الأحد، 20 أبريل 2025

خلاصة رواق الأدب


‏(خُلاصة رُوَاق الأدَب)


استمتَعتُ بمُشاهدة حلَقات برنامج: رُواق الأدَب، للدكتور: عبد الرحمن قائد جزاهُ الله خيرا، وهو برنامج أدبيٌّ جميل، تناول فيهِ أخبار بعض أعلامِ أئمة اللغة والأدب، وقد لخّصتُ هذهِ الحلقات، وجمعتُ فوائدها، ليسهُلَ على المُعتني مُراجعتها والرجوع إليْها، وليعمّ ذكر هؤلاء الأعلام؛ فسِيرهم حافلة بالجَمال والجلال، سائلة الله أن يَرحمهم بِرحمته، ويُسكنهم فسيحَ جنّاته.


مقدمة..

-معنى كلمة رُواق

الرُّواق -بكسر الراء وضمّها- كلاهما جائز، والرّواق في أصل استعماله اللغويّ كان يُطلق على المكان المَسقوف في مُقدّم البيت في أشْهَر استعمالاته، ثم صار يُطلق على كل شيء مسقوف وإن لم يكن في مقدّم البيت، وهناك أروِقة كثيرة مشهورة في التاريخ وفي المعارف وفي الثقاقة، من أشهرها الأروقة التي كانت في جامع الأزهر، وأشهرها: الرّواق العباسي. 

 وهناك كتاب للفيلسوف المصري الدكتور: عثمان أمين، عن الفلسفة الرّواقية، وهو كتاب جيد لمن أراد أن يعرف ما هي الفلسفة الرواقية وبماذا تميّزت.


-أطوار استعمال كلمة الأدب

كلمة: الأدب، كانت تُستعمل بمعنى في أوّل إطلاقها عند العرب، ثم تطوّر استعمالها وتطورت دلالتها إلى أن أصبحت بالمعنى الذي نستخدمهُ اليوم، وسنقفُ على أطوار هذه الكلمة:

أول طور لكلمة الأدب عند العرب: كان يُطلق الأدب على إطعام الطعام، فكان يُسمى إطعام الطعام أدبًا، والدّاعي إلى الطعام يُسمّى آدبًا، والطعام يُسمّى مأدبة، فكان هذا أول استعمال لكلمة الأدب.

الطور الثاني: لمّا كان إطعام الطعام والكرم من أجلّ الخِصال عند العرب ناسب فيما بعد أن تُطلق هذه الكلمة على كلّ الأخلاق، وليس فقط على الكرَم، فصارت تُسمّى آداب، وهذه الآداب كثيرة.

 ومن المفيد أن نُشير إلى أنّ أصول الآداب وأصول الأخلاق عند الحكماء وعند علماء الأخلاق هي أربعة آداب تعُود إليها جميع الفضائل، وهي: الحِكمة، والعفّة، والعدل، والشجاعة، والأخلاقُ تدخل ضِمن أصول هذه الأخلاق الأربعة.

الطور الثالث: في عهد الدولة الإسلامية أصبح هناك شيء يُسمّى التأديب، وهو تربية الصغار وتنشئتهم على كريم الأخلاق وتعليمهم أصول الدين ومبادئ العلوم، وقصار السور، والأحاديث، والشعر، فكان يُسمَى صاحبها مُؤدِّبا، وهي ليست مساوية للكتّاب -الذي كان يقتصر غالبا على تعليم القرآن-، بل كان التأديب هنا يشمل النواحي الأخلاقيّة مع النواحي العلميّة.

الطور الرابع للأدب: هو الأدب بمعنى الأخذ من كل علم بطَرف بمعنى الثفاقة، مع الاهتمام بعلوم العربية على رأس تلك العلوم، فلا يصحّ أن تُطلق كلمة الأديب على من تَخصص فقط في اللغة العربية وحدها بل لا بد أن يكون معه فنون أخرى وكتب المتقدّمين  الأدباء تقصد هذا  المعنى، ومن أمثلة ذلك كتاب: معجم الأدباء، لياقوت الحموي.

الطور الخامس والأخير الذي استُقرّ عليه هو: الأدب بمعنى العلم الذي غايته وثمرته أن يستطيع الإنسان أن يُجيد النّظم والنثر على منوال العرب وعلى أساليبهم، كان هذا إلى  قبل العصر الحديث، وفي العصر الحديث لم يعُد هذا خاصًا بالأدب العربي بل أصبحت هناك أقسام داخل الأدب، مثل: الأدب العربي، والأدب الفرنسي، وغير ذلك، وكذلك أصبحت هنالك أقسام، فهناك تخصص للرواية وآخر للمسرح وأيضا للشعر وغير ذلك..


-غاية الأدب

فوائد وأهداف الأدب كثيرة سنقف مع بعضها:

من أهداف الأدب الكبرى: أن نستعين به على فهم الكتاب والسنة، فكلّ ما كان علمُ الإنسان بالعربية أبلغ كان فهمه للكتاب والسنة أعظم.

ومن فوائد الأدب: الدعوة والحث على مكارم الأخلاق، فالأدب يحث على مكارم الأخلاق ويحثّ على محاسن الأفعال.

ومن الغايات: إجمام القلوب وراحة النفوس، فالإنسان يرتاح من الكدّ والجِدّ إلى شيء مباح مثل الشعر والنثر والأدب العربي، فهذه راحة مفيدة، ولأجل ذلك كان المحدثون في العصور المتقدمة يختمون مجالسهم الحديثيّة بذكر بعض الأشعار والأخبار والنّوادر.

ومن فوائد الأدب: أن الأدب يُعين الإنسان على حُسن التّعبير وحُسنِ الإبانة عن نفسه بطريقةٍ صحيحةٍ وجميلةٍ تجمع بين التأثير والصحة.



(‏الإمام الأصمَعي)

هو: عبد الملك بن قُريب بن علي بن أصمع الباهلي.

ولِد في البصرة في  القرن الثاني سـنة 123.

 لم يقتصِر علمهُ فقط على سماع اللغة والأدب والشّعر بل سمِع من عُلماء الحديث ومن أهل القرآن ومن غيرهم.

من أشهر شيوخه: الإمام أبو عمرو بن العلاء، لازمهُ الأصمعيُّ ملازمةً كبيرة، وسمِع من غيره كـ حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة وغيرهم..

من أهم مميّزات الأصمعي أنه رَحل إلى البادِية وسمع من الأعراب، وعرَف أخبارهم، وحفظ أشعارهم حتى صارت عندهُ ثروة كبيرة من الأخبار والنوادِر.

كان الأصمعي من أحفظِ الناسِ للشعّر والأخبار. يقول المبرد: الأصمعي بحرٌ في اللغة لا نَعرف مثله فيها وفي كثرة الرّواية.

وكان هارون الرشيد يُسمّي الأصمعيَّ "شيطان الشعر" ويقول للإمام الكسائي: إذا جاءك الشعّر فإيّاك والأصمعي، يعني: لا تُجادله.

وكان الأصمعي من أوثقِ الناس وأوْرعهم، ولهذا فهو ثقة وله منزلة جليلة عند أهل الحديث، وثّقه الإمام أحمد ويحيى بن معين، وأثنوْا عليه كثيرا. 

قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما رأيتُ بذلك العسكر أصدقَ لهجة من الأصمعيّ وما عبَّر أحدٌ بعبارة أحسن منه.

 وكان ورِعا في تفسير القرآن والحديث، فلم يكن جريئا على تفسير القرآن والحديث باللغة فقط، وكان صلْبا في السنة، مُجلًّا لطريقة السلف لا يخرجُ عنهم.

وقصّة قصيدة: "صوت صفير البلبلي" المشهورة ليست ثابتة عنه، ولا تليقُ بالأصمعي ولا بشعر ذلك الزمان، ولم تُروى في المصادر المتقدّمة.

قال الأصمعي: ثلاثة تحكم لهم بالمروءة حتى يُعرفوا:

 رجلٌ رأيتهُ راكبًا، وفلان سمعته يُعرِب-أي يتحدث حديثا فصيحًا-، ومن شممْتَ منه رائحةً طيّبة، وثلاثة تحكم عليهم بالاستصغار حتى يُعرَفوا: رجلٌ شمْمت منه رائحةَ نبيذ في محفَل، ورجل سمعته يتكلم في مصرٍ عربيٍ بالفارسيّة، ورجل رأيتهُ على ظهر الطريق يُنازع في القدر. أي: في وسط الطريق يذكرُ خلافا في مسائل من دقائق العقيدة.

توفّي الأصمعي بعدَ أن عاش حياة طويلة، عاش تسعين سنة تقريبا، بعد أن مكثَ في بغداد بحضرة هارون الرشيد فترة من الزمن، وحصّل ثروة كبيرة ثم رجع إلى البصرة فأكمل فيها حياته وتوفّي فيها رحمه الله سنة 217.


من الكتب التي تكلّمت عن الأصمعي:

كتاب: المُنتقى من أخبار الأصمعي، للضياء المقدسي.

كتاب: الأصمعي حياتُه وآثاره، لـ عبد الجبار الجومر.

كتاب: الأصمعي، للدكتور أحمد كمال زكي ضمن سلسلة أعلام العرب، وهي سلسلة مشهورة ومهمّة فيها كتُب في غاية الجمال والفائدة لأعلام كثيرين.


(‏الإمام المُبرِّد)

هو: محمد بن يزيد المبرّد أبو العباس الثُّمالي، الإمام النّحوي الكبير صاحب كتاب: الكامل، وكتاب: المُقتضب وغيرهما من الكتب الكبيرة.

