الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

فوائد مُختارة من تعليق الشيخ يوسف الغفيص-حفظه الله- على متن: لمعة الاعتقاد .



بسم الله الرحمن الرحيم

*هذه رسالة فاضلة جمَعت جُملةً من مسائلِ أصول الدين، وهيَ من المُختصرات الجامعة النّافعة لطالب العلم في سائرِ شأنه ومراحِله، وهي المُسمّى بـ لُمعة الاعتقاد.
 *كتَبها وألّفها الإمامُ الفقيه: موفّق الدّين أبو محمد، واسمه: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي.
 هُو من كبار علماء الفقه والأصول وغير ذلك، وله امتيَاز مشهور في مذهب الإمام أحمد، وله تصنيف في الفقه واسع، ويعدّ من كبار شيوخ المذهب في الطبقة المتوسّطة.

* مذهب السلف في الاعتقاد ليسَ له إمامٌ معيّن يُضاف إليه، ولا حتّى من الصحابة على جهة الاختصاص به، وإنّما يَختصّون بإمامهم ونبيهم رسول – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي يُنتصب له انتصابا مطلقا في الاتّباع .

*عقيدة السلف عقيدة مُسلسلة بالإسناد المتّصل المُتواتر، فالصحابة أخذوا من كتاب الله ومن رسول الله، وعن الصحابة أخذ التابعون، وعن التابعين أخذَ من بعدهم وهلمّ جرا، فلم يقع بين الصحابة خلاف حفِظَ كما حفظَ خِلافهم في مسائل الفقه والاجتهاد، ولم يُحفظ عن التابعين خلاف في ذلك، وإن أدركت المُخالفات عصَر الصحابة لكن لم يقع ذلك منهم، وإنما من قومٍ أسلموا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. 

* الجامع في عقيدة السّلف هو لزوم الكتاب والسنّة، ولا سيما أن الله -عز وجل- أنزل الكتاب على نبينا – صلى الله عليه وسلم – وجعله هدى للناس وأكملَ سبحانه وتعالى الدين .

*(تعليقا على مقدمة الماتن)هذه المقدمة في الثناء على الله-عز وجل- وهو منهج مستقرٌ في طريقة عُلماء المسلمين، وهو أنّ الكتب والرسائل تُفتتح بذلك، وأمّا البحث عن دليل ذلك والاستدلال ببعض الروايات التي وردت في مشروعيّة البدء بالحمد أو التسمية، ثمّ يُراجع مثل هذه الآثار بأنّ أسانيدها معلولة، هذه الطريقة فيها تكلّف من بعض المتأخّرين لأن هذا أبلغ من أن يُحتاج إلى استدلال.

*ليس العلمُ بالمعاني هو العلم بالتكييف، فإن الله عز وجل لا يُحاط به عِلمًا .

* أصل هذا العلم -العلم بأسماء الله وصفاته- معلوم بالعقل والفطرة والشّرع، يُعلم بالعقل والفطرة أنّ الله بكل شيء عليم وأنه السميع وأنه البصير إلى غير ذلك، فأصله معلوم مستقّر، ولهذا لم يُنازع به أحد من مشركي العرب، حتى حدَث في الإسلام ما حدث، وحتى ظهرت البِدع في المسلمين، ولو كان فيه مادّة اشتباه لتكلّم به مشركو العربّ!
 بل إنّ العقول والفِطَر استقرت بهذا الأصل الشريف وهو أصل الربوبية، لأن العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله هو من مقامات العلم بربوبية الله.

*من يقول أنّ التوحيد ثلاثة أقسام-الربوبية والألوهية والأسماء والصفات- أو نوعان: توحيد علمي وتوحيد خبري، هذا كله من باب التَراتيب العلميّة، فلك أن تقول ذلك، ولك أن تقول التّوحيد واحد وهو: معرفة الله وعبادته، وإنما جاء في كلام المتأخّرين ذكرُ هذه الأنواع من باب "التّمييز للحقائق العلميّة" التي دخلَها بسبب هذه الاختلافات التي ظهرت قدر من الإجمال أو الاشتباه على بعض المكلفين.
 فلا يجب شرعا أن تقول: التوحيد ثلاثة أقسام، أو ينقسم إلى قسمين ، فهي صالحة بحسب حاجة الناس إليها، فيُفرّق بين الذي يكون من سبيل السّنن، وما يكون من باب التراتيب العلميّة.

