ولهُ عدّة أحكام:
يسنّ لذي شهوة لا يخاف على نفسه من الزنا من الرّجال والنساء ولو كان فقيرا عاجزا عن الإنفاق.
ويجبُ على من يخاف على نفسه من الزنا ومن المحظور، عَلِـم ذلك أو ظنّه وهذا الحكم للقادر فقط.
ويباحُ لمن لا شهوة له، ويحرمُ على من كان في دار الحرب بغير ضرورة.
ويستحبُ أن ينكح ذات الدّين الولُود، ويسنُ أن تكون بكرا إلّا أن تكون مَصلحته في نكاح الثيب، وكونها حسيبة-وهي طيبة الأصل-، ويسنُ أن تكون أجنبية وكونها جميلة.
ويستحبُ في المذهب: الاقتصار على واحدة إن حصلَ بها الإعفاف.
ويجبُ غض البصر عن كل ما حرّم الله تعالى.
وللخاطبِ أن ينظر إلى المخطوبة فقط للوجه والرقبة واليد والقدم، وقيل: يسن.
ويشترط للنظر إلى المخطوبة:
أولا: أن يغلب على ظنّه إجابته، ثانيا: أن ينظر إلى ما يظهر غالبا، ثالثا: أن يأمن إثارة الشهوة.
رابعا: أن يكون من غير خلوة، خامسا: أن لا تتزين المرأة خلاف العادة، لما فيه من التغرير.
ويحرمُ النظر بشهوة-لغير الزوج أو الزوجة-، ويحرم اللمس من باب أولى، ولو كان النظر مباحا.
ويحرمُ التلذّذ بصوت الأجنبية ولو بقراءة قرآن خشية الفتنة، ويحرمُ أن يخلو رجل غير محرم مع نساء وعكسه.
وفي رواية عن الإمام أحمد: الخلوة تكون في البيوت لا في الطريق.
ويحرمُ التصريح بخطبة المعتدة البائن، والتصريح اللفظ الذي لا يَحتمل غير النكاح.
والمعتدة البائن: كل امرأة تكون في عدة ولا يستطيع زوجها مُراجعتها في عدّتها.
ولا يحرم التعريض وهو: اللفظ الذي يحتمل النكاح وغيره فإنه يجوز، إلا الرجعيّة فإنه يحرم التعريض والتصريح لها.
ويحرمُ خطبة على خطبة مسلم أجيب-أي أجيب من وليّ المرأة-، ويصحّ العقد لو خطب في حالٍ تحرُم فيه الخطبة-كمعتدة بائن خطبها تصريحا- ثم بعد العدة عقد عليها فيصح العقد.
ويسنّ أن يكون عقد النكاح في مساء يوم الجمعة تحرّيا لإجابة وقت الدعاء.
ركني النكاح: الإيجاب والقبول.
الإيجاب: اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه بلفظ النكاح أو التزويج فقط.
القبول: اللفظ الصادر من الزوج أو من يقومُ مقامه.
يُشترط لصحة الإيجاب والقبول عدة شروط:-
الشرط الأول: أن يكونا مرتّبين فلا يصح إن تقدم الإيجاب على القبول.
الشرط الثاني: لمن يحسن العربية أن تكون بها، ويصح في كل لسان عاجز عن العربية لا بالكتابة.
ولا بالإشارة إلّا من أخرس.
الشرط الثالث: إن كان العاقد ناطقا فلا بدّ من نطقه بهما، الشرط الرابع: الاتصال بين الإيجاب والقبول في المجلس.
الشرط الخامس: أن يكونا منجّزين فلا يصح تعليقهما على شرط مستقبل.
شروط صحة النكاح:
الشرط الأول: تعيين الزوجين ويكون إمّا بالاسم أو الصفة التي لا يشاركها غيرها فيها أو بالإشارة إليها.
الشرط الثاني: رضا زوج مكلف فيُعتبر رضاهُ ولو رقيقا، ويُجبر الأب غير المكلف-الصغير والمجنون-، ورضا الزوجة إن كانت حرّة عاقلة ثيّبا بلغت تسع سنين، وإن لم تبلغ، ويُجبر الأب ثيّبا دون ذلك ويجبر البكر.
الشرط الثالث: الولي ويشترط كونه ذكرا عاقلا بالغا حرا، واتفاق الدِّين بينه وبيْن موليّته عدلا ولو ظاهرا راشدا.
والرشد: يكون بأن يَعرف الكُفء لهذه البنت ومصالح النكاح.
والأحق بتزويج الحرّة أبوها وإن علا، ثم ابنها، فالأخ الشقيق، فالأخ لأب ثم الأقرب فالأقرب كإرث ثم السلطان أو نائبه، فإن تعذّر وكّلت من يزوجها.
الشرط الرابع: الشهادة، احتياطا للنسب، وخوف الإنكار ويشترط أن يكونا اثنين سميعين بصيرين مسلمين، ويشترط أن يكونا غير الأصول والفروع.
الشرط الخامس: خلو الزوجين من الموانع وسيأتي.
والكفاءة في الزوج هي ليست شرطا لصحة النكاح، ولا يشترط أن تكافئ المرأة الزوج، أي: أن تكون أدنى منه.
والكفاءة إن لم تُوجد فللزوجة أن تفسخ نكاحها ولو كان مُتراخيا ما لم ترضَ، فيسقط خيارها بقول أو فعل-فعل كأن تُمكّنه من نفسها وهيَ تعلم- وكذا لأوليائها أن يفسخوا.
والكفاءةُ تُعتبر بالديانة، فلا يكون الكافر والفاجر كفئا للعفيفة.
ويُشترط أن يكون الزوج مكافئا للزوجة في النسب، والعرب كلهم يكافئ بعضهم بعضا.
المحرّمات في النكاح
منها المحرمات على الأبد: كالمحرمات بالنسب وهن: 1- الأم وكل جدة، 2- البنت لصلب وبنت الولد،
3- الأخوات من كل جِهة، 4- بنات الأخت وبنات الأخ، 5- العمة من كل جهة، 6- الخالة من كل جهة.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
والمحرمات بالمصاهرة بمجرد العقد: 1- زوجة الأب وإن علا ولو كان من الرضاع، 2- زوجة الابن وإن سفل ولو كان من الرضاع، 3- أم زوجته ولو كانت من الرضاع، فإن وطئها حرمت عليه بنتها-الربائب-، ولا تحرمُ أم ولا بنت زوجة أبيه ولا أم زوجة ابنه ولا بنت زوجة ابنه.
من المحرمات إلى أمد: الجمع بين الأختين، وبيْن المرأة وعمّتها أو خالتها.
وليس لحرٍ جمع أكثر من أربع، ولا لعبد جمع أكثر من اثنتين، وإن طلّق واحدة منهن حرم نكاحهُ حتى تنقضي عدة هذه الرابعة، وإن ماتت فلا.
وتحرم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب-وتوبتها أن يراودها عدل ثقة فتمتنع-، وفي قبول توبتها كتوبة غيرها، وتنقضي عدتها.
وإن زنت امرأة أو رجل قبل الدخول أو بعده لا ينفسخ عقد النكاح.
وإن زنا إنسان بأم زوجته ينفسخ النكاح، وإن زنى بابنة زوجته ينفسخ كذلك، وإن زنى بأخت أو عمة أو خالة زوجته فإنه لا يطأ زوجته حتى تنقضي عدة أختها أو عمتها أو خالتها.
وتحرم مطلقة ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره، ويُشترط أن يكون نكاحا صحيحا وأن يدخل بها ولا تكفي الخلوة وأن تنقضي عدتها من الزوج الثاني.
والمحرِمَة تحرم حتى تحلّ من إحرامها، ويحرم على المسلم أن يتزوج كافرة، وعلى المسلمة أن تتزوج من كافر، وتباح الكتابيّة-التي أبواها مسلمان- للمسلم.
ولا يحل للحرّ أن ينكح أمة مسلمة ولا مُبعضة إلّا مع عدمِ الطوْل للحرة وأن يخشى العنت، ولا يكون ولدها حُرًا إلّا باشتراط الزوج على سيّدها وإلا فإنهم ملكا للسيد.
باب الشروط في النكاح
وهو: ما يشترطهُ أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غرض صحيح.
محلّ الشروط صلب العقد، وكذلك إذا اتّفقا عليه قبل العقد.
منها: صحيح لازم، ويترتّب عليها أنهُ لازمٌ للزوج ليس له فكّه، والمراد باللزوم ثبوت الخيار لها بعدمه، لا أنّه يأثم بتركه.
وهي: كزيادة مهر أو نقد معيّن، أو أن لا يفرّقَ بينَها وبيْن أهلها ونحو ذلك.
ومتى لم يوفِ بما شُرِط عليه فلها الخيار على التّراخي، ولا يسقط ملك الفسخ لها إلّا بما يدل على رضاها من قول أو فعل مع العلم.
ومن الشروط ما هو فاسد وهو نوعان: منه ما يبطلُ عقد النكاح من أصله مثل:
أولا: نكاح الشغار وهو: أن يزوّجه موليّته بشرط أن يزوجه الآخر موليته.
ثانيا: النكاح المحلّل، وهو: أن يتزوجها بشرط أنه إذا وطئها طلّقها، أو ينوى ذلك بقلبه، أو يتّفقا قبل العقد أنّه نِكاح محلل.
ثالثا: نكاح المتعة، وهو أن يتزوّجها لمدة معلومة أو مجهولة، أو بشرط طلاقها في العقد بوقت كذا أو ينويه بقلبه.
رابعا: تعليق النكاح أن يعلّق النكاح على شرط مستقبل غير المشيئة.
من الشروط الفاسدة وهي فاسدة بنفسها ولا تعود على العقد بالإبطال، كأن يشرط أن لا مهر لها، والمذهب: يصح العقد.
أو شرط أن لا نفقة كزواج المسيار الآن، فيصح النكاح دون الشرط.
ومن العيوب لا يملك الزوج الفسخ فيها إلّا إن شرط نفيها، ومن العيوب ما يملك الزوج الفسخ وإن لم يشترط نفيها.
وإن شرَطها مسلمة فبانت كتابيّة، أو شرطها بكرًا أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفيَ عيب فبانت بخلافه فله الخيار، وإن لم يشترط فليس له الفسخ.
باب حكم العيوب في النكاح
العيوب التي يملك الزوج الفسخ بها ولو لم يشترط نفيها:
منها ما يختص بالرجل مثل: كونه قد قُطع ذكره أو خصيتاه، أو أشل فلها الفسخ في الحال، كذلك إن كان عنّينا بإقراره، أو بينة تدل عليه.
ومنها ما يختص بالأنثى: كـ كون فرجها مسدودا، أو به بخر أو قروح سيالة أو كونها فتقاء، أو مستحاضة يأتيها الدم دائما.
ومن العيوب ما هو مشترك بين الرجل والمرأة كـ الجنون، والبرص، ونتن الفم، والباسور، والناصور، وسلس البول، واستطلاق الغائط، وقرَع رأسٍ، وله ريح منكرة، وكون أحدهما خنثى غير مشكل، فيفسخ بكل عيب تقدّم.
ولا يثبتُ الخيار بعيبٍ زالَ بعدَ العقد، ولا لِعالم به وقت العقد.
والفسخ بعد العقد يكون على التراخي، ولا يسقط في العنّة إلّا بقولها رضيت، أو اعترافها بالوطء في قُبلها، وفي غير العنة يسقط خيارها بالقول والفعل وبما يدل على الرضا من وطء أو تمكين من الزوجة مع العلم.
وإن حصلت الفُرقة من غير فسخ كموت أحدهما أو طلاق فلا رجوع ولها الصدَاق كاملا.
وليس لوليّ صغير ونحوه تزويجه بمعيب فإن فعل فلا يصح إن علم وإلّا صح ويلزمه الفسخ.
باب نكاح الكفار
يُقرّون على أنكحة محرّمة وإن خالفت أنكحت المسلمين، ما داموا يعتقدون حلّها ولم يرتفعوا إلينا.
وإن أسلمَ الزوجان معا، أو أسلم زوج الكتابيّة فهما على نكاحهما.
وإن أسلمتْ الكتابية تحتَ زوجها الكافر، أو أسلم أحد الزوجيْن غير الكتابييْن وكان قبل الدخول انفسخ النكاح ولا يكون هذا طلاقا.
ولها نصف المهر إن أسلم هو فقط، أو سبقها هذا ان كان قبل الدخول.
ولو كان بعد الدخول وقف الأمر إلى انقضاء العدّة فإن أسلم المتخلّف فعلى نكاحهما، وإلّا تبيّن فسخه منذ أسلم الأول، ويجبُ المهر لها في كل حال.
وإذا أسلمَ الكافر وتحته أكثر من أربعة وكلهنّ كتابيات اختار منهن أربعا، ويحصل الاختيار بالوطء وتتعيّن أول أربع نساء وطئهن.
كتاب الصداق
وهو: العوض المُسمى في عقد نكاح وبعده.
تسنّ تسميته في العقد، ويكره ترك التسمية، ويسن تخفيفه، ويصح بأقل متموّل.
فإن لم يسمِّ أو سمّى فاسدا صح العقد ووجبَ مهر المثل.
وإن أصدَقها تعلم شيء من القرآن لم يصح، وإن أصدق منكوحته تعليم متعيّن كفقه أو حديث أو شعر مباح أو يعلّمها صنعة فيجوز أن يكون صداقا.
ويشترط علم الصّداق، فإن أصدقها دارًا وسيارة ولم يعيّن، أو ثوبا مطلقا، أو ردّ عبدها أيّ كان، أو ما تثمر شجرته فلا يصح.
ولا يصحّ أن يجعل مهر زوجته طلاق الأولى، ويشترط أن يكون الصداق مباحا.
وللأب تزويجُ بنته مطلقا بكرا أو ثيبًا بدون صداق مثلِها وإن كرهت، ولا يلزم أحد تتمته.
وإن فعل ذلك غيره بإذنها مع رُشدها صح وبدون إذنها صح ويلزم الزوج تتمته.
وليس للأب قبض صداق ابنته الرشيدة ولو بكرا إلّا بإذنها، فإن أقبضه الزوج بغير إذنها لم يبرأ، وإن كانت غير رشيدة سلّمه إلى وليّها في مالها.
وتملكُ الزوجة بالعقد جميع المُسمّى ولها نماؤهُ المتصل والمنفصل، ولها التصرف فيه، وضمانه عليها إن لم يمنعها قبضه.
وإن أقبضها الصداق ثم طلّقها قبل الدخول رجعَ عليها بنصف عيْن المهر إن كان باقيًا، وإن كان تالفًا رجع في المثل بمثله والمتقوّم بقيمته.
والذي بيده عقد النكاح-الزوج-فإذا طلّق قبل الدخول والخلوة فأيّ الزوجين عفى عن صاحبه ما وجب له برئ منه صاحبه، وإن وهبتهُ صداقها قبل الفرقة ثم حصل ما ينصّفهُ رجع عليها ببدل نصفه.
ويُسقط المهر كله قبل الدخول حتى المتعة:
أولا: بِفرقة اللعان قبل الدخول، ثانيا: بفسخ الزوج لعيْبها قبل الدخول، ثالثا: بفرقة جاءت من قِبلها كفسْخها لعيبه وإسلامها تحت كافر.
ويتنصّف المهر:
أولا: بفُرقة من قِبَل الزوج كطلاقه قبل الدخول وخلعه وإسلامه وردته، ثانيا: يتنصف بملك أحدهما الآخر قبل الدخول، أو إن جاءت الفرقة من قِبل أجنبي كرضاع-كأن تكون أخته أرضعت امرأته-.
ويقرّر المهرَ كاملًا:
أولا: موت أحدهما ولو قبل الدخول، ثانيا: وطؤها بشرط: أن تكون حيّة، وأن يكون في الفرج، وأن يكون الزوج ممن يطأ مثله، وأن تكون الزوجة ممن يوطأ مثلها.
ثالثا: ويتقرر المهر كاملا لمسه لها بشهوة، رابعا: نظره لفرجها بشهوة ولو بلا خلوة.
خامسا: تقبيلُها ولو بحضرة الناس، سلدسا: إن طلقها في مرض الموت فيتقرر جميع المهر.
سابعا: يتقرّر بخلوته بها عن مميز.
وإذا اختلافا في قدرِ الصداق، أو جنسه أو فيما يستقر به فقول الزوج بيمينه، وإن اختلافا في القبض أو في تسميته فيقدّم قولها أو وارثها.
وهدية الزوج ليْست من المهر فما قبل العقد-إن وعدوه ولم يزوّجوه- رجع بها لا إن ترك هو.
وتردّ الهدية في كل فرقة اختيارية مسقطة للمهر.
ومن زُوّجت بلا مهر، أو بمهر فاسد فالعقد صحيح وفُرِضَ لها مهر مثلها عند الحاكم، وإن تراضيا فيما بيْنهما ولو على قليل فإنّه يصح ويكونُ لازما.
فإن حصلت لهمَا فرقة منصّفة للَصداقِ قبل فرضه وقبل تراضيهما وجبت لها المُتعة.
والمتعة: ما يجب لحرة على زوجها بطلاق قبل دخول لمن لم يُسمَ لها مهر وهي مقدّرة بحال الزوج.
ولا مهر في النكاح الفاسد-وهو المختلف فيه-، والنكاح الباطل-وهو المتفق عليه- إلّا بالوطء في القُبل.
باب الوليمة
وهي طعام العرس لاجتماع الرجل والمرأة.
وهيَ سنة ليست واجبة، وتسن بعد العقد ولو بشيء قليل.
والإجابة إليها في المرّة الأولى واجبة، بشرطِ أن لا يكون هناك عذر ولا مُنكر.
والإجابة في المرة الثانية سنة، وتُكره إجابة دعوة الذميِّ، ومن باب أولى الرافضي.
وقيل: تجوز بلا كراهة إجابة دعوة الذمّي.
ويُشترط أن يكون كسبهُ طيّبا، فإن كان في ماله حرام كُرهت إجابته وكذلك معاملته، ويشترط أن يعيّنه الداعي للوليمة، ولا يجب على المرأة إجابة الوليمة.
ويستحبّ لصائم واجبٍ حضورها، ويحرم الأكل بلا إذنٍ صريح، أو قرينةٍ تدلّ عليه كتقديم الطعام ووضعه ولم يُلحظ انتظار من يأتي.
ويستحبّ غسل اليدين قبلَ الطعام وبعده، ويسن التّسمية جهرا على الطعام والشراب، وأن يأكل بيمينه وممّا يليه، وأن يغض طرفه عن جليسهِ.
ويسنّ إعلان النكاح والضرب فيه ولا يكون معه حلق ولا صنوج، ويكره الدف للرجال، والمذهب: لا يكره بل يسن.
باب عشرة النساء
والعشرة أصلها الاجتماع وهي: ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام، وأن يكفّ كل واحد الأذى عن الآخر، وأن لا يماطله حقّه مع قدرته عليه، ويكون هذا البذل ببشر وطلاقة وجه، ولا يتبعه أذى ولا منّة.
وحقّ الزوج عليها أعظم من حقها عليه، ويُستحبّ أن يكون الزوج غيورا من غيرِ إفراط.
وإن تمّ العقد وجبَ على المرأة أن تسلّم نفسها لبيت زوْجها إن طلب ذلك إن كانت حرة يُمكن الاستمتاع بها كبنت تسع إن لم يتقدّم هذا اشتراط المرأةِ أن تعيشَ مع والديها أو أولادها في بيْتها، ولا يجب عليها التسليم إن طلبها وهي حائض أو مريضة أو محرِمة أو صغيرة.
وللزوج أن يُسافر بزوجته بلا إذنها، إلّا إن كان السفر مخُوفا أو كانت اشترطت بلدها، فالمسلمون على شروطهم.
ولا يجب على الزوجة أن تَخدم زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه، ولكنّ الأوْلى فعل ما جرت به العادة.
وذهب شيخ الإسلام: أنّ هذا واجب إن كان العُرف كذلك.
ويحرم عليها الخروج من غير إذنه ولو لموت أبيها، ولها أن تخرج لقضاء حوائجها حيث لم يقُم بها.
ولا يمْلك أن يَمنعها من كلام والديْها، ولا منع أبويْها من زيارتها ما لم يخف منهما الضّرر.
ويلزمه أن يبيتَ عند الحرة بطلبها ليلة من كل أربع، ويلزمه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرّة إن قدر ولم يكن له عذر فإن أبى فرّق الحاكم بينهما إن طلبت.
وإن سافر فوق نصف سنة في غير أمر واجب كالحج والغزو الواجب أو طلبِ رزق يحتاج إليه وطلبت قدومه لزمه.
ويجبُ على الزوج التسوية بين زوجاته في المبيت، ويحرم أن يدخل على امرأته الثانية في وقت الأولى إلّا لحاجة، ولا يجبُ عليه أن يسوّي بينهما في الوطء ودواعيه ولا التسوية في النفقة والكسوة.
ومن تزوّج بكرا أقام عندها سبعا ثم قسم، وثيّبا ثلاثة ثم قسم.
وللزوج أن يؤدّب زوجته على ترك الفرائض، وإن عصتْه فيما يجب عليها طاعتهُ فيه، وعظَها فإن أصرّت هجرها في المضجع ما شاء وفي الكلام ثلاثة أيام، فإن أصرّت ضربَها ضرْبا غير شديد ويجتبُ الوجهَ والمواضع المخوفة والمُستحسنة، ويحرم أن يزيد على عشرة أسواط.
كتاب الخلع
وهو فراق امرأته بعوضٍ يأخذهُ الزوج بألفاظ مخصوصة.
يُباح في حال سوء العشرةِ بيْن الزوجين، وإن كانت الزوجة مبْغِضة لخُلْق زوجها وخلُقه، ويسن إجابتها.
وإن كانت الحال مستقيمة يكره الخلع، ويحرم إن ضارّها ظلما لكي تفتدي نفسها.
شروطه:
الشرط الأول: أن يقع من زوج يصحّ طلاقه، الشرط الثاني: أن يكونَ على عوض ولو مجهولًا ممّن يصح تبرّعه ولو كان أجنبيا.
الشرط الثالث: أن يقع منجّزا، الشرط الرابع: أن يقع الخلع على جميع الزوجة، الشرط الخامس: أن لا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق.
الشرط السادس: أن لا يقع بلفظ الطلاق بل بصيغته الموضوعة له وهي:خلعت، فسخت، وفاديتك ولا يحتاج لنية، وكنايته يحتاج لنية.
كتاب الطلاق
وهو حل قيد النكاح أو بعضه.
يباحُ لسُوء العشرة بين الزوجيْن، ويسنّ إن تركت الصلاة ونحوها، ويكره من غير حاجة، ويحرم في الحيض ونحوه، ويجب على المولي بعد التربّص.
ويقع طلاق المميّز إن عقل الطلاق، وطلاق السّكران بمائع، ولا يصحّ طلاق المُكرَه إن كان المكرَه ظالما قادرا عليه بعقوبة تُؤلمه أو هدده فيُعتبر إكراها.
ويشترط لصحته: أن يكون الزوج عاقلا ولو مميّزا إلّا السكران الآثم، وأن يكون مختارا، وأن يتلفّظ به.
ومن صح طلاقه صح أن يُوكل ويتوكّل فيه، ولا يطلّق زمن البدعة، ويملك طلقة واحدة ما لم يجعل له أكثر-أي الوكيل-.
السنة لمن أراد طلاق زوجته أن يُطلقها واحدة، وأن يكون في طُهر لم يُجامعها فيه، وأن يدعها حتى تنقضيَ عدّتُها.
فإن طلقها ثلاثا ولو بكلمات فحرام وتقع، ولو في حيض أو طهر وطئها فيه، فيقع وهو حرام بدعي.
ولا سنة ولا بدعة فيمن لم يدخل فيها، ولا في صغيرة أو آيسة من الحيض أو حاملٍ بانَ حملها، ويباح الطلاق والخلع إن طلبت هي.
صريح الطلاق وكنايته
لا يحتاج صريحهُ إلى نيّة وهو: لفظ الطلاق وما تصرّف منه، غي رأمر كـ اطلقي، أو اسم فاعل كـ مطلّقة، ولو كان هازلا أو لاعبا.
ومن قال: حلفتُ بالطلاق وأراد الكذب-لم يحلف أصلا- ثم إن فعل ما حلف عليه وقع الطلاق حكما، فإن شكَتهُ امرأته للحاكم وقع وإلا لم يقع ولم تطلق.
وإذا قال: عليّ الطلاق أو يلزمني فصريح-لا يحتاج إلى نية- وتكون واحدة؛ إلّا إذا نوى ثلاثة أو اثنتين فعلى ما نوى منجزا أو معلقا أو محلوفا به.
والمرادُ بالحلف بالطلاق تعليق الطلاق على فعل يقصد المنع منه أو الحث عليه، أو التصديق أو التكذيب.
وإن قال: عليّ الحرام فإن نوى امرأته فهو ظهار، وإن لم ينوي امرأته فإنه يكون لغوا.
ومن طلق زوجته ثم قال لضرّتها أنتِ شريكتها أو أنت مثلها وقع عليهما.
ومن قال عليّ الطلاق، أو امرأتي الطلاق ومعه أكثر من امرأة فإن نوى جميعهن فيقع عليهن، وإن نوى واحدة مبْهمة أخرجت بقرعة، وإن لم ينوى يقع عليهن ما لم تكن قرينة تدل على تخصيص إحداهن.
ولا بد أن يتلفّظ بالطلاق، فلا يقع لو طلّق بقلبه.
ومن كتب صريح طلاق زوجته وقعَ إن كتبهُ في شيء تبين منه كتابة.
ويقع بإشارة الأخرس فقط إن كانت مفهومة لكل الناس.
وكنايته لا بد فيها من نية الطلاق وهي قسمان:
القسم الاول: ظاهرة، وهي ما وضع للبينونة أي: تقع ثلاثا، والطلاق فيها أظهر.
القسم الثاني: خفية، ما وضع للطلقة الواحدة ما لم ينوي أكثر.
الظاهرة كأن يقول لزوجته: أنتِ خلية وبرية وبائن، وحللت للأزواج، وتزوجي من شئت، وأنت حرّة، ولا سبيل لي عليك، أو لا سلطان، أو أعتقتك، غطي شعرك، وتقنّعي وأمرك بيدك، فهذه يقع فيها ثلاث طلقات.
الخفية كأن يقول لزوجته: اخرجي واذهبي، وخليتك وأنتِ لي بمخلاة وأنت واحدة، واعتدّي، واعْتزلي ولا حاجة لي فيك وأغناك الله، وأنّ الله قد أراحك مني .
وفي حالات لا تشترط النية لوجود القرائن كحال الخصومة أو الغضب، أو إذا سألته طلاقها.
ويملك الحر والمبعّض: ثلاث طلقات، والعبد: طلقتين.
ويقع الطلاق بائنا إذا:
1- كـان على عوض، 2- إذا كان النكاحُ فاسدا، 3- إن كان قبل الدخول وقبل الخلوة، 4- إذا طلقها ثلاثا.
المراد بالطلاق البائن: أي: لا يملك الزوج أن يُراجعها في عدّتها.
وإذا قال: أنت طالق كل الطلاق، أو جميعه أو عدد الحصاة وما يتعدّد تطلق ثلاثا.
وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أعظمه أو أغلظه أو أطوله أو ملء الدنيا فهذه تكون طلقة واحدة ما لم ينوي أكثر.
وإن قال: أنت طالق لا بل أنت طالق تطلق واحدة ، والأصل أنّ الطلاق إذا وقع لا يرتفع.
وإن قال: أنت طالق طالق طالق فواحدة ما لم ينوي الثانية ثانية والثالثة ثالثة.
وإن قال: أنت طالق فطالق، أو أنت طالق ثم طالق فتطلق اثنتان لأنّ حروف العطف تقتضي المغايرة.
وإن قال: أنت طالق وطالق وطالق وطالق فثلاث معا.
الاستثناء في الطلاق:
يصحّ الاستثناء من النصف فأقل من طلقات ومُطلّقات.
وشرِط في الاستثناء اتصال معتاد لفظا-كما لو أتى به متواليا-، أو حكما-كانقطاعه بعطاس- فيصح الاستثناء.
وشرط نية الاستثناء قبل تمام المُستثنى منه، وأن يكون المستثنى والمستثنى منه من شخص واحد.
وإذا قال: أنت طالق في كلّ يوم فتطلق في كل يوم واحدة، وأنت طالق إذا مضى شهر فتطلق بمضي ثلاثين يوما.
وإن قال: أنتِ طالق إذا مضى الشهر فتطلق بانسلاخه.
وإن علق طلاقها على أن توجِد شيئا مستحيلا كـإن صعدّت السماء فأنت طالق فلا تطلق.
وإن علّقه على عدم وجود المستحيل كـ إن لم تصعدي السماء فأنت طالق فتطلق في الحال.
وإن علّقه على فعل غير المستحيل لم تطلق إلّا بيأس ما علّق عليه ما لم يكن هناك بينة تدلّ على الفور أو قرينة تدل على الفور أو يقيد في زمن فيُعمل بذلك.
ويصح التعليق مع تقدّم الشرط وتأخّره، كإن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، أو أنت طالق إن ذهبت إلى السوق.
ويشترط لصحة التعليق:
أولا: أن ينويه قبل فراغ التلفّظ بالطلاق، ثانيا: أن يكون متصلا كالاستثناء، ثالثا: أن يكون المعلّق للطلاق زوج لا وكيل، رابعا: أن ينطقَ بالتّعليق.
وإن علّق الطلاق على فعل شيء هو أو هي ففعله مجنونا أو مُكرها لم يقع الطلاق، وإن فعله أو فعلته هي ناسيا أو جاهلا وقع الطلاق.
ولا يقع الطلاق في الشك فيه، أو فيما علّق عليه.
باب الرجعة
وهي: إعادة زوجته المطلقة-غير بائن- لِما كانت عليه بغيرِ عقد.
من شروطها:
أولا: أن يكون الطلاق غير بائن، ثانيا: أن تكون في العدّة، فإذا انتهت العدّة فليس له أن يُراجعها.
وألفاظها: راجعتُها، ردّتها، وتحصل الرجعة بالوطء.
والمذهب: يستحب له أن يشهد.
ومتى ما اغتسلت من حيضتها الثالثة ولم يردّها بانت ولم تعد لهُ إلّا بعقد جديد وتعود بما بقي لها من طلقات.
وإن طلق الحر ثلاثا أو العبد اثنتان لم تحلّ له حتى تنكح زوجا آخر نِكاحا صحيحا، ويطأها في قُبُلها مع انتشاره ولو مجنونا أو نائما ولو لم يبلغ عشرا أو لم ينزل.
ويُشترط أن لا تكون حائضا أو نفساء أو محرِمة أو في صوم فرض.