ولِد في البصرة في صدر القرن الثالث الهجري  سنة 210.

لم يُحسم الخلاف في (راء) المبرد من عصرِ المُبرد إلى عصرنا هذا، وقد ذهب بعض الناس منهم ابن خلِّكان إلى أنها بالفتح(المبرَّد) واحتجّ أصحاب هذا القول بقصة لا تصحّ عنه، وقيل: لُقّب بذلك:-بفتح الراء- لحُسن وجهه، فقد كان المبرد موصوفا بالجمال، وقيل: لُقب بذلك لبرودة اختيارتهِ الشِّعريّة.

  والقول الثاني هو: أنهُ بكسر الراء (المبرِّد)، وهذا القول هو الذي عليه الأقل من العُلماء، وأكثر السابقين على ترجيح الفتح، والذي جعل الكسر هو الذي يشيع بيْن الناس اليوم هو أنهُ ذهب إلى هذا القول اثنان من كبار الأدباء وشيوخ اللغة المُعاصرين، وهما الشيخان: محمود بن التلاميذ الشنقيطي، وسيد بن علي المرصفي.

والصواب الذي نقول به: أنه كان بفتح الراء لأنّه لَقبٌ، والألقاب كانت شائعة في ذلك العصر كثيرا من الخصوم وللتشنيع والنيْل، فالغالب أن المبرَّد من هذا الجنس، أرادَ خصومه أن ينالوا منه بهذا اللقلب، ولكن مع ذلك أُرجّح أن نقول المبرِّد بالكسر، لأنّ هذا اللقب يحتمل أمرين: يحتمل أن يكون بالفتح ذمًّا، ويحتمل أن يكون بالكسر مدحا بمعنى المُثبّت للحق، وبمعنى حسن الوجه، فنقوله بالكسر من باب الإكرام لهذا العالم الكبير.


ولِد المبرد ونشأ في البصرة، وتلقّى العلم عن علماء البصرة وعن أهلها الكبار المشتغلين بالعربية والنحو، وأخلصَ في علم العربية جُهده وبرَع فيه، واعتنى به من بداية أمره، وحرص على كتاب سيبويه خاصة الذي هو أجلّ كُتبِ النحو وهو قانون لسان العرب.


من شيوخ المبرد في البَصرة:

أبو عثمان المازني، وهو شيخه الذي لازمه وكان له به اختصاص.

ومن شيوخه: الرّياشي، وهو من كبار أئمة اللغة.

ومن شيوخه: التوّزي، وكان متميزا بمعرفة الشعر.

ومن شيوخه: أبو عثمان الجاحظ، وهو من شيوخ المبرد الكبار.

وكان بعض شيوخ المبرد يحضر مجلسه في شرح كتاب سيبويه، وهو أبو عثمان المازني الذي قرأ عليه المبرد هذا الكتاب، فأي أنفُسٍ كريمة تلك الأنفس التي كانت عندهم، قال بعضهم: رأينا محمد بن يزيد المبرد وهو حَدث السن مُتصدّرا في حلقة عثمان المازني يُقرأ عليه كتاب سيبويه وأبو عثمان في تلك الحلقة كأحدِ من فيها، وهذا درس في التواضع.


من اهتمام المبرد بكتاب سيبويه أنه ألّف في شبابه كتابا في الرد على سيبويه، سُمّي بمسائل الغلط، ثم لما كَبر اعتذر عن هذا التأليف، ويَقصد باعتذاره أنه ألّف كتابا كاملا يجمع فيه أغلاط سيبويه، ولا يقصد أنه رجع عن أقواله التي خالف فيها سيبويه، إنّما أن يُفرِد كتابا يتتبّع فيه أغلاط سيبويه.


ذهب المبرد إلى بغداد وجلس في جامع بغداد والتفّ عليه الناس وعرفوا فضله، وكان بيْن المبرد وثعلب خصومة مشهورة، وكانت مضرب الأمثال، فالمبرد على مذهب أهل البصرة في النحو، وثعلب على مذهب أهل الكوفة، وبين البصريين والكوفيين خلاف طويل، وهما أيضا متعاصران وكلاهما في بغداد، وكلاهما صاحب صَنعة واحدة -أي: صنعة العربية،- وأيضا المبرد موصوف بالبلاغة وحسن البيان والظرف وإيراد الأشعار والطرائف، بينما ثعلب لم يكن موصوفا بذلك، بل يُروى عن ثعلب أنه كان يتبسّط في حديثه ولا يحرص على الفصاحة والبيان.

يقول الأزهري: أجمع أهل الصناعة من العراقيين وغيرهم أن ثعلب والمبرّد كانا عالميْ عصرهما، وأن ثعلب كان واحدَ عصره وكان المبرد أعذب الرجليْن بيانًا، وأحفظهما للشعر المُحدَث، والنّادرة الطريفة، والأخبار الفصيحة، وكان من أعلم الناس بمذاهب البصريين بالنحو ومقاييسه، وكان ثعلب والمبرد لا يلتقيان إلا على الطريق، وكان يكره ثعلب الاجتماع بالمبرد أمام الناس أو عند السلطان لأنه يعلمُ أن الناس سيلتفتون إلى المبرد أكثر منه، وانتقلت هذه الخصومة إلى تلاميذ المبرد وتلاميذ ثعلب، وهذه الردود التي كانت بينهم كانت حافلةً بالعلم والأدب وتحرير المسائل فعادت بالفائدة على أهل العلم.


والإمام المبرد من ثقاتِ أهل العلم، ومن عدول حملة اللغة ونقلتِها، وقد وثّقه كثير من أئمة الحديث.

واتُّهم الإمام المبرد وطُعن بعدالته، وهذا لا يصح، واتهم كذلك أنه يميل إلى رأي الخوارج وهذا اتهام باطل لا يصح، بل إنه يحرص بنقدهم في كتابه الكامل وتبيين ضلالتهم.


وتُروى عن المبرِّد أبيات ومقطعات من الشعر وهيَ ليست من النمط العالي والشّعر الفاخر الذي يجري على  طريقة الشعراء، بل هي أقرب إلى شعر العلماء الذي لا يكون فيه ماء ولا جزالة ولا روْنق، وإنما هو أقرب إلى النظم وفيه معان صحيحة.


‏من شعره:

بنفسي أخٌ برٌ شددتُ به أزْري***فألفيْتهُ حرا على العسر واليسرِ 

أغيبُ فلي منه ثناء ومِدحةٌ**وأحضرُ منه أحسن القول والبشرِ

وما ظاهرٌ إلّا جمال لصحْبه***وناصرُ عافيهِ على كلَبِ الدهر

تفرّدت يا خير الورى فكفيْتني***مطالبة شنعاء ضاق لها صدري.


نقل ابن خلدون عن بعض مشيَخته أن أركان كتب الأدب أربعة:

الكامل للمبرد، والبيان للجاحظ، والأمالي للقالي، وأدبُ الكاتب لابن قتيبة.


قال المبرد عن كتابه الكامل في مقدمته:

"هذا كتاب ألّفناه يجمع ضروبا من الآداب، ما بيْن كلام منثور، وشعر مرصوف ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة، ورسالة بليغة، والنية فيه أن نُفسّر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب، أو معنى مُستغلِق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الأعراب شرحا شافيا حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مُكتفيا، وعن أن يرجع إلى أحد في تفسيرهِ مستغنيا." 

طُبع (الكامل) عدّة طبعات من أفضلها تحقيق الدكتور: محمد أحمد الدالي-مؤسسة الرسالة.

وعلى كتاب الكامل شرح مشهور لِشيخ أدباء مصر: سيد علي المرصفي.

ومن كتب المبرد في الأدب: الفاضل، وكتاب: الروضة في الأدب.

توفي سنة 285 رحمه الله.


من أهم المصادر التي ترجمتْ للمبرّد:

هناك مصادر قديمة مثل: تاريخ بغداد، ومعجم الأدباء، لكن من المعاصرين هناك كتاب للشيخ: محمد عبد الخالق عُضيمة، له كتاب مفرَد عن المبرّد وعن أثره في علوم العربية.



(‏الإمام ابن قُتيْبة)

هو: الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري.

ولد في الكوفة، وقيل: في بغداد سنة 210 للهجرة.

عاش في بغداد عُمره الأول وشبابه وطلبه للعلم، ولِد لأب فارسي، فأصله أعجمي، ومع أنّه كانَ فارسيًّا إلّا أنه كان شديدَ الاعتزاز بالعرب، وعارفا لحقّهم، ومُحبّا لهم، وله كتاب: فضل العرَب والتّنبيه على علومهم، وهو مطبوع في المجمع الثقافي. 

نشأ ابن قُتيبة رحمه الله في بغداد وكانت حينها في أوْجي حضارتها العلميّة، فأخذ عن علمائها وعن أدبائها وقرَأ عليهم في كلّ الفنون التي كانت مُتاحة في عصره.

عبّر عن شغَفه بالعلم في كتابه: تأويل مُختلف الحديث، فقال رحمه الله:

"كنت في عُنفوان الشّباب وتطلّب الآداب أُحِب أن أتعلّق بكل علم بسبب وأن أضرِب فيه بسهم"

قال عنه الذهبي رحمه الله: كان من أوعية العلم.

وكان رحمه الله مُتفنّنا في جميعِ العلوم مع اشتغال ظاهر في اللغة والأدب، فالوصف الأليق به أنه أديب.