* بعض البدع التي ظهرت مُخالفة لطريقةِ الصحابة، وهيَ الطريقة التي ذُكرت في القرآن، سبب هذه البدع: الجهل بدلالات كلمات الكتاب والسنة، وما خالط النفوس من نقص مقام الإرادة والتسليم، لان البدع لا تخلو من هاذين الوجهين، فهذا النوع من البدع كبدعة الخوارج ظهرت بسببِ ذلك أي: بسبب ضعف التحقيق في فهم كلام الله  ورسوله.

*من عُرفوا عند السلف بلقب الجهمية أوائل من ظهر مخالفا -في مسائل صفات الله وأسمائه- هم قوم أصولهم في الأوّل ليست من العرب، فهذا لم يقع بسبب خطأ في فهم القرآن كما وقع في خطأ الخوارج -وإن كان ليس مباركا أو مصحّحا بل هو ضلالة في الدين- ولكن هذا يدُلّك على أن هذا الأصل -وهو أصل الصفات- فيه من الإستقرار والتّمام ما لم يشتبه حتى على من انحرف في عقيدته في ذلك الوقت، حتى ظهر هؤلاء.

*علم الكلام هو علمٌ بُنيَ عليه كلّ هذه الشّبهات التي خالفت طريقة الصحابة والسلف في باب الأسماء والصفات، فأخص باب من أبواب أصول الدين دخله أثرُ علم الكلام هو باب الأسماء والصفات، وأصحابه هم من يسمونه علم الكلام وليس السلف.

 *علم الكلام مولد من الفلسفة المُترجمة، فمّما تُرجم مسائل الإلاهيات من الفلسفات التي كانت ليست على دين غير سماوي أصلا!، فتبنّى المُتكلّمون جوهر هذه الفلسفة، وإن كانوا ردّوا عليها، فأدخلوا على ذلك جملة من المقدّمات العقلية، والمُجملات الشرعيّة، فصار هذا هو جامع مما عُرف بعلم الكلام ، وهذا سبب الانحراف والضلال.

*كوْن هذا العلم -أي:علم الكلام- أوجدَ هذا الاختلاف والاضطراب والتناقض بين مدارس المتكلمين أنفسهم هذا من البراهين الدالّة على أنه علمٌ لا يورِث عِلما.

*الصفات متضمَّنة في أسماء الله، بل كل اسم من أسماء الله يتضمّن عددا من الصفات، تارة بطريق المطابقة، وتارة بطريق التضمن، وبطريق اللزوم تارة.
وسُميت بعض الصفات على الاختصاص كالرضا وكالمحبة، فلم يقع ذلك في أسماء الله لكنه وقع في ذكر صفات الله كقوله تعالى:
 {
رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ

*بعض الصفات جاءت في كتاب الله تعالى مُطلقةً، وبعضها جاءت مقيّدة، فيجبُ أن يُراعى في ذلك طريقة السياق التي ورد النصّ بها، وهي دالة على كمال الله المُطلق تعالى وتنزّه عن النقائص.

*التسليم مقام عباديٌ علمي، قال تعالى: {فلا ورَبِّك لا يؤمنون حتَّى يُحَكِّمُوك فيما شجر بيْنهُم..} والقَبول كذلك، واعلم أن التسليم من شرطه العلم، وليسَ العلم هنا لا بدّ أن يكون إحاطة كسائر أوجه المعلوم، بل لا بد أن يُعلم ورودا ويُعلم ثبوتا ويُعلم من جهة أصل المعنى، حتى يقع يقينًا في القلوب.

*التأويل الذي اصطلح عليه المتكلمون هو: صرف هذه الآيات والأحاديث بموجِب دليل علم الكلام -الذي عرفنا أنه دليلٌ مولّدٌ وجوهره جوهر فلسفليفالتأويل عندهم بمعنى أن النص ينقسم إلى دلالتين متقابلتين أحدهما مرادة، والأخرى مناقضة لها غير مرادة، فهذا كله من البدع التي حدثت في الإسلام، وليس في كلام الله ورسوله طرائق متقابلة، بل لا يدل القرآن إلا على الحق ورد الباطل، والتأويل اسم دخله الاشتراك والإجمال.