فلو طلّقها الثاني وادّعت أنه وطئها وكذّبها فالقول قوله: في تنصيف المهر، والقول قولها: في إباحتها للزوج الأول.
باب الإيلاء
وهو: حلف زوْج يُمكنه الجِماع بالله تعالى أو صفة من صفاتهِ على ترك وطء زوجته المُمْكن جِماعها ولو قبل الدخول في قُبل أبدا أو أكثر من أربعة أشهر.
وهو حرام كالظهار، لأنّه يمين على ترك واجب.
يصح من كل زوج يصحّ طلاقه وهو العاقل المميز؛ سِوى عاجز عن الوطء إمّا لمرض لا يُرجى برؤه، أو لجب كامل أو شلل ذكره.
فإذا حلفَ الزّوج بالله تعالى أو صفةٍ من صفاته أنه لا يطأ زوجته صح، فلا يصح بالنذر أو بالطلاق أو إن حلف بغير الله.
ويُشترط أن تكون الزوجة يُمكن جِماعها، وأن يكون الحلف على ترك الوطء في القُبل، وأن يحلف على ترك وطء زوجته في القبل أبدا أو يحدّد مدّة تزيد على الأربع أشهر.
ويؤجّل الحاكم لهذا المُولي إن سألت زوجته ذلك أربعة أشهر، ولا يطالَب فيهن بالوطء، وتبدأ المدّة من حينِ يمينه لا من حين سؤال الزوجة ثمّ بعد مضيّ الأربع أشهر يخيّر بيْن أن يكفّر ويطأ زوجته إن كان قادرا-وإن لم يقدر فعليه أن يفيء بلسانه-، فإن امتنع من ذلك يُطلّق فإن امتنعَ طلق عليه الحاكم.
كتاب الظهار
وهو: أن يشبّه امرأتهُ أو عضوا متّصلا منها بمن يحرُم عليه من رجل أو امرأة.
ومن ألفاظ الظهار ما يكون الزوج مظاهرا ولو نوى غيره كمن قال لزوجته: أنت أو يدك عليّ كظهر أو يد أمي، أو أنتِ عليّ كفلانة الأجنبية، أو أنتِ عليّ حرام، أو قال: الحلّ علي حرام صار مظاهرا.
وإذا قال: أنت علي حرام-أو غيرها من الألفاظ- إن شاء الله فليس بظهار.
من الألفاظ ما يكون الزوج بها مظاهرا مع نية الظهار والإطلاق، ومع نية غيره يُقبل حكما.
وإن قال: أنت عليّ كأمي، أو مثل أمي فهِي ظهار، وإن ادّعى غيره كالمنزِلة والمحبة قُبِل منه حكما.
ومن الألفاظ ما لا يكون الزوج مظاهرا إلا مع نيّة الظهار، أو قرينته وإلا فلغوٌ كقوله: أنت كأمي أو عليّ الظهار، أو يلزمني فليس بظهار إلّا مع نية أو قرينة.
ومن الألفاظ ما يكون الحكم عليها متعلقا بالنية، وإن لم ينوي شيئا فظهار، وإن نوى غيره فعلى ما نواه، كأن يقول لزوجته: أنت عليّ كالميتة أو الدم أو الخنزير فيقع ما نواه من طلاق أو ظِهار أو يمين فإن لم ينوي شيئا فإنه يكون ظهارا.
ويصح الظهار من كل من يصح طلاقه منجزا أو معلقا ومحلوفا به، وقيل: لا يصحّ من الصبي ولو مميزا ظهار ولا إيلاء، والعلة: لأنّها يمين مكفّرة فلم تنعقد بحقّه كاليمين العادية.
فإن نجّزه لأجنبية، أو علقه بتزوّجها، أو قال لها: أنت عليّ حرام ونوى أبدا صح ظهارا.
وتعليق الطلاق بالزواج من أجنبية والايلاء والظهار منها لا حكم لها إلا الظهار، فإن ظاهر من أجنبية أو علق الظهار منها بتزوجها فلا يطأ حتى يكفّر.
ويصح الظهار مؤقتا فإن وطء في المدة فمظاهر وإلا فلا.
ويحرم على المظاهِر والمرأة المُظاهر منها في المدة الوطء ودواعيه قبل التكفير، فلا يجوز في الظهار أن يحنث حتى يكفر، والكفارة هنا شرطٌ لحل الوطء.
ولو وطء قَبل الكفارة، ثبتت الكفار في ذمّته ولو مجنونا، بأن ظاهر ثم جنّ ووطء، وإن مات أحدهما قبل الوطء فلا كفارة.
وهي على الترتيب: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
كتاب اللعان
وهو: شهاداتٌ مؤكّدات بأيْمان من الجانبين مقرونة بلعن أو غضب.
إذا رمى الزّوج زوجتهُ بالزنا فعليه حد القذف أو التعزير-القذف إن كانت محصنة،والتعزير إن لم تكن محصنة- فحتّى يسقط عنه حد القذف لا بد له أن يُلاعن فإن أبى فإنه يُجلد.
والمحصنة التي توفّرت فيها خمسة أشياء كونها: مسلمة، حرة، عاقلة، عفيفة عن الزنا، يوطئ مثلها.
ويسقط عنهُ الحد إن أتى ببيّنة أربعة شهود رجال.
والملاعنة: أن يقول أربع مرات: أشهد بالله أنّي منَ الصادقين بما رميتها به من الزنا، ويُشير إليها بيده، وإن كانت غائبة يُسميها، وفي الخامسة يقول: أنّ لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم تقول الزوجة أربعا: أشهد بالله أنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم تزيدُ في الخامسة أنّ غضب الله علي إن كان من الصادقين.
وسُن تلاعنَهما قيامًا وأن يكون بحضرة جماعة، ويسن أن لا ينقصوا عن أربعة، وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة ويقول له: اتق الله فإنّها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
شروطه:
الشرط الأول: كونه بين زوجين، ولو كان قبل الدخول وكوْنهما مكلفين.
الشرط الثاني: أن يتقدّمه قذفه بالزنا لفظا.
الشرط الثالث: أن تُكذبه ويستمرّ تكذيبها إلى انقضاء اللعان.
وإن نكل الزوج عن اللعان يحدّ حد القذف، وإن نكلت هي لم تُحد وحُبست حتى تُقرّ أربعا أو تلاعن.