 أبرز شيوخ الإمام ابن قتيبة ثلاثة:

أجَلّهم: الإمام إسحاق بن راهوية، فقد كان له أثر كبير على ابن قتيبة، أخذَ عنه علم الحديث، وأخذَ عنه الفقه، وأخذ عنه أصول السنة وأصول علم الاعتقاد، ولهذا كان الإمام ابن قتيبة ينتسِبُ إلى الإمام أحمد وإسحاق ويميل إلى فقههم. 

ومن أبرز شيوخه في اللغة والنحو: الإمام أبو حاتم السّجستاني.

ومن شيوخه في الأدب خاصة: أبو عثمان الجاحظ، ولم يتأثّر به ابن قتيبة بالاعتزال بل بيّن أخطاءه وردّ عليه.


من أقواله الجميلة في مقدمة كتابه: أدب الكاتب، يقول:

"ونحنُ نستحبّ لِمن قَبِل عنا، وأتمّ بكُتبنا أن يؤدّب نفسه قبل أن يؤدب لسانه، ويُهذب أخلاقه قبل أن يُهذب ألفاظه، ويَصون مروءته عن دناءة الغِيبة، وصناعته عن شَيْن الكذب، ويُجانب قبل مُجانبته اللحن وخطل القوْل، شنيع الكلام ورفثَ المزح، كان رسول الله ﷺ ولنا فيه أسوة حسنة يمزح ولا يقول إلّا حقا، فأمّا السباب وشتم السلف وذِكر الأعراض بكبير الفواحِش فمّما لا نرضاه لخِساس العبيد وصغار الولدان، ونستحبّ له أن يدعَ في كلامه التّقعير، فهذا كان يُستثقل والأدبُ غضٌ والزمان زمان وأهلهُ يتحلّون فيه بالفصاحة ويتنافسونَ في العلم فكيفَ به اليوم مع انقلاب الأحوال."


مؤلفات ابن قتيبة في الأدب:

تميّزت كتب ابن قتيبة بالترتيب، وتميّزت بالسَّعة وتعدّد الاهتمامات في كل فنون العلم.

وكانت لكتب ابن قتيبة اهتمام كبير في المغرب، وكانوا يقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصانيف ابن قتيبة فلا خير فيه.


من أهمّ كتبه رحمه الله: عيون الأخبار، وهو ومن أجملها ومن أحفلهَا بالنّوادر والأخبار والشّعر والنثر والنقل عن الأمم السابقة والمُعاصرة له، حتى أنه نقل عن التوراة والإنجيل، وأفضل طبعاته هي طبعة: المكتب الإسلامي.

من كُتبه: أدب الكاتب، وهو أحد أركان كتب الأدب الأربعة التي ذكرها ابن خلدون، وكتاب أدب الكاتب وعيون الأخبار مُتكاملان، كلٌ منهما يُكمّل الآخر.

ومن كتبه أيضا: الشعر والشعراء، ترجم فيه ابن قتيبة لأشهر الشعراء من العصر الجاهلي إلى عصره، ويُميز هذا الكتاب مُقدمته فهي في غاية الجمال وهي مقدّمة نقدية مهمة، ولها أثر كبير في صناعة الشعر ونقده، واعتمَد عليها من جاء بعده، وعالج فيها قضايا مهمّة تتصِل بالبلاغة ونقد الشعر.

كتاب الإمامة والسياسة يُنسب إلى الإمام ابن قتيبة ولا يصحّ نسبته له.


والإمام ابن قتيبة له أسلوب جميل يجري على طريقة البلغاء الكبار كالجاحِظ وابن المقفع، وأسلوبه ليس خاصا في الكتب الأدبيّة بل أي موضوع يكتب فيه حتى لو كان في العقيدة أو الحديث فإنهُ يكتب بهذا القلم العالي.

ولم يكن رحمه الله شاعرا. 


طعن الإمام الحاكم النيسابوري بابن قتيبة طعنًا عجيبا، وطعنا فجًّا ومبالغا فيه، واتّهمه أنه كان كذّابا، ودافع عنه الإمام الذهبي، واشتدّ في العبارة وأغلظ فيها على الإمام الحاكم، وقال في السير: هذه مُجازفة وقلّة ورع، فما علمتُ أحدا اتّهمه بالكذب قبل هذه القولة بل قال الخطيب إنه ثقة.

وفاته:

توفي رحمه الله 276 للهجرة.


الكتب التي ترجمت لابن قتيبة

أفضلها كتاب: ابن قتيبة العالِم الناقد الأديب، للدكتور: عبد الحميد الجندي، وأصله رسالة دكتوراه.

ومنها: كتاب ابن قتيبة للدكتور: محمد زغلول، ضمن سلسلة نوابغ الفكر العربي.


(‏أبو علي القالي)

هو: إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون القالي ثمّ البغدادي.

ولِدَ في بلدةٍ تُسمّى: منازجرد، في أرمينيا -التي هي الآن تركيا-، سنة 280 للهجرة، من أصلٍ غير عربي، فجدّه كان مولى لمحمد بن عبد الملك بن مروان.


سُئل عن نسبتهِ إلى القالي فقال رحمه الله: لمّا انحدرنا إلى بغداد كنّا في رفقةٍ فيها قاليقلا، فكانوا يُكرَمون لمكانهم من الثغر-أي أنّ مكانهم كان بيْن الحدود الإسلامية وبين الروم، فأهلها كانوا في جهاد دائم مع الأعداء- فلمّا دخلتُ بغداد انتسبتُ إلى قاليقلا رجوتُ بذلك أن انتفع عند العلماء.


رحل من بلده إلى الموصل سنة 303 ثمّ دخل بغداد سنة 305 وأخذ العلم في العراق عن كِبار المُحدّثين وأهل اللغة والأدب، وكانت العِراق في تلكَ العصور حاضرة الدنيا وحاضرة العلم.

كتبَ في الموصل عن الإمام: أبي يعلى الموصلي صاحب المسند، وفي بغداد كتَب عن الحافظ: أبي بكر بن أبي داود وغيرهما من أئمة الحديث الكبار ممّن أدركهم.

وأخَذ رحمه الله اللغة والأدب عن أعيان الأعيان من أئمة البصرة، من أجلّهم الإمام: ابن دَرَسْتَوَيْه.

وأخذ العلم واللغة عن ابن دُريد، وعن ابن الأنباري، وهو يُكثر من الرّواية عنهما كثيرا، وكلاهما من كبار الأئمة في عصرهما.

وأخذ علم القراءات عن إمام القراءة في عَصره الإمام: أبو بكر بن مجاهد.


ظلّ القالي على هذه الحال من الاشتغال بالعلم والشّغف بالمعرفة في العراق ربع قرن من الزمان حتى رحل إلى الأندلس سنة 328 وعمرهُ خمسين سنة بعد أن ضاقت عليه العراق بسببِ أنهُ رأى أنّ الانتفاع بعلمه قليل لكثرة العلماء، فرأى أنّ الأوْلى به أن يرحل إلى بلد آخر لينتفع الناس بعلمه.

أيضا رحلَ لأنّ الخليفة الأموي في الأندلس الناصر عبد الرحمن وجّه إليه دعوة ورغّبه في القدوم عليه، وحرّضه على ذلك لنشر علمهِ وكان قد سمع أبو علي القالي بفضلَ ذلك الخليفة وفضلِ وليّ عهده وهو الحكم، فقد كانت له نَهمة وشغفٌ عظيم في جَمع الكُتب وهو صاحب المكتبة العظيمة المعروفة، فكل هذه الأسباب جعلته يرحل إلى الأندلس.


كان للقالي فضل كبير على أهلِ الأندلس وعلى الحركة العلميّة والأدبيّة والثقافية فيها، وأحيا الله به علم اللغة والأدب في تلك البلاد، وتخرّج على يده عدد كبير من أهلها، وأملَى فيها أهمّ وأشهر كُتبهِ وأخلَدها في التاريخ، كتاب: الأمالي، وكتاب البارع، وكتاب المقصور والممدود، وأدخل معه نفائس الكُتب إلى المشرق، وكان أهل الأندلس حريصين عليها، وقد جمَع بعضهم أسماء هذه الكتب التي أحضرها معه إلى الأندلس، وبقيَ رحمه الله في الأندلس ناشرا للعلم، حاضرا لمجالس الخليفة ومجالس العلماء، ومُمليًا في الجامع الكبير جامع الزهراء في قرطبة حتى توفي سنة 356 فعاش فيها قريبا من 26 سنة.


من أشهر كُتبه رحمه الله:

كتاب: الأمالي، وكتاب البارع، وكتاب المقصور والممدود.

وكتاب الأمالي أشهرها وهو على اسمه أمَالي أملاها من حفظه عن ظهر قلب في كل يوم خميس في جامع الزّهراء، ويُسمّى أيضا كتاب: النوادر، وطُبع كتاب الأمالي مع الذيل في دار الكتب المصرية.


قال أبو علي القالي في مقدمة كتاب الأمالي:

"أمللتُ هذا الكتاب حِفظا في الأخمِسة في قرطبة وفي المسجد الجامع في الزهراء المباركة، وأوْدعته فنونا من الأخبار، وضروبا من الأشعار، وأنواعًا من الأمثال، وغرائب من اللغات على أنّي لم أذكر فيه بابا في اللغة إلا أشْبعته، ولا ضَربا من الشعر إلا اخترته، ولا فنا من الخَبر إلا انتخلته، ولا نوعًا من المعاني والمثل إلا استَجدته، ثم لم أخْله من غريب من القرآن وحديث الرسولﷺ"


أهمّ الكُتب التي ترجمت للقالي:

أهمّهما التي كتبها تلميذه: أبو بكر الزبيدي في كتابه: طبقات النّحاة واللغويين.