*كلمة التفويض كلمة فيها اشتراك وإجمال، لأنّه إذا قُصد التفويض للإحاطة بالعلم بالله أو ما يُسمى في كلام السلف الأول الكيْف، فلا شكّ أنّ الكيفَ يُفوّض علمه إلى الله، ولذلك قال مالك رحمه الله: "والكيفُ مجهول" لكن إذا قُصد بالتفويض أنّ آيات الصفات نقرأها ولا نفقهُ شيئا منها البتة بل نسمعها ونحفظها فهذا باطلٌ شرعا ومُمتنع عقلا.

*عبارة الموفق –في مسألة التفويض في الرسالة- ليست عبارة مُحكَمة، لكن هذا لا يصل إلى أن كلمات العلماء وغير العلماء -وهذا منهج مهم في العدل- لا توزن الكلمات بأحرف مقطوعة عن السياق أو المنهج العلمي لهذا العالم أو الكاتب من أهل البحث والنظر، بل لا بد أن يُعرف من مجموع تقريره،  فهو ليس من أرباب هذه الطريقة -أي:التفويض-

* لا يُتوسع في شرحِ المعنى، إلى ما يدخل في لوازم لم تُذكر في دلالة الآية أو الحديث، لأنّ بعض العلماء أرادوا أن يتقوا التأويل فمالوا إلى الزيادة في الإثبات، فهذا طريق مبني على التوسط .

* من زعم أن الاشتراك في الاسم المطلق هو التشبيه الذي نفاه الله بقوله: {ليس كمثله شيء} فقد أتى بُهتانا على القرآن، وجهلا بحقائقه، لإن الاشتراك في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص، ولا يستلزم التماثل في الحقيقة عند الاضافة والتخصيص لأن الاشتراك المطلق هو اشتراك في الذهن.

*قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} فنفى الإدراك؛ وهو قدرٌ زائدٌ على أصل الرؤية، فكما تقع رؤيته في خبر كتابه الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم- وهي مسألة سمعية ولها دليل عقلي من جهة إثباتها من حيث الإمكان، إلّا أن ذلك لا يقتضي إحاطة، فصار قوله: {لا تُدركه الأبصار} دليلا على أثبات الرؤية، وليس دليلا على نفيها كما توهّم بعض نفاة الرؤية.


*ينبغي للمسلم وطالب العلم أن يكون مُحتاطا في الزيادة في الإثبات التي عرضت لبعض الفقهاء، سواء في الألفاظ أو في المعاني تارة، بل يكون مُقتصدا على طريقة القرآن والحديث لأنها كاملة لا تحتاج إلى زيادة، قال تعالى:{اليوم أكلمت لكم دينكم}

*مسائل أصول الدين مقطوعة عن الاجتهاد المُحتَمل، بخلاف مسائل الفقه وإن كان فيها سننٌ ماضية يجب أن لا يُخرج عنها كأصول مذاهب الأئمة، إلا أن ثمة قدرا واسعا من الاحتمال والاجتهاد في ذلك.

*مقام الرضا أعظم المقامات، ولهذا أعظم ما يسأل العبدُ ربَّهُ درجة الرضا، ولذلك قال تعالى: {ورضوان من الله أكبر}
ولما ذكر الصحابة قال: {رضيَ الله عنهم ورضوا عنه} فلمّا صاروا إلى أعظم المقامات، عُلِمَ أنهم مُحقّقون للعلم، ومُحققون للإيمان. 

* لا يوصف بالرضا من عند الله -خبرًا- إلا من جمع تحقيق مقامين: العلم والإيمان، ولما كان الصحابة مُحققين للعلم والإيمان رضيَ الله عنهم بل جعل الاقتداء بهم مشروعا، وجعلَ المُقتدي بهم محلًّا لهذا الفضل من عند الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}والاتباع بإحسان هو: الاتباع المقتصد، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.