ويثبتُ بتلاَعنهما: الفُرقة بيْنهما ولو لم يحكم الحاكم ولو لم يطلّقها، ويثبتُ بتمام التلاعن التّحريم المؤبّد.
فصل فيما يُلحق به النسب:
ويثبتُ انتفاء الولد عن الملاعن، ويُعتبر أن ينفيه صريحًا وأن يكون موجودا، وأن لا يتقدّم اللعان إقراره بالولد، وأن يكون نفيه على الفور فإن أخّرهُ لغير عذرٍ لم يُقبل منه ويلحقه بالنسب.
وإذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة منذُ أمكن اجتماعهُ بها لو مع غيبة فوق أربع سنين حتى لو كان ابن عشر لحقه نسبه.
شروط لحوق الولد بالوطء
الشرط الأول: أن تلده بعد نصف سنة إن كانت فراشا-زوجة-، أو دون أربع سنين منذ أبانها.
الشرط الثاني: أن يُمكنَ اجتماعه بها-يتحقق- ولا يشترط تحقّق الوطء والدخول.
الشرط الثالث: أن يكونَ الواطئ ابن عشر سنين حينَ أمكن اجتماعهُ بها.
الشرط الرابع: أن يوجد للزوج ذكر فقط أو انثيان.
ومع لحوق الولد بهذا الرجل فلا يشترط أن يحكم ببلوغه، ولا يلزم مع إلحاقنا له النسب فلا يلزمه كل المهر لأننا لم نتحقق من الوطء، ولا تثبت به عدة ولا رجعة.
وإن أتت به دون نصف سنة منذ تزوجها فلا يُلحق به، أو عُلم أنه لم يجتمع بها، كما لو تزوجها بحضرة جماعة ثم أبانها في المجلس، أو مات في نفس المجلس؛ فإنّه لا يلحقه.
ومن ثبتَ أو أقرّ أنّه وطء أمَتهُ في الفرج أو دونه ثم ولدت لنصف سنةٍ فأكثر لحقه.
ويلحق الولد والده في النسب ما لم ينفِيه عنه، ويتبعُ أمَّه في الحريّة والرق، ويتبع في الدّين خيرهما.
كتاب العدّة
وهي: تربص من فارقت زوجها بوفاةٍ أو حياة.
فالمفَارِقة بالوفاة تعتدّ مطلقا سواء دخل بها أو لم يدخل، فإن كانت حاملاً من الميّت فعدّتها حتى تضع كل الحمل، وإن لم تكن حاملاً فإن كانت حرّة فعدّتها أربعة أشهروعشر ليال بأيامها، وعدة الأمة: نصفها.
وتبدأ العدّة من حين الوفاة حتى ولو لم تعلم إلّا بعد شهر.
والمفارقة في الحياة لا تعتدّ إلّا إن خلا بها أو وطئها، ويُشترط أن يكون ممّن يولد لمثله، وأن تكون الزوجة ممن يوطئ مثلها.
ويُشترط لوجوب العدّة في الخلوة خمسة شروط:
الشرط الأول: أن يكون الزوج ممن يولد لمثله، الشرط الثاني: أن تكون الزّوجة ممن يوطئ مثلها.
الشرط الثالث: مُطاوعتها فلا عدة على مكرهة إن خلا بها، الشرط الرابع: علمهُ بها.
الشرط الخامس: أن تكون الخلوة في نكاح صحيح أو فاسد لا باطل.
وعدّتها إن كانت حاملاً بوضع كل الحمل، وإن كانت غير حامل تحيض فعدّتها ثلاث حيضات إن كانت حرّة، ولا يعتد بالحيضة التي طلقها فيها.
وإن لم تكن تحيض بسبب الصغر أو الإياس، أو أنها بالغة لكنها لم ترى حيضا ولا نفاسا فعدتها: ثلاثة أشهر إن كانت حرة.
ومن كانت تحيض ثمّ ارتفع حيْضها فإن كانت لا تعلم ما رفعه فتتربّص تسعة أشهر ثم تعتد عدّة آيسة.
وإن علمتْ ما رفعه من مرض أو رضاع ونحوه فلا تزال متربّصة حتى يعود الحيض فتعتدّ به أو تجلس إلى سن الإياس ثم تعتد عدة آيسة.
وإن وطئ الأجنبي بشبهةٍ، أو نكاحٍ فاسد، أو زنا من هيَ بعدّة أتمّت عدّة الأوّل ثم تبدأ العدة للوطء الثاني.
وإن وطئها عمدا من أبانها: فـ كالأجنبي تُكمل عدتها ثم تستأنف عدة ثانية للوطء الثاني، وإن وطئها بشبهة تستأنف العدة من أولها.
وتتعدد العدّة بتعدد الواطئ بالشبهة لا بالزنا فلا تتداخل، ويحرمُ على زوج الموطوءة بشُبهة أو زنا أن يطأها في الفرجِ ما دامت في العدة.
فصل..
والإحداد ترك المرأة الزينة والطيب وغير ذلك مما يرغّب فيها ويدعو إلى جِماعها.
يجبُ الإحداد على الزوجة المتوفى عنها زوجها بنكاح صحيح ما دامت في العدّة، ويجوز للبائن أن تحد على فراق زوجها.
ويحرم الإحداد فوق ثلاث على ميت غير زوج.
ولها لبس الأبيض ولو حريرا، وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات فيه زوجها ما لم يتعذّر.
ولها أن تخرج نهارا لا ليلا لحاجتها، وتنقضي العدّة بمضيّ الزمان حيث كانت.
كتاب الرضاع
وهو لغة: مصّ اللبن من الثدي وشربه.
وفي الاصطلاح هو: مص لبنٍ أو شربه ونحوه ثابَ من حمل من ثدي امرأة.
إن أرضعت المرأة طفلا بلبن حمل لاحق بالواطئ-يشمل الزوج وملك اليمين وكذلك الوطء بشبهة وفي نكاح فاسد- صار ذلك الطفل ولدَ المُرضعة وولد صاحب اللبن، وأولاده-هذا الطفل- وإن سفلوا أولاد هذه المرأة والزوج الذي ثاب اللبن بسببه، وأولاد كل منهما من الآخر أو من غيره إخوته وأخواته.
وينتشر التحريم في المرتضع إلى فروعه فقط دون أصوله وحواشيه.
ويحرُم بالرضاع فقط النكاح وتوابعه.
