ومن أئمة المذهب: زفر بن هذيل، وكان أوّلهم موتا توفي سنة 158، ومنهم: الحسن بن زياد اللؤلؤي تُوفي سنة 204 وهو آخر أصحاب أبي حنيفة الذين كانوا من أركان المذهب.
ويُطلق على أبو يوسف ومحمد بن الحسن الصّاحبان، وهما من الفقهاءِ المجتهدين، وكانوا جزءً في تكوين المذْهب بل وخالفا الإمام أبو حنيفة في مسائل، وقد تكون الفتوى عند الحنفيّة على قول الصاحبين لا قول الإمام أبي حنيفة-رحمه الله-.
ثم انتقلَ المذْهب إلى مرحلة الانتشار، فبدأ التدوين يتطوّر وصُنّـفت المُختصَرات والمتون.
فكتب الطحاوي مختصرا في الفقه وهو: أبو جعفر الطحاوي له كتاب في العقيدة مشهور وله كُـتبٌ أخرى.
وكذلك من عُـلماء هذه المرحلة الإمام السرخسي وله كتاب: المبسوط، وكذلك الإمام الكاساني وله كتاب: بدائع الصنائع، وهو شرح لتحفة الفقهاء لـ أبو الليث السمرقدني.
والإمام الكرخي له: مختصر الكرخي، كذلك مختصر القدوري، وهو أحدُ المتون الأساسيّة المعتمدة في المذهب يسمونهُ الكتاب.
ومن علماءِ هذه المرحلة الشيخ: المرغيناني له: بداية المبتدي، وممن شرحه مؤلفه صنّف فيه: الهداية شرح البداية، واعتنوا به، وخرّجوا أحاديثه، وكذلك الإمام النسفي له كتاب اسمه: كنز الدقائق، وشرح بعدّة شروح.
دور الاستقرار وهو بعد سنة 710، اشتغلَ الناس بعد ذلك بشرح هذه المتون وبيان معانيها.
ومن العلماء في هذه المرحلة ابن نجيم الحنفي الذي كتب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، وكذلك الإمام ابن عابدين كتب: رد المحتار شرح الدر المختار، وهو ختام التصنيف في هذا المذهب.
والثاني من المذاهب من حيث التسلسل الزمني هو مذهب: الإمام مالك.
مذهب الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، إمام دارِ الهجرة.
ولد سنة 123 للهجرة وتوفي سنة 179 .
زهدهُ
قيل: لأخته ما كان شغله في بيته؟ قالت: كان شُغله المصحف والتلاوة.
يقول ابن وهب: لو شئت أن أملأ ألواحي من قول مالك: لا أدري، لفعلت.
قال ابن مهدي: ما رأيت أحدا أهيب ولا أتمّ عقلا من مالك ولا أشد تقوى منه.
وكان مُعظّما للسنة، لا يأتي لمجلسِ الحديث إلّا بعد أن يغتسِل ويتطيّب ويلبسَ أحسن ثيابه.
وأعظمُ ما ناله من الشرَف أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم - قال ليضربنّ الناس أكبادَ الإبلِ في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة، واختَلفَ في هذا العالم ، قال ابن عيينة: هو مالك.
من عِلمه وذكائه أنهُ تأهّل للفُتـيَا وجلَس للإفادة وله 21 سنة وقال-رحمه الله-: ما أفتيتُ إلّا بعد أن شهد لي سبعون محنّكا أنّي أهلٌ لذلك.
قال الشافعي -رحمه الله-: إذا ذُكر العلماء فمالك النجم.
تاريخ مذهب الإمام مالك رحمه الله
الدور الأول دور النشوء: يتمثل بدايتهُ بتدريس الإمام مالك وتصنيفهِ، فكان يُفتي ويدرّس وصنّف في الفقهِ والحديث كتابهُ الموطأ، فهو يذكر الأحاديث ويُبوّبُ عليها، والتبويب هذا جُزء من الفقه، وكان يُعلّق على الأحاديث، وهوَ من أعظم كتُب الإسلام.
من أكبرِ طلـّابهِ ومن أعظمهم نشْرا لمذهبه هُو: عبد الرحمن بن القاسم المصري توفي سنة 192، وأخذَ عنه أسد ابن الفرات وسحنون، ومجموع هؤلاء الثلاثة الذين صنّفوا المُدوّنة، وهو: الكتاب الأُم في مذهب الإمام مالك وصارت على هذه المُدونة، عمدة المالكيّة.
ومن طلبتهِ: ابن وهب توفي 199 أخرجَ له أصحاب الكتب الستة، ومن طلابهِ: الإمام أشهب المصري المتوفى سنة 204 .
