الأحد، 22 ديسمبر 2019

فوائد مُختارة من فتح الباري شرح صحيح البخاري " كتاب العلم "

كتاب العلم


باب فضل العلم 

 قال الله تعالى:{يرفعُ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}

قيل في تفسيرها: يرفعُ الله المؤمن العالِم على المؤمن غيرِ العالم ، ورفعة الدرجات تدلُّ على الفضل ، إذِ المُراد به كثرة الثواب ، وبها ترفع الدرجات ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحُسن الصِيت والحسيّة في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة.

وقوله عزّ وجل {وقل ربِّ زدني علمًا} واضح الدلالة في فضل العلم ،  لأن الله تعالى 
لم يأمر نبيّه بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم ،والمراد به : العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المُكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته،وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص .



حديث 59 (..فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )

(1)          (باب من سئل علما وهو منشغل في حديثه..) أخَذَ بظاهرِ هذهِ القصة مالك 

وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا"لا تقطع الخطبة لسؤال سائل بل إذا فرغ يُجيبه"

وفصّل الجمهور بيْن أن يقع ذلك في أثناءِ واجباتها فيؤخر الجواب أو في غير 

الواجبات فيجيب ، والتفصيل أنّه إن كان مما يُهتم به في أمر الدين ولا سيما إن اختصّ 

بالسائل فيستحبّ إجابته ثم يُتِم الخطبة ، وإلا فيؤخر .



(2) فقال بعض القوم سمع ما قال ، حصل لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات

 النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى سؤاله ، ويُحتمل أن يكون أخّره ليُكمِل الحديث الذي 

هو فيه ، أو أخّر جوابه ليوحَى إليْه به.


(3) إذا وسِد الأمر إلى غير أهله ، مناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى 

غير أهلهِ إنّمَا يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم ، وذلك من جملة الأشراط ، وكأنّ

 المصنف أشارَ إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر .

حديث 61 "..إنّ من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم"


(4)، وجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط  الورق  وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها مستمرّة في جميع أحوالها ، فمن حين 
تطلع إلى حين تيبس تؤكل أنواعًا ، ثم بعد ذلك يُنتفع بجميع أجزائها ، وكذلك بركة 
المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعهُ مستمر له ولغيْره حتى بعد موته.


(5) وقع عند المصنف من طريق نافع عن ابن عمر"أخبروني بشجرة كالرجل المسلم 
لا يتحات ورقها ولا ولا ولا " كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء 
قيل في تفسيرها : ولا ينقطع ثمرها ، ولا يعدم فيؤها ، ولا يبطل نفعها .

(6) ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ، في الحديث من الفوائد: امتحان العالم
أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه 
وفيه:استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ،ولهذا تمنّى عمر أن يكون ابنه لم يسكت 
وفيه: دليل على بركة النخلة وما تـثمره 
 وفيه: دليل :على أن بيع الجمار جائز ، وفيه دليل:على جواز تجمير النخل
 وفيه:ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن 

 وفيه إشارة :إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره  من جميع
وجوهه. 
(7) استَدلّ بالحديث مالك على أن الخواطر التي تقع فِي القلب من محبّة الثناء على 
أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله ، وذلك مُستفاد من تمني عمر المذكور 
،ووجه تمني عُمر ما طُبع الإنسان عليه من محبّة الخير لنفسه وولده ، ولتظهر فضيلة 
الولد في الفهم من صغره وليزدادَ من النبيّ-صلى الله عليه وسلم - حظوة .


" باب القراءة والعرض على المُحدث"

كان بعض السلف لا يعتدون إلا بما يسمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم ،ولهذا بوب البخاري على جوازه وأورد فيه قول الحسن البصري "لا بأس بالقراءة على العالم " 
والمشهور الذي عليْه الجمهور أنّ السماع من لفظ الشيخ أرفع رُتبة من القراءة عليه ، ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أوْلى ، ومن ثم كان السماع من لفظه في 
الإملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب .
 .
حديث 63 "ينما نحن مع النبي ..إذ دخل رجل على جمل فأناخه...

(8) ثم عقله في المسجد ،استنبط منه ابن بطال وغيره طهارة أبوال الإبل وأرواثها ، إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد ، ودلالته غير واضحة ،ويدفعه رواية أبي نعيم "أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فعقله ثم دخل" .
  بين ظهرانيهم، أي بينهم ، وفيه: ما كان رسول الله عليه من ترك التكبر ، وزيد
لفظ الظهر ليدلّ على أن ظهرًا منهم قدامه ، وظهرا وراءه ، فهو محفوف بهم من
 جانبيْه.