* كل ما يخطر في الذهن أو يقدّره الذهن أو يَفرضه أو حتى يتصوّره فإن الله ليس كمثله شيء، سواء كان هذا الشيء موجودا أو مُتصورا في الذهن أو مفروضا في الذهن فكل كيفية من هذه الكيفيّات فإن الله ليس على هذه الكيفيّات، قال تعالى: {ولا يُحيطون به علما}.
 
*علو الله عز وجل مستفيض في كلام الله في نصوص مختلفة في دلالاتها من جهة تنوّع الدلالات، أو ترادفها، وتنوع الدلالات يُقصد به التنوّع فيما يقتضيه الحرف وسِياقه وتركيبه، وإلّا المعنى واحد، وهو إثبات علوّ الله سبحانه، وتنوع السياق التي وردت النصوص به دليل قاطع على أن هذه النصوص لا تقبل التأويل، فتعدد السياقات هذا دليل قاطع على أن هذه المعاني ليست قابلة للتأويل.

*العلم الضروري أبلغ وأثبت من أن يُستدل عليه بدليل نظري قد يدخله سؤال أو احتمال، فما ذُكر في القرآن هي براهين عقلية قاطعة فضلا عن البراهين الإيمانية، فقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} هذا برهان عقلي!

*غالبا المتكلمين إذا جاؤوا لما يُخالِف طريقتهم في السنة كرؤية الله تجدُ بعض شيوخ المعتزلة يذكرون في كُتبهم الأحاديث الواردة كحديث جرير فيقول: هذه أحاديث آحاد، فضلا على أنّهم يقولون: أنها تَقبل التأويل، ويُعرف منه أنّ أهل الكلام من المعتزلة ليسوا من أهل العلم بالسنن والآثار، والأحاديث في الرؤية كثيرة فهي مستفيضة لفظا وإسنادا.

*الاجمال والاشتراك سبب كثير من الخلل، فدائما طالب العلم يتحرى في دلالات الألفاظ واقتضاءها، ولا يَجعل الحق لا يُعرف إلا بوجه  حرف مشتبه لم يتكلم به الله ولا رسوله ولا الأئمة .

*قال المصنف: (من صفات الله أنه مُتكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه..) هذه العبارة-قديم- فيها إجمال، وإن كانت دلالتها تقع على المعنى الصحيح وهو مراد المصنف، ولو عبر بعبارة (لم يزل متكلما) لكان هذا أولى، لأن التعبير بكلمة قديم  استعمله كثير من متكلمة الصفاتية في تعبيرهم عن هذه الصفة، والآيات دالة على هذه الصفة، والله يُسمعُ كلامه من شاء من خلقه كما أسمعهُ موسى عليه السلام.

* الله عز وجل تفضّل على الخلق بأعظم النّعم العلميّة الإلهية وهو القرآن، وهو من علمِ الله، وجعل لهم من العقول القابلة لهديِ هذا القرآن، وبِقدر انتظام مدارك عقولهم وصفاء نفوسهم يحصل عندهم التحقيق، فالقرآن نور، والعقل بمثابة البصر، فكلما كان النور ظاهرا وبصرُ الإنسان مستتمًا هنا يتحقق له الرؤية على النهج الصحيح.

*التكليف من شرطه العقل، وهذا هو المعنى الوسط في حكم العقل، فالعقل ليس مُستقلا عن الشرع ولا يُعارض النقل، وتوهّم التعارض بين العقل والنقل توهمٌ كاذب، والقرآن ذكرَ الأدلية العقلية وجعله موجبا للتسليم وليس موجبا للمعارضة، ولا يعني هذا أنه مستقلٌ بالإدراك بل العقل مَدْركٌ من مدارك الإنسان، والإنسان بطبيعته مُمْكن، وجميع الممكنات ناقصة.

*البصر والسمع لهما نهاية العقل مدرك له نهاية، والفرق بينهما أن البصر والسمع مرتبط بالحسيّات، ولهذا يَعلم الإنسان نِهايته، أمّا العقل فهو مُرتبط  بالمَدارك المجردة، ولهذا يتوهم الإنسان عدم نهاية قدرة العقل ونهايته؛ والواقع أن قُدرته ودرجة الإمكان عنده قد انتهت، فيدخل بما هو أكثر مما هو من قُدرة العقل فيتوهّمه عقليًا وهو وهميٌّ.

* القرآن معجِزٌ فيما أخبرَ به من الغيْبيات وهو كلام الله والله يُخبر بما يشاء، وهو معجِز في خبَره وفي تشريعه -الأمر والنهي -و العِبادي – كالصلاة والمناسك-، والإعجاز في تشريع الحياة البشريّة كالمعاملات المالية، والأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق، فالبشر لا يستطيعون أن يضعوا تشريعات كاملة لحياتهم البشرية المُنتظمة على التمام، بل يبقى فيها قدر من الخلل، فالقرآن مُعجِز في تشريعه وكلماته وحروفه فلا يستطيع أحد من البشر أن يجعل له نظيرا .

*الحروف المقطعة هذا مصطلح قاله كثيرٌ من أهل التفسير وغيرهم، مع أنّه فيما يظهر لي أن هذه التسمية لا تنبغي، وإنما يُقال أوائل السور أما حروف مقطعة فهذا تركيب ليس له ضرورة من جهة، ولا يُعطي لقدر القرآن ما يُناسبه في التأدب في التعبير في وصفِ آياته.

  * يُذكُر في الرؤية في كلام العلماء ثلاثة مسائل:
الأولى: أجلّها وأعظمها وهي التي تُعد من الأصول هي (رؤية المؤمنين لربهم في القيامة وفي الجنة) ويدلّ عليها القرآن والسنة وقد أجمع عليها السلف.
الثانية: رؤية المنافقين لربهم يوم القيامة، هذه مسألة يقول ابن تيمية: "لم يُحفظ عن الصحابة فيها قول"، وفيها خلاف عند المتأخّرين، وليس في النصوص ما يدلّ عليها بالتصريح، والراجح فيها نفي ذلك، وذكَر ابن تيمية-رحمه الله- أن هذا ظاهر مذهب الصحابة، وهيَ ليست من مسائل الأصول.
الثالثة: رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه في المعراج، ولم يُحفظ عن أحد من الصحابة بإسناد محفوظ أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ببصره، وإن كان بعض العلماء نسَبوا هذا لطائفة من الصحابة فهو من باب الفهم لكلامهم وليسَ من باب النقل المحفوظ عنهم، وهذا ما دل عليه ظاهر القرآن وصريح السنة، وحكى الدارمي إجماع الصحابة أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يرى ربّه ببصره.

ليس فيما جاء به الرُّسل -عليهم الصلاة والسلام- ما يُعارض العقل الصحيح لا في باب الخبر ولا في باب الأمر والنهي، ومن ادعى شيئا من ذلك ولو ظاهرا فهذا ضلال منه.

* من صفات الله الإرادة، وهي صفة ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع وبدليل العقل والفطرة، وإردة الله تأتي في القرآن على وجهين:
1: إرادة تتضمن محبة الله وأمرَ الله سبحانه وتعالى، ويسميها كثير من أهل العلم (الإرادة الشرعة)باعتبار متعلقها وهي: التشريع.
2: إرادة لا تستلزم محبة الله، وإن كانت تضمنه في كثير من مقاماتها لكنها لا تستلزم ذلك، وتسمى (الإرادة الكونية)

* الإيمان بالقدر أصلٌ من أصول الإيمان، بل إنه أصل من أصول الإيمان باتفاق طوائف المسلمين،
ولكن بعض من خرج عن طريق الصحابة فيه وقعوا في أوجهٍ من أوجه الخطأ والبدع في تقرير هذا الأصل الشريف، إما غلوًا في مقام إثبات أفعال العباد، وإما غلوا في مقام إثبات أفعال الله ومشيئة الله، فظهر ما يُسمّى بالقدرية بدرجاتها، وظهر ما يسمى بالجبرية بدرجاتها، وكلا الطائفتين في القدر عندهم مادة من الغلو من وجه، ومادة في التفريط من وجه آخر.

*الغُلو في الدين هُو من أعظم أسباب ضلال بني آدم، وليحذر طالب العلم من الغلو وأسبابه، بل ما وقع الشركُ في بني آدم إلا بسبب الغلو في الدين، فلما دخل على ابن آدم الغلو في الدين انحرفوا عن الفطرة وأشركوا بالله تعالى، 

*أصول أهل السنة والجماعة في باب القدر سبعة (استقراءً لما ورد في الكتاب والسنة)
1: الإيمان بعموم علم الله لكل شيء، وقد دخل في عموم علمِه علمُه بأفعال العباد قبل كونها، وهذا الأصل دليله الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة.
2: الكتابة، وأن الله كتبَ في اللوح المحفوظ كل شيء، وقد دخل فيما كتبه الله-جل وعلا- أن كتبَ أفعال العباد قبل كونهم، والكتابة أصل شرعي، ودليل العقل لم يوجبهُ ابتداء لكنه لا يُعارضه.
3: الإيمان بعموم مشيئة الله، وأنه لا يخرجُ شيء عن مشيئته، ودخل في مشيئة الله مشيئته لِأفعال العباد، ولا يلزم من مشيئة الرب لأفعال العباد أنه رضيَها عنهم، فظُلم الظالمين، وكُفر الكافرين إلى غير ذلك..، فالله ينهى عنه ولا يُحبه ولا يرضاه، ولا يحب الله إلا ما شرعه.
4: الإيمان بعموم خلق الله لكل شيء، وأنّه الخالق وحده لا شريكـ لهُ، وقد دخلَ في عموم خلقه خلقه لأفعال العباد، فهو الخالق لأفعال العباد.
5: الإيمان بأن الله جعلَ للعباد مشيئة تابعة لمشيئته، لكنها ليست مُطلقة مستقلّة عن الخالق بل هذا باطل بدليل العقل، فالدليل العقلي عند التحقيق يُثبت أن استقلال العبد عن خالقه بمشيئته استقلالٌ ممتنع فضلا عن أن يكون ممكنا أو ثابتا.
6: الإيمان بحكمة الله في أفعاله وخلقه وشرعه، وهذه الحكمة علِمنا قدرًا منها بموجب الفطرة وبموجب دليل العقل والشرع، ومع هذا العلم المحصّل من هذه الوجوه فإن مقامات من حكمة الله جل وعلا لا يحيط بها العباد ولا يُدركونها، ولا يُحيط بكمال حكمته إلا هو سبحانه وتعالى.
7: تحقيق الجمْع بين الشرع والقدر، وهو الإيمان بأمر الله ونهيِه ووعدِه ووعيده، مع الإيمان بقضائه وقدره، وأنّ قدر الله ليس مخالفا أو معارضا لأمره ونهيه وأنّ الله له الحجة البالغة على خلقه، ومن الطوائف من غلا في إثبات القدر، وقصر في مقام الشرع، ومنهم من غلا في مقام الشرع وقصر في مقام القدر.

* من جعلَ القدر حُجة على ترك شيء من الشرع فقد خالفَ الشرع والعقل والفطرة.

* مسألة الإيمان وما يتّصل بها من مسألتي: الأسماء والأحكام أي: اسم أصحاب أهل الملة، والمرتكب للكبائر خاصة، والأحكام أي: حكم مرتكب الكبيرة، وهذه المسألة هي أول المسائل التي عرض فيها خلاف في مسائل أصول الدين من بعض أهل البدع الذين خالفوا، وذلك بظهور الخوارج الذين كفّروا مُرتكب الكبيرة، وقابلهم ما يُعرف بالمرجئة ومنهم غلاة ومنهم دون ذلك .

وتقرير معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان: يقولون جُملا منها "أن الإيمان قول وعمل " وهذا تعبير جمهور السلف، ومنهم من يقول: الإيمان قول وفعل " ذكره البخاري وغيره. 
 ومنهم من يقول: "الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة" ومنهم من يقول: "قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح " وكل هذه الجمل الخلاف بينها خلاف لفظي.
الجامع في الترتيب الشرعي لهذا أن نقول: الإيمان بإجماع الصحابة وبصريح الكتاب والسنة: كل ما شرعه الله ورسوله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

*لا يوجد عبادة مشروعة من العبادات التوقيفية التي  شرعها الله هي ظاهرة محضة لا تعلق لها بالباطن، كل عبادة من هذه العبادات المشروعة كما هي أعمال ظاهرة قواعدها ومشروعها وأصولها لا تنفك عن القلب، كالذين قالوا الإيمان بالقلب لا يتعداه إلى غيره، فليس ثمة عمل يكون مجرّدا بعيدا أو مُنفكا عن قول القلب الذي هو تصديقه، ولا عن عمل القلب.
 
*الإيمان قول وعمل (يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية)، زيادة الإيمان بمعنى أن الإيمان ليس واحدا إذا ذهبَ بعضه ذهب جميعه، بلْ منه الأصل ومنه الفرع، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، والطاعة هنا قد تكون طاعة عِلمية أو طاعة عملية فالعلم يزيد الإيمان، والأعمال الصالحة كالصلاة تزيد الإيمان، وينقص بالمعصية فكل شيء يزيد فإنه ينقص وهذا ضرورة عقلية.

*أصحاب الكبائر من المسلمين تحت مشيئة الله ولكن هذه المشيئة بُيّن فِقهها في نصوص  الكتاب والسنة، فهم مسلمون معهم أصل الإيمان وبقدر ما عندهم من الصالحات وهي إيمان، ولكن الإيمان عندهم ناقص ويقعُ فيهم من المعصية بحسب الدرجات التي سمتها الشريعة ولكن يُسمّون مسلمين، وإن كان الفعل فسقا فلا يلزمه حالة الفسق على الإطلاق، كما أن ما معه من الإيمان لا يلزمه على الإطلاق، وأوسع الأسماء له اسم الإسلام، فالمسلم المؤمن الذي أتى كبيرة فحكمه في الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ومآله إلى الجنة برحمة الله، وإن عذبه فإنه لا يُخلّد في النار، وغَلَت الخوارج في هذا الأمر وكفّروا مُرتكب الكبيرة وجعلوه مُخلّدا في النار وقاربهم المعتزلة، وطوائف أخرى من المرجئة غلوا في مقابل ذلك.

*حديث: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون.."  معنى الاسترقاء أي: لا يطلبون  من غيرهم من المُعيّنين أن يرقيهم، أما لو طُلب له، أو طلَب لغيره فهذا لا يدخل في الكلمة، فلو طُلب له من أبيه أو طلَب منه الراقي أن يرقيه فهذا لا يُنافي الكلمة لأنها لم يسترق، والاسترقاء مباح، لكن في جانب الكمال جاء هذا الحدث.

*ذُكرت الشفاعة في القرآن مُثبتةً ومنفيّة، فالشفاعة المُثبتة هي: الشفاعة لأهل الإيمان أو لمن شاء الله من أهل الإسلام من العصاة.
والشفاعة المنفيّة هي: شفاعة الشرك أو شفاعة المشركين، فالثابت بالسنة الشفاعة الشرعية وأعظمها وأجُلها التي أجمع عليها المسلمون وهي: الشفاعة العُظمى شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأهل الموقف.
 وللنبي -صلى الله عليه وسلم- شفاعات فيشفع لأهل الجنة من أمته في رفع الدرجات، ويشفع لبعض أمّته بحط ومغفرة السيئات، ويَشفع لبعض أمّته في خروجه من العذاب الذي أصابهم من أصحاب الموبقات والكبائر، وهنا شفاعة ذُكِرت وهي :شفاعته لأبي طالب في تخفيف العذاب.

 *مسائل اليوم الآخر أصل من أصول الإيمان، وطريقة السلف في هذا اليوم أنّهم يؤمنون بما جاء به من كلام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويجعلونه أصلا مبنيًّا على الاقتفاء والاقتداء على ما جاءت به أحرف الكلمات التي جاء ذِكرها في كلام الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- فلا يُستعمل فيه شيء من طرائق الاجتهاد . 

*الآيات التي ذكرها الله فيمن ثقُلت موازينه ومن خفّت موازينه جميع المواضع المذكورة  في القرآن هيَ في سياق الإيمان والكفر.

تم بحمد الله


خلاصة رواق الأدب

‏(خُلاصة رُوَاق الأدَب) استمتَعتُ بمُشاهدة حلَقات برنامج: رُواق الأدَب، للدكتور: عبد الرحمن قائد جزاهُ الله خيرا، وهو برنامج أدبيٌّ جميل، تن...