ثم تطوّر المذْهب وبدأت تُصنف الكتب والمُختصرات والشروح، صنفَ القيروان ابن أبي زيد كتابه: الرسالة، وفي بغدادِ صنف القاضي عبد الوهاب: التلقين، وفي الأندلس الإمام ابن عبد البر وله كتاب: الكافي في فقه أهل المدينة، وله كتب أخرى كـ التمهيد، والاستذكار، وكلاهما شرح للموطّـأ.
ومن كُتبِ هذهِ المرحلة الإمام الباجي، من علماء الأندلس وهو إمام محقّق في الحديث والأصول والفقه له كتاب: المنتقى شرح الموطأ، وله كتب في عدّة فنون.
وفي هذه المرحلة الإمام ابن رشد صاحب كتاب: المقدمات الممهدات، وابن رشد إذا أطلق عند المالكية فهو ابن رشد الجد لا الحفيد القاضي صاحب:بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
وفي هذه المرحلة من العلماء القاضي عياض له كتاب: المستنبطة، وله كتب كثيرة.
ثم بدأ المذهب ينتقل إلى مرحلةِ الاستقرار:
ومن علماءِ هذه المرحلة الإمام ابن حاجب صاحب كتاب: جامع الأمهات، والإمام القرافي صاحب: الذخيرة، وهو كتاب موسّع في الفقه المالكي.
ومن علماءِ هذه المرحلة: الإمام خليل وله المتن المعتمد الاعتماد النهائي عند المالكية، المختصر، وهوّ يمثل القول المعتمد في مذهب الإمام مالك-رحمه الله- ثم بعد ذلك صار جّل الكتب تدُور على شرح هذا المختصر.
ومن شروحه: كتاب الحطاب المسمى: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، والدردير له شرح اسمه: الشرح الكبير على مختصر خليل، ولهذا الشرح حاشية للدسوقي.
الإمام الشافعي
ممن أخذَ عن الإمام مالك الإمام الشافعي-رحمهما الله- كذلك ذهب إلى بغداد وأخذ عن محمد بن الحسن الشيباني، وذهب إلى اليمن -رحمه الله-.
وهو: محمد بن إدريس الشافعي، يلْتقي نسبه مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في جده عبد مناف.
ولِد سنة: 150 للهجرة في غزة، وتوفي سنة: 204 في مصر ورحل إلى مكة وأخذ فقه أهل مكة، وحل إلى المدينة وقرأ الموطّأ على الإمام مالك وحفظهُ ورحل إلى بغداد والتقى بالشيباني وكتبَ عنه.
زهدهُ
كان الإمام الشافعي -رحمه الله- من العُبّاد حتى كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي قد جزّأ الليل فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي والثالث ينام.
وكان الشافعي ذكيا فطِـنًا حفظ القرآن في السابعة، وحفظ الموطأ في العاشرة، وأجازهُ شيخه مسلم الزنجي في الإفتاء وهو ابن خمسة عشر سنة.
قال الإمام ابن عيينة:-شيخ الشافعي- الشافعي أفضل أهل زمانه.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: ما أحد مس محبرة ولا قلما إلّا وللشافعي في عنقه منّة.
الإمام الشافعي مرّ مذهبُه بمرحلتيْـن في حياته:-
المرحلة الأولى: عندما ذهب إلى بغداد صنّف كتبا في الفقه والأصول هذه الكتب بالمذهب القديم.
المرحلة الثانية: عندما ذهب إلى مصر صنّف كُتبا عُرفت بالمذهب الجديد، ولا يعني هذا أنه ألْغى كل فقههُ في المرحلة السابقة وجاء بفقه جديد، بل الاختلاف في بعض المسائل والاجتهادات.
والمُعتمد عند الشافعية: مذهبه الجديد، وهو الذي صنفه في كتابه: الرسالة، وكذلك كتابهُ: الأم.
ومن مناقب الشافعي-رحمه الله-: أنّه أول من صنف في علم أصول الفقه، في كتابه: الرسالة.
وكتابهُ: الأم هو كتاب عظيم جدا رواه عنه الربيع المُرادي، وكذلك روى عن الشافعي كتاب: الرسالة ، واختصره البويطي واختصره المُزني.
وبعد ذلك جاءتْ مرحلة النشوء والانتشار، صُنفت فيها بعض الكتب، من أعْلامها: ابن سريج، والقفال الكبير وهو الشاشي، والقَفال الصغير وهو المروزي، والإسفرايني، وعُرفت في هذه المرحلة طريقتان في المذهب الشافعي، الأولى: تُعرف بطريقة الخراسانيين، والثانية: تُعرف بطريقة العراقيين.