شروط التحريم
الشرط الأول: أن تكون خمس رضعات، الشرط الثاني: أن يكون الرّضاع في العامين ولو فطم فيهما.
الشرط الثالث: أن يصلَ اللبن إلى جوفه من حلقه.
وإن امتصّ الثدي ثم قطعه ولو قهرا ثم امتص ثانية فرضعةٌ ثانية.
والسعوط في الأنف، والوجور في الفم كالرضاع في الحُرمة.
وإن شك في الرضاع أو في عدده فإنه يبني على اليقين.
ويكفي في بيّنة الرضاع امرأة واحدة، بشرط أن تكون مرضيّة سواء شهدت على فعلها أو فعل غيرها.
كتاب النفقات
شرعا هي: كفاية من يمونه خبزا وأُدّما وكسوة ومسْكنا وتوابعهَا، وإعفاف من يجب إعفافه ممّن تجب نفقته.
نفقة الزوجة واجبة على الزوج ولو كانت غنيّة ولا تسقط بمضيّ الزمن.
يجبُ على الزوج ما لا غنى لزوجته عنه من مأكل ومشرب ومسكن بالمعروف بشرط أن تُسلّم نفسها أو تبذلها، وأن تكون المرأة ممن يوطئ مثلها، وأن لا تكون ناشزة ولا مسافرة ولو بإذنه، وأن تكون الزوجيّة قائمة أو تكون رجعية.
ويَعتبر الحاكم تقدير النفقة عند التنازع، وعليه مؤنة نظافتها في البدن والثوب والبقعة من دهن وسدر، وثمنِ ماء الشرب، والطهارة من الحدث والخبث ولغسل الثياب، وعليه لها خادم إن كانت ممن يُخدم مثلها.
والواجب عليه دفع الطعام لا بدله في أول كل يوم، ويجوز دفع عوضِه إن تراضيا.
ويجب لها الكسوة ومردّه إلى العُرف في أول كل عام من زمن الوجوب، وتملِكها بالقبض فلا بدل لما سُرق أو بليَ.
والبائن بفسخ أو طلاق لا نفقة لها، والبائن الحامل والناشز الحامل، والمتوفى عنها زوجها حاملا فإنّها كالزوجة في النفقة والكسوة والمسكن.
ولا نفقة لمن سافرت لحاجتها ولو بإذنه؛ لأنّها فوتت تمكين الزوج منها، ولا تسقط إن سافر معها.
وإن ادعى نشوزها، أو أنه دفع النفقة لها فقولها مع يمينها.
وإن أعسر بنفقة المعسر، أو مسكنه أو كسوته أو صار لا يجد النفقة إلا يوما دون يوم فلها الفسخ فورا أو متراخيا.
وإن غاب الموسِر وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها فلها حين إذٍ الفسخ ولا يصح الفسخ إلّا بحكم حاكم.
وإن امتنع الموسر عن النفقة والكسوة وقدرَت على ماله، جازَ لها الأخذ من ماله بلا إذنه، وأخذت بقدر كفايتها وكفاية ولدها.
ويجب على القريب نفقة أقاربه وكسوتهم وسكناهم بالمعروف بثلاثة شروط:
الأول: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب، الثاني: أن يكون المُنفق غنيا بماله أو كسبه، وأن يفضلَ عن قوتِ نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته، الثالث: في الجميع يبدأ بنفسه ثم زوجته فرقيقه فولده فأبيه فأمه فولد ابنه فجده فأخيه ثم الأقرب فالأقرب.
وحيث امتنع عن النفقة زوجٌ أو قريب وأنفق أجنبي بنيّة الرجوع رجع على من تجب عليه.
وعلى السيد نفقة مملوكه قدر كفايتهِ بالمعروف، ولو كان دِين السيد يخالف دين المملوك، ويجب عليه تزويجه إن طلب أن يتزوج، وله أن يُسافر بعبده المتزوّج وأن يستعمله نهارا للخدمة.
وعليه إعفاف أمته، ويحرم أن يضربه على وجهه، أو يشتم أبويه ولو كافرين، وأن يكلّفه من العمل ما لا يطيق.
وعليه أن يريحه وقت القيلولة، ووقت النوم، والصلاة المفروضة.
وتسن مداواتُه إن مرض، وأن يطعمه من طعامه، وله تأديبه على فرائض الله عز وجل.
وعلى مالكِ البهيمة طعامها وسقيها حتى لو لم يمكن الانتفاع بها، فإن امتنع أُجبِر فإن أبى أو عجز أُجْبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت تؤكل.
ويحرمُ تحميلها مشقا وحلبها بما يضرّ ولدها، وضرب وجهها ووسمها فيه، ويحرم ذبحها إن كانت لا تؤكل.
باب الحضانة
وهي: حفظ الطفل غالبا عمّا يضرّهُ والقيام بمصالحه.
والأحق بها الأم، مع أهليّتها وحضورها وقبولها ولو بأجرة، فإن امتنعت فلا تُجبر، ثمّ أمهاتها القربى فالقُربى، ثم الأب ثم أمهاته ثم الأخت لأبوين، ثم الخالة لأبوين، ثم الخالة لأب، ثم العمات كذلك، ثم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب.
ولا حضانة لعبدٍ ولا فاسق، ولا لكافر على مسلم، ولا لامرأة متزوّجة من أجنبي للمحضون.
وإن أرادَ أحدُ الأبويْن السفر ثم يرجع فالأحقّ بالحضانة المُقيم، وإن أراد أن ينتقل أحد الأبوين لبلد آخر ليسكُنه فإن كان يبلغ مسافة قصر فالأحق بالحضانة الأب، وإن كان السفر دون مسافة القصر فالأحق بالحضانة الأم.
وإذا بلغ الصبي سبع سنين عاقلا خُيّر بيْن أبويْه بشرط أن يكون عاقلا، وأن يكون استكمل سبع سنوات، وإن يكون الأبوان أهلاً.
وإذا بلغ فلهُ الإقامة معهما إن أحبّ، وله أن ينفرد.
وإذا بلغت الأنثى سبعا فتبقَى مع والدها وجوبًا إلى أن تتزوّج والأم أحق بتمريضها .
ويمنعها الأب ومن يقوم مقامه من الانفراد، ولا تمنع الأم من زيارتها ولا العكس إن لم يخَف الفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق