بسم الله الرحمن الرحيم
مؤلف المتن: الإمام العلامة شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد الحَجّاوي المقدسي الصّالحي الدّمشقي.
ألّـف هذا الإمام كُتبا كثيرة من أعظمها "الإقناع لطالب الانتفاع" وألف "زاد المستقنع"وألف حاشية "التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع"وهيَ حاشية تعقّب فيها المرداوي وناقشهُ وغلب عليه في أغلب المواضع.
توفي سنة: 968 للهجرة -رحمه الله-
وكتابه هذا"زاد المستقنع" هو اختصار لكتاب"المُقنع"الذي ألّفهُ الحافظ الموفق ابن قدامة تـوفيَ عام 620 - رحمه الله-
يُستفاد من مقدّمة الشيخ:أنه مارس الترجيح والتصحيح في الإقناع.
شرح َهذا الكتاب: الشيخ منصور البهوتي في كتابه "الروض المربع" وشرحهُ الشيخ: محمد بن صالح العثيمين، وهو من أنفس وأفضل الشروح، و شرَحه الشيخ صالح الفوزان.
كتــاب الطهارة
باب المِياه
الطّهارة لغة: النّظافة والنزاهة عن الأقذار، واصطلاحا: ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث.
وهذه عادة الحنابلة يُعرّفون الطهارة بما يصيرُ منها وينشأ عنها.
والحدَث: وصف قائم يمنعُ من الصلاة ونحوها، والحدَث كما ذكر في المُنتهى هوَ: نواقض الوضوء ومُوجبات الاغتسال.
وما في معناه أي: أنّ الطهارة تُطلق على رفع الحدث وعلى في معنى ارتفاع الحدث، كالحَاصل في غَسل الميت، والأغسَال المستحبّة، والغَسلة الثانية والثالثة، وغسل القائم يده من نوم ليل، فهيَ أغسال لا تكونُ عن حدث ولا يرتفعُ بها الحدث.
قال: وزوال الخبث أي: النجاسة.
أقسام المياه: 1: طهور، 2: طاهر، 3: نجس.
طهور: أي: مُطهِّر لغيره، لا يرفع الحدث وما في معناه غيرهُ، ولا يزيل النجس الطارئ غيرهُ.
والنجس: ما يَستقذرهُ ذووا الطبع السليم، وقيل:كل عين حرُم تناولها لذَاتها مع إمكانِ التناول لا لأنها مُحرّمة ولا لاستِقذارها ولا لضررهَا في بدن أو عقل.
والطَّهور: الباقي على خلقته التي خُلق عليها وهيَ :الطهورية.
فإن تغيّر الماء الطهور بغيرِ ممازج (أي: بغير مُخالط)كقطع كافور، أو دهن، أو بملح مائي(وهو الذي أصله من الماء،بخلاف الأملاح المعدنية)أو سخّن بنجس كره.
بغير ممازج أي: تغيّر بالمُجاورة، وقيل: المُجاوِر ما يُمكن فصله عن الماء، والمُخالِط ما لا يُمكن فصله عن الماء.
قوله: كقطع كافور، فلو كان الكافور كالدقيق واختلط بالماء فإنّه يسلبه الطهوريّة، لكنه هنا قِطع، والدّهن: على اختلاف أنواعه لا يسلبُ الماء الطهورية لكنه مكروه .
وكل مكروه احتاج إليْه الإنسان فإن الكراهة تزول منه.
وإن تغيّر بمكثه، أو بطاهر يشقّ صون الماء عنه، من نابت فيه أو ورق شجر أو بمجاورة ميتة أو سُخّن بالشمس أو بطاهر فلا يكره.
وإن استُعمل في طهارة مستحبة، (وهو المنفصل عن العضو والمُتقاطر من الأعضاء) كتجديد وضوء، وغسل جمعة، وغَسْلة ثانية وثالثة كُره.