ومن صنّف في هذه المرحلة: الإمام الماوردي كتابه: الحاوي، وكذلك الجُويني صاحب: نهاية المطلب، والشيرازي كتابه: المهذب، وشرَحهُ النووي في: المجموع، -ولم يكمله- وتعاقب عليه السبكي والمطيعي.
وكذلك الغزالي كتب:الوسيط ، والوجيز، والبسيط.
ثم بعد ذلك جاء دورُ تحرير المذهب ويسمّى التحرير الأول على يد الإمامين: النووي والرافعي، وكان عندهم المُعتمد ما اتفق عليه النووي والرافعي.
فصنّف الرافعي كتاب: المحرر، ولهُ كتاب موسّع وهو: فتح العزيز شرح الوجيز، وصنف النووي كتُبا كثيرة منها: منهاج الطالبين، اعتمدَهُ الشافعية، وداروا في فلكه، وكُتبت عليه شروح متعددة منها منها: تُحفة المحتاج، ومُغني المحتاج، وعُمدة المحتاج.
دور التحرير الثاني: على يد العالمين وهما: الرملي وابن حجر الهيتمي، اعتمد الشافعية المتأخرون عليهما.
صنف الرملي: نهاية المحتاج، وابن حجر الهيتمي صنّف: تُحفة المحتاج.
الإمام أحمد ابن حنبل أخذ عن الشافعي واستفادَ منهُ وتفقّه عليه ولم تكن علاقة تلْمذة محضة.
الإمام أحمد بن حنبل
وهو: أحمد بن محمد ابن حنبل الشيباني ولد سنة: 164 للهجرة، وتوفي: 241.
قال ابن الجوزي: طاف أحمد مرّتين في جمع المُسند.
زهدهُ
وهو من أكابر الزُهّاد والعبّاد، يقُول ابنه كان أبي يُصلّي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، وبعد أن تعِب من الأسواط وكبر سِنّه أضعفته ُ فكان يُصلي كل يوم مائة وخمسين ركعة.
قال الإمام أحمد-رحمه الله-: ما كتبت حديثا إلّا عملتُ به.
قال الربيع: قال لنا الشافعي: أحمد إمامٌ في ثمان خصال: إمامٌ في الحديث، إمامٌ في الفقه، إمامٌ في اللغة، إمامٌ في القرآن، إمامٌ في الفقر، إمامٌ في الزهد، إمامٌ في الورع، إمامٌ في السُّنة.
فجَمع الإمامة في كلّ المجالات ولم يكن مستقرًّا على الحديث كما يظنه البعض بل هُو من أكبر المجتهدين والفقهاء، وكانَ يحفظُ ألف ألف حديث -رحمه الله-.
قال عبد الرزاق الصنعاني: ما رأيت أحدا أفقه ولا أوْرع من الإمام أحمد.
وقال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلّفتُ بها أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من الإمام أحمد.
مذهب الإمام أحمد
مرحلة التأسيس: لم يُـدوِّن الإمام أحمد مذهبُه، هو كتبَ المُسند من أعظم كتب الحديث لكنه لم يصنف في الفقه، وصُنّف عنهُ الفقه من الفتاوى التي كان يُفتي بها ويكتبها عنها أصحابه، ويسموْن أصحاب المسائل، وهم عدد كبير، وُجِد منها:
الإمام أبو داود، صاحب السنن كتب عنه: المسائل في الفقه.
ومن أصحاب المسائل: أبناء الإمام أحمد عبد الله وصالح، كتبوا عنه كذلك مسائل
كذلك ممن كتب عن الإمام أحمد المسائل الكوسج، وكذلك حرب ابن إسماعيل الكرماني، وكذلك من المسائل المطبوعة مسائل ابن هانئ.
بعد كتب المسائل جاء رجل له على الحنابلة منّة عظيمة وهو: أبو بكر الخلال، جمعَ كُتب المسائل كلها في كتاب واحد يسمى: جامع الخلال، ولم يصل إلينا إلا أجزاء يسيرة.
وفي العصر الحاضر قام بعض الباحثين بجهدٍ عظيم وهو كتاب: جامع الإمام أحمد، جمعوا بعض المسائل من خلال الكُتب المطبوعة، فجمعوا جميع ما رُوي عن الإمام أحمد من الألفاظ.
وبعدَ الخلّال جاء غلام الخلال اسمه: أبو بكر عبد العزيز له كتاب: زاد المسافر.
ثم جاء بعد ذلك الإمام: الخرقي أبو القاسم وصنف كتابه: المختصر، اختصر به كُـتبا مُتناثرة كثيرة وصار يُقرأ في المساجد ويحفظهُ المتفـقّهة في المذهبِ الحنبلي، واشتغل الحنابلة بعد ذلك بشرحه ومن أبرز من شرحَهُ الإمام ابن قدامة في كتابه: المغني، فهو شرح على مُختصر الخرقي.
ثم جاءَ الإمام الحسن ابن حامد، وصنّف كتابا في أصول الفقه، في طريقة فهم كلام الإمام أحمد اسمه: تهذيب الأجوبة.
وهذا دور تأسيس المذهب إلى سنة 403 هـ
ثم جاء دورُ التحرير والتنقيح إلى سنة 885هـ (مرحلة المتوسطين)
والتي بدأت بالقاضي أبي يعلى كتب كُتبا كثيرة في الفقه والأصول.
في الأصول كتاب: العدة، وفي الفقه كتاب: الروايتين والوجهين، وله كتب كثيرة منها المطوّل كـ : التعليقة، ومنها المُختصر، ثم تلميذ القاضي أبو يعلى وهو أبو الخطاب الكلوذاني له مصنفات منها كتاب: الانتصار، ومنها كتاب: التمهيد في أصول الفقه، وغير ذلك.
وفي هذه المرحلة الإمام ابن قدامة -رحمه الله- توفي سنة: 620 للهجرة، وهو: يُعتبر نقطة من النقاط المهمّة في مذهب الإمام أحمد، صنّف في أصول الفقه: روضة الناظر، وله في الفقه عدة كتب:
صنف للمبتدئين كتاب: العمدة، ولمن فوقهم كتاب: المقنع، ولمن فوقهم كتاب: الكافي، وبعد ذلك صنف كتاب الموسع: المغني.
واعتنى الناس بالمقنع ودارَ الحنابلةُ في فلكهِ وصار شُغلهم.
وشرُح عدة شروح منها: المبدع، ومنها: الشرح الكبير لابن أبي عمر، ومن شروحه-أي المقنع- كتاب: الإنصاف.
ثم جاءَ ابن تيمية-الجد- وصنف كتابه: المحرر.
ومن علماءِ هذه المرحلة ابن مفلح -الجد-صاحب كتاب: الفروع وكتاب: الآداب الشرعية، وعندنا حفيده وهو ابن مفلح صاحب كتاب: المبدع، شرح المقنع.
ومن علماء هذه المرحلة وبه خُتم التنقيح الأوّل للمذهب وهو العالم المسمى المنقّح، والمرجّح، المصحّح، وهو: علاء الدين المرداوي كتب كتابه: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، أخذ كل كتب الحنابلة واستقرَأها فذكر جميع الأقوال التي قالها الحنابلة واعتمد الناس على كتبه في تصحيح المذهب -رحمه الله-.
دور استقرار المذهب
جاء العالم موسى الحجاوي وألّف كتابه: الإقناع لطالب الانتفاع، وهو أوسع متنٍ في الفقه الحنبلي، وله كتاب مشهور اعتمدَهُ الحنابلة:،زاد المستقنع، ألفَ عليه البهوتي: الروض المربع، وجاء عدد من العلماء وكتبوا حواشي على الروض، من أوسعها حاشية عبد الرحمن بن القاسم، وكذلك من شروح الزاد: الشرح الممتع وغيره.
ومن علماء هذه المرحلة المتأخرة: ابن النجار الفتوحي المصري أّلف كتابه: مُنتهى الإرادات.
ثم بعد ذلك صار عند الحنابلة أنّ المذهب ما اتفق عليه الإقناع والمنتهى بلا نزاع.
وكذلك ألّف ابن النجار في أصول الفقه كتابه: مختصر التحرير، وشرحه في كتاب: شرح الكوكب المنير.
ومن علماء هذه المرحلة: مرعي بن يوسف الكرمي من أبرز ما ألّف كتابه: غاية المنتهى، جمع فيه الإقناع والمنتهى، ومن كتبه: دليل الطالب، وهو كتاب معتمد في التدريس.
وكذلك من علماء هذه المرحلة: الإمام منصور البهوتي صاحب: كشاف القناع عن متن الإقناع، وله شرح على منتهى الإرادات، وشرَح الزاد في كتابه: الروض المربع، فهو شارح المذهب بلا منازع، وهو أكثر من خدَم المذهب من ناحية الشروح، وله متن عمدة الطالب، وله شرح هداية الراغب.