(9) فلا تجد،أي: لا تغضب ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر 
بحسب اختلاف المعاني 
 أجبتك ،ولم يخاطب النبي بما يليق بمنزلته من التعظيم ، والعذر عنه -إن قلنا إنه قدم مسلما -أنه لم يلغهُ النهي ، وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب ،فكان الصحابة وافقون عند النهي ، وأولئك يعذرون بالجهل ،وتمنوه عاقلا ليكون عارفًا بما يسأل عنه ، وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسـألته لظنّه أنه لا يصل إلى مقصوده إلا بِتلكَ المُخاطبة .

(10) أنشدك،وأصله من النشيد ، وهو: رفع الصوت ، والمعنى سألتك رافعا نشيدتي .

(11) آمنت بما جئت به، يُحتمل أن يكون إخبارا ، وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتا 
من الرسول ما أخبره به رسولهُ إليهم ، واستنبط منه الحاكم أصل علو الإسناد.

 ويُـحتمل أن يكون قوله"آمنت" إنشاء ،رجحه القرطبي لقوله"زعم"قال:والزعم القول الذي لا يوثق به.

ومما يؤيده أن قوله آمنت إخبار ، أنه لم يسأل عن دليل التوحيد بل عن عموم 
الرسالة ، وعن شرائع الإسلام ، ولو كان إنشاء لطلب مُعجزة توجب له التصديق 
وكذا أشار إليه ابن الصلاح.

حديث 66 "باب من رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها"

(12) فأوى فآواهُ الله ، معنى آوى إلى الله لجأ إلى الله ،أو على الحذف انضم إلى 
مجلس رسول الله.

ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله بأن ضمّه إلى رحمته ورضوانه ،وفيه الثناء
 على من زاحم في طلب الخير .

(13) فاستحيا، أي ترك المُزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي –صلى الله عليه 
وسلم - وممن حضر

 فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث (فاستحيا الله منه) 
رحمه ولم يُعاقبه.

(14) ڤاعرض الله عنه، أي سخط عليه،وهو محمول على من ذهب معرضا لا 
لعذر،ويُحتمل أن يكون منافقًا
ويُحتمل أن يكون قوله "فأعرض الله عنه" إخبارا أو دعاء .

حديث  67 ، باب قول النبي (رب مبلغ أوعى من سامع )

 (15) أي يوم هذا ،قال القرطبي: سؤاله عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان 
لاستحضار فهُومهم وليُقبِلوا عليْه بكليّتهم ، ولذلك قال بعد هذا فإن دماءكم.. مبالغة 
في بيان تحريم هذه الأشياء.

(16)ومناط التشبيه في قوله(كحرمة يومكم) وما بعده ظهوروه عند السامعين،لأن 
تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض 
فكانوا في الجاهلية يستبيحونها.
                         

باب العلم قبل القول والعمل

(17) قال ابن عباس: (كونوا ربانيين) حكماء فقهاء.

ويقال:الرباني الذي يُربّي الناس بصغار العلم قبل كباره.

(18باب العلم قبل القول والعمل، قال ابن المنير: أراد أن العلم شرط في صحة 
القول والعمل ، فلا يعتبران إلا به ،  فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنيّة المصحّحة
 للعمل .

(19)من سلك طريقا يلتمس بهِ علما سهل الله له طريقا ، أي: في الآخرة ، وفي 
الدنيا بأن يوفّقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة ، وفيه بشارة بتسهيل العلم على
 طالبه لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة .

حديث 68 (باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة)
             
(20) يتخولنا،أي كان يراعي الأوقات في تذكيرنا ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل.

(21) كراهة السآمة علينا،أي السآمة الطارئة علينا،يستفاد منه استحباب ترك 
المداومة في الجدّ على العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة
 والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط.


حديث 69 " يسروا ولا تعسروا"

(22)تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج ، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب 
إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده .

حديث 71 ، باب ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)

               (23) هذا الحديث مُـشتمل على ثلاثة أحكام:-
                                       
١-فضل التفقه في الدين

٢-أن المعطي في الحقيقة هو الله

٣-أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبدا

حديث 73 (لا حسد إلا في اثنتين..)

(24) لا حسد ،الحسد تمنّي زوال النعمة عن المُنعم عليه،وخصّه بعضهم بأن يتمنى 
ذلك لنفسه ، والحقُّ أنه أعم ،وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك ، وينبغي لمن 
يخطر ذلك بباله أن يكرههُ كما يكره ما وضع في طبْعه من حب المنهيّات.