ومن المعاصرين أهمّ من كَتب عنه: أبو علي القالي حياته وآثاره، تأليف: هاشم ياغي، وأصلها رسالة ماجستير، طُبعت مؤخرا.


(‏المُعافي بن زكريا الجريري)

هو: الإمام الفقيه الأديب القاضي المُتفنّن أبو الفرج المُعافى بن زكرّيا بن يحيى بن حميد النّهرواني الجَريري.

ولِد في بغداد سنة 303، نسبته إلى النهروان وهيَ: ناحية كبيرة في العراق بيْن بغداد وواسط، نُسب إليها من جهة أجدَاده، ونِسبتهُ إلى الجريري هِي نسبةٌ إلى الإمام ابن جرير الطّبري، نُسب إليْه لأنّه كان على مذهبه في الفقه، قيل: كان أوحدَ عصرهِ في مذهب أبي جعفر الطبري وحِفظ كُتبه.

نشأ رحمه الله في بغداد في كَنف والده، فقد كان والده من أهلِ العلم ومن رُواة الحديث، وكان يُعرف هذا الأبُ بابن طرارة، ولهذا بكّر المُعافى بن زكريا في طلب العلم من صِغره، وحضرَ مجالس العلم ومجالسَ الحديث وهو طفلٌ صغير في التاسعة من عمره.


 تلقّى رحمه الله الأدب وعلوم العربية عن كبار علماء بغداد كـ نفطويه والأخفَش، وأمّا علمُ الحديث فقد كَتب عن كِبار حفّاظ عصره كـ أبي القاسم البَغوي، وكتبَ عن أبي بكر بن أبي داود السّجستاني،  وغيرهم من كبارِ أئمة الحديث.


وتنوّعت علوم المعافى بن زكريا، وكان مُتفنّنا في العلم، ووصِف بهذا من عامة من ترجم له.

قال عنه أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء: "كان أبو الفرج فقيها أديبًا شاعرا عالمًا"

ولِنبوغه وإمامته في الفقه عُيّن قاضيا في باب الطاق، وهي: ناحية في الجانب الشرقي من بغداد.


من أبيَاته:

 ألا قُل لمن بات لي حاسدا***أتدري على من أسأتَ الأدب؟

أسأتَ على الله في حُكمه***لأنك لم ترضَ لي ما وهب 

فجزاك ربي بأن زادني*** وسد عليك وجوهَ الطلب.


 لم يصلنا من كُتب المعافى إلّا كتاب: الجليس والأنيس، وذكَر في كتابه هذا أن له كتابا آخر في علل القراءات وبيان وجوهها ثم قال: إن لي نيّفا وخمسين رسالة في الفقه والكلام والنحو وغير ذلك.


وكتاب الجليس والأنيس مع أنّه من أواخِر ما كتبهُ وأملاه المُعافى بن زكريا إلا أنّه أشهر كُتبه وأجلّها، وهو من كُتب الأدب والمعارف العامّة، وهو كتاب مُسند فيه أسانيد، وهو حافل كذلك بالفوائد ففيه تاريخ، وفيه فقه، وحديث، وتفسير  وأدب، وشعر، وتراجم، فهو من كتب الأدب التي لا يُملّ منها، أملاه على بعض أصحابه في آخر حياته في مائة مجلس، كُل مجلس يبتدأ فيه بحديث للنبي ﷺ ثم يشرحُ هذا الحديث ويُعلق عليه ويذكر بعض فوائده، وطُبع الكتاب كاملا في أربع مجلدات وهي الطبعة المعروفة في عالم الكتب، حقّق محمد مرسي الخولي الجزء الاول والثاني،  وحقّق الجُزء الثالث والرابع إحسان عباس رحمه الله.

قال في مقدّمة كتابه الجليس والأنيس:

"فإنني منذُ مدة مضت وسنة خلت، فكرتُ في أشياء من عجائب خلق الله وحِكمه...ثم تطلّعتُ إلى جليسٍ طمعا في أُنس وسلوة، فأعوَزني ذو لبٍ عاقل، واتفق لي كلّ غبيٍ جاهل، فلاح لي أن أنشئ كتابا أُضمّنه أنواعا من الجد الذي يُستفاد ويُعتمد عليه، ومن الهزل في أثنائه ما يسرّ استماعه ويُستراح إليه"


توفي المُعافى في بغداد سنة 390 للهجرة، فعاش رحمه الله قرابة 85 سنة.


(‏ابن الرومي)

هو: أبو الحسن علي بن العباس بن جُريج.

 وُلِد في بغداد سنة 221، وتُوفي بها سنة 283.

أصلهُ رومي من جِهة الأب، وأمّه فارسيّة، فجَمع بين الأصليْن الفارسي والرّومي، وكان يفتخر كثيرا بهذيْن الأصليْن.

كانَ ابن الرومي حادّ المزاج، مُضطرب الطّبع، ساخطا على الحياة، مُبَغّضا إلى الناس، مبغِضا لهم، مُنهمكا في اللذات، مُسرفا على نفسه في الشهوات، وزادَ من سخطه على الحياة وتبرّمه بها أنه تُوفي في حياته زوجته ثم أبنائه الثلاثة واحدا بعد واحد ورثاهُم جميعا.

ومن أسباب شقائه وبُؤسه أنه كان يرى نفسه ذا موهبة كبيرة في الشّعر؛ ويرى غيره ممّن هُم أقل منه موهبة قد نالوا الأعطيات والمكانة ووصلوا إلى الخلفاء بينما هو لم يُعطى ما يستحقّه ولم تُقدّر مواهبه ولذلك كان كثيرا يحسد البحتري على ما كان عليه من الصلة بالخُلفاء ونيْل الأعطيات وله قصائد كثيرة في هجاء البحتري، بل ولم يَسْلم من لسانه أحد من الولاة ولا من الأعيان وكان هذا من أسباب وفاته، فيُحكى أنّ القاسم بن وهب وزير المُعتضد أمرَ بسمّه لأنه خاف أن يهجُوه، ذُكِرت هذه الرواية في بعض المصادر إلّا أنّ العقّاد يُضعّف هذه الرواية ويذهبُ إلى أن ابن الرومي مات ميتةً طبيعيّة، وأنه مات بمُضاعفات داء السّكر واستنبَط ذلك من بعض الأخبار.


ومما شُهر عن ابن الرومي أنه كان مُتشائما جدا لا يخرج من بيته، وهذا التشاؤم سَرى إلى ديوان ابن الرومي أيضا، وتشاءم الناس به، ومع ضخامة هذا الديوان -وهو من أكبر الدواوين التي وصلتنا في الشعر العربي-لم يُطبع كاملا إلا في وقت مُتأخر، حتى إنّ العقاد حين كتب كتابهُ عن ابن الرومي قُبض عليه ودخل السجن وأكمل أكثره في السجن فتأكّد عند الناس فكرة التشاؤم من ديوان ابن الرومي.


وابن الرومي مشهور جدا في إطالة قصائده، وربما يكون من أسباب إطالتهِ لقَصائده هو سوءُ ظنّه بالناس وأنّهم لا يفهمون معَانيه ولا مقاصِده، وأنّ أذهانهم تقصر عن إدراك مرَاميه، ولهذا فهو يُسرف في التوضيح وبسطِ القول.


من أهم ما يُميز شعر ابن الرومي: الوصف والتصوير، فهو من أدقّ الناس وصفا في الشعر العربي، وأيضا: لا يتقدّم ابن الرومي أحد في باب الهجاء، ولو قيل إن الهجاء من أهم موضوعات ابن الرومي لمَا كان ذلك بعيدا، وبواعث الهجاء عنده كثيرة.

وكان مدحه من أعجبِ المدح فليس في مدحه عاطفة ولا شيء من المعَاني البديعة التي كان عليها الشعراء، بل مُعظم مدائحه للكبار والوزراء تشتملُ على الشكوى وعلى ذمّ الزمان وعلى ذم الناس، ومدحٍ قليل مع وعيد كثير وطلبٍ كثير للمال، فلذلك لم يكسب من مدائحه ما يُؤمّل.


ولم ينل ابن الرومي في حياته الحظ الواسع، وحتى بعد عصره لم ينل ذلك الحظ الكبير، حتى إن الأصبهاني لم يُترجم له في كتاب الأغاني ممّا أغضب بعض أنصاره، لكنه في عصرِنا قامَ حظه، وبدأ نشر ديوانه من بداية القرن العشرين، فبدأ بنشر ديوانه الشيخ محمد شريف سليم في سنة 1917 فنشر الجزء الأول من ديوانه مشروحًا ثم نشر جزء آخر صغيرًا وتوقّف، وبعد ذلك جاء الأستاذ: كامل الكيلاني، وهو من مُحبّي ابن الرومي، واختار من ديوان ابن الرومي نحوَ سبعة آلاف بيت وعلّق عليها في ثلاثة أجزاء وقدّم له العقّاد، وكان العقاد والمازني ممن يُولعون بابن الرومي ويحرصُون على شعره.


ألّف العقاد كتابا مهما عن ابن الرومي، وهو من أفضل كتُب العقاد ومن أحبّها إليه، وهو كتاب: ابن الرومي حياته من شعره، فكأنه استنبط حياة ابن الرومي من شعره وليس من أخبارِ التاريخ.

وللمَازني أيضا مقالات مهمة عن ابن الرومي، وهي من أجمل ما كُتب عن ابن الرومي.