ومن الكتب المعتمدة في التدريس عند المتأخرين: أخصر المختصرات لابن بلبان، وله أكثر من شرح منها: كشف المخدرات للبعلي، وهناك شرح: لعثمان النجدي وهو: الفوائد المنتخبات.
إذا أردتَ أن تقف على نصوص الإمام أحمد في مسألة من المسائل ترجع إلى مسائل الإمام أحمد يجمعها كتاب: الجامع لعلوم الإمام أحمد.
إذا أردتَ أن تقف على الروايات والأوجه المتعددة في المسألة في المذهب ترجع إلى: الإنصاف للمرداوي.
وإذا أردتَ أن تقِف على أدلّة المذهب وكيف أجابوا عن أدلة المذاهب الأخرى ترجع إلى: المغني والشرح الكبير.
تكلّمنا عن المذاهب الفقهيّة وتعرضنا لترجمة كل مذهب من هذه المذاهب.
ما حكم التمذهب بمذاهب من هذه المذاهب الفقهيّة الأربعة؟
هذه مسألة مهمة ومطروحة في كتب العلماء وتُثار بين كل فترة وأخرى.
مسألة التمذهب فيها مواضع اتفَق عليها العلماء في جميع جِهاتهم، وهناك مواضع اختلف العلماء رحمهم الله فيها.
بالنسبة لمواضع الاتفاق: فلا خلاف بيْن العلماء أنّ التعصّب لمذهب من هذه المذاهب أمر مذموم، والتعصب المقصود هنا هو: أن يتّخذ الإنسان المذهب معيارًا للوَلاء والبراء.
ومن هذه المواضع: مسألة الانتساب اللفظي للمذْهب، فهذا جائز ولا يكادُ يوجد فيه خلاف أي: الذي لا يترتب عليه تعصّب.
وبعض الناس يتصوّر الانتساب إلى مذهب من هذه المذاهب ترك الكتاب والسنة، وهذا من الخطأ في الفهم بل كل هذه المذاهب فقهٌ للدليل بلا استثناء، والتفقّه عليها تفقه في الدين والشريعة والكتاب والسنة.
محل الاتفاق بين أهل العلم: أنهم يَقبلون وجودَ هذهِ المذاهب ولا يروْن أن وجودها أمر مرْفوض شرعًا، ولم يدعوا أحدا من علماء الدين إلى إلغاء هذه المذاهب.
فمن التعصّب ضد المذاهب أن يدعو الإنسان إلى الإعراض عن كتب المذاهب وأنها كتب لا قيمة لها.
ومن محل الإتفاق بين العلماء: أن المُتمذهب إذا بلغ رتبةَ الاجتهاد وخالف مذهب إمامهُ لرُجحان غيره فقد أحسن، ولا ينكر ذلك عليه، وهذا إذا تأهّل.
والاجتهاد: هو الترجيح بين قول عالم وعالم، لا يصح أن يصدر إلّا ممن يصحّ منه الاجتهاد، وميل النفس ليس هو اجتهاد ولا مرجح شرعي.
والاجتهاد: استفراغ الفقيه وسْعه في درك حكم شرعي.
من المسائل التي هي محل اتفاق: أنه لا خلاف في قبول التمذهب بمعنى التخرج على مدرسة فقهيّة أصوليّة مع العنايَة على الدليل، وطلب الراجح وهو أمر سائغ وصار عليه العلماء.
ومن المسائل: جواز أخذ الُمُتمذهِب بقول إمامه ناسبًا له إلى إمامه، مع قناعته برجحانهِ بعد نظرهِ في أدلّة الأقوال، فلا يأثم بعدمِ الإفصاح عن رأيهِ الشخصي وما تميل نفسه إليه.
فلو سئل الإمام أحمد عن مسألة فقال قال فلان كذا فلا يخلو من حالتين:
الأول: أنه يعتقد صحة قول المجتهد الذي ذكره.
الثانية: أنه يكون يعتقد أن القول الراجح غير ما ذكره هذا المجتهد لكنه يعتقد أن المسألة اجتهادية ليس فيها قاطع في الشريعة وإنما نظر واجتهاد.
محل الخلاف في التمذهب
التمذهب في غيرِ محلّ الاتفاق معناهُ: لزوم الإنسان لمذهب من المذاهب في التقليد، وعدم الانتقال عن هذا المذهب، من غير تعصّب ولا إلزام الناس بذلك.
هذه الطريقة اتجهَ بعض العلماء إلى إيجاب التمذهب بهذا المعنى، وأنّهُ يجب على المقلّد أن يلزم مذهبًا من هذه المذاهب، ولا يجوز لهُ أن يُلفّق.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: متأخروا الأصول من جميع المذاهب مُطبقون كلهم على وجوده، ويستدلون بأنه أضبطُ للإنسان وأمنع من إتباع الرُّخص.
واتجّاهُ آخر لا يرى وجوب التمذْهب، ولا يرى أنه ممنوع، ولكنه يرى أنه مُباح، ويجوزُ له في ذلك أن يسأل عالمًا مُحددا يثق به ويراه فقيها.
وهناك اتجاه ثالث وهو منع التمذهب: أي يقول: هذا الالتزام لا يلزم الإنسان مذهبا واحدا، وممّن شددّ في ذلك الإمام ابن حزم الأندلسي-رحمه الله- قال: فليعلم من أخذ بجميع قول أبي حنيفة، أو بجميع قول مالك، أو بجميع قول الشافعي، أو بجميع قول أحمد، ممن يتمكّن من النّظر أنه قد خالف إجماع الأمة.
وأكثر أهل العلم على جواز لزوم الإنسان مذهبا معينا.
معالم الفقه في العصر الحاضر
في العصر الحاضر ظهرت أشياء ومخترعات، ومن الأشياء التي ظهرت وكان لها أثر كبير في الفقه: الطباعة، وطباعة الكتب الفقهية تتمثّل في نوعين:
النوع الأول: طباعة الكُتب التي صنفها العلماء في القديم، وإعادة نشرها وتحقيقهَا، وكان في السابق الحصول على نسخة من هذه الكتب تحتاج لأشهر.
ومنها: ما هو تحقيق لِكتب المُتقدّمين، ومنها: كتب صنفت في مسائل الإجماع فقط، وطُبع منها عدد كـ كتاب: الإجماع لابن المنذر، وابن حزم كتابه: مراتب الإجماع، وكتاب: الإقناع في مسائل الإجماع، لابن القطان.
ومن الكتب الحنفية المفيدة: التي طُبعت في مذهب الحنفية كتاب "بدائع الصنائع" للكاساني ،وحاشية ابن عابدين.
ومن الكتب الجليلة التي طبعت في مذهب الإمام مالك، شروح خليل ومن أجلّها: مواهب الجليل، للحطاب وغيرها.
وفي مذهب الإمام الشافعي من الكتب النفيسة كتاب: الأم، وتحفة المحتاج، لابن حجر وغيرها.
ومن الكتب التي طبعت في المذهب الحنبلي: كشاف القناع للبهوتي، والشرح الكبير لابن أبي عمر، والشيخ عبد الله التركي ممن له جهود كبيرة في طباعة كتب المذهب الحنبلي وكذلك الشيخ ابن دهيش -رحمه الله-
هناك كتبٌ فقهيّة مطبوعة في الفقه المقارن وهيَ كُتب نافعة يرجُع لها الطالب إن أراد أن يعرف المسائل الخلافية وأدلة الأقوال في ذلك.
من كُتب الفقه المقارن التي طبعت في عصرنا الحاضر كتاب: الأوسط لابن المنذر وهو كتاب جليل، وكتاب: اختلاف العلماء للوزير ابن هُبيرة، وهو يوضّح مواضع الإجماع ومواضع الاختلاف، وكتاب: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد-الحفيد- وكتاب: المغني لابن قدامة وغيرها من الكتب.
النوع الثاني: الكتب المُعاصرة-التي ألّفت في العصر الحاضر- وهي أنواع:
منها: الموسوعات الفقهية وهي: كُتب تستهدف أن تجمع الخلاف العالي لكنه مرتّب على الحروف وأجلها بلا منازع، الموسوعة الفقهية الكويتية وهي عمل عظيم جدا، يجمع لك المسألة الفقهية بالمذاهب الأربعة.
من الموسوعات التي كُتبت في العصر الحاضر: موسوعة أحكام الطّهارة تأليف الشيخ دبيان الدبيان، وهناك كُتب ألّفت تمثّل موسوعات في باب معيّن.
ومن الموسوعات: موسوعة أخرى للشيخ: دبيان المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، وهو كتاب قيم جدا ونفيس وتوقّف الشيخ عند العارية، وهناك موسوعة أخرى تكمّل هذا الجانب وهي موسوعة الشيخ خاد المشيقح وهي: الجامع في الوصايا والأوقاف والهبات.
ومن الكتب التي تتعلق بأبواب محددة كـ النوازل في الزكاة، للشيخ عبد الله الغفيلي.
وكذلك كتاب: مشكلات المفطرات، للدكتور: فؤاد الهاشمي، وكتاب: ابن جاسر منسك ابن جاسر، وهو يركز على المذهب الحنبلي، وكتاب: منسك ابن جماعة الكناني، يتميّز بذكر المذاهب الأربعة في المسائل.
من المعالم التي ظهرت في العصر الحاضر فيما يتعلق في الفقه نشأة المجامع الفقهية نظرًا لكثرةِ المُستجدات والنوازل وأنّ هذه النوازل تتعلق في أبوابِ فقهيّة متعددة، وأيضًا لأنه قد يكون فيها من التعقيد ما لا يكفي أن تصدر فيه فتوى فردية من عالم لوحده.
وهي: هيئات علمية يجتمع فيها جمْع من أهل العلم للنظر في المسائل ثم يصدر فيها قرارًا أو فتوى والغالب أن هذه القرارات تصدر في الأغلبيّة لا الإجماع من جميع الأعضاء.
من أشهرها: منظّمة التعاون الإسلامي، ومنها:رابطة العالم الإسلامي.
ومن أبرز الموسوعات الالكترونية: جامع الفقه الإسلامي.
من معالم الفقه في العصر الحاضر: ظهور المجلات الفقهية، وهي تُعنى بالأبحاث الفقهيّة المُحكّمة، منها: مجلة المجمع الفقهي الدولي، ومنها: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومنها: البحوث الفقهية المعاصرة.
ومن الأشياء التي ظهرت: ظهور المواقع الالكترونية، وهي سهّلت التواصل بين أهل العلم.
ومن الأشياء التي ظهرت في العصر الحاضر: ظهور دعوى التجديد في أصول الفقه، والمقصود بهذا التّجديد الذي يمسّ قواعد الشريعة وهي دعوة مرفوضة تمام الرفض، وهي: هدم للشريعة وهم ليسوا على رُتبة واحدة.
ومن الدعوات التي حصل منها شيء من الإشكال: ما يتعلق بالدعوة إلى جعل علم مقاصد الشريعة هو العلم الحاكم على الاجتهاد والانبساط وأنه يُغني عن علم أصول الفقه.
ومما ظهر: كثرة النوازل في المسائل الفقهية وهي بسبب الثورة الصناعية وظهور التقنية.
ومن معالم العصر الحاضر : نشأة الكليات الشرعية، والأقسام الفقهية.
المدارس والاتجاهات الفقهية
ذكرنا سابقًا أنّ في زمن التابعين مدرستان أساسيّتان، مدرسة أهل الحجاز سواء مكة أو المدينة، ومدرسة أهل العراق، ومدرسة أهل الحجاز الصحابة فيها أوفر، والأسانيد التي كانت عندهم أصح وأدق، فلم يحتاجوا إلى اللجوءِ إلى القياس، لوفر الحديث والصحابة عندهم، خلاف ما كانت عليه المدرسة الكوفية.
مدرسة أهل الحديث: يتميّزون بقوّة عنايتهم بالحديث والآثار، لوفرة الصحابة عندهم، وتأتي العناية بالقياس في الدرجة الثانية.
وأهل الحديث يتميّزون بتقديمِ الحديث على القياس مطلقا، سواء كان الحديث آحادا أم مستفيضا وسواء كانت المسألة مما تعم به البلوى أم لا.
اتجاه أهل الرأي: فكانت لهم عناية في الحديث أقل من أهل الحديث، وعنايتهم بالقياس قوية، ثم تقديم القياس على خبر الواحد في بعض الأحوال مثل: ما تعم به البلوى.
المدرسة الثالثة الظاهرية: ظهروا عقب زمن الأئمة الأربعة، الأئمة الأربعة ومن قبلهم كانوا يقولون بالقياس.
من تلاميذ أصحاب الشافعي داود بن علي الظاهري، وداود ظَهر له القول بإنكار القياس الخفي وقال: لا نقبل إلا القياس الجلي، فظهر القول بإنكار القياس، ثم أتباع الإمام داود ونستطيع أن نعدّ مذهب داود من المذاهب المُندرسة لا الباقية إلى الآن، فلا يوجد اليوم كتابا مصنفا على مذهب الإمام داود، فهو موجود باعتباره منهجا للتفكير أو اتجاها موجود في كتب ابن حزم -ر حمه الله -.
أيضا في مسألة المفهوم، فقد نسب غير واحد من العلماء إلى داود أنه كان يقول بحجيّة المفهوم -مفهوم المُخالفة- بل بعضهم نسب له القول بحجية اللقب، وهو من أضعف المفاهيم، وأما ابن حزمٍ فإنهُ ينكِر المفاهيم جُملةً.
فأهل الظاهر كانوا يأخذون بمنطوق الحديث فقط، وتركوا المفهوم والمعقول، وكذلك رفضوا الاحتجاج بآثار الصحابة فابن حزم كان لا يحتجّ بآثار الصحابة رضي الله عنهم.
وهم إذا لم يجدوا في المسألة نصا منطوقا فإنهم ينتقلون مباشرة إلى الاستصحاب وهو أنّ الأصل في الأشياء الإباحة.
واعتبرَ جمهرة من العلماء أن مذهب الظاهرية غير مُعتبر، وبعضهم يرى أنه لا يعتدّ به في الخلاف، وهذا لا يعني أنهم ليسوا من العلماء فلا شك أنهم من العلماء لكن منهجيّتهم الفقهية غير مقبولة.
المدرسة العقلية: وهي التي تُهْمل الأحاديث خاصة أحاديث الآحاد وتقلّل من مكانتها وثبوتها وبعضهم ربما غلا في هذه القضية وقال بتارخيّة النص، فيقول: الأحاديث هذه إنما هي تراعي حال الصحابة، ولا يمكن أن نطبّقها في هذا القرن.
وهو أمر في غاية الخطورة وفيه هدم للشريعة.
ومن إشكالات هذه المدرسة العقلية العناية بالنظر المصْلحي، وتقديم العقل على النص.
أسباب اختلاف العلماء
لا بد أن نعلم أن بداية الخلاف الفقهي ظهَر في زمن النبوة والنبي-صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم كـ قصة صلاة العصر في بني قريظة، فاختلفوا ولم يعنّف عليه السلام أيا من الطائفتين.
أسباب اختلاف العلماء ترجع إلى أمرين:
أولا: أسباب ترجع إلى ثبوت الدليل، ثانيا: الخلاف في الدّلالة، وفهْم الدليل.
فالسّبب الأول:ما يرجع لثبوت الدليل،وقد يكون لأسباب منها: عدم بلوغ الدليل، فقد لا يبلغ الحديث عالما من العلماء، ومنها: قد يبلغ العالم الحديث لكنه لا يرى ثبوته ويضعفه، ومنها: أن يكون الدليل ليس حجة عند العالم.
السبب الثاني: الخلاف في دلالة الدليل وفهْمه، -فالحديث يكون صحيحًاعند الجميع-ويرجع ذلك إلى ثلاثة أنواع:
الأول: ما يعرض للدليل من عوارض الأدلة من جهة التعميم والتخصيص وكخلاف العلماء في عموم المفهوم، وقد يكون الخلاف في دلالة الألفاظ ، الثاني: الخلاف في دلالات الألفاظ، كالخلاف في حجية المفهوم أصلا، الثالث: قد يكون الخلاف في تحقيق المناط.
موقف الإنسان من هذا الخلاف:
أولا: أن لا يكون خلاف العلماء سببا للتنازع والنفرة، فيعتدي الإنسان على الآخر ويُكفّرهُ ويفسقه وإن حصل هذا فإنه خطأ غيرُ مقبول.
ثانيا: أن يعْذُر المخالف غيره في مسائل الاجتهاد، فالعلماء يفرّقون بين الخلاف في مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف التي فيها نص.
ثالثا: عدم جواز تتبع الرخص، قيل:من تتبّع الرّخص فقد تزندق.
رابعا: مما يتعلّق بمسائل الخلاف أنّ المصيب فيها واحد.
خامسا: أن الخلاف ليس دليلاً وحجّة على الإباحة وإنما الدليل هو الإجماع.
منهجيّة دراسة الفقه
يرِد سؤال عن كيفية ضبط الفقه؟
الأهم أن تدرُس بأفضل طريقة، لا أفضل كتاب، فأول مسألة في ضبط
الفقه:
- أن تكون على قناعة بهِ، فإن لم تدخل به على قناعة فلن تضبط الفقه.
- حفظ متن فقهي هذا أمر أساسي، وما هو المتن؟
هذا ليس أمرا أساسيًا هو أمر تكميلي وتحسيني، لكن حفظه أمر ضروري.
- المُذاكرة مع الأقران وتجعل لك مجلسا مع زميل، ويشترط أن تواظب معه.
- ومما يساعد على ضبط الفقه: الاختبارات، والتطبيق والتمرين.
- ثم بعد ذلك التدريس للتثبيت والزيادة، ويكون بعد الضبط والاتقان.