فائدة: يسنّ للإنسان أن يجدّد وضوءه إذا صلى بينهما، ولا يسن إن لم يُصلِّ.
وإن بلغ الماء قلتين وهما خمسمائة رطل عراقي تقريبا، والتقدير عندنا في المذهب بالأرطال العراقية وذلك نسبة للإمام أحمد لأنه منها (والرطل يساوي 90 مثقالا، يُساوي 191 كيلو وربع)
قال: "فخَالطته نجاسة غير بول الآدمي وعذرته المائعة فلم تُغيّره، أو خالطه البول والعذِرة ويشقّ نزحه.."
هذا الماء إذا بلغ قلتين إذا خالطهُ نجاسة غير بول الآدمي أو عذرته فإنه يكون طهورا إذا لم تُغيره، فإن خالطه بول الآدمي وعذرته فإنه ينجس مطلقا بمجرّد الملاقاة حتى وإن لم يتغيّر.
واستثنى حالة: وهي إن كان هذا الماء كثير يشقّ على الرجل الواحد معتدل القوّة نزحهُ فهو طهور.
ولا يرفع الماء حدث رجل طهورٌ يسير -دون القلتين- خلت به امرأة مكلفة(كـ خلوة نكاح)لِطهارة كاملة عن حدث(لا عن خبث وإزالة نجاسة) هذا الماء الموجود بعدها بهذه القيود لا يرفع حدث الرجل.
وضابط الخلوة: أن لا يُشاهدها مميز أو بالغ.
الماء الطاهر: الطاهر في نفسه غير المُطّهر لغيره،وهو الذي: تغيّر كثيرٌ من طعمه أو لونه أو ريحه بطبخ أو ساقط فيه، أو رُفع بقليله حدَيث مكلف أو صغير، أو غُمس فيه كل يد قائم من نوم ليل ناقض للوضوء إن كان مسلما مكلفا، أو كان هذا الماء القليل آخر غسلة زالت النجاسة بها فطاهر، وهذا كله في الماء الطهور القليل.
الماء النجس: ما تغير بنجاسة(في غيرِ محل التّطهير) أو لاقاها وهو يسير(ورَدَت النجاسة على الماء وهو يسير كأن تضع ثوبا نجسا في إناء ماء) أو انفصل عن محل نجاسة قبل زوالها،(وهي الغسلات التي قبل السبع)
فإن أضيف للماء النجس طهور كثير غير تراب ونحوه، وزال التغير فيحكم بطهارة هذا الماء، أو زال تغير النجس الكثير بنفسه فيحكم بطهارته، أو نزح منه فبقي بعد النزح ماء كثير غير متغير فيَطهر.
وإن شكّ أن نجاسة طرأت على الماء الطهور بنا على اليقين ، وإن اشتبه طهور بنجس، حرُم استعمالهما ولم يتحرَّ، ولا يُشترط للتيمم إرَاقتهما ولا خلطهما،(أشار إليه ليدفع كلام الخِرقي) هذا إن لم يُمكن تَطهيرهما كأن يُضاف طهور كثير إلى النجس.
وإن اشتبه طهور بطاهر توضّأ منهما وضوء واحدا، من هذا غرفة ومن هذا غرفة وصلى صلاة واحدة.
وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة يعلم عددها صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة.
باب الآنية
كل إناء طاهر ولو كان ثمينا يُباح اتخاذه واستعماله(الاتخاذ هو:الاقتناء وتَصنيعه، والاستعمال:المباشرة والانتفاع فيه) غير آنية ذهب أو فضة، فيحرمُ استعمالهُما واتخَاذهما ولو لأنثى، وتصحّ الطّهارة منهما(لأن الجِهة منفكّة)
باستثناء ضَبّة يسيرة من فضة لحاجة، والحاجة:أن يتعلّق بها غرض غير الزينة.
وتباح آنية كفار ولو لم تُحل ذبائحهم، وكذا ثيابهم ولو ولِيت عوراتهم إذا لم تُعلم نجاستها.
ولا يطهر جلد ميتة بدباغ، ويباح استعماله بعد الدبغ في يابس إن كان من حيوان طاهر في الحياة.
ولبن الميتة وكل أجزائها نجسة؛ غير شعر ونحوه كالصوف والريش، فلا ينجس بالموت.
وما أُبينَ من حي فهو كميتته، فإذا كانت ميتة الحيوان طاهرة، فمَا أُبينَ منها طاهر، وإن كانت ميتتهُ نجسة فما أبين منها فنجس.
باستثناء الطّريدة، وفأرة المسك وهو: ما يؤخذ من الغزال، والبيضة إن صلب قشرها، وما خرج من أمه فهو طاهر، والصوف.
باب الاستنجاء
وهو: إزالة الخارج من السبيل بالماء، أو إزالة حكمه بحجر أو نحوه.
يستحبّ عند دخول الخلاء قول: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث، والمراد أن يقول هذا قبل أن يَدخل، وإن كان في أماكن ليست لقضاء الحاجة، فيقول الدعاء عند أوّل الشروع في تشمير الثياب، ويقول عند الخروج من الخلاء: غفرانك، الحمد الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
ويُقدِّم رجله اليسرى دخولا، واليمنى خروجا عكس مسجد ونحوه.
ويستحبّ اتكاؤهُ على رجله اليسرى حال جلوسه لقضاء الحاجة بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفعها.
ويستحب بعده في فضاء، حتى لا يراهُ أحد، ويستحب إستِتَارته، وطلبه لبوله مكانا رخوا أي: هشا ليّنا، ونَتره لذكَرهِ ثلاثا أي: يدفعه من الباطن ثلاثا ولا يكون باليد.
ويستحبّ: تحوّله من موضعه ليستنجي في غيره إن خاف تلوّثا.
ويكره: دخوله في شيء فيه ذكر الله تعالى غير مصحف فإنه يحرمُ إلا لحاجة.
ويكرهُ: رفع ثوبه قبل دنوّه من الأرض، وكلامه فيه إلا إن كان كلامه لتحذير غافل عن هلكة.
ويُكره: بوله في شق، ومس فرجه بيمينه مُطلقا في كل حال قُبلا كان أو دبرا، واستنجاء أو استجمار بها من غير حاجة.
ويكره: استقبال النيرين قالوا: لما فيهما من نور الله.
ويحرم: استقبال القبلة واستدبارها في غير بُنيان، ويكفي انحرافهُ عن جهة القبلة ولو يسيرا، ويكفي حائل ولو مؤخرة حائل.
ويكره: استقبال القبلة حال الاستنجاء والاستجمار لا الاستدبار.
ويحرمُ لبثه فوق حاجته أي:زمنا زائدا على القدر المُحتاج إليه، لما فيه من كشف العورة بلا حاجة، ويحرمُ بوله في طريق، وظل نافع، وتحتَ شجرة مثمرة، ولو لم تكن مقصودة للأكل، ويجزئ الاستجمار إن لم يتجاوز الخارج موضع العادة.
شروط الاستنجاء بالماء
كونه بماء طهور، ويُشترط سبع غسلات للقُبل والدبر والإنقاء.
شروط الاستجمار
أن يكون ما يُستجمر به طاهرا، مُنقيا، غير عظم وروث وطعام ومحترم ككتب العلم الشرعي، وأن لا يكون متصلا بحيوان، ويشترط ثلاث مسحات منقية فأكثر إذا لم يحصل الإنقاء بثلاث .
وضابط الإنقاء في الاستجمار:أن يَبقى أثرٌ لا يزيله إلا الماء، ولو استجمر بما نهي عنه فلا يصح.
ويسن قطعه على وتر .
ويستجمر لكل خارج من السبيلين إلّا الريح والطاهر وغير المُلوّث، ولا يصح قبل الاستنجاء والاستجمار وضوء ولا تيمم.