ونَشر ديوانه كاملا الدكتور: حسين نصار سنة 1976 وأتمّ نشره في ستة أجزاء فيها نحو ثلاثين ألف بيت.


وممّن كُتبَ عن ابن الرومي: محمد عبد الغني حسن، ضمن سلسلة نوابغ الفكر العربي. 

ومن المصادر المُهمّة جدا لدراسة ابن الرومي ومناقشة المعاصرين كتاب: ثقافة الناقد الأدبي لمحمد النويهي.


(‏البُحتري)

هو: أبو عبادة الوليد بن عُبيد الطّائي البُحتري.

ولدَ في قرية صغيرة قُرب منبج في الشام وهيَ شرق حلب، سنة 206 للهجرة، ثم رحلَ في صدرِ شبابه إلى العراق، وفي العراق كانت شُهرته العريضة الواسعة، وحظّه الكبير، وهناك اتّصل بالخُلفاء والأمراء ومَدحهم وغشيَ مجالسهم، وعاش في العراق فترةً طويلة من عُمره ثم عادَ إلى منبج في آخر حياته ومعه المال والضّياع وبقيَ فيها حتى مات سنة 284 للهجرة وعُمره ثمانين سنة.


كثُرت مقارنة الناس بيْن البُحتري وبيْن أستاذهِ أبي تمّام، وذلك من عهدهما إلى عصرنا هذا، ومن أشهر المقولات النقديّة في المقارنة بيْن الاثنين قول: أبي العلاء المَعرّي عندما سُئل أي الثلاثة أشعر المُتنبي أم البحتري أم أبي تمام؟

قال: "المتنبّي وأبو تمام حكيمان، والشاعر: البحتري"

وقال المبرد: "والله إنّ لأبي تمام والبُحتري من المحَاسن ما لو قيسَ بأكثر شعر الأوائل ما وُجِد مثله"

ومن آخر من أبدعَ في المُقارنة بيْن البُحتري وبيْن أبي تمام الأديب: الرّافعي، في مقال وازنَ به بيْن الثلاثة: المتنبي والبحتري وأبي تمام، وانتهى فيه بعد أن ذكَر مُميّزات كل واحدٍ منهم، إلى أنّ أبو تمام أفضل الثلاثة بمجموعهِ قال: "وهو كالعقل المُبتكر، وأنّ البحتري أشعرهُم بالجٌملة وهو كالطّبع السمح المُتدفّق، وأنّ المُتنبي أحكمُهم في خصائصه، وهو كالفكر المولّد"

 

يقول البحتري في بداية أمرهِ مع الشّعر:

"كان أوّل أمري في الشعر ونباهتي أنّي صِرتُ إلى أبي تمام وهُو بحمص فعرضتُ عليه شعري، وكان الشعراء يعرضُون عليه أشعارهم، فأقبلَ عليّ وترك سائر من حضَر، فلمّا تفرّقوا قال لي: أنتَ أشعرُ من أنشدني، فكيف بالله حالك؟ 

فشكوتُ خَلة، فكتبَ لي إلى أهل معرة النّعمان، وشَهِد لي بالحِدق بالشعر، وشفعَ لي إليهم، وقال امتدِحهم، فصرتُ إليهم فأكرموني بكتابه، ووظّفوا لي أربعة آلاف درهم فكانت أول مالٍ أصَبته"

وكان البُحتري مُقتّرا على نفسه، ضنينًا بماله، بخيلا به حتى تُوفي رحمه الله، ولعلّ ذلك بسبب ما لقيَه في طُفولته، وفي أوّل حياته من شدّة الحال.


اجتمع النّقاد في القديم والحديث على أنّ شعر البُحتري كان من أعذبِ الشعر، واتفقوا على حلاوة ألفاظه، وعلى صفاء ديباجته، حتى أنه كان يُقال لشعره سلاسل الذهب.

قال أبو القاسم الإسكافي: "استظهاري على البلاغة بثلاثة: القرآن، وكلام الجاحظ، وشِعر البُحتري"

وللبحتري قصيدة جميلة في وصفِ الذئب الذي لقيَهُ في الصحراء وهو يشقّ البادية، قال فيها:

طَواهُ الطَوى حَتّى استَمَرَّ مَريرُهُ***فَما فيهِ إِلّا العَظمُ وَالروحُ وَالجِلدُ

يُقَضقِضُ عُصلاً في أَسِرَّتِها الرَدى***كقَضقَضَةِ المَقرورِ أَرعَدَهُ البَردُ

سَما لي وَبي مِن شِدَّةِ الجوعِ ما بِهِ***بِبَيداءَ لَم تُحسَس بِها عيشَةٌ رَغدُ

كِلانا بِها ذِئبٌ يُحَدِّثُ نَفسَهُ***بِصاحِبِهِ وَالجَدُّ يُتعِسُهُ الجَدُّ

عَوى ثُمَّ أَقعى وَارتَجَزتُ فَهِجتُهُ***فَأَقبَلَ مِثلَ البَرقِ يَتبَعُهُ الرَعدُ.


وكان البحتري حظّه جميلا، وقد حظيَ بمكانة كبيرة عند الخُلفاء والأمراء، وبعد وفاته روى الناس شعرهِ وأثنوا عليه، وفي عصرنا وصلنا ديوانه كاملا وطُبع طباعة أنيقة فاخر بتحقيق الأستاذ الشاعر: حسن كامل الصيرفي، في ستّة أجزاء عن دار المعارف.

وممن اختار من ديوان البحتري الأستاذ: عارف حجاوي، له اختيار جميل من ديوان البُحتري واختار نحو ألف بيت في كتابه: تجدّد الشعر، وشرحها على طريقته شرحا رائقا مُفيدا.


كُتبَ عن البُحتري دراسات كثيرة للمُعاصرين والمُتقدّمين:

 مِن كُتب المتقدمين كتاب: أخبار البحتري، لأبي بكر الصولي.

ومن أهم الكُتب المعاصرة عن البحتري كتاب الدكتور: يونس السامرائي، وهو مطبوع في جُزأين.



(‏ابن حزم)

هو: الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حَزْم الأندلسي، الفارسيّ الأصل، الأمويّ الولاء.

ولدَ سنة 384 وتوفي سنة 456 للهجرة.

وهُو من أعلام أئمّة الفقه والحديث، وهو خطيبُ مذهب أهل الظّاهر ولسانهم ومُقدّمهم، صاحبُ الكُتب العظيمة في أصول الدين وفروعه كالمُحلّى، وأصول الأحكام، والفَصل في الملل والآراء والنِحل، وكُتبه وتآليفه كثيرة جدا.

قال ابن قتيبة: من أراد أن يكونَ عالما فليطلب فنًّا واحدا، ومن أراد أن يكون أديبًا فليتفنّن في العلوم. وإذا أخذنا الأديب بهذا المُصطلح فلا ريبَ أنّ ابن حزن كان أديبا، لأنّ تفنن ابن حزم ومُشاركته في العلوم ظاهرة لا تحتاج إلى بُرهان.

قال صاعد بن أحمد  أبو القاسم: "كان أبو حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوْسعهم معرفة، مع توسّعه في علوم اللسان، ووفور حظّه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار"

والثناء على تفنّن ابن حزم في العلوم كثير، ومن الفنون التي كان لابن حزم فيها عناية خاصة فنّ الأدب، يقول تلميذهُ الحميدي: كان لمحمد بن حزم في الأدب والشعر نفس واسع، وباعٌ طويل، وما رأيتُ من يقول الشّعر على البديهة أسرع منه، وشِعره كثير جمعته على حروف المعجم" 

وقد بدأت عناية ابن حزم بالأدب والشعر من بداية أمره ومن صباه، يقول الذهبي: كان قد ظَهر أولا في الأدب والأخبار والشعر.

وهو أديب أيضا على الاصطلاح الحديث، الذي ثمرتهُ وغايته إتقان النثر والنظم على طريقة العرب، فإن نثر أبي محمد ليس في كُتب الأدب فقط، بل في سائر كتبه في علوم الشريعة، ونثرهُ في غاية الجمال والعذوبة والرقة.

لو لم يكن لابن حزم إلا كتابهُ: طوق الحمامة بما ضمّنه من نثره الفني، ومن شعره لوجبَ أن يُذكر في كبار كتّاب أُدباء عصره.

من كُتب ابن حزم كتاب: طوق الحمامة وهو كتاب أدبي في الحب، وقد ملأ ابن حزم هذا الكتاب بآرائه وتجارِبه ومُشاهداته، وشعره ونثره، فهو كتاب أدبي من الطّراز الرّفيع، وأفضل طبعات هذا الكتاب هي التي بتحقيق: عبد الحق التركماني عند دار ابن حزم الطبعة الثانية، وكُتبت عن هذا الكتاب دراسات كثيرة بالعربيّة وغيرها من أفضلها: دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمام، للدكتور: الطاهر أحمد مكي.


ولابن حزم كتاب آخر في غاية الجمال يَظهر فيه بيانه وإشراقه  بالإضافة إلى ما احتوى عليه من المعاني الجميلة، ومن فلسفة الأخلاق، وهو كتاب: الأخلاق والسير، ففيه كثير من التأملات النفسية وأفضل طبعاته عند دار ابن حزم بتحقيق: إيفا رياض.

 نصٌ لابن حزم من كتابهِ طوق الحمامة:

قال رحمه الله: "ولقد وطئتُ بساط الخلفاء، وشاهدتُ محاضِر الملوك، فما رأيتُ هيْبة تعدلُ هيبة مُحبٍ لمحبوبه، ورأيتُ تمكّن المُتغلبين على الرؤساء، وتحكّم الوزراء، وانبساط مدبّر الدُول، فما رأيت أشدّ تبجحا ولا أعظم سرورا بما هو فيه من محب أيْقن أن قلب محبوبه عنده، ووثِق بميله إليه، وصحة مودّته له.."

من أيباته رحمه الله:

أنا الشمس في جو السماء منيرةً***ولكنّ عيبي أنّ  مطلعِيَ الغرب

ولو أنني من جانب الشرق طالعُ***لجدُ على ما ضاع من ذكري النهب

ولي نحو أكناف العراق صبابةٌ***ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب

فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم***فحينئذ يبدو التأسف والكرب

فكم قائل أغفلته وهو حاضر***وأطلب ما عنه تجيء به الكتب

هنالك يدري أن للعبد قصة***وإن كساد العلم آفته القرب


وديوان ابن حزم الكبير الذي جمعهُ الحميدي على حروف المعجم لم يصلنا بتمامه وإنّما وصلتنا قطعة منه، وقد جُمع ما وصلنا من هذه القطعة بالإضافة إلى القصائد والأبيات المنثورة المذكورة له في كتب التراجم في بعض المجلات وطُبع بعدها، وأفضل هذه الجهود التي جَمعت شعر ابن حزم ما جمعه: عبد العزيز إبراهيم، في ديوان ابن حزم الأندلسي الصادر عن دار صادر.

الكتب التي تكلّمت عن ابن حزم كثيرة من أهمّها كتاب: ابن حزم خلال ألف عام وهو للشيخ الجليل: أبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، في أربعة أجزاء.

وكتاب: ابن حزم حياته وعصره، آراؤه وفقهه، للشيخ محمد أبي زهرة.

ومن الكُتب التي تناولت الجانب الأدبي لابن حزم كتاب: ابن حزم الأندلسي حياته وأدبه للدكتور: عبد الكريم خليفة.


(‏الحريري والمقامات)

الحريري هو: أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، نسبة إلى الحرير.

ولد في قرية قريبة من البَصرة اسمها: المشان، سنة 446.

نشأ في هذه القرية ثم انتقلَ إلى البصرة وقرَأ الأدب واللغة على كبار علماء وأعيان البصرة، من أشهرهم: علي بن الفضّال المُجاشعي، وقرأ على أبي القاسم القصباني، وسَمع الحديث من جماعة، وكان غايةً في الذكاء والفصاحة.

له مصنّفات غير المقامات، وإن كانت هيَ أشهرها، ومن مصنفاته: منظومة مُلحة الإعراب، وله شرح على ملحة الإعراب أيضا، وله كتاب: درة الغواص في أوهام الخواص.

ويُقال عنه رحمه الله: كان قذِرا في نفسه ولِبسه وهيْئته الظاهرة، بخيلا مُبتلى بنتفِ لحيته، وإن كان غنيا مُوسّعا عليه في رزقه.

عاش الحريري نحو سبعين سنة وتوفي في البصرة سنة 516.


(تعريف المقامات)

جمع مقامة، والمقامات في الأصل قصّة تحكي مغامرةً لأديب شحّاذ يُسمى مُكْدِي يتنقّل بيْن البُلدان ويحتالُ على الناس بفصاحته لكي ينال أموالهم، ومعه شخص راويةٌ يُشاهد ما يفعل ثم ينقل هذه المشاهد ويحكي ما رآه للناس، فالمقامة تقوم على هذين الشخصين.

نشأت هذه المقامات باتفاق المؤرّخين والباحثين في القرن الرابع الهجري على يد بديع الزمان الهمداني المتوفي سنة 398 حيثُ عمل مقاماته المشهورة التي وصلنا بعضها، وضاع أكثرها، وبعد البديع الهمداني حاول الناس أن يأتوا بمثلِ مقاماته التي بهرت الناس في عصْره وبعد عصره فلم ينجح منهم أحد، حتى جاءَ الحريري بعد مائة سنة وأنشأ مقاماته الخمسين المشهورة التي وصلتنا كاملة وشُرحت شروحا كثيرة جدا، وأقبلَ عليها النّاس وأنستهم مقامات البديع.

ونالت مقامات الحريري الحظّ والذيوع في عصره وبعد عصره، ورحلَ الناس إليه من المشرق والمغرب ليقرؤوها عليه ويَسمعوها منه.

وفي مقامات الحريري الشحاء الأديب المُحتال هو: أبو زيد السّروجي، والرّاوي الذي يحكِي هذه القصص عنه هو: الحارث بن همام، واختار الحريري اسم الحارث بن همام للرّاوي الذي يروي القصص وكأنه هو، لأنّ كلّ إنسانٍ هو: حارث بمعنى كاسِب، وهمّام بمعنى أنّ عندهُ إرادة.

يقول الحريري عن سبب تصنيف هذه المقامات:

"كان أبو زيد السّروجي شيخا شحاذا، ومكديا بليغا، ورَد علينا البصرة فوقفَ يوما في مسجد بني حرام فسلّم وسأل الناس وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاصٌ بالفُضلاء فأعجبتهم فصحاته، وحُسن صياغة كلامه وملاحَته، وذَكر أسرَ الرّوم ولده، واجتمع عندي عشيّة ذلك اليوم جماعة من فضلاء البصرة وأعيانها، فحكيتُ لهم ما شاهدتُ من ذلك السائل، فحكى كل واحد من جلسائه أنه شاهد هذا  السائل في مسجده مثل ما شاهدتُ وأنه سمع منه في معنَى آخر فصْلًا أحسنَ ممّا سمعتُ، وكل يُغيّر في كلّ مسجد زيّه، فأنشأتُ المقامة الحرامية ثم بنيتُ عليها سائر المقامات"


ومقامات الحريري هي في حقيقتها تُحفة فنّية، وثروة لغوية، وتقوم هذه المقامات -كلها- على شيء تشترك فيه وهو السجع والاحتفال بالمحسنات البديعية وهذا من أهم مميزات المقامات.

وصَف الحريري مقاماته في مقدّمتها فقال:

"تحتوي على جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغُرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره، إلى ما وشحتها به من الآيات، ومحاسن الكنايات، ورصّعتهُ فيها من الأمثال العربية، واللطائف الأدبيّة، والأحاجي النحوية، والفتاوى اللغوية، والرسائل المبتكرة، والخطب المُحبرة، والمواعظ المبكية..."

وللمقامات شروح كثيرة جدا، من أجلها شرح: أبي العباس الشريشي الأندلسي، وهو من أكبر شروحها، طُبع في خمس مجلّدات بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.


ومقامات الحريري فتحَت شهيّة الأدباء لمُعارضتها وتقليدها فألّفوا مقاماتٍ كثيرة وصنعوا مقامات لا تُحصى، وذهبوا بذلك مذاهب مُختلفة أكثرهم لم يلتزم فيها بالقصة، ولم يجعلها على هيئتها، وأبرع من جارى مقامات الحريري في أسلوبها وموضوعاتها الشيخ: ناصيف اليازجي في مقاماته: مجمع البحرين، وهي أقرب المقامات الأدبية إلى مقامات الحريري.


(‏محمد البشير الإبراهيمي)

هو: اللغوي البارع والمُصلح المجاهِد العلامة الشيخ: محمد البشير الإبراهيمي.

وُلِد في الجزائر سنة 1306 للهجرة، من قبيلة تُعرف بأولاد إبراهيم بن يحيى وهم من الأشراف الأدارسة.

نشأ في بيت علمٍ وفضل، وبدأ التعلّم وحفظَ القرآن في الثالثة من عمره، ولما بلغ سبع سنين تولّى تربيته وتعليمه عمّه الشيخ: مُحمد مكّي الإبراهيمي، فكان لا يُفارقه حتى في ساعاتِ نومه، واعتنى به عناية فائقة، حفظ معه ألفيّة ابن مالك وألفية ابن مُعطي في النحو، وألفية العراقي، وحفظ جَمع الجوامع في أصول الفقه وغير ذلك من أمّهات المتون، وحفظ حماسة أبي تمام وكثيرا من شِعر شعراء الأندلس.

 وحفظ بإرشاد عمّه أربعة كتب في اللغة قال عنها: كان لها أكبَر الأثر في تكوينِ ملَكته اللغوية، وهي: كتاب الفصيح لثعلب، وكتاب: إصلاح المنطق لابن السكّيت، وكتاب: كفاية المُتحفّظ لابن الأجدابي، والألفاظ الكتابية للهمداني.

 ثم تدرّج عمّه معه بدراسة هذه المتون التي حفظها، وحين توفّي عمه وهو ابن أربع عشرة سنة جلسَ مكانه للتدريس وشرعَ في تدريس العلوم التي تلقّاها عن عمه وارتحل إليْه الطّلبة.


ولما بلغَ عشرين سنة تاقت نفسهُ إلى الرّحلة إلى المشرق العربي، فرحل إلى المدينة المنورة ومرّ بطريقه على القاهرة وبقي فيها ثلاثة أشهر، ومكثَ في المدينة نحو ست سنين درسَ فيها علوم التفسير، والحديث، والفقه، والأنساب، ثم انتقلَ إلى دمشق وبقيَ فيها سنتين ودَرس فيها، ثم عاد إلى الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى ليبدأ رحلة عظيمة طويلة من الإصلاح والدّعوة والتربية، وأنشأ مع رفيقه ابن باديس جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين التي كان لها الدّور الكبير جدا في النّهضة العلميّة في الجزائر ومُناهضة الاستعمار الفرنسي، ويقول هو عن هذه المرحلة: هي مناط فخري وتاج أعمالي العلمية والاجتماعية.


ويُمْكن أن نُقسّم نثرَ البشير الإبراهيمي إلى ثلاثة أقسام:

الأول: المستوى العارض، وهو ما يكتبهُ لبلاغِ المعنى، لا يحرص فيه على البيان وتجويد اللفظ، وهذا كثيرا ما يقع في الكتابات السريعة.

الثاني: المستوى العام، وهو ما يُعالِج فيه الموضوعات العامة والسياسية والحياتية في الصحف، وهذا يلتزم فيه بنقاء اللغة وسلامتها دون أن يبلغ به الصنعة البيانيّة الرفيعة.

الثالث: المستوى العالي، وهُو ما يُحلّق فيه عاليا في كتابتهِ ويضع عليه خَتْم أسلوبه الذي يُميّزه عن غيره من فحول الأدباء، وفي آثاره المطبوعة المجموعة في خمس مجلدات كثير من هذا اللون.


والشيخ بكر أبو زيد يذكرُ البشير الإبراهيمي في كتُبه كثيرا، ويذكرُ ثلاثة تأثّر بأساليبهم البيانيّة وهم: محمد البشير الإبراهيمي، ومحمد الخضر حسين، ومحمد شاكر.

وللإبراهيمي ولعٌ كبير بالرجز، وقصائد كثيرة، وهو يرى هذا البحر من البحور المظلومة، ويرى أنّه بحر كسائر البحور من الناس من يُتقنه ومنهم من يضعُف فيه.

ومما يميّزه رحمه الله أنه كان يجمع بين فصاحةِ اللسان والقلم، فكان رحمه الله على إمامته وتقدّمه خطيبا مصقعا أثنى على بلاغتهِ وفصاحتهِ كلّ من قدّر له أن يشهد شيئا منه، وهو من خطباء الارتجال المفوّهين.


يقول رحمه الله في نص جميل: "والأديب إنما يكون أديبًا بحق حين يكون أمينَ القلم، صادق البيان، ينقل إحساسه إلى قارئه في عمق وصدق، فلغةُ الأدب هي وحدها ترجمان الأمين لعواطف هذه الشّعوب، واللسان المبين الذي يعرِض خلجاتها، ويفصح عن آلامِها وآمالها."


توفي رحمه الله: 1385، 1965.

من أهمّ ما كُتِب عنه: عدد خاص من مجلّة الثقافة الجزائرية العدد السادس والثمانون، شاركَ فيه طائفة من تلاميذه وعارفِيه، ثم نُشَرت بعد ذلك في كتاب بعنوان: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بأقلام معاصريه.



(‏محمد الخضر حسين)

واسمه محمد الخضر مركّب، ووالده: حسين.

ولد في تونس سنة: 1293.

ولِد في أسرةِ دينٍ وعلم، وأصلها من الجزائر.

نشأ الشيخ الخضر حسين في بلدة نِفْطَة جنوب تونس، وكانت نِفطة حاضرة من حواضر العلم، وكانت تُسمّى الكوفة الصغرى، حفظَ القرآن ودرَس علوم الشريعة على عدد من علماء بلده وخاصة خاله العلامة: محمد مكي، العالم المشهور الذي أوْلاهُ رِعايته واهتمامه وكان له فيه أثرٌ كبير.


ثم انتقلَ مع أُسرته إلى العاصمة تُونس وهو في الثانية عشرة من عُمره، ودخلَ جامع الزيْتونة السنة التالية طالبا للعلم مُتلقّيا عن الأساتذة الكبار، وقد أُغْرِم كما يقول من أول عهده بالأدب والشعر.


وامتدّت صداقة محمد الخضر حسين بالطاهر بن عاشور ستّين سنة، ووصفَ محمد الخضر حسين هذه الصداقة حين سُئل عنها فقال: 

 أحببته ملء الفؤاد وإنّما***أحببتُ من ملأ الوداد فؤاده

فظفِرت منه بصاحب إن يدرِ ما***أشكوهُ جافى ما شكوت رقاده

ودريتُ منه كما درى منّي فتى***عرفَ الوفاءُ نِجاده ووِهاده


رحل الشيخ محمد الخضر رحلاتٍ كثيرة إلى المشرق وغيرِ المشرق، فرحل أوَّلا إلى الجزائر، ثمّ رحلَ إلى مصر والشام واسطنبول وألمانيا، وتعلّم اللغة الألمانية في ألمانيا، وأثْرَى مراحل عُمره وأكثرها إنتاجا وأطوْلها كانت هي التي عاشها في القاهرة، فقد عاش في القاهرة أربعين سنة ونشرَ مقالاتهِ في الصّحف والمجلّات، وحملَ الجنسيّة المصريّة وعُيّن في مَجمع اللغة العربية في القاهرة، وعُيّن في هيئة كبار العلماء، ودرّس في الأزهر ثم تولّى مشْيخةَ الأزهر، وأنشأ في القاهرة مجلة الهداية الإسلامية، ورَأَس تحرير مجلّة نور الإسلام.


كُتُب الشيخ ومقالاتهِ كثيرة منها وهيَ التي تتّصل برواق الأدب:

كتاب: بلاغة القرآن، وهو مجموع مقالات لخضر حسين في هذا الموضوع عالجَ فيها بعض النواحي البيانيّة في القرآن.

ومن كُتبه التي كانت في الأصل مُحاضرات: حياة اللغة العربية، تحدّث عن حياة ألفاظ اللغة العربية، واتساع نِطاقها.

ومن كُتبه: الخِطابة عند العرب، عرَّف فيه الخطابة وذكرَ أطوارها وأسباب ارتقائها، وأسباب انخفاضِها، وهو له اهتمام كبير بالخطابة.

وأجلّ كُتبه في العربية وآدابها كتابان:

الأول: كتاب القياس في اللغة العربية.

الثاني: كتاب نقض كتاب الشّعر الجاهلي لطه حسين، وكان من أهمّ الردود التي كُتبت عليهِ باعتراف طه حسين نفسِه، ناقش فيهِ طه حسين مناقشة دقيقة.

وله كتاب جميل يَظهر فيه ذوق الخضر حسين، وهو كتاب: الخيال في الشعر العربي، انتقدَ في هذا الكتاب تعريف القدماء للشعر، واهتمامهم باللفظ دون الروح والخيال والتخيّل.

وكتَب الخضر حسين عن أدَب الرّحلة وعن رحلاته إلى الجزائر والشام واسطنبول وألمانيا، ومن أجملِ ما كتبهُ: رِحلته إلى ألمانيا وهي مقالات سمّاها: مشاهد برلين.

وللشّيخ الخضر حسين ديون اسمه: خواطر الحياة، ضمّ إليه كثيرا من قصائده وأشعاره ومُقطّعاته.


وشِعر الخضر حسين في كثيرٍ منهُ جَزالة، وفيه جودة، وفي بعضه يقتربُ من شعر الفقهاء وأهل العلم، وأمّا أسلوبه في النثر فأسلوبهُ مشرقٌ مبينٌ مرتفع عالي الطّبقة.


نُشرت جلّ أعمال الشيخ محمد الخضر في موسوعة ضخمة في خمسة عشرة مجلدا بعناية ابن أخيه المحامي، علي الرضا الحسيني، ونُشرت في دار النوادر في دمشق، وهي موسوعة في غاية الجودة والفائدة ويجبُ أن يَحرص عليها طلاب العلم.

كُتب عن الشيخ الخضر حسين كثيرا، ومن أهمّ ما كُتب عنه:

كتاب: محمد الخضر حسين حياته وآثاره لمحمد مواعدة.

كتاب: الشيخ محمد الخضر حسين سيرته ومؤلفاته، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.


(‏محمد كرد علي)

وُلد الأستاذ محمد كرد علي في دمشق التي أحبّها وكتب عنها وعن غوطتها سنة 1293 للهجرة، كردي الأصل، إسلامي الانتماء، عربي الهوى، سلفي النزعة.


كان له منذُ صِغره صحبة للكتاب ولم يُفارقه حتى وفاته، وكانت أمهُ تزيده حبا للكتب، وفرِح أبوهُ بإقبالهِ على الكتب وصار يشتريها له.


تتلمذ كرد علي بالشام على الشيخ طاهر الجزائري، وانتفع به، وأطال صحبته، وترجم له، وكان له العامل الأكبر في توجيهِ إرادته نحو دعوتهِ إلى الإصلاح الاجتماعي والإقدام على التأليف والنشر والحرص على تراث حضارتهم.


تعلّق محمد كرد علي بالقراءة من صِغره وتعلق بالصحف والمجلات التي كانت تصدرُ في ذلك العهد ولم يبلغ السادسة عشرة من عُمره حتى كان يكتبُ في تلك الصحف، وتولّى بعد ذلك رئاسة كثير من المجلات والصُّحف في الشام وفي مصر، وكان من أشهر كتّاب المجلات الكبرى في ذلك العصر بالإضافة إلى مجلّته التي أنشأها وهي: مجلّة المقتبس.


ولم تقتصر قراءة محمد كرد علي على المجلات، فقد قرأ كثيرا بفضل إرشادِ أستاذه الطاهر الجزائري كثيرا من كُتب التراث العربي، ويقول عن قراءته الاولى التي شكّلت تكوينهُ وثقافته:

"أهمّ ما أولِعت بمطَالعته بعد درْس المطبوع من كُتب الأدب العربي وجانبٍ منَ المخطوط الذي عثرتُ عليه؛ كتُبَ الفلاسفة، وعلماء الاجتماع، وأصول الشعوب، ومدنيّاتِهم، وطالعتُ بالفرنسيّة أهمّ ما كتبه فولتير وروسّو وغيرهم، وتدارستُ المجلات الفلسفية الاجتماعية والتاريخية والأدبية باللغة الإفرنجية، وجريتُ منذ نشأتُ على قاعدة مضطرِدة لم أتخلّف عنها قيْد شبر وهي أن أقرأ أكثر مما أكتب وقلما دوّنت موضوعا لم أدرسهُ بالجُملة ولم تتشرّبه نفسي."


أسلوبُ محمد كرد علي في الكتابة من أجملِ الأساليب وأجزلها وهو: أسلوب الترسّل المطبوع الذي يجري على طريقة ابن المقفع، والذي يُزاحم به الفحول من أهلِ البيان المُتقدّمين.


سُئل محمد كرد علي عن الطرّيقة التي يسلكها حتى كان له هذا الأسلوب من الإنشاء فقال:

"إني أتلو القرآن بتدبّر، قرأتهُ على أساليبَ مختلفة لتفهّمه وتمثّل بلاغَته، وإنّي طالعتُ طرفا صالحا من الحديث ككتب البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة، وحفِظتُ المعلّقات السّبع وطرَفا صالحًا من دواوين العرب، وحفظتُ نصفَ ديوان المتنبّي وعدة قصائد لعمرو بن أبي ربيعة، والبحتري، وأبي تمام، والرضي، وابن الرومي، وغيرهم من الشعراء المُحدثين والمُخضرمين، وتدارستُ الكامل للمبرّد، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والتاريخ اليميني للعتبي، والمثل السائر لابن الأثير، و استظهرتُ أشياء كادتْ أن تُفسد عليّ ملَكتي كمقامات الحريري، ورسائل الهمذاني، ومقاماته، ورسائلَ الخوارزمي.." يقصدُ أن هذهِ الكتب التي تهتمّ بالصنعة البديعيّة، والمُحسّنات، والألفاظ الصناعيّة، هذه كادت أن تُفسِد عليه ملَكته لأنّ أسلوبه لا يقوم على ذلك، أسلوبهُ يقوم على الترسّل المطبوع الذي لا يحتفل بهذه المحسّنات.


يُعدّ محمد كرد علي من المُكثرين من الكتابة والتأليف، ويبلغُ ما كتبه في مجلّة المُقتبس وحدها آلاف الصفحات، وتنوّعت آثاره ما بيْن تحقيق لنصوصٍ مخطوطة، ومَا بين تأليف سواء كان تأليفا مُبتكرا جديدا، أو مقالاتٍ ثمّ جمَعها في كُتب، وله يد في الترجمة، وله في الجزء الأول من المُذكرات فصل جميل بعنوان: كيف وضعتُ تآليفِي، وهو فصل يستحق أن يُقرأ.


من أهمّ كُتبه التي تتصِل برواق الأدب:

كتاب: غرائب الغرب، وهو كتاب طريف جمع فيه وصف رحلاته الثلاث إلى أوروبا وهو يصوّر فيه ما سمِع وما رأى وما قرأ بأسلوب أدبي جميل.

كتاب: القديم والحديث، وهو مجموع من مقالاته، عالج فيها موضوعات أدبيّة مُختلفة وفكريّة واجتماعية وهو في جزء واحد.

ومن كتبه: أقوالنا وأفعالنا، وهو مجموع من مقالاته، وهو في النقد الاجتماعي السلوكي والمعرفي لعصره، ويستحقّ أن يُقرأ.

وله كتاب مشهور من أجلّ كتبه: وأعظمِها وأخلَدها وألصَقها بالأدب وهو كتاب أُمراء البيان، هذا الكتاب هو فصول أنشأها في التّعريف ودراسة عشرةٍ من أكابر الكُتّاب في التراث العربي، وهو من أهمّ الكتب التي لا بد للطالب من قرائتها.

وله كتاب في التّراجم وهو: كنوز الأجداد، درَس فيهِ إحدى وخمسين ترجمة لأعلام التّراث العربي والإسلامي.

توفي الأستاذ كرد علي في السابعة والسبعين من عمره سنة 1953، ودُفن في مقبرة الباب الصغير في دمشق التي أحبها وكتب عنها بجوار قبر معاوية رضي الله عنه.


من أهمّ الكُتب التي ترجمت له، ما ترجمهُ هو لنفسه في مذكّراته، ومذكراته سجلٌ حافل لآرائه ومُشاهداته وسجلاته وخواطره وأفكاره.

وممن كتب عنه: الدكتور الشاعر شفيق جبري، وهو من أصحاب محمد كرد علي ألقى محاضراتٍ عن محمد كرد علي وطُبعت بعد ذلك.

كتبَ الدكتور: سامي الدهان عن محمد كرد علي كتابا جيدا، وكَتب كتابا أوسعَ منه جمال الدين الآلوسي، وهو من أوسعِ الكُتب التي ترجمت لمحمد كرد علي.


(‏إنشَاد الشِّعر)

أصلُ النّشيد في اللغة هو: رفعُ الصوت، ومنهُ الذي يُنشد الضالة، ثم تطوّرت هذهِ الكلمة دلاليًّا فأصبَحت تُطلق على تنْغيمِ الصّوت وتلحِينه، ونأخذُ من هذا أنّ إنشاد الشّعر لا بُد أن يكون بصوتٍ مُرتفع، فلا يصلح أن يُلقى الشعر بصوت مُنخفض.


والأصل أنّ الشاعر هو الذي يُنشد شعره، لأنّ شعر الإنسان قطعة من نفسه، يقول المازني:

وأعذب منه الشعر يتلوهُ ربه***ويُفرغ فيه روحه وهو ينشد

يُحِسُّ إذا أجرى اللسان كأنّما***لماضي شَجاه كرة وتردّد

وإذا أنشد غير الشاعر شعرهُ فعليْهِ أن يتشرّب عواطف الشاعر وأن يُحسّ بها وأن يعيشها، وأن يجتهد في إيصالها للسّامع كما لو كان الشاعر هو الذي يُلقي شعره.

وممّن عُرف بحُسن الإنشاد من الشعراء: الأعشى، وكان يُقال له صناجة العرب، لحُسن إنشادِه لشعره.

ومنهم: عبّاد العنبري، هذا الشاعر الأموي، كان يقول له الفرزدق: حُسن إنشادِك يُزيّن الشعر في فهمي.

ومن أحسنِ الشعراء إنشادا في هذا العصر الشاعر: حافظ إبراهيم، ولهُ في ذلك قصص وأخبار كثيرة، وكان يُنغّم شعره ويتفاعل معه كثيرا، ومثل: علي الجاري فقد كان من أجل الناس إنشادا للشعر.


وكان من الشعراء من لا يُحسن أن يُنشد شعره، منهم الشاعر: الكُميت الأسدي لما أصمّ في آخر عمره فكان إذا استنشده أحدٌ شعره أمر ابنه المُستهل فأنشده شعره.

 ومنهم: أبو تمام، كان الذي ينشد شعره أخاه، لأن أبا تمام كان في لسانه حُبْسة تعتريه أحيَانا إذا تكلّم.

ومنهم: الشريف الرضي فلم يكن يُنشد شعره حياءً ورهبة.

ومن أشهر المعاصرين الذين لم يكونوا يُنشدون أشعارهم، أمير الشعراء: أحمد شوقي، وكان يُنشده عنه حافظ إبراهيم وغيره، وقيل سبب ذلك: أن صوته كان ضعيفا.


من الأخبار الطريفة: أن الشاعر كعب بن زهير كان إذا أنشد شعره قال لنفسه أحسنتُ وجاوزتُ والله حدّ الإحسان، فيقال له: أتحلف على شعرك؟ 

فيقول: نعم لأني أبصرُ به منكم.

وكان البحتري إذا أنشد شعره يتوجّه إلى السّامعين ويقول لهم: لماذا لا تقولي لي أحسنتَ! هذا والله لا يُحسن أن يقولهُ كلّ أحد.


 وكانت عادة الشعراء أن يُنشدوا شعرهم قيامًا، وممّن خالف في ذلك أبو الطيب المتنبي، فكان لا يُنشد شعره إلا جالسا يأخذ في ذلك مذهب الطّرماح بن حكيم ومذهب الفرزدق على طريقته بالفخر والاعتزاز بنفسه، وكان يفعل ذلك عند سيف الدولة.

وعلى الإنسان إذا قرأ الشّعر أن يُراعي المعَاني ويقفُ حيث ينبغي الوقوف سواء في وسط البيْت أو بعد أن ينتهي الشّطر أو في الشطر الثاني.


وفي أخبار الشعراء وإنشاد الشعر كتاب: الشعراء وإنشاد الشعر، للدكتور علي الجندي وهو كتاب مُبْتكر لأنه التقطهُ من مواضعَ مُختلفة من كتب الأدب والتاريخ، فجمَعها في مقام واحد ورتّبها ترتيبا حسنا.


________________

تم بحمد الله...


خلاصة رواق الأدب

‏(خُلاصة رُوَاق الأدَب) استمتَعتُ بمُشاهدة حلَقات برنامج: رُواق الأدَب، للدكتور: عبد الرحمن قائد جزاهُ الله خيرا، وهو برنامج أدبيٌّ جميل، تن...