(25) لا حسد ، الحسد المذكور في الحديث هو الغبطة،وأطلق عليه الحسد مجازا 
وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه ، والحرص على هذا 
يسمى منافسة ،فإن كان في الطاعة فهو محمود،وإن كان في المعصية فهو مذموم.

(26 (ورجل آتاه الله الحكمة ، والمراد بها القرآن ، وقيل: المراد بالحكمة كل ما منع 
من الجهل والزجر عن القبيح.

باب (متى يصح سماع الصغير؟ )

(27) مقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطا في التحمّـل ، وأشار
المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد ابن حنبل ويحيى ابن معين رواه الخطيب 
في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحيى قال:أقل سن التحمّل خمس عشرة ، 
لكون ابن عمر رُدّ يوم أحد إذ لم يبلغها.
فبلغ ذلك أحمد فقال بل إذا عقل ما يسمع وإنما قصة ابن عمر في القتال .

(28) ثم أرسلت الأتان ترتع، أي تأكل ما تشاء وقيل:تسرع في المشي والأول أصوب.

(29) فلم ينكر ذلك علي أحد، قيل:فيه جوزا تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة 
الخفيفة لأن المرور مفسدة خفيفة ، والدخول في الصلاة مفسدة راجحة ، واستدل ابن 
عباس على الجواز بعدم الإنكار لانتفاء الموانع إذ ذاك ، ولا يقال منع من الإنكار
اشتغالهم بالصلاة لأنه نفى الإنكار مطلقا ، ،وأيضا فكان الإنكار يمكن بالإشارة.

حديث77 ، (عن محمود ابن الربيع عقلت من النبي مجة مجّها...)

(30) عقلت ، أي: حفظت (مجة) المج هو: إرسال الماء من الفم ،وقيل: لا يسمى 
مجا إلا إذا كان على بُعد،وفعله النبي-صلى الله عليه وسلم- مع محمود إما مداعبة أو 
ليبارك عليه بها.

حديث 79 (باب فضل من علِم وعلّـم)

حديث "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث...."

(31) الهُدى،أي: الدلالة الموصلة إلى المطلوب ، والعلم المراد به "معرفة الأدلة 
الشرعية"

(32 (فكان منها نقية،كذا عند البخاري في جميع الروايات،لكن وقع عند الخطابي والحميدي "ثغبة" قال الخطابي : هي مستنقع الماء في الجبال والصخور 
قال القاضي عياض:هذا غلط في الرواية وإحالة للمعنى لأن هذا وصف الطائفة الأولى 
التي نبتت وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء.

ثم قرأت في شرح ابن رجب قال: والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس.

 ومنه{فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية}

(33) الكلأ والعشب، الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا ، والعشب الرطب
 فقط.

(34) هي قيعان،جمع قاع وهي الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
 .

(35) قال القرطبي وغيره:ضرب النبي-صلى الله عليه وسلم- لما جاء به من الدين
 مثلا بالغيث العام الذي يأتي في حال حاجتهم إليه ، وكذا كان الناس قبل مبعثه فكما 
أن الغيث يحيي البلد الميت فكذلك علوم الدين تحيي قلوب الميت.

(36)ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث ، فمنهم العالِم 
العامل المعلم ،ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو 
لم يتفقه فيما جمع لكنه أدّاه لغيره ، ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به 
ولا ينقله لغيره.

باب رفع العلم وظهور الجهل

(37) قال ربيعة "لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه" ،ومرادهُ أن

 من كان فيه فهم وقابليةٌ للعلم لا ينبغي له أن يُهمل نفسهُ فيترك الاشتغال ، لئلا يؤدي 
ذلك إلى رفع العلم ، أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك
 فيؤدي إلى رفع العلم .
أو مراده أن يُشهر العالم نفسه ويتصدّى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه
وقيل مراده: تعظيم العلم وتوقيره فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضا للدنيا واللائق 
بتبويب المصنف ما تقدم.

حديث 80"إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم..."


(38) ويثبت الجهل،أي: ينتشر

حديث (81) " إن من أشراط الساعة أن يقل العلم...وتكثر النساء.."

(39) أن يقل العلم ،  وفي  رواية مسلم "أن يرفع العلم " ويُحتمل أن يكون المراد 
بقلّته أول العلامة وبرفعه آخرها ، أو أطلقت القلّة  وأريدَ بها العدم ، كما يطلق العدم 
ويراد به القلة وهذا أليق لاتحاد المخرج .

(40) وتكثر النساء ، قيل :أن سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل
 الحرب دون النساء ،والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر بل يُقدر الله في آخر 
الزمان أن يقلّل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث ، وكون كثرة النساء
 مناسب لظهور الجهل ورفع العلم.

باب فضل العلم

(41) الفضل هنا بمعنى الزيادة أي:ما فضل عنه ، والفضل الذي تقدم في أول كتاب
 العلم بمعنى الفضيلة ، فلا يظن أنه كرره.

حديث 82 "بينا أنا نائم أتيت بقدح..."

(42)  قال العلم  ، وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما .

قال ابن المنير " وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة أنّه عبر عن العلم بأنه 
فضلة النبي - صلى الله عليه وسلم-  ونصيب مما آتاه وناهيك بذلك.

حديث (85) " يقبض العلم ويظهر الجهل....ويكثر الهرج.."

(43) يقبض العلم ، يفسر المُراد بقوله قبل هذا "يرفع العلم " والقبض يفسره حديث
 عبد الله بن عمرو الآتي بعد أنه يقعُ بموت العلماء .


حديث ( 95 "..إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا..وإذا أتى على قوم فسلم سلم .."

(44) فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا ، قال الإسماعيلي "يشبه أن يكون ذلك كان إذا 
سلم سلام الاستئذان ،وأما أن يمر المارّ مسلما فالمعروف "عدم التكرار ، قُلت: 
ويحتمل أن يكون ذلك يقع  أيضا منه إذا خشي أنه لا يسمع سلامه.

حديث 97 " ثلاثة لهم أجران ،رجل من أهل الكتاب.."

(45) ثلاثة لهم أجران ، تقديره :ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة

(46) من أهل الكتاب ، لفظ الكتاب عام ومعناه خاص ، أي المنزل من عند الله ، 
والمُراد به التوراة والإنجيل ، وقيل: المُراد به هنا الإنجيل خاصة إن قلنا إن 
النصرانية ناسخة لليهودية ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ لأن عيسى كان قد أُرسل إلى
بني اسرائيل بلا خلاف فمن أجابه منهم نسب إليه ،ومن كذبه منهم واستمر على 
يهوديّته لم يكن مؤمنا فلا يتناوله الخبر ، لأن شرطه أن يكون مؤمنا بنبيه ، فمن 
أدرك بعثة محمد ممن كان بهذه المثابة وآمن به لا يشكل أنه يدخل في الخبر المذكور .

(47) آمن بنبيه وآمن بمحمد ، ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها 
ممن دخل منهم في اليهودية ولم تبلغهم دعوة عيسى لكونه أرسل إلى بني إسرائيل 
خاصة وثبت أن قوله تعالى {أولئك يؤتون أجرهم مرتين } نزلت في طائفة منهم  
كعبد الله بن سلام وغيره ،فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا 
على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد وقد ثبت انهم يؤتون أجرهم مرتين.

(48) آمن بنبيه وآمن بمحمد ، قال الطيبي : يحتمل إجراء الحديث على عمومه إذ لا
 يُبعد أن يكون طِريان الإيمان بمحمد سببًا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة .

(49) قال أبو عبد الملك البوني وغيره ، إن الحديث لا يتناوله اليهود البتّة ، وليس 
بمستقيم كما قررناه.

حديث 100 "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا.."

(50)لا يقبض العلم انتزاعا ، أي محوًا من الصدور .

(51) فأفتوا بغير علم ، في هذا الحديث الحث على حفظ العلم ، والتحذير من ترئيس 
الجهلة .
وفيه: أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يُقدم عليها بغير علم ، واستدل به الجمهور على القول بخلو الزمان عن المجتهد .


حديث 106 ، (لا تكذبوا علي فإنه من كذب عليّ فليلج النار)


(52) لا تكذبوا علي ، هو عام في كل كاذب ، مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه لا 
تنسبوا الكذب إلي ، وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب
وقالوا "نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله عليه 
السلام ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية 
سواء كان في الإيجاب أو الندب .

حديث 107 (من كذب علي ..مقعده من النار)


(53) عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير إني لا أسمعك تحدث

 عن رسول الله كما يحدث فلان وفلان قال :أما إني لم أفارقه ولكني سمعته يقول من 

كذب علي.. ، وفي تمسّك الزُبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة 
التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه ،ولو 
كان مخطئا والزبير خشيَ من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر ، لأنه وإن لم 
يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنّة الخطأ ،فلذلك توقّف الزيبر وغيره من 
الصحابة ، وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم واثقين من أنفسهم بالتثبت ، أو 
طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان.

(54) فليتبوأ ، فليتخذ لنفسه منزلّا ، يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا ، وهو 
أمرٌ بمعنى الخبر أيضا ، أو بمعنى التهديد أو التهكم أو دعاء على فاعله أي:بوأه الله ذلك .
ويمتاز الكاذب على الرسول من الوعيد على من كذب على غيره من وجهين:-

أحدهما :أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم وهو الشيخ أبو محمد الجويني وضعفه إمام الحرمين وغيره ، والجمهور لا يكفر إلا إذا اعتقد حلّ ذلك .

الثاني:أن الكذب عليه كبيرة  والكذب على غيره صغيرة فافترقا.

باب كتابة العلم


حديث 111"..إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم.."

(55) إلا كتاب الله ، معناه :لكن إن أعطى الله رجلا فهما في كتابه فهو يقدِر على
 الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار ، فلم يُرد بالفهم شيئا مكتوبا.

حديث 113 .".سمعت أبا هريرة يقول ما من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- 
أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من ابن عمرو"

(56) فإنه كان يكتب ولا أكتب ، مع أن الموجود المروي عن ابن عمرو أقل من 
الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة فإن قلنا إن الاستثناء منقطع فلا 
إشكال إذ التقدير "لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني ، وإن قلنا إن 
الاستثناء متصل فالسبب فيها من جهات :-

أن عبد الله كان منشغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلّت الرواية عنه.

* أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو الطائف ولم تكن الرحلة إليهما 

ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة.

ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي-صلى الله عليه وسلم- له بأن لا ينسى ما 

يحدثه به.

أن عبد الله بن عمرو كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتُجنب الأخذ عند لذلك كثير من أئمة التابعين.

(57) ولا أكتب ،وقد يعارضه حديث أبي سعيد الخدري "لا تكتبوا عني شيئا غير
القرآن " والجمع بينهما:-

 أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والإذن في غير ذلك 

 أو ان النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد والإذن في تفريقهما ،أو النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها
.
 ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد  قاله البخاري وغيره.

باب حفظ العلم

حديث 118 "..إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ..من المهاجرين كان يشغلهم 
الصفق بالأسواق .."

(58) باب حفظ العلم ،قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصْره وقد
 كان ابن عمر يترحم عليه في جنازته  ويقول كان يحفظ على المسلمين حديث النبي
-صلى الله عليه وسلم-، وقد دل الحديث الثالث من الباب أنه لم يُحّدث بجميع 
محفوظه.

(59) ولولا آيتان ، معناه :لولا أن الله ذمّ الكاتمين للعلم ما حدث  أصلا ، لكن لمَّا كان 
حراما وجب الإظهار فلهذا حصلت الكثرة لكثرة ما عنده .

حديث 119 "ابسط رداءك فبسطته..فغرف بيده..."

(60) فما نسيت شيئا بعد ، فيه الحثّ على حفظ العلم ،
 وفيه : أن التقليل من الدنيا 
أمكن لحفظه،
وفيه: فضيلة التكسب لمن له عيال 
 وفيه :جواز إخبار المرء بما فيه
 من فضيلة إذا اضطر إلى ذلك وأمن من الإعجاب .

حديث 120 " حفظت عن النبي وعاءين..."

(61وعاءين ، أي ظرفين ، أي نوعين من العلم ومراده أن محفوظه من الحديث لو
 كتب لملأ وعاءين.

(62) قطع هذا البلعوم ،كنّى بذلك عن القتل ، وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه 
على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم  

قال ابن المنير"وإنما أراد بقوله أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم
 وتضليله لسعيهم.

وقال غيره "يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة  
وتغيّر الاحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ، ويعترض عليه من 
لا شعور له به.

حديث 122 " حديث موسى والخضر"

(63) هو أعلم منك ، ظاهر في أن الخضر نبي ، بل نبي مرسل ، إذ لو لم يكن كذلك
 للزم تفضيل العالي على الأعلى وهو باطل من القول ، وأوضح ما يستدلّ على أنه
 نبي قوله {وما فعلته عن أمري}.

(64إني على علم من علم الله علمنيه.. ، المراد بكون النبي-صلى الله عليه وسلم-
أعلم أهل زمانه أي ممن أرسل إليه ، ولم يكن موسى مرسلا إلى الخضر ، وإلا فلا 
نقص به إذا كان الخضر أعلم منه إن قلنا إنه نبي مرسل ، أو أعلم منه في أمر 
مخصوص إن قلنا إنه نبي أو ولي.

خلاصة رواق الأدب

‏(خُلاصة رُوَاق الأدَب) استمتَعتُ بمُشاهدة حلَقات برنامج: رُواق الأدَب، للدكتور: عبد الرحمن قائد جزاهُ الله خيرا، وهو برنامج أدبيٌّ جميل، تن...