باب السِّواك
السواك: اسم للعودِ الذي يُستاك به، كما يُطلق على الفعل وهو: التسوّك وهو لـ اللسان والأسنان واللثة .
يسنّ بعود لينٍ منق غير مضر لا يتفتّت، لا بأصبعه، ولا بخِرقة، وهو مسنون بكل وقت.
ويكره لصَائم بعد الزوال، وقبل الزوال يسن بيابس، ويباح برطب، ويتأكّد التسوّك عند الصلاة "عند تكبيرة الإحرام" ، وعند: الانتباه من نوم الليل أو النهار، وعند: وضوء وقراءة القرآن، وعند: دخول المنزل، والمسجد وإطالة السكوت، وخلو المعدة من الطعام، ويَستاك عرضًا باليد اليسرى.
ويدّهن غبا، والادهان: للشعر والبدن، ويكتحل وترا بالإثمد المطيب بالمسك، ويكون في كل عينٍ ثلاثا.
وتجبُ: التسمية للوضوء.
ويجب: الختان ما لم يخف على نفسه، وهو واجب للذكر والأنثى، فإن خاف على نفسه فإنه يُباح ولا يجِب،
وفعلهُ زمن الصغر أفضل.
ويكره القزع: وهو أخذ بعض شعر الرأس وترك بعضه.
ومن سنن الوضوء السواك، ومحله عند المضمضة، وغسل الكفين ثلاثا، ويجب لِنوم ليل ناقض لوضوء، و البداءة بالمضمضة والاستنشاق أي: قبل غسل الوجه، والمبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل اللحية الكثيفة -التي تستر البشرة- وتخليل الأصابع، والتيامن وهو: غسل يده اليمنى قبل اليسرى وكذا الأذنين، والغَسلة الثانية والثالثة.
فروض الوضوء
وهو: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
فروض الوضوء ستة وهي: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين،
ومسح الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين مع الكعبين، والترتيب، والموالاة.
والنية شرط لطهارة الحدث، ويُستثنى من ذلك الذميّة وهي: الكِتابية إذا حاضت وانقطع الدم عنها، فإنّها لا بد أن تغتسل ليباح لزوجها وطئها فلا تشترط لها النية، وكذلك الزوجة المُمتنعة والمجنونة والميّت.
صيغ النية
أن ينوي رفع الحدث، أو ينوي الطّهارة لما لا يُباح إلا به، أو ما تسن له الطهارة، أو تجديدا مسنونا، في حال كونه ناسيا حدثه.
شروط الوضوء
يُشترط : الإسلام والعقل والتمييز، وطَهورية الماء، وإباحته، وإزالة ما يمنع وصول الماء للبشرة، وانقطَاع ما يوجبه -فراغ استنجاء أو استجمار- والنيّة.
وإن نوى غسلا مسنونا من عليه جنابة ناسيًا حدثه أجزأ عن الواجب وإن نواهُما حَصلا.
ويجبُ الإتيان بالنية عند أوّل واجبات الطهارة وهي: التسمية، ويجبُ استصحاب حكمها.
صفة الوضوء
أن ينوي، ثم يسمّي (ويشير الأخرس برأسه) ويغسل كفيه ثلاثا ثم يتمضمض ويستنشق باليُمنى ويغسل وجهه ثلاثا وحده(من منابت شعر الرأس غالبا إلى ما انحدر من اللحيين ومن الأذن للأذن عرضا)، -ويسن :غسل الشعر الكثيف، وتخليل الأصابع،- ثم يغسل يديه مع مرفقيه، ويمسح جميع الرأس مع الأذنين مرة واحدة، ثم يغسل رجليه مع المرفقين، ويرفع نظره إلى السماء ويقول ما ورد.
وتُباح معونة المتوضأ، وتنشيف أعضائه، وترك المُعين أفضل.
وعند الحنابلة: ترك التّنشيف أفضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق